بحث قانوني مفيد حول اللُّمــُوعُ فيما يختلف فيه الرجال و النساء من أحكام البيوع

الدكتور أحمد بن عبد الله بن محمد العمري
الأستاذ المساعد بقسم الفقه -كلية الشريعة-الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

ملخص البحث

تتلخص فكرة البحث في أنني رأيت أن قضية تحرير المرأة قد تُصدي لها من الناحية الفكرية بما فيه قُنْعَةٌ للمنصف، ولكنها تحتاج إلى بحوث متخصصة من الناحية العلمية تبين تباين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية، وهذا من أقوى العوامل التي تساهم في دحض دعاوى مساواتها للرجل، وخلصت من خلال هذا البحث إلى:
1 ـ أن مزاولة التجارة مباحة للرجل، وغير مباحة للمرأة إلا بقيود زائدة على الرجل.
2 ـ أنه لا فرق بين الأمة والعبد في حرمة التفريق بينهما وبين ابنهما الصغير في البيع.
3 ـ أن البيع بعد نداء الجمعة حرام في حق الرجل، يحكم بفسخه، بخلاف المرأة إذا لم تتعامل مع أحد من أهل الوجوب.
4 ـ أنه يجوز بيع المدبَّر والمدبَّرة على حدٍ سواء.
5 ـ أن البَخْر والذفر والزنا عيب في العبد والأمة يرد به البيع.
6 ـ أن الأمة إذا كانت بنت زنا تردُّ في البيع بخلاف العبد.
7 ـ أن كفر العبد لا يعد عيباً في البيع بخلاف الأمة ما لم تكن كتابية.
8 ـ أن عدم الختان عيب في العبد دون الأمة.
9 ـ أن النكاح عيب في الأمة والعبد يرد به البيع.

المقدمة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا – إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن جوانب العظمة في الدين الإسلامي لا تنحصر ، كيف وقد قضى الله أن من تمســـك به نصر، ومن حـــــاد عنه خسر ، وســـط لا غلو فيه ولا جفاء ، سهل لا شدة فيه ولا عناء ، منزه عن كل عيب ونقصان ، صالح لكل زمان ومكان ، أرسل الله به سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، أشرف الأولين والآخرين ، وجعل العلم والعمل به أعظم ما يتنافس فيه المتنافسون ] قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمـــون[.[الزمر 9]
وقال النبي r : ” العلمـــاء ورثــــة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر” ( ) صححه الألباني( ).
وإن من جوانب العظمة في هذا الدين أن العلم به ميدان مديد ، وصرح مشيد ، فتح للعقول أبواب التفكير والاستنباط ، وأزال عنها غشاوة الجهل ودواعي الإحباط ، فلا زال العلماء على مر الأعوام ، وتتابع الأيام ، يسطرون المؤلفات ، ما بين مطولات ومختصرات ، فمنهم الشارح ومنهم المختصر، ومنهم الجامع لما تناثر مما يتعلق بموضوع واحد ، ومنهم المُجَلِّي لنازلة نزلت بالأمة وهكذا .
وإنه في هذه الأزمان قد ظهرت على الناس طائفة استشرفها الشيطان وزين لها سوء عملها فأصبحت جندا من جنوده ينادون بما ينادي به الكفار من سلخٍ للمرأة عن أُنوثتها ، وإخراجها من حجابها سر عفتها ، وجعلها سلعة تباع كرامتها بلا ثمن ، واتخذوا لذلك شعارات برّاقة من الدعوة إلى حرية المرأة ومساواتها بالرجل وضمان حقوقها إلى غير ذلك ، والهدف هو حرية الوصول إلى المرأة ليس غير.

أقول ومع أن هذه الدعوى لا يقبلها دين قويم ، ولا عقل سليم ، إلا أنها قد وجدت لها أنصاراً كثراً . وقد تولى العلماء والمفكرون الرد على هذه الدعوى من الناحية الفكرية بما لا مزيد عليه ثم رأيت أنه ينبغي أن يُطرق الموضوع من الناحية الفقهية لتبيين الفرق بين الصنفين والبون بين الطائفتين.
ولما كنت قد جعلت رسالتي الدكتوراه في هذا الموضوع وبحثت فيها ما يتعلق بالعبادات وقد نُشرت تحت عنوان ” الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام ” رأيت أن من المناسب أن أُقدم بحثا آخر في البيوع ، فاستعنت الله تعالى وجمعت ما وجدته من مسائل تدخل تحت موضوع البيوع وسميته ” اللموع فيما يختلف فيه الرجال والنساء من أحكام البيوع ” وإني أرجو أن أكون بعملي هذا قد ساهمت في سد ثغرة سعى أعداء الإسلام إلى فتحها على الدين الإسلامي من خلال المرأة.
وقد سرت في بحثي هذا على المنهج التالي :
1 – قمت بتتبع المسائل التي تدخل تحت هذا الموضوع بالبحث في مظانها وبعد أن تم لي جمعها جعلتها في مباحث أربعة .
2 – قمت بجمع أقوال أهل العلم في كل مسألة ولم ألتزم بتقديم مذهب معين.
3 – قمت بتوثيق كل قول من مصادره الأصيلة خاصة المذاهب الأربعة أما غير المذاهب الأربعة فانقلها من مظانها كالمصنفات وكتب شروح الحديث وكتب الفقه المقارن.
4 – جعلت نصب عيني أن أذكر أقوال المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة مع ذكر أقوال الصحابة والتابعين غالباً.
5 – بعد ذكر الأقوال أبدأ في الاستدلال لها فأذكر أدلة القول الأول مقدما الأدلة النقلية على الأدلة العقلية ذاكراً ما على كل دليل من مناقشة بعده مباشرة ، وإن كان هناك جواب على المناقشة ذكرته بعد ذلك وهكذا حتى تتم أدلة القول الأول ، ثم أدلة القول الثاني وهكذا.
6 – إذا لم أجد أهل العلم ذكروا أدلة لبعض الأقوال حاولت الاستدلال لها وأحيانا أضيف بعض الأدلة لبعض الأقوال.
7 – قد أناقش أدلة قولٍ ومع ذلك أرجحه، وذلك لما يلي:

أ – إما لأن تلك المناقشة غير قوية في نظري فلا تكفي لردها.
ب – وإما لأن هناك أدلة قوية غير التي ناقشتها .
ج – وإما لاعتبارات أخرى أذكرها في حينها .
8 – قسمت البحث إلى خمسة مباحث والمبحث إلى مطالب .
9 – اعتنيت ببيان النصوص التي أنقلها عن أهل العلم إما بوضعها بين قوسين أو بأن أبدأ الكلام بقولي قال فلان ثم أضع الإحالة في آخر الكلام.
10 – خرّجت الأحاديث والآثار قدر الاستطاعة فما ورد في الصحيحين اكتفيت بالإحالة إليهما وما ورد في غيرهما حاولت بيان درجته من كتب الفن .
11-إذا ورد الحديث في الكتب الستة ذكرت الجزء والصفحة ، والكتاب والباب ورقم الحديث وذلك لكثرة طبعات هذه الكتب أما غير الكتب الستة فاذكر الجزء ، والصفحة فقط.
12 – رمزت لمصنف عبد الرزاق برمز “عب” ولمصنف ابن أبي شيبة برمز “شب”.
13 – عزوت الآيات إلى أماكنها من القرآن الكريم .
14 – قمت بتخريج الحديث عند أول وروده .
15-إذا رجحت أن بين الرجل والمرأة فرقا في مبحث ما فإن كان الفرق ظاهراً اكتفيت ببيان حكم كل من الرجل والمرأة وإن لم يكن واضحا لخصت الفرق بينهما في آخر المبحث.
16 – بينت الراجح في كل مسألة حسب طاقتي .
هذا وقد رسمت لعملي في هذا البحث الخطة التالية :
جعلته في مقدمة وخمسة مباحث :
المقدمة : وضمنتها منهج البحث وخطة العمل فيه .
المبحث الأول : حكم مباشرة البيع للرجل والمرأة.
المبحث الثاني : حكم التفريق بين الأمة وولدها والعبد وولده في البيع.
المبحث الثالث :حكم البيع بعد نداء الجمعة الثاني في حق الرجل والمرأة.
المبحث الرابع :حكم بيع المدبر والمدبرة.
المبحث الخامس :عيوب البيع التي يختلف فيها العبيد والإماء.
الخاتمة.
الفهارس.

المبحث الأول : حكم مباشرة البيع للرجل والمرأة

من المسلَّمات عند علماء الإسلام قديما وحديثا أن البيع مباح في الجملة، ويدل لذلك الكتاب والسنة والإجماع( ).
فمن الكتاب قوله تعالى: ]وأحل الله البيع[. [البقرة 275]
وقوله تعالى: ]وأشهدوا إذا تبايعتم[. [البقرة 282]
وقوله تعالى : ]يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم[. [النساء 29]
ومن السنة أحاديث كثيرة ، منها ما ورد في الصحيحين من حديث حكيم بن حزام أن النبي r قال : “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا – أو قال حتى يتفرقا – فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما”( ).
وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد من أهل العلم منهم موفق الدين ابن قدامة وابن حجر العسقلاني( ).
وإذا تبين أن حكم البيع الإباحة من حيث الجملة فإن الرجل داخل في هذا الحكم دخولا أوليا لا ينازع في ذلك أحد كيف وقد جعل الله الرجال قوامين على النساء وأمرهم بالإنفاق على أهليهم، ومن أعظم سبل تحصيل المعاش التجارة الحاصلة بالبيع والشراء والتقلب في الأسواق.

ولقد باشر النبي r التجارة بنفسه ؛ فشرى جملا من جابرt كما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة ( ) .
وكان ينيب عنه غيره أحيانا ؛ فبعث مرة عروة البارقيt بدينار ليشتري له به شاة أو أضحية فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله r في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه ( ).
وباشرها أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ حتى إن الغالب على المهاجرين الاشتغال بالبيع والشراء في تحصيل معاشهم.
قال ابن عبد البر معلقا على قول عثمان t عندما أنكر عليه عمر t تأخره عن الجمعة “يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت…”( ) قال: “وفي الحديث… شهود الخيار والفضلاء السوق ومعناه التّجر فيه وهكذا كان المهاجرون يعانون المتاجر لأنه لم يكن لهم حيطان ولا غلاّت يعتمرونها إلا بعد حين وكانت الأنصار ينظرون في أموالهم ويعتمرونها وفي هذا كله دليلٌ على طلب الرزق والتعرض له والتحرف”( ).

وكم من النصوص الحاثة على الاتجار الناهية عن المسألة والاعتماد على الغير، والضابطة لأحكام البيع حلا وحرمة .
من ذلك ما روى الشيخان من حديث أبي هريرة t أن رسول الله r قال: “والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيأتي به فيبيعه فيأكل منه ويتصدق منه خيرله من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه”( ) .
وكنهيه r عن تلقي الركبان ، وبيع الحاضر للبادي وزيادة الناجش وغيرها من النصوص المبينة لأحكام التجارة.
وإذا كانت الأدلة تدل على جواز ممارسة التجارة للرجل بالبيع والشراء طلبا للرزق كما كان يفعله السلف، فهل المرأة كالرجل في حكم مباشرتها للبيع والشراء والصفق في الأسواق أم لا ؟ .

وللجواب عن هذا السؤال أقول : لابد من بيان أهم المفاسد من خروج المرأة واختلاطها بالرجال لأنه لا خلاف في جواز التجارة للمرأة إذا كانت لا تختلط بالرجال ولا تمشـــي في الأســـواق متكشفةً بحيث يراها الرجال، ولا تتطيب عند خروجها، ولا تخرج دون إذن زوجها، ولا تتعامل بالحرام، أو قل لا ترتكب محذوراً شرعياً. لأن الغاية لا تبرر الوسيلة بل الوسائل لها أحكام الغايات فلا يجوز التوصل إلى غاية مباحة إلا بوسيلة مباحة،فإذا كان في مباشــرة الـمرأة للتجارة ضرر كفساد أو تهمة أو خلوة أو ميل لشهوة ( ) فإنه لا يجوز لها مباشرة التجارة سداً للذريعة الموصلة إلى المحرم.
قال الإمام مالك رحمه الله : أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم …( ) .
وعقب ابن القيم على كلام مالك بقوله : ” فالإمام مسؤول عن ذلك والفتنة به عظيمة قال r : ” ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النســــاء ” وفي حديث آخر أنــه قال للنساء ( ): ” لكنّ حافــات الطريق ( ) ” ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة – إذا تجملت وتزينت وخرجت – ثيابها بحبر ونحوه فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب وهذا من أدنى عقوبتهن المالية ، وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها ولا سيما إذا خرجت متجملة بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية والله سائل ولي الأمر عن ذلك ” ( ) .
ومن أهم المفاسد المترتبة على خروج النساء للتجارة والصفق في الأسواق التي يبنى علـيها القـــول بتحـريم خروجهن للتجارة في الأسواق مايلي :

1- ما يقتضيه الخروج للتجارة من مزاحمة المرأة للرجال والاختلاط بهم مما يؤدي إلى فتنة عظيمة لها وللرجال بسبب ما أودعه الله في النفوس من ميل الذكر إلى الأنثى والأنثى إلى الذكر خاصة عندما يصاحب ذلك جمال من أحد الطرفين أو خلوة يطل فيها الشيطان بقرونه أو ضعف في التدين ، والأدلة الدالة على تأكيد هذا الأصل كثيرة منها :
أ – قوله تعالى : ]وقرن في بيوتكن…[ . [الأحزاب 33]

قال القرطبي : ” معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت وإن كان الخطاب لنساء النبي r فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء فكيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن ” ( ) .
فالخروج للأسواق ينافي الأمر بالقرار وما أمر الله بالقرار إلا لما فيه من المصلحة ولما في الخروج من المفسدة. قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ” من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط وذلك أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها”( ).
ب – قوله تعالى : ]وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب[[الأحزاب 53] والخروج للتجارة يكسر هذا الحجاب ويجعل المرأة تكلم الرجال مباشرة كيف وهذه الآية نزلت في تعليم الصحابة – رضى الله عنهم – وهم أطهر الناس بعد الأنبياء، كيف يسألون نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهن أطهر النساء.

قال الطبري في تفسيرها : ” وإذا سألتم أزواج النبي r ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعا فاسألوهن من وراء حجاب. يقول : من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن”( ).
ج – قوله ] فيما روى الشيخان من حديث أسامة بن زيد ” ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ” ( ) .
ومعلوم أنه إذا لم يرها الرجال ولم يسمعوها لم تحصل الفتنة وإنما تحصل بالرؤية والحديث والأخذ والعطاء وما أدى إلى ذلك فإنه يمنع .
د – قوله r فيما روى الترمذي من حديث عبد الله ” المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ” ( ) .
قال الترمذي : حسن غريب .
وقال الألباني : صحيح ( ) .
وقوله : استشرفها، أي نظر إليها ( ) وفي هذا دلالة على أنه ينظر إليها فيفتنها ويفتن بها.
2 – ما يحصل من التزين والتعطر عند الخروج إذ أن المرأة منذ خلق الله الخليقة مجبولة على حب التزين والجمال بل إن ذلك من أعظم ما يشغل بالها إن لم يكن هو الأعظم وإذا تزينت وتعطرت ثم خرجت عصت ربها ووقعت في المحذور يدلك على ذلك ما صح من حديث أبي موسى الأشعري t أنه قال : قال رسول الله r : “أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية” قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني: إسناده حسن ( ) .
وما في صحيح مسلم من حديث زينب امرأة عبد الله أنها قالت : قال رسول الله r : ” إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا ” ( ) .
3 – ما يحصل بمزاولة التجارة من الخلـوة بين الرجــال والنساء إذ أنه لا يمكن أن تباشر المرأة البيع والشراء ثم لا تحصل الخلوة وخاصة أنه يوجد من ضعاف الإيمان من الرجال والنساء من يتقصد الخلوات ويتطلع إلى المحرمات والخلوة محرمة وما أدى إليها أخذ حكمها.
قال r فيما روى الشيخان من حديث عقبة بن عامر : ” إياكم والدخول على النساء ” فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال : “الحمو الموت” ( ).
4 – ما تتطلبه التجارة من السفر والضرب في الأرض ، وقد يكون بدون محرم وهذا حرام لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قالr : ” لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم”( ).
5 – ما يحصل بالاختلاط في التجارة مع الرجال من تبادل النظرات المريبة التي تؤدي إلى أمراض القلوب ، ولو ابتعدت المرأة عن مثل هذه الأماكن لسلمت وسلّمت ، ويؤكد هذا الكلام ما يلي :
أ – ما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث بريدة قال : قال رسول الله r لعلي : ” يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ” ( ) .
وقال الترمذي : حديث حسن غريب .
ب – ما روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله r قال : ” إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنى العين النظر، وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه ” ( ).
ج – ما قد يحصل بمزاولة المرأة للتجارة من انكشاف شيء من جسدها من وجه أو يد أو رجل إلى غير ذلك وناهيك بالفتنة الحاصلة به وهذه المفسدة متحققة فإنها إذا باشرت التجارة سوف ترفع البضائع وتضعها وتصعد السلالم وتنزل وتحمل على رأسها وظهرها فأي تستر يحصل إذا قامت بهذه الأعمال أمام الرجال ، ثم إن التجارة ليست فقط بيعا في المحلات بل ربما تكون عاملة بجسدها في إصلاح الطرق وحفر الآبار وقطع الأخشاب وبناء البيوت فأي حجاب والحال ما ذكر.
بهذا يتلخص :

أن مزاولة التجارة في الأسواق مباحة للرجل، وغير مباحة للمرأة إلا بقيود زائدة على ما يجب على الرجل أن يتقيد به، وذلك عائد إلى ما يترتب على خروجها للتجارة من مفاسد زائدة على ما يترتب على خروج الرجـل، وقد سـبق وأن أجـملت أهم هذه المفاسد على سبيل التـمثيل لا الحصر، والله أعلم.

المبحث الثاني : حكم التفريق بين الأمة وولدها والعبد وولده في البيع

هذه المسألة تدور حول بيع العبيد من حيث جواز التفريق بين الوالد وولده في البيع ومما هو معلوم أن المالك للعبيد له مصلحة في بيع عبيده كيف شاء، وألا يقيد في ذلك بقيود ، كما أن في التفريق بين الوالد وولده ضرراً بالغاً لما جعل الله بين الآباء والأبناء من الحب والشفقة والرحمة حتى إن حب الأم لولدها صار مضرب المثل يدل لذلك ما روى الشيخان من حديث عمر بن الخطاب t قال قدم على النبي r سبي فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقي ، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي r : ” أترون هذه طارحة ولدها في النار” ؟ قلنا : لا وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال : ” لله أرحم بعباده من هذه بولدها ” ( ) .
ولأجل هذه الرحمة التي أودعها الله في قلوب الآباء والأمهات لأبنائهم منع الإسلام من التفريق بين الوالد وولده في البيع ، وهذا من كمال الدين الإسلامي ورعايته لمصالح المالك والمملوك والقوي والضعيف ؛ لكنه وقع خلاف بين العلماء في حكم هذه المسألة من حيث امتداد منع التفريق بينهما هل يمتد إلى التمييز أم إلى البلوغ أم إلى ما بعد البلوغ؟ وهل يشمل الوالد والوالدة أم يخص واحدا منهما ؟ ومن أجل بيان حكمها جعلتها في أربعة مطالب:
المطلب الأول : حكم التفريق بين الأمة وولدها في البيع.
المطلب الثاني : إلى متى تمتد حرمة التفريق بينهما؟
المطلب الثالث : حكم التفريق بين العبد وولده في البيع.
المطلب الرابع: إلى متى تمتد حرمة التفريق بينهما؟

المطلب الأول : حكم التفريق بين الأمة وولدها في البيع :

أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأمة وولدها الطفل غير جائز( ) ولكنهم اختلفوا في كون النهي للتحريم أو للكراهة على قولين:
القول الأول: للجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون حرمة التفريق بين الأمة وولدها في البيع( ).
القول الثاني: للحنفية حيث يرون أن التفريق بينهما مكروه وليس محرما خلافاً للجمهور.( )

الأدلة :
أدلة الجمهور على حرمة التفريق بين الأمة وولدها في البيع.
1- ما روى الترمذي وأحمد والدارمي والحاكم من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله r يقول : ” من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ” ( ) .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب.
وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقد أورده صاحب المشكاة وقال عنه الألباني: إسناده حسن ( ) .
قلت : فهذا الحديث فيه وعيد شديد في حق من فرق بين والدة وولدها وهو عام يدخل فيه البيع ، ومثل هذا الوعيد يدل على التحريم ، وهذا ما فهمه العلماء من هذا الحديث.
2 – ما روى ابن ماجة والدار قطني والبيهقي وأبو يعلى من حديث أبي موسى قال : لعن رسول الله r من فرق بين الوالدة وولدها وبين الأخ وبين أخيه ( ) ضعفه النووي( ) وحكم عليه محقق مسند أبي يعلى بالضعف.
3 – ما روى البيهقي في سننه من حديث أبي بكر الصديق t قال : قال رسول الله r: ” لا تولّه والدة عن ولدها ” ( ) . قال صاحب الإشراف بعد ذكر هذا الحديث: أجمع أهل العلم على القول بهذا الخبر إذا كان الولد طفلاً لم يبلغ سبع سنين، واختلفوا في وقت التفرقة ( ).
وقدحكم عليه الشيخ الألباني بالضعف ( ) .
4- ما روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث علي بن أبي طالب t قال : أمرني رسول الله r أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما ففرقت بينهما فذكرت ذلك للنبي r فقال : ” أدركهما فأرجعهما ولاتبعهما إلا جميعاً ” ( ) .
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .
وأجاب الأحناف عن هذا الحديث: بأنه يجب تأويله بأن يحمل على طلب الإقالة أو بيع الآخر ممن باع منه أحدهما( ).
قلت: وهذا الجواب لا يقوى على رد ما صح من أدلة الجمهور.
وقال الحاكم : هذا حديث غريب صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال الذهبي : غريب ( ). وضعفه الألباني ( ).
فإذا دل الحديث على أنه لا يفرق بين الأخوين فبين الأم وولدها من باب أولى.
قلت: فما لم يضعَّف من الأدلة السابقة يدل على تحريم التفريق بين الأمة وولدها في البيع وعلى عدم صحة البيع إن وقع ( ).
أدلة القول الثاني:
أما ما ذهب إليه الحنفية من أن حكم التفريق بين الأم وولدها الكراهة وليس التحريم فدليله قولهم : إن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله والكراهة لمعنى مجاور وهو الوحشة الحاصلة بالتفريق فكان كالبيع وقت النداء وهو مكروه لا فاسد كالاستيام( ).
الترجيح:
الذي يظهر لي أن قول الجمهور أقوى من قول الأحناف لما يلي:
1 ـ أن الوعيد الوارد في قوله r: “من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة” وعيد شديد يفهم منه حرمة التفريق.
2 ـ أن تجويز الأحناف التفريق بين الوالدة وولدها قياساً على البيع وقت النداء من قياس المختلف فيه على المختلف فيه، وهذا لا يُسلَّم.

المطلب الثاني: إلى متى تمتد حرمة التفريق بينهما؟

بعد أن تبين في المطلب السابق أنه يحرم التفريق بين الأمة وولدها الصغير فإنه يأتي سؤال يفرض نفسه، وهو إلى متى تمتد حرمة التفريق؟
وللجواب عن ذلك أقول: وقع في إجابته خلاف بين أهل العلم على أقوال أهمها ثلاثة:
القول الأول: لا يُفَرَّق بينهما حتى يبلغ الصغير باحتلام أو حيض، هذا ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة في قول، وهو قول للمالكية وقول للشافعية( ).
القول الثاني: لا يفرق بينهما حتى يبلغ الصغير سبع أو ثمان سنين ، هذا هو المعتمد عند الشافعية والمالكية( ) حيث قالوا لا يفرق بينهما إلى أن يثغر( ) وهو لا يثغر إلا في حدود هذا السن.
القول الثالث: لا يفرق بينهما أبداً، هذا قول للمالكية والحنابلة، وعليه المذهب عند الحنابلة، وهي من المفردات( ).

الأدلة:

أدلة القول الأول:
استدلوا لقولهم بان التفريق بين الوالدة وولدها لا يجوز إلا بعد البلوغ بأدلة من السنة والمعقول من ذلك:
1 ـ ما روى مسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد من حديث سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ أنه غزى فزارة مع أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ فأسر سلمة عنقاً من الناس وفيهم امرأة من بني فزارة معها ابنة لها فنفله أبوبكر البنت فلما عادوا إلى المدينة استوهبها منه رسو ل الله r فبعث بها إلى مكة ففدى بها ناساً من المسلمين ( ) ولم ينكر النبي r تفريق أبي بكر بينهما( ).
وقال النووي: فيه دلالة للتفريق بين المرأة وولدها بعد البلوغ( ).
2 ـ ما روى الحاكم والبيهقي من حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ يقول: نهى رسول الله r أن يفرق بين الأم وولدها، فقيل: يا رسول الله إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية( ). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: موضوع، وابن حسان كذَّاب. وضعفه الحافظ في التلخيص( ).
3 ـ أن الأحرار يتفرقون بعد البلوغ فإن المرأة تزوَّج ابنتها( ).
أدلة القول الثاني:
استدلوا لقولهم بعدم جواز التفريق بين الأمة وولدها حتى يبلغ الصغير سبع أو ثمان سنين بما يلي:
1 ـ ما تقدم من قوله r : “لا توله والدة عن ولدها”.
2 ـ ما تقدم من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله r يقول: “من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة”.
3 ـ ما تقدم من حديث أبي موسى قال: :لعن رسول الله r من فرق بين الوالدة وولدها…” وتقدم أنه ضعيف.
استدل الشافعية بهذه الأحاديث ويظهر أنهم حملوا النهي على ما دون التمييز( ) معللين ذلك بأن الولد يستغني عن الأم بعد هذه السن( ) ويظهر أن المالكية يعللون بمثل تعليل الشافعية حيث قال ابن عبد البر معللاً لمذهبهم تأخير التفريق حتى يثغر أو يبلغ ثماني سنين. قال: وكان ممن يعرف القيام من نفسه بما يقوم به مثله( ).
أدلة القول الثالث:
استدل أهل هذا القول لمذهبهم القائل بأن النهي عن التفريق بين الوالدة وولدها يمتد أمد الحياة بما يلي:
1 ـ بعموم الخبر( )، أي حديث أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ المتقدم أنه r قال: “لا توله والدة عن ولدها” وما ذكر معه من الأحاديث.
2 ـ أن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير ولهذا حُرِّم عليه الجهاد بدون إذنها( ).
الترجيح:
الذي يظهر لي أن التفريق بين الأمة وولدها بالبيع جائز بعد البلوغ لما مر من أدلة القول الأول، وغير جائز قبل التمييز لما مر من نقل الإجماع على منعه في المطلب الأول، أما ما بين التمييز والبلوغ فلم أستطع الجزم فيه بجواز التفريق أو عدمه وإن كان هناك ما قد يدل على الجواز إذ أنه يجوز التفريق بين الحرة وابنتها بالنكاح قبل البلوغ فيؤخذ منه جواز التفريق بين الأمة وابنتها بالبيع قبل البلوغ ، وقد يجاب عنه بأن بين الأمرين فرقاً فالتفريق بالبيع فيه وحشة وتفريق على غير رغبة أما التفريق بالنكاح ففيه أنس وتفريق عن رغبة ومحبة من الأم والبنت جميعا فالله أعلم بالصواب.

المطلب الثالث: حكم التفريق بين العبد وولده في البيع :

اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يحرم التفريق بين العبد وولده الصغير في البيع ، هذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة واللخمي من المالكية إلا أن الشافعية شرطوا عدم وجود الأم فإن وجدت الأم والأب حَرُمَ التفريق يبينه وبين الأم دون الأب( ).
القول الثاني : يكره التفريق بين العبد وولده الصغير في البيع حتى يبلغ فإن فُرِّق بينهما كره ذلك وصح العقد ، هذا ما ذهب إليه الحنفية ( ) .
القول الثالث : يجوز التفريق بين العبد وولده الصغير بالبيع ولا حرج في ذلك ، هذا ما ذهب إليه المالكية ( ) .
الأدلـــة :
أدلة القول الأول :
استدلوا بالأدلة السابقة الناهية عن التفريق بين الوالدة وولدها ومنها :
1- ما ورد من طريق أبي أيوب t أن رسول الله r قال : ” من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ” وقد تقدم أنه حديث حسن.
قال ابن قدامة : إنه أحد الأبوين فأشبه الأم ( ) .
2- حديث علي قال : أمرني رسول الله r أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما ففرقت بينهما فذكرت ذلك للنبي r قال : ” أدركهما فأرجعــــهما ولاتبعهما إلا جميعاً ” وقد تقدم أن كثيرا من العلـــماء حسنه وبعضهــــم ضعفه ؛ فإذا كان لا يُفرَّقُ بين الأخوين فالتفريق بين الوالد والولد أولى بالنهي.
أدلة القول الثاني :
قد سبق أن ذكرت دليل الحنفية على أن النهي عن التفريق للكراهة لا للتحريم في المطلب السابق أيضا.
أدلة القول الثالث :
أما أدلة المالكية على جواز التفريق بين الرجل وابنه بالبيع فما رأوه من أنه لا دليل يمنع من ذلك إذ يقولون إنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه وليس من أهل الحضانة بنفسه ، وحملوا الأحاديث السابقة على عدم التفريق بين الوالدة وولدها دون الأب ( ) .
الترجيح :
الذي يظهر لي أنه يحرم التفريق بين الوالد وولده بالبيع، وكون الحديث نص على عدم التفريق بين الأم وولدها لا يدل على جوازه بين الأب وولده؛ لأن السبب هو الشفقة والوله الحاصل بالتفرقة ، وهذا يوجد بين الأب وابنه أيضا والفرق بين الأم والأب في ذلك يسير لا يعرج عليه قال الشاعر :
وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرحماء ( ) .
فلعل الحديث خص الأم بالذكر لمزيد شفقتها لا لجواز التفريق بين الأب وولده أو لعل السبب أن التفريق في الغالب إنما يحصل بين الأم وولدها من أجل أن الرجال البالغين المستأسرين غالباً يُقتلون أو يُفتدى بهم أسرى من المسلمين أو يُمنُّ عليهم وقل من يُسْتَرَقُّ منهم فلهذا جاء النص بذكر الأم فقط .
وبهذا يتلخص من هذا المبحث :
أنه لا يجوز التفريق بين الأم وولدها في البيع ، وكذلك لا يجوز التفريق بين الأب وولده في البيع خلافاً لمن أجاز ذلك والله أعلم .

المطلب الرابع: إلى متى تمتد حرمة التفريق بينهما؟

بعد أن تبين في المطلب الثالث حرمة التفريق بين العبد وولده بالبيع وأنه كالأم في ذلك فهل يمتد منع التفريق مدى الحياة أم له حد ينتهي عنده؟
للجواب على ذلك أقول:
اختلف العلماء القائلون بالنهي عن التفريق بين العبد وولده في المدة التي ينتهي عندها المنع على أقوال ثلاثة:
القول الأول: لا يفرق بين العبد وولده بالبيع حتى يبلغ الولد سن الرشد باحتلام أو حيض هذا هو المذهب عند الأحناف ورواية في مذهب الإمام احمد( ).
القول الثاني: لا يفرق بين العبد وولده بالبيع حتى يبلغ الولد سبع إلى ثمان سنين، هذا هو المذهب عند الشافعية( ).
القول الثالث: لا يجوز التفريق بين العبد وولده بالبيع أبداً، هذا هو المعتمد في مذهب الإمام أحمد، وهي من المفردات( ).
الأدلة:
أدلة الأقوال في هذا المطلب هي عين أدلتهم السابق ذكرها في المطلب الثاني فلا نطيل بذكرها.

الترجيح:
الذي يظهر لي هنا هو عين ما رجحته في المطلب الثاني أنه لا يجوز التفريق بين العبد وولده قبل التمييز، ويجوز بعد البلوغ. أما ما بين التمييز والبلوغ فلم أستطع الجزم فيه بشيء، والله أعلم.
المبحث الثالث:حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق الرجال والنساء
مما هو معلوم أن الجمعة واجبة على الرجال الأحرار البالغين المقيمين الذين لا عذر لهم وأنها غير واجبة على النساء ( ) .
ومن هنا فإن حكم البيع بعد نداء الجمعة يختلف باختلاف فاعله فإن من كانت الجمعة في حقه واجبة كان قد اشتغل بالبيع المباح عن أداء الجمعة الواجبة ومن كانت في حقه سنة فأمره أخف ؛ ولأجل الاختلاف في حكم الجمعة اختلفت أقوال العلماء في حكم البيع .
والكلام هنا يقع في خمسة مطالب:
المطلب الأول : حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق الرجال.
المطلب الثاني: بداية وقت النهي عن البيع يوم الجمعة.
المطلب الثالث: حكم فسخ البيع إن وقع وقت النهي يوم الجمعة من
الرجل.
المطلب الرابع: حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق النساء
المطلب الخامس: حكم فسخ البيع إن وقع وقت النهي يوم الجمعة من المرأة.

المطلب الأول : حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق الرجال :

اتفقت آراء العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم على النهي عن البيع بعد النــداء للجمعـــة إلا أنه جرى خلاف يسير من حيث كون البيع مكروهاً أو محرماً على قولين:
القول الأول: للمالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد : أنه يحرم البيع بعد النداء الثاني( ) .
القول الثاني: للحنفية : أن البيع مكروه تحريماً بعد النداء الأول على الأصح ومعلومٌ أن المكروه تحريماً عند الحنفية دون الحرام، وقال بعضهم بكراهته تنزيهاً( ).

الأدلـــة :
أدلة القول الأول :
استدلوا لقولهم بتحريم البيع بعد النداء يوم الجمعة بما يلي:
1 ـ قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع[.[الجمعة 9] فالله تعالى أمر بالسعي ونـهى عن البيــع بعد النـداء ( ) والأمر بترك البيع يكون نهياً عن مباشرته ( ) .
2 ـ أنه يشغل عن الصلاة ويكون ذريعة إلى فواتها أو فوات بعضها وكلاهما محرم( ).

أدلة القول الثاني:
يظهر أن الأحناف حملوا النهي عن البيع بعد النداء الوارد في آية الجمعة على الكراهة تحريماً أو تنزيهاً حيث قال الكاساني بعد سياق الآية: الأمر بترك البيع يكون نهياً عن مباشرته وأدنى درجات النهي الكراهة( ).
الترجيح:
الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الجمهور من تحريم البيع بعد النداء أقوى؛ لأن الآية نصت على النهي عن البيع والنهي يقتضي التحريم ولم يأت الحنفية بصارف لهذا النهي من التحريم إلى الكراهة تحريماً أو تنزيهاً.

المطلب الثاني: بداية وقت النهي عن البيع يوم الجمعة:

تبين من المطلب السابق اتفاق أهل العلم على النهي عن البيع بعد نداء الجمعة إلا أنه وقع خلاف في بداية هذا النهي على أقوال:
القول الأول: يبدأ وقت النهي عن البيع إذا جلس الإمام على المنبر وأذن المؤذن الأذان الثاني هذا هو قول المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد وقول لبعض الحنفية( ).
القول الثاني: يبدأ وقت النهي عن البيع بعد النداء الأول هذا هو المعتمد عند الأحناف، وهو رواية لأحمد( ).
القول الثالث: يبدأ وقت النهي بدخول الوقت أي بعد الزوال مباشرة، هذا قول الضحاك وعطاء والحسن ومجاهد وهو رواية عن أحمد( ).

الأدلة:
أدلة القول الأول: استدلوا على أن وقت النهي عن البيع يوم الجمعة يبدأ بالأذان الثاني بقولهم: إن الله تعالى أمر بالسعي ونهى عن البيع بعد النداء والنداء الذي كان على عهد رسول اللهr هو النداء عقيب جلوس الإمام على المنبر فتعلق الحكم به دون غيره().
أدلة القول الثاني على أن وقت النهي عن البيع يوم الجمعة يبدأ بالأذان الأول ما يلي:
1 ـ قالوا: المعتبر هو الأول إذا كان بعد الزوال لحصول الإعلام به( ).
2 ـ أنه لو اعتبر الأذان الثاني في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية ومن الاستماع بل ربما يخشى عليه فوات الجمعة().

أدلة القول الثالث:

لم أجدهم نصوا على أدلة لهذا القول، ولعل دليله هو دليل القول الأول بناءً على أن السنة أن يظهر الخطيب على الناس في بداية الوقت مباشرة وهو وقت النداء الذي أمر الله بالسعي للصلاة عنده ونهى عن البيع.
الترجيح:
الذي يظهر لي أن القول الأول أقوى الأقوال لما يلي:
1 ـ أن الله تعالى أمر بالسعي إلى الذكر بعد النداء والمراد بالذكر الخطبة والصلاة والأذان الأول إذا كان قبل الزوال لا تجوز الخطبة ولا الصلاة بعده قبل الزوال على قول جماهير العلماء ومنهم الحنفية، فكيف يُحرِّم هذا النداء البيع مع كونه لا يبيح الخطبة ولا الصلاة التي نادى لها وبهذا يتضح رد القول الثاني.
2 ـ أن الوقت متسع للصلاة والخطبة وزيادة فإذا رأى الإمام أن يتأخر عن أول الوقت فإن البيع لم يشغل عن الذكر، والبيع إنما حُرِّم لإشغاله عن الذكر والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فعلى هذا لا يحرم البيع بدخول الوقت بل بخروج الإمام. قال ابن قدامة: ولا يصح هذا القول “لأن الله تعالى علقه على النداء لا على الوقت؛ لأن المقصود بهذا إدراك الجمعة… ولو كان تحريم البيع معلقاً بالوقت لما اختص بالزوال …”( ). وبهذا يتضح رد القول الثالث.

المطلب الثالث:حكم فسخ البيع إن وقع وقت النهي يوم الجمعة:

اختلف أهل العلم في ذلك على قولين مشهورين:
القول الأول: البيع صحيح لازم متى وقع وقت النهي هذا ما ذهب إليه الأحناف والشافعية وأحمد في رواية مرجوحة( ).
القول الثاني: البيع باطل بعد النداء ويجب فسخه هذا ما ذهب إليه المالكية والحنابلة في المعتمد( ).
الأدلة:

أدلة القول الأول:

استدلوا لما ذهبوا إليه من إمضاء البيع إن وقع في وقت النهي يوم الجمعة وعدم فسخه بمايلي:
1- قالوا إن النهى لمعنىً في غير البيع لا لعدم مشروعيته ( ) .
قال الجصاص : لمّا لم يتعلق النهىً بمعنىً في نفس العقد وإنما تعلق بمعنىً في غيره وهو الاشتغال عن الصلاة وجب أن لا يمنع وقوعه وصحته كالبيع في آخر وقت صلاة يخاف فوتها إن اشتغل به وهو منهي عنه ، ولا يمنع ذلك صحته ؛ لأن النهي تعلق باشتغاله عن الصلاة ( ) .
وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الاستدلال بقوله : إن عنى بذلك أن نفس الفعل المنهي عنه ليس فيه معنىً يوجب النهي فهذا باطل فإن نفس البيع اشتمل على تعطيل الصلاة… وإن أرادوا بذلك أن ذلك المعنى لا يختص بالصلاة بل هو مشترك بين الصلاة وغيرها فهذا صحيح ( ) ثم قال في مكان آخر: والملك الحاصل بذلك كالملك الذي لم يحصل إلا بمعصية الله وغضبه ومخالفته كالذي لا يحصل إلا بغير ذلك من المعاصي مثل الكفر والسحر والكهانة والفاحشــــة ، وقد قال النبي r ” حلـــوان الكاهــــن خبيث ومهر البغي خبيث ” ( ) فإذا كنت لا أملك السلعة إن لم أترك الصلاة المفروضة كان حصول الملك سبب ترك الصلاة كما إن حصول الحلوان والمهر بالكهانة والبغاء، وكما لو قيل له إن تركت الصلاة اليوم أعطيناك عشرة دراهم فإنّ ما يأخذه على ترك الصلاة خبيث ، كذلك ما يملكه بالمعاوضة على ترك الصــلاة خبيث ، ولو اســتأجر أجيراً بشرط أن لا يصلي كان هذا الشرط باطلاً وكان ما يأخذه عن العمل الذي يعمله بمقدار الصلاة خبيث مع أنّ جنس العمل بالأجرة جائزة ، كذلك جنس المعاوضة جائزة لكن بشرط أن لا يتعدى على فرائض الله( ) .
2- قال الجصاص : ظاهر قول الله تعالى:]لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكـم [[النساء 29] وقــــول النبي r “لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه” ( ). تقتضي وقوع الملك للمشتري في سائر الأوقات لوقوعه ]عن تراض[ فإن قيل قال الله تعالى:]وذروا البيع[ [الجمعة 9] قيل له نستعملها فنقول يقع محظوراً عليه عقد البيع في ذلك الوقت لقوله: ]وذروا البيع[ ويقع الملك بحكم الآية الأخرى والخبر الذي رويناه( ).
قلت : والذي يظهر لي أن هذا الاستدلال ضعيف لما يلي:

1- أن ما ستدل به الجصاص عام يدل على حصول الملك في أي وقت إذا كانت تجارة عن تراض وآية الجمعة خاصة تحِّرم البيع بعد النداء والقاعدة أن الخاص يقدم على العام ويخصصه.
2 – أن آية الجمعة تنهى عن البيع بعد النداء والنهي يقتضي التحريم والتحريم يدل على فساد ما جاء الشرع بتحريمه إذ أنّ الشارع ” دلَّ الناس بالأمر والنهي والتحليل والتحريم ، وبقوله في عقود هذا لا يصلح فيقال الصلاح المضاد للفساد ، فإذا قال لا يصلـــح علم أنه فاسـد، كما قال في بيع مُدَّين بمد تمرٍ لا يصلح ، والصحابة والتابعون وسائر أئمة المسلمين كانوا يحتجون على فساد العقود بمجرد النهي كما احتجوا على فساد نكاح ذوات المحارم بالنهي المذكور في القرآن وكذلك على فساد الجمع بين الأختين…”( ).

أدلة القول الثاني :

استدلوا لقولهم بفساد البيع وفسخه إذا وقع وقت النهي يوم الجمعة بما يلي:
1- قوله تعالى : ]وذروا البيع[ إذ أنَّ النهي يدل على التحريم والتحريم يدل على فساد ما جاء الدليل بتحريمه( ).
2 – ما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشةt أنَّ رسول الله r قال: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ٌّ”( ).
قال النووي : قال أهل العربية : الرد هنا بمعنى المردود ومعناه فهو باطل غير معتد به .. وفي هذا الحديث دليل لمن يقول من الأُصوليين إنَّ النهي يقتضي الفساد ، ومن قال لا يقتضي الفساد يقـول هـذا خبرُ واحدٍ ولا يكفي في إثبات هذه القاعدة المهمة ، وهذا جوابٌ فاسد ( ) .
الترجيح :
بعد ما تقدم من كلام في هذه المسألة يظهر لي أنَّ البيع بعد النداء الثاني باطل مردود إذ أنه ليس مع من يرى صحة البيع إلا الطعن في كون النهي الوارد في آية الجمعة يدل على البطلان أو الاستدلال بالعمومات التي تفيد أنَّ البيع سبب للملك وقد تقدم الجواب عن هذا عند ذكر الأدلة والله أعلم .

المطلب الرابع : حكم البيع بعد نداء الجمعة في حق النساء:

ظهر مما تقدم في المطلب الأول أن البيع بعد نداء الجمعة حرام في حق الرجال وتبين في المطلب الثالث أنه مردود إن وقع عند جماعة من العلماء، ويصح مع الإثم عند غيرهم، أما المرأة فإن الأمر في حقها مختلف إذا أنها غير مخاطبة بالجمعة على سبيل الوجوب بالإجـــماع كما مر وبناءً على ذلك فإنـــها إذا اشتغلت ببيع أو شراء بعد النداء لم يكن شاغلاً لها عن أمر واجب ومن أجل هذا اختلف العلماء في حكم بيعها وشرائها من حيث الجواز وعدمه، ولبيان حكمه أقوال:
لا يخلو الحال من أن لا تتعامل مع أحد من أهل وجوب الجمعة أو أن تتعامل مع أحد من أهل الوجوب:
الحال الأول: أن لا تتعامل بالبيع مع أحد ممن تلزمه الجمعة، وفيه لأهل العلم أقوال ثلاثة:
القول الأول: بيعها صحيح جائز مع الكراهة، هذا مذهب مالك وبعض الحنابلة( ).
القول الثاني: بيعها صحيح جائز لا كراهة فيه، وممن قال به الشافعي وأحمد في المعتمد( ).
القول الثالث: يحرم البيع منها في وقت النهي حتى وإن لم تتعامل مع أحد من أهل الوجوب، هذا رواية في مذهب أحمد( ).
الأدلـــة :
أدلة القول الأول :
أما كراهة البيع للمرأة بعد النداء فلعل دليله ما يلي :
1- عموم النهي في قوله تعالى : ]يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع[ فإن المرأة مؤمنة تدخل في هذا العموم.
2 – أن في عدم انتهاء المرأة عن البيع والشراء تسبباً في إيقاع غيرها من أهل الوجوب في البيع والشراء خاصة من كان جاهلا بالحكم أو ضعيفا في تدينه ” فكره لما فيه من الإعانة على الإثم ” ( ) .
أدلة القول الثاني :
استدلوا لجواز البيع بما يلي :
1 – أن الله تعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي( ).
2 – أن تحريم البيع معلل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة وهذا معدوم في حقها ( ) .

أدلة القول الثالث:

لم أجدهم نصوا على أدلة تدل على تحريم البيع في حق المرأة إذا لم تتعامل مع أحد من أهل الوجوب، ولعل السبب سد الذريعة حتى لا يقع البيع منها مع أحد من أهل الوجوب.

الترجيح :

الذي يظهر مما تقدم أن البيع والشراء جائز في حق المرأة بعد النـداء الثــاني ما دام أنـها لم تتعــامل مع أحـــد من أهل الوجـوب لأنه لا يتناولها النهي والأصل جواز البيع والله أعلم .
الحال الثاني: أن تتعامل بالبيع مع أحد من أهل وجوب الجمعة، وفيه خلاف من حيث الجواز وعدمه على أقوال أشهرها ثلاثة:
القول الأول: إذا تعاملت بالبيع مع أحد من أهل الوجوب فبيعها محرم، هذا قول مالك والشافعي وأحمد في المذهب( ).
القول الثاني: بيعها والحال ما ذكر مكروه في حقها حرام في حق المتعامل معها من أهل الوجوب، هذا قول لبعض الحنابلة( ).
القول الثالث: بيعها والحال ما ذكر صحيح، وهو قول لبعض الحنابلة( ).
الأدلة:

أدلة القول الأول:

استدلوا لتحريم البيع في حق المرأة إذا باعت ممن تلزمه الجمعة:
1 ـ بما فيه من الإعانة على الإثم( ). قال تعالى:}ولا تعاونوا على الإثم والعدوان{.[المائدة 2]
2 ـ أن أحدهما توجه عليه الفرض فاشتغل عنه والآخر شغله( ).
أدلة القول الثاني:
استدلوا لقولهم بكراهة البيع في حق المرأة وحرمته في حق المتعامل معها من أهل الوجوب بالقياس على المحرم يشتري صيداً من مُحل ثمنه حلال للمحل والصيد حرام على المحرم( ).
أدلة القول الثالث:
لم أجدهم نصوا على أدلة له، ولعل السبب كون البيع مباحاً لها لكونها من غير أهل الوجوب.
الترجيح:
الذي يظهر لي تحريم البيع في حق المرأة والحال ما تقدم لقوة أدلة القول الأول وضعف ما خالفها، والله أعلم.

المطلب الخامس: حكم فسخ البيع إن وقع وقت النهي يوم الجمعة من المرأة:

لا يخلو الحال من أن تتعامل مع من لا تلزمه الجمعة أو تتعامل مع من تلزمه الجمعة:
الحال الأول: أن تتعامل مع من لا تلزمه الجمعة.
إذا تعاملت مع من لا تلزمه الجمعة ففيه أقوال ثلاثة لأهل العلم:
القول الأول: البيع صحيح لا زم مع الكراهة، هذا قول مالك( ).
القول الثاني: البيع صحيح لازم لا كراهة فيه، هذا قول الشافعي وأحمد في المعتمد( ).
القول الثالث: البيع غير صحيح في رواية عن أحمد، وحكمه الفسخ بناءً على قواعد المذهب( ).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
لعل دليلهم على عدم فسخه مع كونه مكروهاً عدم الدليل على الفسخ إذ أن الأصل الحل والمكروه يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله فمن هنا لم يقولوا بفسخه.
أدلة القول الثاني:
سبق في المطلب السابق أن ذكرت أدلتهم على جواز البيع وإذا كان جائزاً فإنه لازم غير مفسوخ.
أدلة القول الثالث:
لم أجدهم ذكروا دليلاً لهذا القول، ولعل دليله عموم الآية الناهية عن البيع بعد النداء.

الترجيح:
يظهر لي أن بيعها وقت النهي مع من لا تلزمه الجمعة لازم غير مفسوخ؛ لأن الأصل الحل، ولم يرد دليل بالمنع في حقها في هذه الحالة.
الحال الثاني: أن تتعامل مع من تلزمه الجمعة، ففيه قولان:
القول الأول: بيعها غير صحيح، ويجب فسخه، هذا مذهب مالك وأحمد( ).
القول الثاني: بيعها صحيح لازم لا يفسخ، هذا مذهب الشافعية( ).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
قد ذكرت أدلة هذا القول في المطلب الثالث من هذا المبحث عند الكلام على بيع الرجل فلا نطيل بإعادتها غير أني أذكر دليلاً خاصاً بالمرأة يدل على فسخ البيع إذا باعت ممن لا تلزم الجمعة، وهو القياس على من “اشترى الطعام من نصراني أو يهودي وقد اشتراه النصراني على كيل فباعه من المسلم قبل أن يكتاله النصراني او اليهودي… فبيعه غير جائز”( ).
أدلة القول الثاني:
قد ذكرتها في المطلب الثالث من هذا المبحث، فأغنى عن إعادتها.
الترجيح:
وبناءً على ما تقدم فإنه يظهر لي رجحان قول من قال بفسخ البيع؛ لأنها إذا تعاملت مع من تجب عليه الجمعة كان البيع داخلاً في النهي الوارد في الآية والنهي يقتضي الفساد، والله أعلم.

المبحث الرابع : حكم بيع المُدبَّر والمُدبَّرة

التدبير لغة : مأخوذ من قولك : دَبَرَ القوم يَدْبُروُنَ دِباراً إذا هلكوا، وأدبروا إذا ولَّى أمرهم إلى آخره فلم يبق منهم باقية ( ) .
واصطلاحاً : عتق يعلِّقه السيد بموته ( ) .
والعلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي ظاهرة من حيث إنه يُعتَقُ العبد على سيده دُبُر الحياة أي آخرها فسُمي تدبيراً ( ).
إذا علم هذا فإن الكلام يقع هنا في مطلبين :

المطلب الأول : حكم بيع المدبر.
المطلب الثاني : حكم بيع المدبرة.

المطلب الأول : حكم بيع المدبر :

اختلف أهل العلم في حكم بيع المدبر تدبيراً مطلقاً على أقوال :
القول الأول : لا يباع المدبر بحال من الأحوال ومن أصحاب هذا القول من نصَّ على تحريم البيع كالأحناف والمالكية وأحمد في رواية ومنهم من لم يصرح بالتحريم وممن نُقل عنه النهي عن بيع المدبر ابن عمر وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وابن سيرين والزهري والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح ( )
القول الثاني : يــجوز بيع المـدبر مطلــقاً أي سواء كان سيده محتاجاً أو غير محتاج ، هذا هو المذهب عند الشافعية والحنابلة وروي مثل هذا عن جابر وعائشة وعمر بن عبد العزيز وطاووس وعطاء ومجاهد وقال به إسحاق وأبو ثور ( ) .
القول الثالث : لا يباع إلا في الدَيْن ، قال ابن قدامة : هذا ظاهر كلام الخرقي وقد أومأ إليه أحمد ( ) .
القول الرابع : لا يباع إلا في الدين أو الحاجة كأن يكون السـيد فقيراً لا يملك غيره ، وهذا القول رواية في مذهب أحمد ونُقل عن إسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة ( ) .
الأدلــة :

أدلة القول الأول :

استدلوا لقولهم بالمنقول والمعقول من ذلك :
1- ما روى الدار قطني والبيهقي من حديث ابن عمر t أن النبي r قال : ” المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حرٌ من الثلث ” ( ) .
قال الدار قطني : لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف وإنما هو عن ابن عمر موقوفاً من قوله . وقال الألباني : موضوع ( ) .
2- أن المدبر مملوك تعلق عتقه بمطلق موت سيده فلا يجوز بيعه كأُم الولد( ).
ويجاب عن هذا الاستدلال بأنه قياس مع الفارق ؛ لأن أم الولد يثبت عتقها بغير اختيار سيدها وليس بتبرع منه ويكون من جميع المال ولا يمكن إبطاله بحال والتدبير بخلافه ( ) .
3- أنه لما استفاد بالتدبير اسماً غير اسم العبيد وجب أن يستفيد به حكماً غير أحكام العبيد لأن انتقال الاسم يوجب انتقال الحكم ولو جاز بيعه لبقي على حكمه مع انتقال اسمه وهذا غير جائز كالمكاتب ( )
ويجاب عنه بأنه استفاد بالتدبير حكماً غير أحكام العبيد ألا وهو عتقه بعد موت سيده بخلاف ألقن ولا يلزم من تدبيره زوال أحكامه كما لم يلزم زوال استخدامه ( ) .
قلت : هذه أهم أدلتهم وقد أورد صاحب الهداية بعض الأدلة العقلية للحنفية ولا يصلح الاستمساك بشيء منها حتى إن بعضها ناقض أصول المذهب الحنفي نفـسـه ممــا حدى بصاحب العناية إلى الاعتذار عن ذلك أو محاولة توجيه التناقض ( ) .

أدلة القول الثاني :

لهم أدلة من السنة والأثر من ذلك :
1- ما روى البخاري ومسلم واللفظ له من حديث جابر قال : أعتق رجل من بني عذرة عبداً له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله r فقال : ألك مال غيره؟ فقال : لا . فقال : من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم فجاء بها رسول الله r فدفعها إليه ثم قال : ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك … الحديث ( ) .
قلت : هذا الحديث ناصع الدلالة على جواز بيع المدبر ، وقد ترجم له البخاري في موضعين من صحيحه بقوله : باب بيع المدبر ، لكن المخالفين لهم أجوبة عليه أكثرها متكلفة لا تقوى على رد الأدلة الصحيحة التي ذكرها أهل القول الأول من ذلك:
أ – قولهم يحتمل أنه إنما باعه النبي r في دين وقد يباع في الدين ما يمنع من بيعه في غير الدين كالمعتق في المرض.
وأجيب عنه بأنه لو كان بيعه لا يجوز إلا في الدين لكان بيعه موقوفاً على طلب الغرماء ، ولما جاز أن يبيع منه إلا قدر الدين وقد باعه كله بثمن دفعه إليه وقال له : أنفق على نفسك ثم على عيالك ثم على ذوي رحمك ثم اصنع بالفضل ما شئت فدل على بيعه في الدين وغير الدين( ).
ب – يحتمل أن النبي r إنما باع خدمة المدبر لا رقبته أي أنه أجَّره والإجارة تسمى بيعاً بلغة أهل المدينة ( ) .
وأجاب الماوردي عن هذا الاعتراض بأنه لا يجوز أن يُعدل عن حقيقة المذكور إلى مجازٍ غير مذكور ما لم يصرف عنه دليل ( ) .
ج – أنه يحتمل أن المدبر كان مقيداً لأن المدبر المقيد يجوز بيعه عند الحنفية( ).
قلت : هذا أضعف من الاعتراض السابق إذ أنه لم يرد أنه علق عتقه بزمنٍ معينٍ وإنما جعله حراً بعد موته .
د – يحتمل أنه باعه في بداية الإسلام عندما كان بيع الحر جائزاً في بداية الإسلام( ) على حد زعم الحنفية .
قلت : فأين الدليل على أن هذه الحادثة كانت في بداية الإسلام قبل أن ينسخ بيع الحر على التسليم جدلاً بصحة هذه الدعوى لاسيما وأنها لم تكن في بداية الإسلام بل كانت بعد الهجرة.

ولهم ردود أخرى تركتها خشية الإطالة كقولهم إن حديث جابر حادثة عين إلى غير ذلك ويا لله العجب كيف يسعون بهذه الاحتمالات إلى رد حديث متفق على صحته ثم يأتون إلى حديث لا أصل له فيحتجون به على حرمة بيع المدبر- أعني حديث ابن عمر السابق – وإلى حديث مرسل ” أن النبي r قال: لا بأس ببيع خدمة المدبر ” ( ) فيقدمونه على الحديث الصحيح حتى قال ابن الهمام : مرسل تابعي ثقة وقد أقمنا الدلالات على وجوب العمل بالمرسل بل وتقديمه على المسند ( ) .
قال ابن حجر: ولو صح لم يكن فيه حجة إذ لا دليل فيه على أن البيع الذي وقع في قصة المدبر الذي اشتراه نعيم بن النحام كان في منفعته دون رقبته( ).
2- ما روى الشيخان من حديث أبي هريرة قال : سمعت النبي r يقول : ” إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يُثَرِّب عليها ثم إن زنت فليجلـدها الحد ولا يُثَرِّب ثم إن زنت الثالثــة فتبين زناهـا فليبعها ولو بحبل من شعر ” ( ) .
ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله : باب بيع المدبر ، وقال ابن حجر: ووجه دخوله في هذا الباب عموم الأمر ببيع الأمة إذا زنت فيشمل ما إذا كانت مدبرة أو غير مدبرة فيؤخذ منه جواز بيع المدبر في الجملة ( ) .
3- ما روى مالك وأحمد والبيهقي بأسانيدهم أن عائشة دبّرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع من الأعراب ممن يسيء ملكها فبيعت … ( ) .
قال ابن حجر: إسناده صحيح ( ) .
وهذا الأثر يدل على ما دل عليه الحديثان السابقان لكن ابن الهمام لم يقبل بهذا بل نفى الاحتجاج به لجواز أن تدبيرها كان مقيداً ولأنه واقعة حال لا عموم لها ( ) .
قلت هذه احتمالات لا يشهد لها دليل لا ينبغي أن يُسعى بها إلى رد الأدلة الصحيحة في حين أنهم تعلقــــوا بالحديث الضعيف والأثر المرسل في مقابل أدلة لا يتطرق لها احتمال لا من ناحية السند ولا من ناحية الدلالة.

أدلة القول الثالث والرابع :

استدلوا بالحديث السابق من طريق جابر في أدلة القول الثاني أن رجلا من بني عذرة باع عبداً له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله r فقال : ألك مالك غيره ؟ فقال : لا . فقال: من يشتريه مني … الحديث .
فالنبي r قد باع المدبر لمّا علم أن صاحبه لا يملك شيئاً غيره وعلم حاجته( ) .
الترجيح :
يتلخص مما سبق أن الصواب جواز بيع المدبر كما هو القول الثاني لما يلي :
1- للسنة الصحيحة الثابتة بذلك ولثبوته من فعل عائشة ـ رضي الله عنهاـ ولم ينكر عليها أحد من الصحابة .
2- أنه يعامل معاملة الوصية وللموصي أن يتصرف فيما أوصى به قبل أن يموت كيف شاء.
3- أنه لا يوجد للمانعين ما يوجب الاستمساك به ولم يأتوا بجواب مقنع لأدلة المجيزين .

المطلب الثاني : حكم بيع المدبرة :

تقدم أن في صحة بيع المدبر خلافاً على أقوال أربعة :
أما بالنسبة للمدبرة فلم أجد من فرَّق بين حكمها وحكم المدبر في البيع إلا الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه حيث قال : لاتباع المدبرة ( ) ولهذا قال موفق الدين ابن قدامة : لا نعلم هذا التفريق بين المدبرة والمدبر عن غير إمامنا رحمه الله وإنما احتاط في رواية المنع من بيعها ؛ لأن فيه إباحة فرجها وتسليط مشتريها على وطئها مع وقوع الخلاف في بيعها وحلها فكره الإقدام على ذلك مع الاختلاف فيه والظاهر أن هذا المنع منه كان على سبيل الورع لا على التحريم البات فإنه إنما قال : لا يعجبني بيعها ؛ والصحيح جواز بيعها فإن عائشة باعت مدبرة لها سحرتها ؛ ولأن المدبرة في معنى المدبر فما ثبت فيه ثبت فيها ( ) .
ولأنه تقدم في المطلب السابق أن النبي r قال : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب …إلى أن قال : فليبعها ولو بحبل من شعر. وهذا يعم الأمة المدبرة وغيرها ولهذا بوب له البخاري بقوله : باب بيع المدبر.
قلت : وبهذا يتلخص أنه يجوز بيـع المدبر والمدبرة لحاجة ولغير حاجة ولا فرق بينهما في ذلك والله أعلم .

المبحث الخامس: عيوب البيع التي يختلف فيها العبيد والإماء:

يبحث العلماء هذه المسألة عند الكلام على خيار العيب من كتاب البيوع وضابط العيب الذي يؤثر في البيع هو كل ما أوجب نقصاً في الثمن في عادة التجار ( ) . ويزيد النووي الأمر إيضاحاً فيقول: يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص العين أو القيمة تنقيصاً يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون في أمثاله عدمه ( ) .
وقد نظرت في هذه العيوب فرأيتها على ثلاثة أقسام :
قسم لا يوجد إلا في الذكر.
وقسم لا يوجد إلا في المرأة.
وقسم مشترك.
فمن القســم الأول الخصــاء والجـب ( ) وتخنث العبد ، فهذه عيوب لا توجد في الأمة بل هي خاصة بالعبد وهي مما يُرَّد به البيع في قول جماعة من العلماء
ومن القســـم الثاني ارتفاع حيــــض المرأة وكونــها حامـــــلاً أو مســـتحاضـة أو رتقاء( ) . أو قرناء ( ) أو معتدة أو ثيباً فهذه عيوب خاصة بالمرأة لا يوجد مثلها في العبد وهي أيضاً مما يرد به البيع على خلاف في بعضها عند أهل العلم .
ومن القسم الثالث البخر والذفر والزنا وكون واحد منهما ولد زنا والكفر وعدم الختان والتزوج ( ) .
وهذا النوع من العيوب أعني الثالث منها هو الذي سوف نتناوله بالتفصيل إن شاء الله لأنه هو الذي يدخل تحت خطة هذا البحث إذ أنها عيوب مشتركة بين الذكر والأنثى ويختلف فيها حكم الذكر عن حكم الأنثى عند بعض العلماء.

أولاً : البخر :

تعريفه :
البخر بفتح الباء والخاء : الرائحة المتغيرة من الفم. قال أبو حنيفة : البخر : النتن يكون في الفم وغيره ( ) .
وقال النووي : والبخر الذي هو عيب هو الناشئ عن تغير المعدة دون ما يكون لقلح الأسنان فإن ذلك يزول بتنظيف الفم ( ) .
حكمه :
أما بالنسبة للأمة فجماهير أهل العلم بمن فيهم الأئمة الأربعة يرون أن البخر عيب ترد به الأمة المباعة ( ) .
والدليل على هذا الحكم ما يلي :
1- أن الأمة قد تُراد للفراش والبخر يمنع منه ( ) .
2- أنه يوكس الثمن ( ) إذ أن ذات البخر لا يمكن أن تكون الرغبة فيها كالتي لا بخر فيها لما لتلك الرائحة من الأذى .
وأما بالنسبة للعبد فقد جرى في رد البيع إذا كان به بخر خلاف بين العلماء على قولين :
القول الأول : قول جماهير العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم يرون أن البخر عيب في العبد يرد به البيع كالحكم في الأمة ( ) .
القول الثاني : لبعض أهل العلم ومنهم الأحناف يرون أن البخر ليس بعيب في العبد ولا يُردُّ به البيع إلا إذا كان فاحشاً لا يكون مثله في عامة الناس أو كان ناتجاً عن مرض فيرد لأجل المرض( ) .
الأدلــة :
أدلة القول الأول :
1-أن ما كان عيباً في الأمة كان عيباً في العبد كالسرقة ( ) وقد تقدم أن البخر عيب في الأمة اتفاقاً.
2- أن البخـر يمنـع من مقاربـة العبـد ويـؤذي مَنْ جالســه أو خاطبه أو سارَّه( ) .
أدلة القول الثاني :
استدل أهل القول الثاني بقولهم إن المقصود من العبد الاستخدام والبخر ليــس مـانعاً منه فلا يُعدُّ عيباً إلا أن يكون من داء ؛ لأن الداء عيب ( ) .
قلت : والذي يظهر لي أن قول الجمهور أقوى لأن البخر يؤذي بلا شك، والقيمة تتفاوت به فليست الرغبة في من به بخر كالرغبة في من لا بخر به وإذا كان الأمر كذلك فإنه عيب يرد به البيع كيف والنبي r قال : ” من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا ” ( ) فعد النبي r الثوم والبصل مع حلهما من الخبائث التي تمنع آكلمها من دخول المسجد لخبث رائحتمها والبخر أشد أذىً من الثوم والبصل لخبث رائحته، ولكونه ملازماً للمصاب به دائماً بخلاف الثوم والبصل والجامع بين الأمرين التأذي بالرائحة فالشرع اعتبر الأذى هناك ومنع صاحبه من دخول المسجد لكي لا يؤذي الناس ، فليعتبر هنا ما هو أشد أذىً فيرد به البيع لكي لا يؤذي المشتري .

ثانياً : الذَّفر :

تعريفه :
الذَّفر بالتحريك : شدة ذكاء الريح من طيب أونتن وخصه اللحياني برائحة الإبطين المنتنين. تقول: ذَفِر- بكسر الفاء – يَذْ فَرُ فهو ذَفِرٌ وأذفر والأنثى ذَفِرَة وذفراء ( ). والذفر الذي هو عيب هو المستحكم الذي يخالف العادة دون ما يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة().
حكمه :
أما بالنسبة للأمة فقد صرّح أكثر أهل العلم بأن الذفر عيب فيها يرد به البيع وممن صرح بذلك الأحناف والشافعية والحنابلة وعبارات المالكية تدلّ عليه وإن لم أجد تصريحاً بذلك إذ قال ابن رشد : وبالجملة فأصل المذهب أن كل ما أثر في القيمة – أعني نقص منها- فهو عيب ( ) ؛ ولأنه لا يقل ضرراً عن البخر وقد عدوه عيباً ( ) .
ودليل هذا الحكم ما تقدم في البخر من أنَّ الأمة قد تراد للفراش فيتأذى بذلك الحليل، وأنه أيضاً يوكس الثمن.
أما بالنسبة للعبد فقد اختلف العلماء في رد البيع إذا كان يوجد به ذفر على قولين :
القول الأول : للشافعية والحنابلة أنه عيب يرد به البيع ( ) .
القول الثاني : للأحناف أنه ليس بعيب في العبد فلا يرد به البيع ( ).
والأدلة لهذه المسألة هي عين الأدلة في مسألة البخر السابقة فلا نطيل بإعادتها ، ويظهر لي هنا أن الراجح اعتبار الذفر عيباً في العبدكالبخر وقد تقدم بيان السبب والله أعلم .

ثالثاً : الزنا :

لا شك أن الزنا جرم كبير وفاحشة قذرة تتلطخ بها الأعراض وتسري معرتها إلى غير الزاني والزانية فيلحق العار بها أقارب الزاني وربما تتناقل الأجيال أذاها وشؤمها جيلاً بعد جيل ومن هنا فإنه إذا زنى العبد أو الأمة قلت الرغبة فيهما عند أهل الفطر السليمة وبناءً على ذلك تكلم العلماء في رد البيع إذا تبين أن العبد، أو الأمة من أهل الفجور.
فأما بالنسبة للأمة فجماهير أهل العلم يعتبرون زناها عيباً يرد به البيع وعلى هذا المذاهب الأربعة ( ).
واستدلوا لهذا القول بأدلة منها :

1-أن الزنا يفسد النسب ويوجب الحد ( ) وما كان كذلك فإنه عيب يوجب الرد.
2-أنه يخل بالمقصود في الجارية وهو الاستفراش ( ) .
أما إذا كان البيع وقع على عبد ثم ظهر أنه زان فقد اختلف العلماء في حكم رد البيع على قولين :
القول الأول : للجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أنه عيب يُرَدُّ به البيع ( ) .
القول الثاني : للحنفية يرون أنه ليس من العيوب التي يرد بها البيع في حق العبد إلا إذا كثر منه وصار عادة له ( ) .
الأدلــة :

أدلة القول الأول :

استدل الجمهور لقولهم بما يلي :
1- أن الزنا ينقص ماليته إذ أنه يعرضه لإقامة الحد عليه والتعزير( ) .
2 – أنه لا يأمنه سيده على حريمه ( ) وفي ذلك من العنت ما فيه .
3 – أن ما كان عيباً في الأمة كان عيباً في العبد كالسرقة ( ) .
قلت : في هذا الدليل نظر لأن هناك من العيوب ما يختلف فيه العبد عن الأمة والعكس فلا يلزم من كونه عيباً في الأمة أن يكون عيباً في العبد.

أدلة القول الثاني :

استدل الحنفية بقولهم : إن الزنا لا يخل بالمقصود في الغلام وهو الاستخدام( ) .
الترجيح :
الذي يظهر لي أن قول الجمهور أقوى ؛ لأن زنا العبد يوجب عليه الحد وربما أتلفه وبهذا يخسر المشتري قيمته ، إضافة إلى ما تقدم من أنه لا يؤمن على حريم سيده والاحتياط للعرض واجب .
رابعاً: أن يكون الرقيق ولد زنا :
لقد شرف الإسلام النكاح وحط منزلة السفاح وشتان بين من وُلِد بين أبوين عفيفين ومن ولد بين أبوين فاجرين إن نظرة الناس إلى ابن السفاح تذكرهم بإنسان نشأ من الفجور، فلا تنشرح له الصدور ، ومن أجل ذلك تكلم العلماء في حكم رد البيع إذا تبين أن الرقيق ولد زنا.

فأما بالنسبة للعبد ففي حكم رد البيع إذا تبين أنه ولد زنا قولان :
القول الأول : للجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة لا يرون رد البيع إذا تبين أن العبد ولد من زنا ( ) .
القول الثاني : للمالكية حيث ذهبوا إلى أن ذلك من العيوب التي تجيز رد البيع( ).
الأدلــة :

أدلة القول الأول :

1- أن أكثر الرقيق أولاد زنية وليس لذلك تأثير في أثمانهم ( ) .
2- أن النسب في الرقيق غير مقصود بدليل أنهم يُشترون مجلوبين غير معروفي النسب ( ).

أدلة القول الثاني :

لم أجد المالكية نصوا على دليل معين لهذه المسألة فيما اطلعت عليه ولكن يظهر أنهم رأوا أن كون العبد ولد زنا ينقص الثمن فأفتوا بوجوب الرد قال ابن عبد البر : وكل عيب ينقص من الثمن ويرغب الناس عنه فالرد به واجب لمن طلبه ( ) .
قلت : ويظهر أن قول الجمهور أقوى ؛ لأن المقصود في العبد الخدمة وهذا لا يختلف فيه ولد الزنا عن غيره.
وأما بالنسبة للأمة التي يتبين بعد البيع أنها من زنى فإن العلماء اختلفوا في حكم رد البيع على قولين أيضاً :
القول الأول : للحنفية والمالكية يرون أن هذا عيب يرد به البيع ( ) .
القول الثاني : للشافعية والحنابلة يرون أنه ليس بعيب معتبر في رد البيع( ).

الأدلة :

استدل أهل القول الأول بقولهم :
إن ذلك يخل بمقصوده منها وهو الاستيلاد فإن ولده يعير بأمه إذا كانت ولد زنا ( ) .
واستدل أهل القول الثاني بما تقدم من :
1 – أن أكثر الرقيق أولاد زنية وليس لذلك تأثير في أثمانهم ( ) .
2 – أن النسب فيهم غير مقصود بدليل أنهم يشترون مجلوبين غير معروفي النسب ( ).
والذي يظهر لي والعلم عند الله أن الأقوى قول من قال برد البيع إذا ظهر أن الأمة من زنا بخلاف العبد لما يلي :
1 – أن الانتفاع المقصود في العبد يكون بالخدمة بخلاف الأمة فربما كان السر في شرائها الاستفراش والولد يعير بالأم المولودة بين زانيين والنفس لا تتوق إلى استفراش بنت زنا .
2 – أن ثمن الجارية يتأثر إذا علم أنها من زنا إذ لا تستوي عند الناس جارية من نكاح مع جارية من سفاح والله أعلم .

خامساً : الكفر :

من العيوب التي تكلم العلماء في رد العبد المباع بها الكفر ومعلوم أن الكفار تختلف مللهم وبناء على ذلك تختلف أحكامهم فمنهم الكتابي ومنهم المجوسي ومنهم الوثني فإن كان المباع عبدا لم يعلم المشتري بكفره ففي جواز رده قولان:

القول الأول : للأحناف أن الكفر عيب يرد به البيع ولا فرق بين كتابي وغيره ( ) .
القول الثاني : للحنابلة والشافعية في قول أنه لا يعد الكفر عيبا في العبد لا فرق بين كتابي وغيره( ).
القول الثالث : وهو الأصح عند الشافعية: أنه إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل الرغبة فيه فلا رد وإلا فله أن يرده( ).
الأدلة : استدل الأحناف لقولهم بما يلي :

1 – قوله تعالى : ]ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم[ [البقرة221] فالآية دلت على أفضلية المؤمن على المشرك .
2 – أنه ربما يحتاج إلى استخدامه في الأمور الدينية نحو اتخاذ الماء لطهوره وحمل المصحف إليه والكافر نجس لا يؤدي الأمانة. ( ).
3 – أنه يمتنع صرفه في بعض الكفارات فتقل الرغبة فيه ( ) .
4 – أن طبع المسلم ينفر عنه للعداوة الدينية وفي إلزامه به غاية الإضرار بالمسلم ( ) .

أدلة القول الثاني :
استدلوا لمذهبهم بقولهم : إن العبيد يكون فيهم المسلم والكافر والأصل فيهم الكفر( ).

أدلة القول الثالث:
يظهر لي أن الشافعية نظروا إلى تأثير العيب في نقص الثمن وإذا كان قريباً من بلاد الكفار فإن ثمنه لا يتأثر لوجود من يشتريه بخلاف البعيد.

الترجيح :
الذي يظهر لي أن القول الثاني أقوى لما يلي :
1- أن استدلالـهم بالآيـة مجاب عنه بأن كون المؤمن خير من الكافر لا يقتضي كون الكفر عيبا كما أن المتقي خير من غيره … وليس عدم ذلك عيبا ( ).
2 -أن استخدامه في أمور العبادة جائز كإعداد الماء ونحوه ولم يأت في الشرع نهي عن ذلك.
أما إن كان البيع وقع على أمة ثم ظهر أنها كافرة فالمنصوص عليه عند الحنفية والشافعية والحنابلة أن الكفر عيب يرد به البيع إلا أن بينهم خلافا في نوع الكفر الذي يرد به البيع على قولين :
القول الأول : للحنفية : أنها ترد بأي كفر كان ( ) .
القول الثاني : للشافعية والحنابلة أنها لا ترد إلا بكفر يحرمها تحريما عاما كأن تكون وثنية أو مجوسية أما إن كانت يهودية أو نصرانية فلا يرد البيع بذلك( ) .

الأدلـة :

استدل أهل القول الأول بما تقدم في المسألة السابقة في حكم رد العبد الكافر .
أما أهل القول الثاني فالذي يظهر لي أن عمدتهم في ذلك أن الاستمتاع أهم منافع الأمة والتهود والتنصر لا يمنع من ذلك فلا يرد البيع من أجله أما بقية الأعمال فلا دخل للكفر فيها .
وعلى هذا فالذي يظهر لي أنه لا يرد البيع بكون الأمة كتابية ما لم يكن هناك خديعة من البائع .

سادساً : عدم الختان :

من المعلوم عند المحققين من أهل العلم أن الختان واجب في حق الذكر سنة في حق الأنثى وقد بينت ذلك بدلائله في مبحث مستقل بعنوان ” حكم ختان الرجل وحكم ختان المرأة ” ( ) فإن بِيع عبد وليس بمختون فإنه قد يموت إذا ختنه المشتري وكذا الأمة إضافة إلى ما يصاحبه من ألم شديد يعيق عن العمل المطلوب من العبيد ، ومن هنا تكلم العلماء في حكم رد البيع إذا ظهر أن الرقيق المباع غير مختون .
فأما بالنسبة للعبد فقد اتفقت المذاهب الأربعة على أن عدم ختان العبد الكبير الذي فات وقت ختانه عيب يرد به البيع ، لكن قيد الحنفية الحكم بأن لا يكون العبد حربيا لأن أهل دار الحرب لا ختان لهم . وقيده المالكية بأن يكون مولودا في ديار المسلمين أو أن يكون طويل الإقامة بين المسلمين إن كان مجلوبا( ).
واستدل أهل العلم لهذا القول بما يلي :
1 – أن في الختان حالة الكبر زيادة ألم ( ) .
2 – أنه يخاف على العبد من الختان في حالة الكبر فربما أدى إلى موته( ).
وأما تقييد الحنفية لاعتبار العيب بأن لا يكون مجلوبا من دار الحرب ، فلأن أهل دار الحرب لا ختان لهم فلو جعل ذلك عيبا يرد به لضاق الأمر على الناس ولأن الختان إذا لم يكن من فعل أهل دار الحرب وعادتهم ومع ذلك اشتراه كان ذلك منه دلالة على الرضا بالعيب ( ) .
وأما تقييد المالكية بأن يكون مولودا أو طويل الإقامة عند المسلمين إن كان مجلوبا فظاهر حيث إن الغالب ختانه فإذا كان غير مختون فهو عيب أما المجلوب حديثا من عند الكفار فالغالب عدم ختانه فكأن المشتري اشتراه وهو يعلم بحاله.
وأما إن كان البيع وقع على جارية كبيرة غير محفوظة فقد وقع في رد البيع خلاف بين أهل العلم على قولين :
القول الأول : عدم الختان عيب ترد به الأمة هذا ما ذهب إليه الأحناف والمالكية ( ) .
القول الثاني : عدم ختان الأمة ليس بعيب يرد به البيع هذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ( ) .

الأدلــة :

استدل أهل القول الأول بما سبق من:
1- أن في الختان حالة الكبر زيادة ألم ( ) .
2- وبأن الغالب أن المولود في دار الإسلام لا يترك دون ختان حتى يبلغ فإن لم يختن فإن التجار يعدونه عيبا ( ) .
واستدل أهل القول الثاني بأن الختان ليس بواجب في حق الأمة ( ) فلا يعد تركه عيبا.
الترجيح :
الذي يظهر لي أن عدم الختان ليس بعيب في الأمة لما يلي :
1 – أن عدم الختان في حقها ليس بمذموم شرعا إذ أن الختان ليس بواجب في حقها.
2 – أن عدم الختان لا يؤثر على صحة الأمة ولا على عملها في الخدمة ولا على التسري بها.
وبهذا يختلف الحكم في الرد بعدم الختان فيقال بالرد في العبد ولا يقال به في الأمة .

سابعاً : التزوج :

من المعلوم أن الرقيق قد يراد للعمل وقد يراد للتجارة وقد يراد للوطء وهذا في الأمة على وجه الخصوص وكون الرقيق متزوجا قد يؤثر على هذه المصالح ومن هنا تكلم العلماء في حكم رد البيع إذا تبين أن الرقيق متزوج.
فإن كان البيع وقع على أمة ثم ظهر أنها متزوجة فالمذاهب الأربعة تنص على أنه عيب يرد به البيع ( ) .
ويستدل لذلك بما يلي :
1 – قال ابن المنذر : أجمعوا على أن الجارية إذا اشتراها الرجل ولها زوج والمشتري لا يعلم أن ذلك عيب يجب به الرد ( ) .
2 – أن المقصود بملك الجارية الاستفراش وهذا المقصود يختل إذا ظهر أنها منكوحة الغير( ).
أما إن كان البيع وقع على عبد ثم تبين أنه متزوج ففي حكم رد البيع بذلك خلاف على قولين :
القول الأول : أنه عــيب يرد به البيع وإليه ذهب الأحناف والمالكية والشافعية ( ).
القول الثاني : أن تَزَوُّج العبد لا يعد عيبا يرد به البيع في مذهب الحنابلة( ).
الأدلــة :
استدل الجمهور لمذهبهم بأن العبد بسبب النكاح تلزمه نفقة امرأته وذلك ينقص من ماليته( ).
أما الحنابلة فلم أرهم نصوا على دليل لمذهبهم لكن الذي يظهر أنهم لم يعتبروا التزوج عيبا يرد به البيع في حق العبد .

الترجيح :
الذي يظهر لي أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن النكاح عيب في العبد لما يلي :
1 – لأنه لا بد من الإنفاق على زوجته من مال سيده وفي هذا إضرار به( ).
2 – أن القيام بمهام الزوجية يشغل عن العمل ويقلل الرغبة فيه عند بيعه وبهذا يتضح أنه لا فرق بين العبد والأمة في هذه المسألة، والله أعلم .

الخاتمة

بعد ما تقدم من مباحث طوفنا فيها على أقوال العلماء وأدلتهم ووجوه الاستدلال بها ظهر لي نتائج عامة ونتائج خاصة.
فأما النتائج العامة فأهمها ما يلي:
1 ـ أن محاولة التسوية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات كما ينادي به دعاة تحرير المرأة ضرب من العبث إذ أن الحكيم الخبير مايز بينهما في الأحكام الشرعية، وهذا يدل على أن التسوية من رابع المستحيلات.
2 ـ أن اختلاف الرجل والمرأة في الأحكام فيه الحكمة والصلاح لكل من الرجل والمرأة حيث إن الله شرع لكلٍ منهما ما يناسب حاله من الناحية الجسدية والنفسية والعقلية.
3 ـ أن اختلاف الرجل والمرأة في الأحكام ليس فيه ما يدعوا إلى انتقاص المرأة بل إن في محاولة تسويتها بالرجل إخراجاً لها عن ما فطرت عليه، وهو إفساد لها أيما إفساد.
أما النتائج الخاصة فتكمن في بيان الراجح في كل مسألة على حدة من ذلك:
1 ـ أن مزاولة التجـــارة في الأســـواق مباح للرجل، وأما المرأة فلا يباح لها إلا بقيود زائدة على ما يجب على الرجل أن يتقيد به عند الخروج للتجارة كما مرَّ في البحث.
2 ـ أن التفريق بين الأمة وولدها والعبد وولده في البيع غير جائز قبل التمييز خلافاً لمن جوز التفريق بين العبد وولده دون الأمة وولدها.
3 ـ أن البيع بعد نداء الجمعة حرام في حق الرجل المكلف ويحكم بفسخه خلافاً للمرأة بشرط عدم تعاملها مع أحد من أهل الوجوب.
4 ـ أنه يجوز بيع المدبَّر والمدبَّرة ولا فرق بينهما في ذلك خلافاً لمن فرَّق.
5 ـ أن البخر عيب في الأمة والعبد وكذا الذفر وكذا الزنا.
6 ـ أن كون العبد ولد زنا لا يعتبر عيباً يرد به البيع بخلاف الأمة.
7 ـ أن كون العبد كافراً لا يعتبر عيباً يرد به البيع، وأما الأمة فإن كانت كتابية فلا يرد البيع، وإن لم تكن كتابية فكفرها عيبٌ يرد به البيع.
8 ـ أن عدم الختان عيبٌ يرد به البيع في العبد الكبير بخلاف الأمة.
9 ـ أن النكاح عيبٌ في الأمة والعبد يرد به البيع خلافاً لمن فرَّق.

الحواشي والتعليقات