تنقسم القيود التي ترد على حرية التملك إلى نوعين رئيسين : الأول خاص بتقييد حرية التملك بالنسبة للأجانب ، والثاني خاص بحرية تملك الاراضي الزراعية. يضاف إلى ذلك نوع خاص من القيود تفرضه طبيعة الشخص نفسه ، ونعنى به الشخص المعنوي.

أولاً : تقييد حرية التملك بالنسبة للأجانب :

القيود التي ترد على حرية التملك بالنسبة للأجانب تظهر بالدرجة الاولى في تملك الأجنبي للعقارات . فالدول تتشدد عادة في اباحة تملك الاجانب للعقارات على اعتبار انها عماد الثروة الوطنية . ولهذا نصت المادة 18 من الدستور المؤقت لسنة 1970 على ان : “التملك العقاري محظور على غير العراقيين ، إلا ما استثنى بقانون ” . اما المنقولات فالأصل اباحة تملك الاجانب لها إلا ما يستثنى من ذلك في احوال خاصة (1). وقد نظم المشرع العراقي القواعد المتعلقة بتملك الاجنبي (2) للعقار في العراق بالقانون رقم 34 الصادر سنة 1943 ثم بالقانون رقم 38 لسنة 1961 وتعديلاته التي كان اخرها بالقانون رقم 82 لسنة 1964. فقد منع هذا القانون الاجنبي من تملك العقار من صنف الملك الصرف في العراق لأي سبب من اسباب التملك ، الاعلى اساس المعاملة بالمثل في البلد الذي ينتمي إليه طالب التملك ، وموافقة وزارة الداخلية على منحه هذا الحق وبالشروط الآتية : –

أ- سبق اقامة الاجنبي في العراق لمدة لا تقل عن سبع سنوات .

ب- عدم وجود مانع اداري او عسكري.

جـ – ألا يكون قريباً من الحدود العراقي بما يقل عن ثلاثين كيلو متراً.

د- ألا يكون العقار المطلوب تملكه ارضاً زراعية او ارضاً اميرية اياً كان نوعها.

ولم يبح القانون الاجنبي ان يمتلك من العقارات في العراق ، إذا توافرت الشروط المتقدمة ، اكثر من دار سكن واحدة ومحل للعمل إذا كانت له مهنة يزاولها بنفسه في العراق. وتعتبر الحصة الشائعة ملكية تامة لهذا الغرض (3) فإذا آلت إليه ملكية عقار آخر من الأملاك الصرفة بأي سبب يزيد عن الحد المذكور اعلاه وجب عليه ان ينقل ملكية الزائد منه إلى عراق خلال اربع سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون وإلا بيع ما زاد على الحد القانوني بناء على طلب الحكومة العراقية طبقاً لأحكام قانون التنفيذ.

أما بالنسبة للأراضي الزراعية، فلم يجز القانون الاجنبي ، لأي سبب كان ، الاحتفاظ بملكيتها سواء اكتسبها قبل نفاذ القانون أو بعده وعليه ان ينقل ملكيتها إلى عراقي خلال المدة المشار إليها سابقاً ، وإلا قامت الحكومة ببيعها وفقاً لأحكام قانون التنفيذ. وكذلك فإنه لا يجوز للأجنبي لأن يكتسب حق التصرف في الأراضي الاميرية كما ان المادة (1199) من القانون المدني العراقي قد جعلت من اختلاف الجنسية بين المتصرف في الأراضي الاميرية وصاحب حق الانتقال مانعاً من الانتقال. ولا شك في أن الاحكام المتقدمة من النظام العام ، فكل تصرف أو اتفاق مخالف لها يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً ، وبحكم بالبطلان بناء على طلب الحكومة ، او طلب كل ذي مصلحة ، وعلى المحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها. ولكن يلاحظ أنه إذا كان المشرع العراقي قد منع تملك الاجنبي للعقارات في العراق. فإنه قد استثنى من ذلك رعايا وابناء الدول والاقطار العربية. الذين تطبق بحقهم قوانين خاصة. ومن هذه القوانين القانون رقم 19 لسنة 1953 بشأن تملك الكويتيين للأموال غير المنقولة في العراق فيجوز لرعايا الكويت تملك العقارات بما فيها الأراضي الزراعية (4). وكذلك القانون رقم 5 لسنة 1955 بشأن تملك رعايا جامعة الدول العربية والامرات العربية الأموال غير المنقولة في العراق وكذلك البساتين الكائنة ضمن حدود البلديات في حدود مراكز الالوية (المحافظات) والاقضية بشرط المعاملة بالمثل باستثناء الاراضي الزراعية.

ثانياً – تقييد حرية تملك الاراضي الزراعية :

اما القيد الثاني الذي يرد على حرية التملك فهو قيد تفرضه قوانين الاصلاح الزراعي إلي صدرت في بعض البلاد العربية كمصر (5) والعراق، فقد حددت هذه القوانين حداً اقصى لتملك الافراد للأراضي الزراعية لا يجوز تجاوزه إلا في حالات استثنائية. ففي العراق كان من الطبيعي ان تولي الثورة عنايتها لطيفة الفلاحين إلي تؤلف قطاعا مهما من قطاعات الشعب وذلك بالقضاء على الاقطاع وتوزيع الملكيات الزراعية الكبيرة التي تحقق الكثير منها عن طريق غير مشروع. ولهذا فقد صدر في اعقاب ثورة تموز 1958 قانون الاصلاح الزراعي رقم30 لسنة 1958 (المهن ) ليفيد حق تملك الاراضي الزراعية فقد نصت المادة الاولى من هذا القانون بأن الحد الاقصى الذي يجوز ان يمتلكه الشخص أو يحتفظ به من الاراضي الزراعية هو الف دونم من الاراضي التي تسقي سيحا أو بالواسطة والفاً دونم من الاراضي التي تسقي ديما أو ما يعادل هذه النسب من النوعين إلا ان الثغرات والنواقض التي تكشف عنها هذا القانون والاخطاء التي رافقته في التنفيذ حالت دون ان يحقق القانون المذكور اهدافه في مدة الخمس سنوات المحددة فيه ولهذا فقد اعلنت ثورة 17 تموز 1968 عن عزمها على تطبيق اصلاح زراعي جذري يحقق ثورة زراعية تكون دعامة مهمة للتطور الاقتصادي والاجتماعي فيث القطر ويتلافى النواقض التشريعية التي كانت في قانون سنة 1958 ، وبتجنب الاخطاء التي رافقت هذا القانون في التنفيذ (6) ، فأصدرت القانون رقم 117 سنة 1970 الذي جاء بمبادئ وبمحتوى جديد للأصلاح الزراعي سواء في تحديد الملكية الزراعية ، او في التوزيع ، أو في العلاقات الزراعية أو في التعاون الزراعي ، أو في الاجراءات ويلاحظ ، بقدر ما يتعلق الأمر بموضوعنا، ان القانون الجديد قد خفض الحد الاقصى للملكية الزراعية عما كان مقرراً في القانون السابق مراعيا في ذلك عوامل متعددة كخصوبة الارض وقابليتها الانتاجية وطريقة ربها ونوع زراعتها بالاضافة إلى قربها او بعدها من مراكز التسويق . (7) على انه قد استثنى البساتين من أحكام تحديد الملكية الزراعية فأجاز لمن يملك بستاناً تتجاوز الحد الأعلى الاحتفاظ بكامل مساحتها ، وذلك بقصد تشجيع البستنة والحفاظ عليها كجزء من الثروة الوطنية الزراعية . فقد نصت المادة الثانية ف (جـ) من هذا القانون على انه : “لا تحسب ضمن الحد الاعلى المقرر بهذه المادة المساحة المغروسة بالنخيل والاشجار منذ مدة لا نقل عن خمس سنوات على ان لا يقل عددها عن اربعين شجرة لكل دونم وعلى ان يؤخذ بنظر الاعتبار معدل عدد الاشجار وان يكون عمر اكثريتها لا يقل عن خمس سنوات وان لا يقل عدد الاشجار المثمرة منها من عشرين شجرة لكل دونم”. ويلاحظ كذلك ان مجلس قيادة الثورة قد عدل الدستور المؤقت بالغاء التعويض عن الارض المستولي عليها الزائدة عن الزائدة عن الحد الاعلى للملكية الزراعية وتنفيذاً لذلك فقد الغى التعويض عن الارض المستولي عليها بموجب قانون الاصلاح الزراعي.

ثالثاً – تقييد حرية الشخص المعنوي في التملك :

يتمتع الشخص المعنوي ، كالشخص الطبيعي بأهلية الوجوب واهلية الأداء، على ان اهلية الشخص المعنوي بنوعيها تختلف عن أهلية الشخص الطبيعي. وطالما ان اهلية الوجوب هي التي تهمنا هنا، باعتبارها صلاحية الشخص لأن تكون له حقوق وعليها التزامات ، فإننا سنقتصر على ايحاز الكلام فيها بقدر ما يتعلق الامر بحق الملكية (8) فالشخص المعنوي ذو اهلية وجوب ، ولكنها اهلية محدودة . ذلك ان طبيعة الشخص المعنوي المختلفة عن الشخص الطبيعي تحوي دون اكتسابه حقوقاً لا تثبت إلا الانسان ،كحقوق الاسرة (9) وبعض الحقوق المالية التي هي بحسب مضمونها لاتثبت الا للشخص الطبيعي كحق السكني وحق الاستعمال . كما ان اهلية الشخص المعنوي في اكتساب حق الملكية ترد عليها قيود تطبيقاً لمبدأ التخصص او لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة أو اعمالاً لما ورد في سند انشائه من قيود. فتطبيقاً لمبدأ التخصيص ، لا يجوز للشخص المعنوي ان يتملك أو يكتسب من الحقوق او يجري من التصرفات مالا يتفق مع الغرض الذي انشئ من اجله. وقد تقضي المصلحة العامة تقييد حرية الشخص المعنوي حقوق ملكية أو اية حقوق اخرى على عقارات إلا بالقدر الضروري لتحقيق الغرض الذي انشئ من اجله هذا وقد تتقيد حرية الشخص المعنوي في التملك بمقتضى ما يرد في سند انشائه من قيود (10).

_________________

1- فقد تقضي ضرورات تنظيم الحياة الاقتصادية في البلد ان يمنع الاجانب من تملك بعض المنقولات بالنظر لأهميتها كالسفن واسهم القرض الوطني وبعض العملات الاجنبية حيث تحدد الحرية في تملكها بمقدار معين كما هو عليه الحالة في بعض البلاد العربية.

2- الأجنبي هو كل شخص لا يحمل الجنسية العراقي ، ولم يكن من رعايا الدول والامارات العربية (م 154 من قانون التسجيل العقاري).

3- المادة 155 من قانون التسجيل العقاري.

4- انظر ايضاً القانون رقم 39 لسنة 1965.

5- فقد صدر في مصر قانون الاصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952.

6- راجع الاسباب الموجبة لقانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1980. وانظر: محمد طه البشير ، الحقوق العينية الاصلية ، ص29.

7- تراجع المادة الثانية من قانون الاصلاح الزراعي لسنة 1970 التي تضمنت الحدود العليا الجديدة الملكية الزراعية وفق الاسس المشار إليها في اعلاه.

8- التفصيل : راجع كتابنا في النظرية العامة للالتزام المشار إليه ايضاً ، ف316 وما بعدها.

9- وهذا ما عبرت عنه الفقرة الثانية من المادة (48) من القانون المدني العراقي بقولها : “ويتمتع الشخص المعنوي بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازماً لصفة الشخص الطبيعي”.

10- راجع فيما تقدم : عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية ، ج2، الحق، الكويت 1970 ، 2 ص 612 ، 613.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .