القتل المقترن بجناية و القتل المرتبط بجنحة

الاستاذة/ مها عبد المنعم إسماعيل عيد
خطة البحث
مقدمة
المطلب الأول: اقتران القتل بجناية
المطلب الثاني: ارتباط القتل بجنحة
الفرع الأول: مفهوم ارتباط القتل بجنحة
الفرع الثاني: علة التشديد وشروط الارتباط الموجب للتشديد
الفرع الثالث: عقوبة القتل المرتبط بجنحة
المراجـــــع

مقدمة
قال الله تعالى في محكم آياته ‘‘وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ‘‘، إن في مقدمة ما يحرص عليه تنظيم التعايش الاجتماعي هو صيانة سلامة الفرد، لأنه أحد الخلايا المكونة لجسم المجتمع ولا وجود لأي مجتمع بدون توفير الحماية البدنية للفرد، وبذلك فإن جرائم الاعتداء على الأشخاص تعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد تماسك المجتمع وتحد من قدراته وتقف عائقاً في طريق تقدمه ونمائه. والجريمة كظاهرة متأصلة منذ القدم لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية وهي لا تعدو أن تكون ردة فعل لعدة عوامل اجتماعية ونفسية وبيئية وتربوية واقتصادية وثقافية وغيرها وتتنوع من حيث طبيعتها وأشكالها وأساليبها من مجتمع لأخر تبعاً لتنوع الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وجريمة القتل لا ريب من أقدم الجرائم على وجه البسيطة إذ تعود إلى ما روي عن نبأ بني آدم في قوله سبحانه وتعالى في سورة المائدة‘‘فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ‘‘، فأطماع النفس وأهوائها قد تحيد بها عن الصراط المستقيم، لذا كان من الضروري وجود ضابط يكبحها، فتكفلت الشرائع السماوية بذلك فوضعت معيار العقاب ثم تلتها بعد ذلك القوانين الوضعية هادفة حماية المجتمع والحفاظ عليه، ففرضت الجزاء على من يقترف جريمة تخالف نظمه وأحكامه.

ففي التشريعات الوضعية القديمة كانت عقوبة الإعدام مرتبطة بالنتيجة الإجرامية لجرائم القتل بصرف النظرعن توافر أو عدم التوافر القصد الجنائي وعن الظروف الشخصية والعينية لارتكاب الجريمة، والمثل على ذلك قانون حمورابي الذي كان يقرر الإعدام في حالات متعددة يحدث فيها الموت بدون قصد، كالموت الناتج عن ضرب امرأة حامل أو عن انهدام البناء نتيجة عيب فيه.

أما التشريعات الحديثة ومع التطور السريع الذي لحق بها فقد اهتمت إلى حد بعيد بتلك الظروف لأن الجانب الشخصي أصبح له دور حاسم في تقرير وتدرج المسؤولية الجنائية ولذلك نجد فعل القتل قد تفرع إلى عدة جرائم تتراوح عقوباتها بين الحبس والسجن المؤبد والإعدام.

وفي التشريع المصري، شدد المشرع عقاب القتل العمد إذا توافر أحد الظروف التي نُص عليها، والظروف المشددة وشروطها وآثارها تثير الجدل والاختلاف بين فقهاء القانون الجنائي، ولكن أكثر تلك الظروف إثارةً للجدل هو اقتران القتل العمد بجناية أو ارتباطه بجنحة، والفارق بينهما، الأثر القانوني المترتب على توافر أيهما.

المطلب الأول: اقتران القتل بجناية
ونحاول الوقوف فيه على مفهوم اقتران القتل بجناية، وعلة تشديد عقوبة القتل وشروط الإقتران الموجب للتشديد ثم نتناول أخيراً عقوبة القتل المقترن بجناية.

الفرع الأول: مفهوم اقتران القتل بجناية
تشدد عقوبة القتل العمد من السجن المؤبد أو المشدد إلى الإعدام إذا ارتكب الفاعل جناية أخرى بجانب جناية القتل في فترة زمنية قريبة. فالجاني إنما يكشف عن خطورته الإجرامية عندما يرتكب جنايتين إحداهما قتل في فترة زمنية متقاربة. وقد كان الأمر يقتضي وفقاً لقواعد العامة تطبيق العقوبة الأشد إذا كان هناك ارتباط بين الجريمتين لا يقبل التجزئة، كجريمة هتك عرض في الطريق العام التي تقوم بها جريمتين جريمة هتك عرض وجريمة فعل فاضح في الطريق العام، أو عقوبة كلتيهما معاً إذا لم يكن ثمة ارتباط بين الجريمتين كجريمة قتل مستقلة أو جرائم سرقة متعددة مستقلة. غير أن المشرع خرج عن القواعد العامة وقرر معاقبة المتهم بعقوبة مشددة بالنسبة لجريمة القتل العمد التي تقترن بجناية وهي الإعدام.

فنصت الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات على أنه ” …. ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى ……”

الفرع الثاني: علة التشديد وشروطه
علة التشديد وشروطه

علة التشديد
ترجع علة التشديد في عقوبة المتهم نظراً لما يدل على خطورة اجرامية في شخصية الجاني. والتشديد يفترض تعدد الجرائم خلال فترة وجيزة، ومتى انعدم الاقتران امتنع اعتبار الجناية الأخرى ظرفاً مشدداً، ووجب اعتبارها جريمة مستقلة تتعدد مع جريمة القتل وتطبق عليها القواعد العامة في تعدد الجرائم.

شروط التشديد
شروط الاقتران الموجب للتشديد:

يفترض إعمال الظرف المشدد أن يكون:

1-المسئول عن الجنايتين شخص واحد.

2-أن تكون جريمة القتل جناية.

3-اقتران جناية القتل العمد بجناية أخرى.

4-توافر رابطة زمنية بين جريمة القتل العمد والجناية الأخرى.

ولم يتطلب القانون ارتباط القتل بالجناية الأخرى ارتباطا لا يقبل التجزئة أو اشتراكا في وحدة الغرض الإجرامي، لأن القانون يشدد عقاب القتل العمد إذا تقدمته أو اقترنت به أو تلته جناية أخرى. لذلك يتطلب لتوافر الظرف المشدد ارتكاب جناية أخرى إلى جانب القتل في فترة زمنية وجيزة تدل على اقترانهما.

أولاً -الجناية الأخرى

إشتراط إرتكاب جناية أخرى إلى جانب القتل العمد هو أمر مستفاد من صريح نص المادة 234 من قانون العقوبات المصري. فالتشديد لا يتوافر موجبه إلا متى كانت الجريمة المقترنة بالقتل العمد جناية، ومتي كانت جنحة بحسب الأصل أو إقترنت بعذر قانوني مخفف فصارت جنحة فلا يكون هناك محل لتشديد عقاب القتل العمد، لكونه لم يقترن أصلاً بجناية.

وقانون العقوبات لا يعتد بنوع الجناية التي اقترنت بجريمة القتل العمد، فقد تكون جناية قتل أخرى أو سرقة أو ضرب أفضى إلى الموت أو اغتصاب، أو غير ذلك من جنايات.

ولا يتطلب القانون في الجناية الأخرى أن ترتكب تامة، بل إنها قد تقف عند مرحلة الشروع، ذلك أن الشروع في الجناية يعد جناية في حد ذاته.بينما يعتد القانون في التشديد بجريمة القتل العمدي الأصلية والتي لابد أن ترتكب تامة أي تكتمل جميع أركانها، فإذا توقفت بدورها عند مرحلة الشروع لم يكن هناك محل لتشديد عقاب الشروع في القتل العمد لإقترانه بالشروع في جناية أخرى.

ويقتضي التشديد في حالة إقتران القتل بجناية توافر شرطان في الجناية الأخرى، أولهما استقلال الجناية الأخرى عن القتل، وثانيهما هو أن تكون الجناية الأخرى معاقب عليها.

الشرط الأول: استقلال الجناية الأخرى عن جريمة القتل
فيجب أن تكون الجناية المقترنة بالقتل مستقلة عن جريمة القتل العمدي ومتميزة عنه بمعنى استقلال السلوك المرتكب من الجاني في جريمته الثانية عن الجريمة الأولى. وعلى ذلك فلا يتوافر الظرف إذا ما كان سلوك الجاني الواحد غير المتجزئ قد أحدث النتيجتين، كما لو أطلق الجاني رصاصة قتلت شخصين، أو ألقى بقنبلة قتلت عدة أشخاص. فوحدة الفعل هنا تحول دون وصف إحدى النتيجتين بأنها جناية أخرى وإنما يتعلق الأمر بجناية واحدة.

أما إن تعددت الأفعال وكان كل منها يكون جريمة مستقلة عن الأخرى توافر الظرف المشدد متى كانت إحدى هذه الجرائم قتلاً عمداً، كما لو أطلق المتهم عياراً نارياً بقصد القتل فقتل شخصاً ثم أطلق عياراً نارياً ثانياً على آخر بقصد قتله فأصابه بجروح. وبهذا قضت محكمة النقض المصرية: (يكفي لتطبيق الشطر الأول من الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات وقوع أى فعل مستقل عن الفعل المكون لجناية القتل العمد متميز عنه ومكون بذاته لجناية من أي نوع كان(

الطعن رقم 453 -لسنة 29 قضائية -تاريخ الجلسة 13-4-1959 -مكتب فني 10 -رقم الجزء 2 -رقم الصفحة 422

كذلك لا يقوم الاقتران إذا ما كانت الجريمة الأخرى قد إعتبرت جناية لظرف مشدد فيها هو فعل القتل ذاته، أي كان القتل عنصراً في الجناية وهو الذي غير وصفها ومتى إنفصل عنها أضحت مجرد جنحة.

فمن يرتكب جريمة سرقة بالإكراه؛ يكون فعل الإكراه فيها هو فعل القتل ذاته، لا يتوافر بالنسبة له ظرف الاقتران الموجب للتشديد. وفي هذا قضت محكمة النقض بأن: (إذا كان الثابت بالحكم أن المتهم وآخرين معه قتلوا المجني عليها بطريق الخنق وسرقوا منها قرطها وباقي مصوغاتها وأمتعتها، وقضت المحكمة بمعاقبة هذا المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة طبقاً للمادة 234 فقرة ثانية عقوبات على أساس أن القتل اقترنت به جناية سرقة بإكراه باعتبار أن الإكراه هو فعل القتل، فإنها تكون قد أخطأت. لأن هذه السرقة وإن كان يصح في القانون وصفها بأنها بإكراه إذا ما نظر إليها مستقلة عن جناية القتل العمد إلا أنه إذا نظر إليها معها، كما هو الواجب، فإن فعل الاعتداء الذي يكون جريمة القتل يكون هو الذي يكون في ذات الوقت ركن الإكراه في السرقة.

ولما كانت المادة 32 من قانون العقوبات صريحة في أن الفعل الواحد إذا صح في القانون وصفه بعدة أوصاف فلا يصح أن يوقع على مرتكبه إلا عقوبة واحدة هي المقررة للجريمة التي عقابها أشد، ولما كان هذا مقتضاه أن الفعل الواحد لا يصح أن يحاسب عليه فاعله إلا مرة واحدة، فإنه متى كان الفعل يكون جريمة لها عقوبة خاصة بها ويكون في ذات الوقت ظرفاً مشدداً لجريمة أخرى، يجب عند توقيع العقاب على المتهم أن لا يكون لهذا الفعل من اعتبار في الجريمتين المسندتين له إلا بالنسبة للجريمة الأشد عقوبة، فإذا ما كانت هذه الجريمة هي التي يكونها الفعل عدت الأخرى فيما يختص بتوقيع العقوبة كأنها مجردة عن الظرف المشدد. ثم إن القانون في الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة 234 المذكورة إذ غلظ عقوبة القتل العمد متى ارتكبت معه جناية أخرى إنما أراد بداهة أن تكون الجناية الأخرى مكونة من فعل مستقل متميز عن فعل القتل، ومقتضى هذا ألا تكون الجناية الأخرى مشتركة مع جناية القتل في أي عنصر من عناصرها ولا في أي ظرف من ظروفها المعتبرة قانوناً عاملاً مشدداً للعقاب. فإذا كان القانون لا يعتبرها جناية إلا بناء على ظرف مشدد، وكان هذا الظرف هو المكون لجناية القتل العمد، وجب عند توقيع العقاب على المتهم ألا ينظر إليها إلا مجردة عن هذا الظرف).

الطعن رقم 1893 -لسنة 12 قضائية -تاريخ الجلسة 23/11/1942 -مكتب فني 6 ع -رقم الجزء 1 -رقم الصفحة 22

الشرط الثاني: أن تكون الجناية الأخرى معاقباً
يشترط للإعتداد بالجناية الأخرى كظرف مشدد لعقاب القتل العمد الذي إقترنت به أن تكون تلك الجناية معاقب عليها، إذ أنه طالما كانت الجناية الأخرى غير معاقب عليها لم يكن هناك محل لتغليظ عقوبة جريمة القتل الأصلية، وتكون الجناية الأخرى غير معاقب عليها أو غير مستوجبة العقاب متى توافر للفعل سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب.

وقضت محكمة النقض بأن (القانون حين نص في المادة 234 من قانون العقوبات على تغليظ عقوبة جناية القتل إذا تقدمته أو اقترنت به أو تلته جناية أخرى إلخ، قد قدر أن الجاني إرتكب جريمتين لكل منهما عقوبتها بالنسبة إليه فقرر لهما معاً عقوبة واحدة مغلظة ينطوي فيها عقابه عن الجريمتين. ومقتضى ذلك أنه إذا كانت الجناية الأخرى لا عقاب عليها لسبب خاص بالمتهم فإن التغليظ لا يكون له من مبرر. وإذن فإذا قتل الأبن أباه لسرقة ماله فلا يصح الحكم بالعقوبة المغلظة عليه. إذ الحكم عليه بهذه العقوبة معناه أنه قد عوقب أيضاً على السرقة في حين أن القانون لا يعاقبه عليها)

الطعن رقم 746 -لسنة 15 قضائية -تاريخ الجلسة 21/5/1945-مكتب فني 6 ع -رقم الجزء 1 -رقم الصفحة 713

ثانيا: توافر صلة زمنية بين الجنايتين:
يشترط القانون لقيام هذا الظرف أيضا أن توافر إقتران زمني بين جناية القتل العمد والجناية الأخرى التي إقترنت بها ، أي لابد من تقارب المسافة الزمنية بين إرتكاب فعل الفتل وإرتكاب الجناية الأخرى، سواء تم ارتكابهما في وقت واحد، أي متعاصرتان، أو سبقت إحداهما الأخرى.

وتحديد هذه الصلة الزمنية هو أمراً متروكاً لقاضي الموضوع ليقدر مدى التقارب بين الجريمتين بما يوفر الإقتران، وهذه الصلة الزمنية لا تتطلب بالضرورة توافر صلة مكانية بين الجريمتين ، فقد ترتكب كل منهما في مكان بعيد نسبياً عن مكان إرتكاب الاخرى دون إنتفاء الصلة الزمنية بينهما.

وقررت محكمة النقض المصرية أن ( الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات يتناول بنصه على تغليظ العقاب في جناية القتل العمد متى “تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى” جميع الأحوال التي يرتكب فيها الجاني علاوة على فعل القتل أي فعل مستقل متميز عنه، مكون في ذاته لجناية أخرى مرتبطة مع جناية القتل برابطة الزمنية ولو كانت الأفعال قد وقعت أثناء مشاجرة واحدة، بل ولو كانت لم ترتكب إلا لغرض واحد أو بناء على تصميم جنائي واحد أو تحت تأثير سورة إجرامية واحدة، إذ العبرة هي بتعدد الأفعال وتميزها بعضها عن بعض بالقدر الذي يعتبر به كل منها مكوناً لجريمة مستقلة، فإذا أثبت الحكم على المتهم أنه عقب ارتكابه فعل القتل على شخص شرع في قتل شخص آخر وأوقع به القصاص طبقاً للفقرة الثانية من المادة 234 ع، فإنه يكون قد طبق القانون على الوجه الصحيح.)

الطعن رقم 1916 – لسنة 9 قضائية – تاريخ الجلسة 30/10/1939 – مكتب فني 4 ع – رقم الجزء 1- رقم الصفحة 591

الفرع الثالث: عقوبة القتل المقترن بجناية
يترتب على توافر ظرف اقتران القتل بجناية وجوب توقيع عقوبة الإعدام. فالجناية الأخرى تفقد استقلالها وتتحول إلى مجرد ظرف مشدد لعقوبة القتل العمد. وهذا يعني عدم جواز توقيع عقوبة تلك الجناية بجانب عقوبة القتل العمد. ومتي انتفت مسئولية المتهم عن القتل تعين توقيع العقاب عليه من أجل الجناية الثانية ذلك أنه تسترد استقلالها بعد انتفاء وصف الظرف المشدد لعقوبة القتل عنها.

وتوقع عقوبة القتل العمد على من ساهم في الجنايتين بوصفه فاعلاً فيهما أو بوصفه فاعلاً في إحداهما وشريكاً في الأخرى أو بوصفه شريكاً فيهما معاً.

أما إذا ساهم المتهم بوصفه فاعلاً أو شريكاً في إحدى الجريمتين دون الأخرى فلا يطبق عليه ظرف الاقتران، إلا إذا كانت الجريمة الأخرى نتيجة محتملة للجريمة التي ساهم فيها طبقاً للمادة 43 من قانون العقوبات.

المطلب الثاني: ارتباط القتل بجنحة
ونتناول في هذا المطلب مفهوم ارتباط القتل بجنحة، ثم نوضح علة التشديد وشروط الإرتباط الموجب للتشديد، وأخيراً عقوبة القتل المرتبط بجنحة.

الفرع الأول: مفهوم ارتباط القتل بجنحة
لم يقف الشارع في تشديد العقوبة عند حالة اقتران القتل بجناية أخرى، ولكنه توسع في التشديد ليشمل حالة ارتكاب الجاني جناية لتسهيل ارتكاب جنحة أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة. وعلى عكس الاقتران الزمني بين جناية وأخرى، فالأمر هنا يتعلق بالارتباط السببي بين جناية القتل وجنحة أخرى. وتوضح المادة 234 من قانون العقوبات معنى الارتباط السببي. فتنص في فقرتها الثانية على أنه ” إذا كان القصد منها -أي الهدف من جناية القتل -التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو السجن المؤبد.

على ذلك فإن الارتباط السببي يعني أن القتل لم يكن إلاّ وسيلة استعان بها الجاني، إما لارتكاب جريمة أخرى أو للهرب بعد ارتكابها أو الشروع فيها أو قتل الشاهد للتهرب من العقاب عن جنحة سبق أن ارتكبها.

وعلى الرغم من أن ارتباط القتل بجنحة يعد ظرفاً مشدداً لجناية القتل شأنه في ذلك شأن اقترانه بجناية. إلا أن هناك عدة فروق بينهما، تتمثل في:

– أولاً: يلزم أن يرتكب الفاعل جناية في حالة الاقتران بينما يُكتفى بارتكابه لجنحة في حالة الارتباط.

ثانياً: إن الارتباط يكون زمنياً في حالة الاقتران بجناية، بينما هو ارتباط سببي في حالة ارتكاب القتل من أجل ارتكاب جنحة، فمن يقتل تخلصاً من مسئولية سرقة بسيطة يشدد عقابه ليصير الإعدام أو السجن المؤبد.

– ثالثاً: يترتب على الاقتران تشديد عقوبة القتل العمد من السجن المؤبد أو المشدد إلى الإعدام، بينما ارتباط القتل بجنحة يؤدي إلى تشديد العقوبة إلى الإعدام أو السجن المؤبد.

الفرع الثاني: علة التشديد وشروط الارتباط الموجب للتشديد
ويفترض التشديد تعدد الجرائم مع وجود صلة سببية بينهما، فالجاني لا يرتكب القتل لذاته وإنما يرتكبه -وهو جريمة جسيمة -في سبيل ارتكاب جريمة أقل منه جسامة أو تخلصاً من المسئولية الناشئة عنها.

ويعتد المشرع بصلة السببية النفسية التي تربط في ذهن الجاني بين القتل والجريمة الأخف منه، فيعتبر ارتكاب القتل لتحقيق مقصد الجاني سبباً لتشديد عقاب القتل خروجاً عن القواعد العامة في تعدد الجرائم.

علة التشديد
يرجع تشديد العقوبة من السجن المؤبد أو المشدد إلى الإعدام أو السجن المؤبد في حالة إرتكاب القتل من أجل تسهيل إرتكاب الجنحة أو التخلص من المسئولية الناشئة عنها، أن الجاني يكشف بسلوكه هذا عن شخصية إجرامية خطيرة لا تتورع أن تريق الدماء في سبيل تحقيق غاية إجرامية قد تكون قليلة الأهمية.

وما ينطوي عليه ذلك من إستخفاف واستهانة بأرواح الآخرين هو ما يبرر في نظر المشرع تشديد عقاب القتل. وقد كان هذا سبباً كذلك في خروج المشرع على القواعد العامة في تعدد الجرائم عندما ترتبط هذه الجرائم بوحدة الغرض، وتوقع المحكمة في هذه الحالة الأخيرة العقوبة المقررة للجريمة الأشد فقط.

فالجاني الذي يقتل حارس المنزل لكي يتمكن من سرقة محتوياته، أو السارق الذي يقتل صاحب المنزل الذي تعقبه فور السرقة لكي يمسك به تشدد عقوبته لتصبح الإعدام أو السجن المؤبد.

شروط الإرتباط الموجب للتشديد
يقتضي إعمال الظرف المشدد لعقوبة القتل العمد في حالة الارتباط بجنحة، أن ترتكب الجنحة إلى جانب القتل العمد، وأن توجد رابطة سببية بين القتل العمد والجنحة.

أولاً: إرتكاب جنحة:
اشتراط ارتكاب جنحة إلى جانب القتل العمد هو أمر مستفاد من صريح نص المادة 234 من قانون العقوبات المصري. فالتشديد لا يتوافر موجبه إلا إذا كانت الجريمة المرتبطة بالقتل جنحة، مستقلة عن القتل، ومعاقباً عليها بوصفها كذلك.

أ -استقلال الجنحة عن القتل

يشترط أن تكون الجنحة مستقلة عن القتل بمعنى إرتكاب المتهم لأكثر من فعل، أحدها يحقق جريمة القتل، والآخر يحقق الجنحة المرتبطة أو الشروع فيها.

فإذا كان مرتكب جريمة القتل لم يتمكن من إرتكاب الجنحة المرتبطة، ولم يشرع في إرتكابها شروعاً يعاقب عليه القانون، وإنما قام بعمل من الأعمال التحضيرية لها أو شرع في تنفيذها شروعاً غير معاقب عليه قانوناً، إنتفى موجب التشديد وعوقب الجاني عن جريمة القتل العمد البسيط.

ب -أن تكون الجنحة معاقباً عليها بوصفها كذلك

وهذا يعني إستبعاد التشديد إذا كان القتل مرتكباً من أجل جناية أخرى أو من أجل مخالفة، كما يعني استبعاد التشديد إذا كانت الجنحة لا تستوجب عقاباً لتوافر سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب.

والقانون لا يعتد هنا بنوع الجنحة، ولا يعتد كذلك بعمدية الجنحة المرتبطة بالقتل، بل يصح أن تكون تلك الجنحة غير عمدية، بمعني أن التشديد يتوافر في حق من يرتكب جنحة قتل بسيارته ثم يقتل رجل الشرطة الذي يلاحقه ليلقى القبض عليه. والقانون لا يتطلب في الجنحة المرتبطة أن ترتكب تامة، بل قد يكتفى بالشروع فيها متى كان الشروع في الجنحة معاقب عليه قانوناً.

ثانياً: وجود رابطة سببية
فموجب التشديد لا يتوافر إلا في وجود رابطة سببية بين جريمة القتل العمد والجنحة المرتبطة بها، ورابطة السببية ذات طبيعة نفسية تقوم على توافر باعث معين كان وراء ارتكاب الجاني لجريمة القتل.
وقد حدد المشرع صورتين تتوافر فيهما رابطة السببية:
الصورة الأولى: والتي يكون فيها القتل سابقاً على ارتكاب الجنحة، ويكون القصد من القتل هو التأهب لارتكاب جنحة أو تسهيل ارتكابها أو ارتكابها بالفعل، بمعنى إن جريمة القتل -في هذه الصورة -كانت الوسيلة لبلوغ غاية معينة.
ومثال ذلك أن يقتل الجاني شخصاً كي يتمكن من تنفيذ جريمة سرقة. أما إذا لم تكن هناك صلة سببية بين القتل والجريمة الأخرى فلا يتحقق الارتباط. ومثال ذلك أن تخطر على بال الجاني وهو يهم بالفرار-بعد قتله المجني عليه بغرض الثأر -فكرة السرقة فيستولى على المبلغ الذي كان يحمله القتيل في سترته. في هذا المثال لا يسأل الجاني عن قتل مرتبط بجريمة أخرى لانتفاء الصلة بين القتل العمد والسرقة، فلم يكن قصد الجاني -حين صدر عنه الفعل متجها إلى السرقة، بل كان يستهدف غاية أخرى، فيسأل عن جناية قتل عمدي بسيط، ويسأل أيضا عن سرقة بسيطة.
الصورة الثانية: ويكون فعل القتل لاحقاً لارتكاب الجنحة، ويقصد منه مساعدة مرتكبي الجنحة أو شركائهم على الهرب بعد ارتكابهم الجريمة أو بقصد التخلص من المسئولية عنها. وقد عبر الشارع عن هذه الصورة بقوله “مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة”.
ومثال ذلك أن يقوم مرتكب جناية أو جنحة بقتل من شاهده وهو يقترفها كي يتخلص من شاهد إثبات ضده أو يقتل السارق رجل الشرطة الذي حاول القبض عليه بعد إتمام السرقة.
وتطلب رابطة السببية بين القتل والجنحة المرتبطة به، يعني أن القتل كان وسيلة إجرامية لتحقيق غاية إجرامية، وبالعكس إذا كان القتل هو غاية الجاني وكان ارتكاب الجنحة هو وسيلته لتحقيق هذه الغاية، فلا يتوافر الظرف المشدد، فثبوت القتل لارتكاب جنحة أخرى هو شرط أساسي لاستحقاق العقوبة المغلظة، بحيث إذا انتفت رابطة السببية بين القتل والجنحة بأن وقعت جريمة القتل لغرض آخر واقترنت بها أو تلتها مجرد جنحة سرقة، وليس بين الجريمتين سوى مجرد الارتباط الزمني، امتنع التشديد للارتباط.
وعلى هذا النهج سارت محكمة النقض فقضت أن [يجب لتطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 198 عقوبات أن يعني الحكم ببيان الواقعة بياناً صريحاً ينكشف معه غرض المتهم من ارتكاب جريمة القتل، هل كان للتأهب للسرقة أو لتسهيلها وإن لم تتم، أو كان لتتميم ارتكابها بالفعل، أم أن السرقة كانت تمت أو شرع فيها قبل القتل وكان القصد منه تمكين المتهم من الهرب. إذ أن ثبوت القتل، لأحد المقاصد المذكورة، شرط أساسي لاستحقاق العقوبة المغلظة المنصوص عليها بالفقرة المذكورة بحيث لو لم يتوافر هذا الشرط، بل كانت جريمة القتل وقعت لغرض آخر غير المنصوص عليه، واقترنت بها أو تلتها جنحة السرقة، وليس بين الجريمتين سوى مجرد الارتباط الزمني، فإن الفقرة المذكورة لا تنطبق].
والمادة 198 من قانون العقوبات الأهلي رقم 3 لسنة 1904 هي ذاتها المادة 234 من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937.
وقيام الارتباط السببي أو عدم قيامه بين القتل والجريمة الأخرى هو فصل في مسألة موضوعية يستقل به قاضي الدعوى عند نظرها أمام محكمة الموضوع ولا معقب عليه فيها من محكمة النقض. وفي هذا قضت محكمة النقض بأن [ الارتباط من المسائل التي تدخل في تقدير وقائع الدعوى فلا تسوغ إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض].
النقض الجنائي -الطعن رقم 2139 -لسنة 23 قضائية -تاريخ الجلسة -4/5/ 1954 -مكتب فني 5 -رقم الجزء 3 -رقم الصفحة 585.

الفرع الثالث: عقوبة القتل المرتبط بجنحة
يترتب على توافر شروط الارتباط بين القتل والجنحة توافر الظرف المشدد، وكانت العقوبة المقررة للقتل في صورته المشددة هي الإعدام أو السجن المؤبد. فالجنحة تفقد استقلالها وتتحول إلى مجرد ظرف مشدد لعقوبة القتل العمد، ومن ثم فلا يجوز توقيع عقوبة هذه الجنحة إلى جانب عقوبة القتل متى توافر للقتل أحد الظروف المشددة الأخرى.
توقع عقوبة القتل المرتبط بجنحة على المسئول عن الجريمتين إذا كان شخصاً واحداً، وتعد العقوبة المشددة عقوبة عن الجريمتين معاً. وإذا ساهم عدد من الأشخاص في جناية القتل والجنحة المرتبطة بصفنهم فاعلين أصليين وُقعت عليهم العقوبة المشددة متى ثبت علمهم جميعاً برابطة السببية بين الجريمتين.
فإذا إنتفى العلم لدى أحدهم إمتنع التشديد بالنسبة له وطبقت عليه القواعد العامة المتعلقة بالتعدد المادي للجرائم والعقوبات، فتوقع عليه عقوبة القتل البسيط باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد، متى كان يجمع بين القتل والجنحة وحدة الغرض والإرتباط الذي لا يقبل التجزئة. وتوقع العقوبة المشددة على الشركاء الذين ساهموا في الجريمتين معاً متى توافر لديهم العلم برابطة السببية بين القتل والجنحة. وإذا كان الشريك قد ساهم في جريمة وحدها مع علمه بأنها وسيلة لإرتكاب الجنحة طبقت عليه العقوبة المشددة لتوافر موجب التشديد بالنسبة له.
أما إذا ساهم الشريك في الجنحة وحدها فلا تطبق عليه العقوبة المشددة لأنه لم يساهم في القتل بإعتبارة فاعلاً أو شريكاً، ومع ذلك يسأل هذا الشريك عن جريمة القتل متى كانت نتيجة محتملة للجنحة التي ساهم فيها تطبيقاً للمادة 43 من قانون العقوبات.
ومسئولية الشريك عن القتل كنتيجة محتملة لا تعني سريان الارتباط في حقه، وإنما تطبق عليه القواعد العامة في التعدد المادي، وكذلك الحال لو ساهم الشريك في القتل دون علمه بأنه وسيلة لارتكاب الجنحة، فاعتبرت الجنحة نتيجة محتملة للقتل الذي سهلها أو أدى لإرتكابها بالفعل.
وإذا كان مع الفاعل في القتل شريك هو الذي إرتكب وحده الجنحة المرتبطة دون أي مساهمة من جانب فاعل القتل فيها طبق الظرف المشدد على الشريك في القتل وحده، أما فاعل القتل فلا يسري عليه الظرف المشدد إذا لم يتوافر لديه قصد التأهب لفعل الجنحة أو تسهيلها او إرتكابها بالفعل بواسطة شريك في القتل.
فظرف الإرتباط بين القتل والجنحة له طبيعة شخصية، فمتى تعدد المساهمون في الجريمة فلا يسري إلا على من توافر علمه بتوافر هذا الظرف المشدد، ومن ثم فلا يشدد العقاب إلا بالنسبة للمساهم الذي توافر لديه العلم دون غيره من المساهمين. وإذا أمكن مساءلة الشريك في إحدى الجريمتين عن الجريمة الأخرى بإعتبارها نتيجة محتملة لإشتراكه وفقاً للمادة 43 من قانون العقوبات فهذا ليس مؤداه سريان الظرف المشدد عليه بل مؤداه تطبيق القواعد العامة في التعدد المادي للجرائم والعقوبات.
وعقوبة القتل المرتبط بجنحة توقع على الفاعل الأصلي لفعل القتل أو الشركاء فيه، ولو توقفت الجنحة عند مرحلة الشروع طالما تمت الجريمة ذاتها، وهو ذات ما قضت به محكمة النقض المصرية ” سوى القانون بين ارتكاب الجنحة والشروع فيها، فكل منهما جريمة جعلها الشارع ظرفاً مشدداً للقتل، متى وقع منضماً إلى الجنحة و سبباً لإرتكابها – فإذا كانت المحكمة قد إستخلصت من إعتراف الطاعن وما ورد في المعاينة أنه بعد أن اغتال المجني عليها قد شرع في سرقة مالها، فإنها إذ طبقت الفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات على ما فعل تكون قد أصابت في تكييف الواقعة من ناحية القانون ولم تخطئ في تطبيقه”.
النقض الجنائي -الطعن رقم 2016 -لسنة 28 قضائية -تاريخ الجلسة 23/ 2/1959 -مكتب فني 10 -رقم الجزء 1 -رقم الصفحة 234
أما إذا توقفت جريمة القتل عند مرحلة الشروع وإرتكبت الجنحة تامة فلا وجه لإعمال الظرف المشدد، لأنه تقرر لتشديد عقوبة جناية القتل العمد ومتي إنعدمت جناية القتل العمد إنعدم موجب التشديد.

المراجـــــع
مراجع عامة:

– دكتور / أمين مصطفى محمد، قانون العقوبات – القسم العام، طبعة 2013.

– دكتور / عبد الفتاح مصطفى الصيفي، قانون العقوبات، طبعة 2001.

– دكتور/ علي عبد القادر القهوجي، دكتور / فتوح عبد الله الشاذلي، شرح قانون العقوبات -القسم الخاص، طبعة 2004.

– دكتور/ فتوح الشاذلي، أوليات القانون الجنائي-النظرية العامة للجريمة، طبعة 2001.

– دكتور / نجيب محمود حسني، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، بدون تاريخ نشر.

مواقع قانونية:

– موقع قوانين الشرق www.eastlaws.com