الفصل بين السلطات واحترام سيادة القانون

يقول المشرعون ان لا احد فوق القانون ولا يحق لأحد ان يخترق الدستور ولا يحق لاحد ان يفسر مواد القانون حسب رغبته او تجيير مواده لمصلحته. هذه الأقوال تقودنا للبحث في اصل احترام سيادة القانون. باعتبار ان السلطة التي لاتحكمها سيادة القانون ولا تساعد على بناء المؤسسات الدستورية والقانونية هي سلطة غير شرعية ولا تمتلك مقومات بقائها واستمرارها، باعتبار ان القانون هو الذي ينظم علاقة الفرد بالدولة وهو الذي يشرح بالتفصيل كل الوظائف التي تنظم هذه العلاقة.

في العراق اليوم وبعد سقوط النظام الدكتاتوري المستبد وسقوط اغلب القوانين التي لا تستند لأية قاعدة شرعيةاو اخلاقية وحتى عرقية يتمتع بدستور دائم صوت له الشعب العراقي بأغلبية ساحقة بأعتباره قد كتبته اقلام عراقية معروفة بوطنيتها واخلاصها للعراق توزعت هذه الاقلام على كل المكونات والطوائف والمذاهب والاديان والاتجاهات السياسية والفكرية، لذلك جاءت هذه القوانين منسجمة تماما مع تطلعات الشعب العراقي وبما يخدم مصلحته الوطنية العليا.

وتأسيسا على هذه المقدمة البسيطة يظهر لنا ان اهم قانون في الدستور هو قانون الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية على ان تحترم هذه السلطات كل التشريعات والقوانين المصادق عليها من قبل مجلس النواب ومجلس الرئاسة لتصبح مادة حاكمة لايمكن تجاوزها من قبل أي طرف مهما كان موقعه في الدولة.

ومن مصاديق هذا الاحترام المتبادل بين السلطات الثلاث للقوانين هو عدم التغاضي او تهميش او تسييس المواد والفقرات التي وضعها المشرع وحازت على التصديق. لذلك يرى المراقب العادي ان أي تجاوز على القانون من أي جهة كانت يعد تجاوزاً على الدستور الدائم الذي هو اسمى قانون في الدولة وتجاوزا على العقد بين المواطن والدولة.

هذا العقد الذي يجيز لنا ان نسميه العقد الاجتماعي بين الفرد والدولة والذي ينظم العلاقة بينهما في الحقوق والواجبات لابد ان يحترم بل يكون الفرد ملزما باحترام القانون كما هي الدولة ملزمة باحترامه ايضا في هذا المجال بالذات(الحقوق والواجبات).

بعد سقوط النظام البائد وتفكك اغلب المؤسسات بدت الحاجة ماسة الى ايجاد تشريعات تتلائم مع طبيعة المرحلة ومع طبيعة التغيير الجذري الذي حصل بعد السقوط ولذلك تمت كتابة الدستور الدائم للبلاد لتنظيم العلاقة من خلال هذا العقد الاجتماعي خاصة بعد ان عمت الفوضى واضطرب الامن وظهرت تقاطعات محلية واقليمية ودولية وانتشرت عصابات الارهاب والقتل والسرقة والتسليب وما شاكل ذلك من ماسي ومحن اضرت كثيرا بالمصلحة العليا للشعب العراقي بعد تحرره من الدكتاتورية والاستبداد والقهر الاجتماعي. فضلا عن التراكمات السيئة للتركة الثقيلة التي خلفها النظام المقبور والتي تجاوزت بقراراتها(قرارات مجلس قيادة الثورة) كل القوانين والاعراف الشرعية والدولية، الى جانب ظهور قوى ارهابية وفدت اى العراق من خارج الحدود مما زاد في الطين بله واربك الوضع الامني والسياسي بشكل كبير حيث ساعد في تعطيل العديد من المشاريع والبرامج الحكومية والتشريعية والقضائية من ان تأخذ حيزها المطلوب في العمل اليومي المباشر.

فالسلطة التنفيذية ـ حكومة الوحدة الوطنية ـ أعلنت ومنذ تسلمها مهام عملها ان القانون فوق الجميع وان السلاح يجب ان يكون بيد الدولة فقط او بيد من تريد هي إعطاءه له تحت نظرها وحسب القانون، لكن هذا الامر تفاقم بظهور عصابات قتل وتدمير تحمل السلاح خارجا عن القانون الامر الذي ألجا الحكومة الى استخدام القوة العسكرية لايقاف النزيف الدموي الذي اجتاح العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، واصبح المواطن لا يأمن على حياته ولا يعرف هل سيعود الى بيته سالما، وهذا ماالزم السلطة التشريعية بان تضع قوانين تنظم هذه الحالة وتخول السلطة التنفيذية لتطبيقها وعلى رأس هذه القوانين هو قانون مكافحة الارهاب من خلال وضع خطة أمنية مدروسة بدقة(خطة فرض القانون) التي اثمرت من خلال عملها الوطني المتواصل ليل نهار الى انهاء وجود هذه العصابات وسحب السلاح منها بشكل كامل من خلال فرض هيبة القانون والقضاء على مظاهر التسلح غير الشرعي.

من جانب اخر وكما هو معلوم انه لايحق التدخل في القضاء وان السلطة القضائية مستقلة حسب مبدأ فصل السلطات وان قراراتها واحكامها بعد ان تحقق الدرجة القطعية يجب ان تحترم وتنفذ احتراما لهذا المبدأ الذي يحفظ حقوق الانسان في العراق كما يحفظ الحق العام للدولة، لذلك يمكن القول ان المزايدات التي نسمعها من هنا اوهناك سوف تجدي نفعا بقدر ماتضر بالعقد الاجتماعي الذي ينظم هذه العلاقات بقوانين وضعت للمصلحة العامة، وعلى هؤلاء المزايدين بالوطنية ان يقيسوا مسافات تدخلهم غير المبرر وان يتركوا للقضاء حق القول بما يراه مناسبا في عملية اعادة الحقوق للمتضررين وتحكيم العدل والحق والانصاف لاكما يشتهي البعض على حساب هذه المبادئ العامة.

الواجب على الجميع احترام سيادة القانون باعتباره الضمانة الاولى للشعب العراقي في اخذ حقوقه المشروعة بكل مفاصل الحياة وابعاد شبح الاستبداد والظلم والدكتاتورية البغيضة من العودة مرة اخرى لتخريب ما انجزه الشعب العراقي بتضحياته الجسام.