الإيجار من الباطن و التنازل عن الإيجار

المحامية: منال داود العكيدي
ينصرف الرأي الراجح الى تكييف حق المستاجر حقا شخصيا يستطيع معه الاخير التصرف فيه بالبيع او الهبة او الرهن او الاعارة لكن الواقع العملي يشير الى ان اغلب التصرفات التي يقوم بها المستأجر تنصرف الى التنازل عن الايجار او الايجار من الباطن ولكن احيانا قد يغفل المتعاقدان عن بيان طبيعة التصرف سواء كان تنازلا ام ايجار من الباطن وهنا ياتي دور القاضي لتلمس كل الوسائل لمعرفة التكييف السليم لطبيعة التصرف بالرجوع الى نية المتعاقدين المشتركة أو الرجوع إلى الظروف المحيطة بالعقد أو شروطه التي ارتضاها الطرفان.

وهناك معايير يشير اليها الفقه في هذا المجال منها : كيفية دفع الثمن، وهل أنه دفع دفعه واحدة أو كان مقسطاً، حيث يصح اعتباره تنازلاً عن الايجار في الحالة الأولى وايجاراً من الباطن في الحالة الثانية.

ولكن هذا المعيار قد لا يكون كافياً لاسيما في الوقت الحاضر فقد يطلب المؤجر دفع بدل الايجار مقدماً ولعدة سنوات، وهذا ما دفع القوانين الخاصة ومنها قانون ايجار العقار الحالي إلى منع ذلك، ووجوب أن تدفع سلفاً أجرة العقارات المشمولة بأحكام هذا القانون بأقساط شهرية بصرف النظر عن مدة سريان عقد الايجار ويقع باطلاً كل اتفاق يقضي بخلاف ذلك .

ومن المعايير الأخرى المعتمدة هي الرجوع إلى طبيعة التصرف وهل أنه يشمل كل المأجور أم جزءاً منه، حيث يصح اعتباره تنازلاً في الحالة الأولى وايجاراً من الباطن في الحالة الثانية.

وهناك دلالات يستطيع القاضي الرجوع إليها هي وجود عقدين أحدهما بين المؤجر والمستأجر وثانيهما بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن ، وغالباً ما تختلف شروط هذين العقدين عن بعضهما مما يدل على أن التصرف هو ايجار من الباطن ، إذ قد تكون الأجرة في العقد الثاني أقل أو أكثر من الأجرة في عقد الايجار الأصلي كما قد تكون المدة أقصر أو أطول من المدة المتفق عليها بين المؤجر والمستأجر الأصلي، وهنا تكون الاجارة من الباطن فيما يتعلق بالمدة الزائدة موقوفة على اجازة المؤجر الأصلي.

وقد يتفق المتعاقدان على أن تكون شروط الايجار من الباطن هي نفس شروط العقد الأصلي.

أما إذا لم يحددا شروط الايجار من الباطن فإنه يفترض انهما اتفقا ضمنياً على أن تكون شروط الايجار من الباطن هي نفس شروط العقد الأصلي من حيص الأجرة ومن حيث المدة.

ولا شك بأن التزامات المستأجر الأصلي تجاه المستأجر من الباطن هي نفس التزامات المؤجر بالنسبة للمستأجر الأصلي، كذلك فإن حقوق المستأجر الأصلي في مواجهة المستأجر من الباطن هي نفس حقوق المؤجر في مواجهة المستأجر الأصلي، خصوصاً ما يتعلق منها بحق الامتياز على ما يكون في المأجور من منقولات مملوكة للمستأجر من الباطن قابلة للحجز أو محصولات زراعية.

ولكن كل المعايير المذكورة اعلاه وإن كانت عوناً للقاضي للوصول إلى حقيقة التصرف واعطاء التكييف القانوني الصحيح له، إلا أنها ليست حاسمة بل إنها دلائل (تقريبية) توصل القاضي إلى مبتغاه وقد لا تجديه نفعاً في بعض الاحيان ، وعندها سيرجح القاضي افتراض انصراف نية المتعاقدين إلى التأجير من الباطن لأنه الأكثر شيوعاً والأقرب على أذهان الناس من التنازل عن الايجار .

ويختلف التنازل عن الايجار عن الايجار من الباطن في ان الاول ينقل إلى المتنازل إليه الحق ذاته بشروطه وأوصافه، لذلك قيل أن التنازل عن الايجار هو تنازل عن الحق بطريق البيع أو الهبة ، وكذلك ليس للمتنازل عن الايجار حق امتياز على منقولات المتنازل اليه ومن الفروق الأخرى التي يضيفها جانب من الفقه بين الاثنين هو أن التنازل عن الايجار هو تصرف في الحق، فيجب أن تتوافر فيه اهلية التصرف أما الايجار من الباطن، فهو من أعمال الادارة، فلا تشترط فيه الا أهلية الادارة .

واستنادا الى القانون المدني الاتحادي رقم 40 لسنة 1951 هو انه يجوز الايجار من الباطن أو التنازل عن الايجار ما لم يقض الاتفاق أو العرف بعدم جواز ذلك كلاً أو جزءاً، وقد اشارت المادة 775 منه الى ذلك بقولها (للمستأجر أن يؤجر المأجور كله أو بعضه بعد قبضه أو قبله في العقار وفي المنقول وله كذلك أن يتنازل لغير المؤجر عن الاجارة كل هذا ما لم يقض الاتفاق أو بغيره). ولعل ذلك يعود الى ان عقد الايجار ليس من العقود التي تقيم اعتبارا شخصيا للمستاجر ولذلك لافرق في تسلم الأجرة من المستأجر الأصلي أو من المستأجر الباطن أو المتنازل إليه. كذلك فإن هذه التصرفات ستزيد من الضمانات لصالح المؤجر ،

ولكن هذه القاعدة لا تطبق إذا كانت شخصية المستأجر محل اعتبار، كما هو الحال في عقود المزارعة، حيث لا يجوز للمزارع وفقاً للمادة (810) من القانون المدني العراقي أن يؤجر الأرض إلى غيره أو يتنازل عن الايجار إلا برضاء صاحب الأرض.
ولكن هذه القاعدة إذا كانت تتفق مع طبيعة عقد الايجار الا انها ليست مطلقة لأنها قاعدة مكملة لإرادة المتعاقدين وليست أمرة لذلك يجوز الاتفاق على خلافها من خلال اتفاق المؤجر مع المستأجر على عدم جواز الايجار من الباطن أو التنازل عن الايجار إلا بعد الحصول على موافقة المؤجر، وهذا ما اصطلح على تسميته بالشرط المانع من الايجار من الباطن أو التنازل عن الايجار وهو خلافا للاصل العام في جوزا الايجار من الباطن او التنازل عن الايجار فلا بد أن يكون قاطعاً في دلالته، الا انه قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً يستكشف من طبيعة العقد أو من ظروف التعاقد خصوصاً إذا كانت شخصية المستأجر محل اعتبار ، وقد يكون الشرط المانع هذا مطلقاً لا يجيز الايجار من الباطن أو التنازل عن الايجار في كل المأجور ولكل الناس، بينما قد ينصب هذا المنع على جزء من المأجور، كما قد ينصرف إلى مستأجر معين أو مهنة معينة دون غيرها.

وسواء كان الشرط المانع صريحاً أم ضمنياً، فلا يجوز التوسع في تفسيره، حيث يجوز للمستأجر أن يدخل معه شركاء في استغلال العين المؤجرة ما داموا غير مستأجرين من الباطن، وله أن يسكن معه صديقاً دون أن يكون مستأجراً.

ولا يجوز للمؤجر أن يمتنع عن الموافقة على التأجير من الباطن أو التنازل عن الايجار إلا لسبب مشروع حسب المادة 775/ الفقرة 2 مدني عراقي، وبعكس ذلك يعتبر متعسفاً في استعمال هذا الحق، فإذا تعذر على المستأجر الانتفاع بالعين المؤجرة بنفسه، واضطر إلى ايجارها من الباطن، فلا يجوز للمؤجر أن يتمسك بالشرط المانع إذا لم تكن له أية مصلحة في تنفيذه كأن يكون المستأجر الجديد في حالة يسار ويعادل من الناحية الأولية مركز المستأجر السابق وفي حالة تعنت المؤجر فللقاضي أن يرخص المستأجر في الايجار من الباطن أو التنازل عن الايجار.

وجزاء مخالفة المستأجر للشرط المانع يمكن الرجوع فيه للقواعد العامة، حيث يجوز للمؤجر المطالبة بالتنفيذ العيني للعقد باعتبار الايجار من الباطن أو التنازل عن الايجار غير نافذ في حقه، واخراج المستأجر من الباطن أو المتنازل إليه من المأجور باعتبارهما شاغلين للعقار من دون سند ، وللمؤجر أيضاً بدل المطالبة بالتنفيذ العيني أن يطلب فسخ العقد لعدم تنفيذ المستأجر لالتزاماته المقررة في العقد فإذا حكم بالفسخ وجب اخلاء العين المؤجرة من المستأجر الأصلي ومن المستأجر الباطن أو المتنازل إليه.

وللمؤجر بالإضافة إلى ما تقدم حق المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب تلف العين جراء الايجار من الباطن أو التنازل عن الايجار أو بقائها خالية بعد الحكم بالفسخ واخراج المستأجر من الباطن وحتى انقضاء مدة العقد الأصلية.