العلامات التجارية بين القانون والقضاء
بسم الله. أصدرت المملكة العربية السعودية نظام العلامات التجارية بموجب المرسوم الملكي رقم م / 21 وتاريخ 28 / 5 / 1423هـ، كما وقّعت على اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية بتاريخ انضمام 11 ديسمبر 2003م ثم بدأ التنفيذ بتاريخ 11 مارس 2004م، وقد خرجت هذه الاتفاقية تحت مظلة المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO، كما أن المملكة العربية السعودية مشمولة باتفاق تريبس TRIPS الدولي الذي تديره منظمة التجارة العالميةWTO والمتعلق بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية باعتبار المملكة العربية السعودية عضو في المنظمة، لتتفاعل المملكة مع العلامات التجارية كقيمة تستحق الاهتمام والحماية، بعد أن كانت هذه العلامات في أوقات مضت لم تكن سوى رسمة أو صورة لا تشكل قيمة مالية تستحق الاهتمام، بل ولم تكن تستحق أن يُطلق عليها مالاً.

والآن نقول لا يغرّنك بساطة شكل العلامات التجارية عندما تراها في أجهزتك أو في الشارع، فعلامة Apple التفاحة (المقضوم) جزء منها تساوي حالياً 145.3 مليار دولار، أو علامة Microsoft الذي يقع جانبها أربع مربعات ملونة فهي تساوي حالياً 69.3 مليار دولار، أو علامة Google التي تساوي 65.6 مليار دولار.

هذا يجرّنا إلى مواكبة التطورات والمتغيرات المستمرة واستيعابها، وعدم التوقف على نمط معين في المجالات التجارية والاقتصادية، لأن التوقف سيجبرنا على التخلف والتراجع في الجوانب الاقتصادية والتجارية بل وحتى القانونية والقضائية، فنحن الآن نقف كما رأينا أمام رسوم صغيرة وعبارات لا تتعدى كلمة واحدة تساوي من الأموال مليارات الريالات، بمعنى أنها أصبحت في دائرة الأموال، ويحق لصاحبها المتاجرة بها، وقد أكد المنظم السعودي الحكم باعتبار العلامة التجارية من الحقوق المالية حيث جعل منها شيئاً يحق استعماله واستغلاله والانتفاع منه كما في المادة الثالثة والمادة العشرين والمادة التاسعة والعشرين من نظام العلامات التجارية.

ولذلك لا بد من احتواء هذا المال داخل دائرة ذات حماية متقنة، فلا يكفي الجهد الحكومي في توقيع الاتفاقيات الدولية لحماية هذا الحق المالي وحمايته، بل لا بد أيضاً من الجهد القضائي وجهد شُرّاح الفقه الإسلامي والقانون في ضبط أحكام هذه العلامات.

وقد استعرضت المبادئ التي أرساها القضاء غير السعودي وبالتحديد القضاء المصري في أحكام العلامات التجارية فوجدت مجموعة من المبادئ القضائية التي تنير الطريق للمحامي وللقاضي ناظر القضية في العلامات التجارية، ثم استعرضت المبادئ القضائية التي أرساها القضاء السعودي (ديوان المظالم) عن طريق قرارات هيئة التدقيق في الديوان المنشورة فلم أجد إلا مبدأً واحداً فقط يتعلق بالعلامات التجارية وهو يتكلم تحديداً عن عدول القضاء في مسألة العلامات التجارية التي تحوي الصور المتعلقة بذوات الأرواح، فقد كان القضاء في السابق يحكم بشطب العلامات التجارية التي تحوي هذه الصور بعد رفع دعوى من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أن القضاء عَدَلَ عما كان يتبناه فأرسى مبدأ يخالف النظر السابق ليقبل القضاء بعد ذلك تسجيل العلامة التجارية التي تحوي صور ذوات الأرواح.

وهنا أتساءل: هل العلامات التجارية بعد دخول السعودية في مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تحكمها لا تستحق إلا هذا المبدأ القضائي الوحيد المنشور؟!!

وهل الآلاف من العلامات التجارية الوطنية والدولية التي انتشرت في السوق السعودية لا تستحق إلا اهتماماً أكثر من القضاء عن طريق مبادئه وفقهاء الشريعة والقانون عن طريق شروحهم وآرائهم وبحوثهم؟!!

وأختم حديثي بالقول: إن استمرت حركتنا بالبطء في مواكبة التطورات الكثيرة والمتعددة الاقتصادية والتجارية ومعالجتها قضاء وفقها (الفقه الإسلامي والفقه القانوني) فلا غرو أن نكون في الخلف المتخلف.

وصلّوا على النبي المختار

د. تركي بن عبدالله الطيار

محامٍ وقاضٍ سابق

إعادة نشر بواسطة محاماة نت