بحث هام عن العلاقة بين علم النفس و قانون الاحوال الشخصية

القاضي
سالم روضان الموسوي

المقدمة

تسعى المجتمعات إلى الحفاظ على كينونتها وتعمل على تطوير آليات التوافق والتماسك الأسري لإيمانها بان الأسرة هي النواة لكل مجتمع فإذا ما صلحت صلح المجتمع بأكمله، واجتهدت تلك المجتمعات بإيجاد التشريعات التي تنظم أحوال الأسرة وعلاقات أفرادها وتهدف إلى خلق التوازن في تلك العلاقات وهذا السعي كان للشريعة الإسلامية الخطوة الأولى في تأمين الروابط المتوازنة بين أفراد الأسرة، حيث وردت أحكام في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة واجتهاد العلماء والفقهاء وفي جميع المذاهب، تطرقت إلى أدق التفاصيل الأسرية ومفردات العلاقة سواء بين الزوج والزوجة أو الأبناء أو سواهم، ومن آثار هذه المعالجات ما اجتهد به المشرع العراقي بموجب قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل والقوانين المعدلة له التي تلت صدوره. وبما إن الأمر لا يتعلق بأفراد محددين ومعيين بذاتهم، وإنما يتعداهم إلى التربية الأسرية، فان أي اثر يتعلق بالأسرة سينعكس سلبا أو إيجابا على الزوج والزوجة والأطفال وفي مجتمعاتنا الشرقية فان ذلك الأثر يتعدى إلى الحواشي المرتبطة بالأسرة مثل الأجداد والأعمام وسواهم ، كما إن الدراسات الإحصائية أشارت إلى أن معظم الجرائم التي تحدث تكون من نتاج الخلافات الأسرية ، لذلك راعى المشرع العراقي، عند تشريع قانون الأحوال الشخصية، بعض القيم التي تميز قانون الأحوال الشخصية عن سواه، بمراعاته القيم الاجتماعية والنفسية والسلوكية وحتى قضايا المعتقد الديني، وكان لعلم النفس حضور أكثر وضوحا في قانون الأحوال الشخصية عن بقية القوانين ، ففي صدر القانون المذكور وفي الفقرة (1) من المادة (الثالثة ) من قانون الأحوال الشخصية النافذ[1] ، نجد إن المشرع قد أكد على جوانب سلوكية تتعلق بالفرد وقننها في نص القانون، حينما عرف عقد الزواج وربط غاية تكوينه بإنشاء رابطة للحياة المشتركة وهذه قيمة معنوية سلوكية تمازج بين نفسيتين مختلفتين هما نفسية الزوج والزوجة ، أيضا عند الإشارة إلى تعدد الزوجات على وفق ما شارت إليه الفقرة (5) من ذات المادة المتعلق بالعدل بين الزوجتين[2]، وهو سلوك إنساني يتعلق بنفسية الزوج ويتباين من رجل لآخر، وتعد هذه من أهم مباحث علم النفس الحديث، كذلك توجد حالات أكثر وضوحا حينما تطرق النص إلى المجنون وزواجه وكيفية مراعاة مصلحته الشخصية وعدم الإضرار بالمصلحة العامة للمجتمع وتحديد هذه المصلحة بتقرير من لجنة طبية نفسية وعلى وفق أحكام الفقرة (2) من المادة التاسعة من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل[3]. كذلك عدم الأخذ بطلاق الغضبان الذي يفقد التمييز والسيطرة على نفسه وعلى وفق أحكام المادة (35) من قانون الأحوال الشخصية[4] ، واعتبار المرض النفسي سبب من أسباب التفريق على وفق أحكام المادة (43) من ذات القانون[5] ، وتوجد مواد أخرى ذات صلة بعلم النفس ، ولم يكتفي علماء النفس بالوقوف عند التقسيمات العامة لهذه الباب من العلوم أوجدوا له تصنيفات منها علم النفس القانوني وعلم النفس الجنائي والقضائي ، وهذا يبين مدى الأثر الذي يتركه علم النفس في تطبيقات المحاكم عند التصدي لقضايا الأحوال الشخصية على وجه التحديد ، مثلما يؤثر في عموم التطبيقات القضائية الأخرى ، لان الترابط بين القوانين عند التطبيق يولد أكثر من حالة من حالات تلمس علم النفس في القانون ومنها الخصومة ، إذ لا يعتد القانون بخصومة فاقد الأهلية ممن أصيب بعارض أو مرض نفسي يعدم إرادته ، ومما تقدم سأتناول المواضيع المشار إليها أنفا بعرض تذكيري لا تحليلي إلا بالقدر المطلوب لمقتضى المبحث، لان الملعب متاح لعلماء وأساتذة علم النفس في تطوير آليات العمل المشترك بين القضاء والقانون وبين علم النفس وسيكون العرض للمواد القانونية ذات الصلة بالجوانب النفسية للأفراد في قانون الأحوال الشخصية مع بعض التطبيقات القضائية وفي عدة فروع .

الفرع الأول

دور علم النفس في تعيين الخصومة

يقصد بالخصومة الحالة القانونية التي تنشأ منذ رفع الدعوى إلي القضاء كما يقصد بها مجموعة الأعمال التي ترمي إلي تطبيق القانون في حالة معينة بواسطة القضاء . فالخصومة بهذا الاعتبار الأخير هي أداة تطبيق القانون بوساطة القضاء وبعبارة أخرى أداة تحقيق الحماية القضائية وتتميز الخصومة كعمل قانون مركب بأنها عمل قانوني مجرد بمعني أنها تبدأ وتسير وتنتهي سواء بحكم قضائي يفصل في الدعوى أو بغير حكم فيها بصرف النظر عن وجود الحق الموضوعي أو المركز القانوني الذي تحمله الدعوى وعلة هذا أن الخصومة من الناحية الفنية إنما ترمي إلي التحقق من وجود الحق في الدعوى أو عدم وجوده فإذا تبين وجوده صدر حكم بقبول الدعوى وتتم الحماية المطلوبة وإذا تبين عدم وجوده صدر الحكم برفض الدعوى[6]، لذلك فان الخصومة تكون منذ قيام الدعوى ، وتقتضي وجود طرفين في الدعوى احدهم مدعي يطلب الحق لنفسه على وفق أحكام المادة (2) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل[7]، ويشترط ان يكون الطرفين متمتعا بالأهلية الكاملة[8] وهي بمعنى “الصلاحيَّة” وتقسم أهليَّة الوجوب: وهي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له و أهليَّة الأداء: وهي: صلاحية الإنسان لأن يطالب بالأداء، ولأن تعتبر أقواله وأفعاله، وتترتَّب عليها آثارها القانونية ، وهذه الأهلية بموجب القواعد العامة بلوغ سن الرشد[9] الذي حدد بثمانية عشر سنة كاملة تحتسب من تاريخ تمام ولادته حياً[10]، لكن هذه الأهلية تصاب بعوارض تسبّب زوالها بعد ثبوتها مثل عارض الجنون على البالغ فيؤثر على زوال أهلية الأداء الكاملة، وهذا الأمر لا يمكن لأي شخص، حتى القاضي، أن يحدد تلك العوارض، إلا إذا عرض الشخص على لجنة طبية نفسية تحدد أهليته ومدى قدرته على إدارة شؤونه ، فيكون علم النفس اللاعب الرئيسي في تحديد الخصومة من عدمها ، وفي دعاوى الأحوال الشخصية تراعي المحكمة أهلية الخصوم ومدى توفرهم على أهلية كاملة غير منقوصة لا تشوبها أي شائبة او عارض من عوارض الأهلية. وفي تطبيقات القضاء العراقي، يرجع في إيقاع الحجر من قبل المحكمة المختصة إلى اللجان الطبية لتحديد مدى قدرة المحجور على إدارة شؤونه بنفسه وهل يحتاج إلى نصب قيم عليه[11].

الفرع الثاني

دور علم النفس في دعاوى الطلاق و التفريق

يعد الطلاق والتفريق من حالات إنهاء الرابطة الزوجية بين الزوجين ويرتب آثار مهمة تكاد تكون كارثية على الأسرة والمجتمع والأفراد ، والطلاق لم يكن وليد العصر الحديث وإنما عرفته الأقوام والمجتمعات منذ زمن بعيد وكان معمول به في العصر الجاهلي ،لأنه كان في شريعة إبراهيم وإسماعيل ـ عليهم السلام ـ ففي حديث البخاري أن إبراهيم –عليه السلام- قال لزوجة ولده إسماعيل التي شكت حاله قولي له: يغير عتبة داره، ففهم إسماعيل من ذلك أنه ينصحه بطلاقها، فطلقها، ولم تستحدثه الشريعة الإسلامية وإنما قننته وحددت عدد مرات الطلاق، فكان امتداداً لدين إبراهيم كما قال الله تعالى: ﴿ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً﴾[12]، حيث ذكر بعض الفقهاء إن (الطلاق لفظ جاهلي جاء الشرع بتقريره، فليس من خصائص هذه الأمة، يعني أن أهل الجاهلية كانوا يستعملونه في حل العصمة أيضا لكن لا يحصرونه في الثلاث، وفي تفسير ابن عادل روي عروة بن الزبير قال : كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد ، وكان الرجل يطلق امرأته ، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك ، ثم راجعها بقصد مضارتها ، فنزلت هذه الآية 229 من سورة البقرة } الطلاق مرتان { )[13]. كما إن الطلاق عند اليهود يباح بغير عذر ، كرغبة الرجل بالتزوج بأجمل من امرأته ، ولكنه لا يحسن بدون عذر ، والأعذار عندهم قسمان : ( الأول ) عيوب الخلقة ، ومنها : العمش ، والحول ، والبخر ، والحدب ، والعرج ، والعقم . ( الثاني ) وعيوب الأخلاق وذكروا منها : الوقاحة ، والثرثرة ، والوساخة ، والشكاسة ، والعناد ، والإسراف ، والنهمة ، والبطنة ، والتأنق في المطاعم ، والفخفخة ، والزنا أقوى الأعذار عندهم ، فيكفي فيه الإشاعة ، وإن لم تثبت. وعند المسيح بمذاهبه

1 – المذهب الكاثوليكي. 2 – الأرثوذكسي. 3 – البروتستنتي.

فالمذهب الكاثوليكي ، يحرم الطلاق تحريما باتا ، ولا يبيح فصم الزواج لأي سبب مهما عظم شأنه ، وحتى الخيانة الزوجية نفسها لا تعد في نظره مبررا للطلاق ، وكل ما يبيحه في حالة الخيانة الزوجية ، هو التفرقة الجسمية ، بين شخصي الزوجين ، مع اعتبار الزوجية قائمة بينهما من الناحية الشرعية ، فلا يجوز لواحد منهما في أثناء هذه الفرقة أن يعقد زواجه على شخص آخر ، لان ذلك يعتبر تعددا للزوجات ، والديانة المسيحية لا تبيح التعدد إطلاقا . وتعتمد الكاثوليكية في مذهبها هذا على ما جاء في إنجيل مرقص على لسان المسيح، إذ يقول ويكون الاثنان جسدا واحدا، إذن ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان ” . والمذهبان المسيحيان الآخران ، الأرثوذكسي ، والبروتستانتي ، يبيحان الطلاق في بعض حالات محدودة ، من أهمها الخيانة الزوجية ، ولكنهما يحرمان على الرجل والمرأة كليهما أن يتزوجا بعد ذلك ، وتعتمد المذاهب المسيحية التي تبيح الطلاق في حالة الخيانة الزوجية على ما ورد في إنجيل متي ، على لسان المسيح ، إذ يقول : ” من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني[14]

وبعد هذا التقديم نرى ان حالات التفريق والطلاق كانت من مشتركات جميع الأديان السماوية والنواميس الوضعية ، ولابد أن نعرف ما هو الطلاق وان ندرك المعنى اللغوي والاصطلاحي أو الشرعي كما يطلق عليه البعض وعلى وفق ما يلي :

أولا : تعريف الطلاق

‌أ- التعريف اللغوي : اهتم العرب كثيرا باللغة العربية كونها لغة اشتقاق وتتمتع بالحيوية ومواكبة الحياة وإنها لغة القران الكريم ووعاء الفكر الإسلامي النير فكان لابد لهم ان يهتموا بها لارتباط شموليتها بشمولية القران الكريم والأحكام الشرعية وهذا ما سنلاحظه في هذا المطلب تجاه كلمة الطلاق، لان الطلاق كلمة مشتقه من اصل الفعل الثلاثي طَلًَقَ ومعناه في اللغة ( إخلاء السبيل ، والمرآة تطلق طلاقا فهي طالق وطالقة غدا ، قال الأعشى : أيا جارتي بيني فانك طالقه وطلقت وطلقت تطليقا . والطالق من الإبل ناقة ترسل في الحي ترعى من جنابهم أي حواليهم حيث شاءت ، لا تعقل إذا راحت ولا تنحى في المسرح ، وأطلقت الناقة وطلقت هي أي حللت عقالها فأرسلتها . ورجل مطلاق ومطليق أي كثير الطلاق للنساء)[15] كما ذكر بعض اللغويين بان (الاسم من طلق : الطلاق ، وهو إزالة قيد النكاح بغير عوض بصيغة ( طالق ) . وطلاق المرأة يكون لمعنيين أحدهم حل عقدة النكاح . والآخر بمعنى الترك والإرسال . من قولهم طلقت القوم : إذا تركتهم . وطلقت المرأة بالفتح تطلق من باب قتل – وفي لغة من باب قرب – فهي طالق بغير هاء . فإن جاؤا بالهاء فعلى سبيل التأويل )[16] كما إن (الطلاق لغة هو حل القيد والإطلاق, وهو اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق كالسلام بمعنى التسليم والسراح بمعنى التسريح, أو هو رفع الوثاق)[17] وذكر الفقيه المصري سيد سابق بان (الطلاق : مأخوذ من الإطلاق ، وهو الإرسال والترك . تقول : أطلقت الأسير ، إذا حللت قيده وأرسلته)[18] ومن ذلك نرى إن التعريف اللغوي للطلاق هو إخلاء السبيل أو الترك أو الإطلاق .

‌ب- تعريف الطلاق في الشريعة الإسلامية : أما في الاصطلاح فقد أورد علماء الشريعة الإسلامية جملة من التعاريف التي تتفق في كون الطلاق هو رفع القيد وفك وثاق الزوجية وهو إزالة قيد النكاح بغير عوض بصيغة طالق، وطلاق المرأة يكون لمعنيين احدهم : حل عقدة النكاح والآخر بمعنى الترك والإرسال[19] ومن الفقهاء من قال بان الطلاق (هو رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص صريحاً أو كفاية أو إشارة)[20] كما ذكر في مورد آخر بان الطلاق ((شرعا حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه . والأصل فيه قبل الإجماع الكتاب كقوله تعالى ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )[21] وكان الطلاق معروف قبل الإسلام إلا انه لم يكن محدد العدد بل مطلق للرجل أن يوقعه متى شاء وعدد شاء كما كان الطلاق في صدر الإسلام بغير عدد ، وكان الرجل بطلق امرأته ما شاء من واحد إلى عشرة ، ويراجعها في العدة ، فنزل قول الله تعالى ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )[22] فبين أن الطلاق ثلاث ، لذلك فان التعريف الاصطلاحي أو الشرعي للطلاق هو ( هو تصرف مملوك للرجل يتم بموجبه حل رابطة الزواج ، وإنهاء العلاقة الزوجية ) ،

‌ج- تعريف الطلاق في التشريع العراقي : عرف القانون العراقي الطلاق في نص المادة ( الرابعة والثلاثون) من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل (( الطلاق هو رفع قيد الزواج بإيقاع من الزواج أو من الزوجة إذا وكلت به وفوضت أو من القاضي ولا يقع الطلاق إلا بالصيغة المخصوصة له شرعا )) والذي أراه يتوافق مع التعريفات التي أوردتها قوانين اغلب الدول العربية ويستوعب مجمل التعاريف التي أشار إليها فقهاء المسلمين على مختلف مذاهبهم .

ثانيا : الأمراض النفسية ودعاوى الطلاق والتفريق

1. دعاوى الطلاق :عند التعريف للطلاق في الفقرة المشار إليها أنفا من هذا الفرع نجد إن الطلاق تصرف يصدر من شخص يملك الأهلية التي تمكنه من إيقاع الطلاق ، إذ يشترط في المطلق أن يكون عاقلا ويقصد به صحة الإرادة وتمام العقل والوعي للقرار الذي يتخذه المطلق فلا يصح طلاق المجنون ، ولا السكران ، ولا من زال عقله بإغماء[23] كما أشارت إلى ذلك الفقرة (1) من المادة ( الخامسة والثلاثون ) من قانون الأحوال الشخصية[24] المرقم 188 لسنة 1959 المعدل التي نصت على أن لا يقع طلاق الأشخاص الآتي ذكرهم ( السكران والمجنون والمعتوه والمكره ومن كان فاقد التمييز من غضب او مصيبة مفاجئة أو كبر أو مرض)، كما ان الشريعة الإسلامية بينت بان طلاق الولي عن السكران لا يقع ولا يعتبر (ولا يطلق الولي عن السكران ، لأن زوال عذره غالب ، فهو كالنائم . ويطلق عن المجنون . ولو لم يكن له ولي ، طلق عنه السلطان أو من نصبه ، للنظر في ذلك)[25]، ومختارا لما يفعل بمعنى أن يكون المطلق غير مكره، وإنما مختارا لقراره بإيقاع الطلاق والإكراه اعتبره المشرع العراقي واحدة من موانع الطلاق على وفق ما أشار إليه قانون الأحوال الشخصية العراقي وفي نص الفقرة (1) من المادة ( الخامسة والثلاثون ) باعتبار عدم صحة طلاق المكره، أما الشريعة الإسلامية منعت طلاق المكره ، حيث أوضحت عدم تحقق عنصر الإكراه ما لم يكمل أمور ثلاثة وكما يلي (كون المكره قادرا على فعل ما توعد به ، وغلبة الظن بأنه يفعل ذلك مع امتناع المكره ، وإن يكون ما توعد به مضرا بالمكره في خاصة نفسه ، أو من يجري مجرى نفسه ، كالأب والولد ، سواء كان ذلك الضرر قتلا أو جرحا أو شتما أو ضربا . ويختلف بحسب منازل المكرهين في منازل الإهانة, ولا يتحقق الإكراه مع الضرر اليسير)[26]إ إلا أن فقهاء الشريعة الإسلامية اختلفوا حول طلاق السكران إذ يرى بعض الفقهاء ( أن طلاق السكران يقع ، لأنه المتسبب بإدخال الفساد على عقله بإرادته ) [27]. وقال آخرون ( لا يقع وإنه لغو لا عبرة به ، لأنه هو والمجنون سواء ، إذ أن كلا منهما فاقد العقل الذي هو مناط التكليف ، ولان الله سبحانه يقول : ” يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ” . فجعل سبحانه قول السكران غير معتد به ، لأنه لا يعلم ما يقول . وثبت عن عثمان أنه كان لا يرى طلاق السكران)[28] واختلفوا أيضا بطلاق الهازل ويسمى (طلاق الهازل والمخطئ ) [29] يرى جمهور الفقهاء (أن طلاق الهازل يقع ، كما أن نكاحه يصح . بينما يرى آخرون ( إلى عدم وقوع طلاق الهازل )[30]، وطلاق الغافل والساهي ، مثل المخطئ ، والهازل ، والفرق بين المخطئ والهازل (أن طلاق الهازل يقع قضاء وديانة ، عند من يرى ذلك ، وطلاق المخطئ يقع قضاء فقط ، وذلك أن الطلاق ليس محلا للهزل ولا للعب )[31]، وتوفر القصد لديه على إيقاع الطلاق هو أن تكون النية منعقدة على إيقاع الطلاق فلا يقع ما لم يقصده المطلق مثل الساهي أو المخطئ أو النائم فان طلاقه لا يعتبر ولا يقع لانتفاء النية أو القصد في إيقاع الطلاق وهذه الأمور بمجملها سلوك ونشاط إنساني غير مادي أو ملموس، وإنما محسوس يتأثر بالعوامل النفسية والسلوكية ، إذ يرى علماء النفس إن الأمراض النفسية أمراض مشاعر ذات صلة بسلوكياته المحسوسة ، فإنها تؤثر في مشاعره ومزاجه دون عقله ، ويؤثر الاضطراب الحاصل بأحد الأمراض النفسية على عملياته العقلية[32]، إلا أن في بعض الحالات يقوم الزوج بإيقاع الطلاق ولا يرتب اثر شرعي أو قانوني، إذا كان مصاب بأمراض نفسية تفقده القدرة على التمييز ، أي تمييز أفعاله وإدراكه لما يفعل وعدد القانون بعض الأوصاف التي ترتبط بالحالة النفسية أو المرضية للزوج وعلى وفق ما ذكر في الفقرة (1) من المادة (35) من قانون الأحوال الشخصية (السكران والمجنون والمعتوه والمكره ومن كان فاقد التمييز من غضب أو مصيبة مفاجئة أو كبر أو مرض) ويلاحظ من قراءة النص إن بعض الأوصاف تتعلق بأمراض عقلية ونفسية ومنها الغضب وفقد التمييز وتسمى عند أطباء النفس الرحام أو (الهستيريا) وهي من الامراض النفسية التي يمكن ان تنتاب الفرد فتظهر فيه أعراضا كالعمى والصمم والشلل او يمكن ان تؤدي فيه الى حالات الانشطار الذهني حين ينقطع المصاب فيها عن محيطه ويمر بحالة النسيان ويعاني قطعا تاريخيا لذكرياته الواعية وروابطه مع المجتمع ، ويرتكب جرائم وافعال لا يدري اصل وزمن ما قام به[33]، إذ لا يعتد بمجرد الغضب الاعتيادي لان الغضب والعصبية وحدهما لا يكفيان لإبطال الطلاق ما لم ينتج عنها فقدان التمييز[34]، وهذا ما سارت عليها المحاكم العراقية في تطبيقاتها ومن ذلك قرار صادر من احد المحاكم قضى بعدم اعتبار الطلاق واقع من الزوج على الرغم من تلفظه بصيغة الطلاق لانه لم يكن يقدر مسؤولية فعله بإيقاع الطلاق في حينه ، وكان في حالة من العصبية التي أفقدته القدرة على التمييز عند إيقاعه للطلاق الثاني، لأنه مصاب بأمراض عصبية تؤثر في إرادته وإدراكه عند الانفعال والغضب ، ولغرض التحقق من هذا الدفع المتعلق يكون المعترض عليه مصاب بحالة مرضية تفقده القدرة على التمييز عند إصابته بها، تمت إحالته إلى اللجنة الطبية النفسية الأولية وعرضه عليها لبيان فيما إذا كان يعاني نفسية تؤدي به إلى فقدان تركيزه عندما يكون في حالة من الشد العصبي[35].

2. دعاوى التفريق : نجد في قضايا التفريق حضور واضح لعلم النفس والطب النفسي، حيث اعتبر الإدمان على تناول المسكرات والمخدرات سبب من أسباب طلب التفريق وعلى وفق ما ذكر فن نص المادة (40) من قانون الأحوال الشخصية (لكل من الزوجين طلب التفريق عند توافر احد الأسباب الآتية :

1 ـ إذا اضر احد الزوجين بالزوج الآخر أو بأولادهما ضررا يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية. ويعتبر من قبيل الإضرار ، الإدمان على تناول المسكرات او المخدرات ، على ان تثبت حالة الإدمان بتقرير من لجنة طبية رسمية مختصة. ويعتبر من قبيل الاضرار كذلك، ممارسة القمار في بيت الزوجية) كذلك نرى الترابط بين القانون وعلم النفس والطب النفسي في نص البندين (4) و (6) من الفقرة (أولا) من المادة (43) من قانون الأحوال شخصية ، إذ أجاز البندان أعلاه للزوجة طلب التفريق من زوجها إذا أصيب بأحد الأمراض النفسية (4 ـ إذا وجدت زوجها عنينا او مبتلى بما لا يستطيع معه القيام بالواجبات الزوجية سواء كان ذلك لأسباب عضوية او نفسية او إذا اصيب بذلك بعد الدخول بها وثبت عدم امكان شفائه منها بتقرير صادر عن لجنة طبية رسمية مختصة على انه إذا وجدت المحكمة ان سبب ذلك نفسي فتؤجل التفريق لمجة سنة واحدة شريطة ان تمكن زوجها من نفسها خلالها) ( 6 ـ إذا وجدت بعد العقد ان زوجها مبتلى بعلة لا يمكن معا معاشرته بلا ضرر كالجذام او المرض او السل او الزهري او الجنون او انه قد اصيب بعد ذلك بعلة من هذه العلل او ما يماثلها على انه إذا وجدت المحكمة بعد الكشف الطبي ان العلة يؤمل زوالها فتؤجل التفريق حتى زوال تلك العلة وللزوجة ان تمتنع عن الاجتاع بالزوج طيلة مدة التأجيل اما إذا وجدت المحكمة ان العلة لا يؤمل زوالها خلال مدة مناسبة وامتنع الزوج عن الطلاق واصرت الزوجة على طلبها فيحكم القاضي بالتفريق ).وتطبيقات القضاء في هذا الباب كثيرة اذ لا يمكن الاعتداد بأي دليل إثبات ما لم يكن صادر من لجنة طبية نفسية تثبت الحالة لأنها جهة فنية مختصة.

3. دعاوى الحضانة : في مثل هذه الدعاوى التي يكون محلها نزاع تجاه حضانة طفل ما زال في سن الحضانة ، تلجأ المحاكم إلى اللجنة الطبية النفسية أحيانا لبيان من هو الأصلح لحضانة الطفل من بين الأشخاص المتنازعين على الحضانة كذلك بيان مصلحة الطفل في أن يكون مع أي من المتخاصمين ، وأحيانا توصي اللجان بعدم صلاحية المتخاصمين لحضانة الطفل حتى وان كانا أبويه ، لان الحضانة قد اقرها القانون إلى الأم في كل الأحوال على وفق أحكام الفقرة (1) من المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية النافذ ، ولا تسلب هذه الحضانة إلا بموجب قرار قضائي بعد أن تتحقق المحكمة من أسباب إسقاط الحضانة المشار إليها في نص الفقرة (7) من المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية النافذ. ومن تطبيقات القضاء العراقي قرار محكمة الأحوال الشخصية في الشعب[36]، وهذا اللجوء إلى علم النفس لبيان من هو الأصلح للطفل المحضون ، نابع من مصلحة الطفل هي الفضلى وتقدم على بقية المصالح عند التنازع . إذ يرى علما النفس إن الأبوين وان كانا يكنان الحب لولدهم ، إلا أن بعض أنواع الحب يولد عنف ، حيث يؤكد علماء النفس على وجود العنف في الحب وفي الكراهية من الناحية السيكولوجية والأخلاقية، ويكون عنف ضد نفس العاشق أو ضد المعشوق[37]، كما دور علم النفس وعلم الاجتماع في تحديد من هو الأصلح للحضانة لا يقف عند المصلحة الضيقة للطفل بل يتعداه إلى بناء المجتمع لان للدور الأسري اثر كبير في ما يؤديه الوالدان ـ خصوصا ـ الأم في مراحل الطفولة المبكرة من إعداد فكري للصغار[38]، ويرى علماء الاجتماع إن دور الأسرة يتشعب نحو الدور الإنمائي في المعرفة ، العاطفة ، الأداء، القيم الإنسانية، الذوق والجمال ، الابتكار[39]

الفرع الثالث

علم النفس وعلم الاجتماع في تجربة البحث الاجتماعي

إن البحث الاجتماعي يشكل دور كبير ومهم في معالجة المشاكل الاجتماعية ، ويعتبر علم الاجتماع من العلوم ذات الصلة بالهيكل البنيوي للأسرة والمجتمع، كما ان للقضاء دور في صيانة الأسرة والمجتمع من خلال تطبيقاته في مجال الأحوال الشخصية وخصوصا المتعلقة بقضايا التفريق والحضانة والوصاية وسواها من المواضيع . لذا فان الاهتمام بالبحث الاجتماعي هو اهتمام بالأسرة والمجتمع، وتطويرهم يعني رفع مستوى كفائتهما على الصعيد الفكري والعمل الاقتصادي والتفاعل والتواصل الاجتماعي والانساني ، ويرى الدكتور قيس النوري عالم الاجتماع العراقي ان التطوير يكون عبر عدة محاور منها ، تطوير التوجه القرابي ، تطوير التوجه الزواجيتطوير الهلاقة بين الجنسين، تطوير التراتب العمري ، تسريع التكيف الوظيفي والمهني ، انماء الممارسات الديمقراطية[40]، ومن هذا الاهتمام بالاسرة اضحى من الواجب المساهمة في دعم القضاء بالوسائل المساندة والمساعدة له في اخذ دوره في توفير الأمن الاجتماعي .من الإشارات الأولى للبحث الاجتماعي في المنظومة القانونية العراقية والعمل القضائي حيث عينت وزارة الشؤون الاجتماعية عددا من الموظفات من خريجات فرع الخدمة الاجتماعية باحثات اجتماعيات وانتدبن للعمل في المحاكم الشرعية وذلك عام 1954 ، ثم استحدثت هيئة البحث الاجتماعي بموجب التعليمات العدد (4) لسنة 1985 التي أصدرها وزير العدل بموجب المادة (11) من قانون وزارة العدل رقم(101) لسنة 1977 ومن خلال ما تقدم نجد ان الهيئة المذكورة تمثل جزء من منظومة عمل المحاكم والقضاء العراقي وتخضع لرقابة القاضي أداريا وتعمل تحت إشرافه والهيئة دورها ينحصر بالجوانب الفنية من إعداد الإحصائيات والدراسات وتطوير المهارات للباحث الاجتماعي . ولابد من ان تعزيز هذه الهيئات بالاختصاصات في علم النفس وعلم الاجتماع لانها ذات صلة بالتعامل مع سلوكيات الافراد ودراسة نفسياتهم وشخصياتهم والغور في اعماقهم لتحليل المشكلة وايجلد الحل لها ، وهو اصل المجال الذي يبحث فيه علم النفس ، فنجد ان دوره كبير وواضح في هذا الباب .ومن خلال مشاهدتي لما موجود في مجمع محاكم دبي وفيما يتعلق بمحاكم الأحوال الشخصية فيها وجدت هناك جهة مختصة بالبحث الاجتماعي تحت عنوان قسم التوجيه والإصلاح الأسري مهمتها تتمثل بأجراء البحث الاجتماعي في حالات التفريق والحضانة وغيرها مما ورد ذكره في المادة (16) من قانون الأحوال الشخصية الاتحادي الإماراتي رقم (28) لسنة 2005م، ويتكون من مجموعة اشخاص من ذوي الاختصاصات في علم الاجتماع وعلم النفس والشريعة . ومن خلال الإحصائيات المذكورة في التقرير السنوي لمحاكم دبي لعام 2006 في الباب الثاني الفصل الأول ص 85 ، والتي تشير إلى انخفاض حالات الطلاق نتيجة لقيام القسم المذكور بالمساهمة في إجراء ما يقارب 300 اتفاق تسوية بين الأزواج خلال عام 2006 وان نسبة الحالات التي تم الصلح فيها تعادل 62% وان هذه النسبة من اصل مجموع الحالات التي أحيلت الى القسم والبالغة 1650 خلال العام المذكور، مع ان القسم المذكور لم يقتصر دوره على البحث الاجتماعي وإنما كان له دور في تنظيم الفعاليات الاجتماعية والثقافية وتنظيم الدورات التي تساهم بنشر الثقافة الأسرية في المجتمع . كما بين رئيس القسم إن عملهم يبدأ منذ أحالة طرفي الدعوى إلى القسم ويقوم بإجراء البحث الميداني بالانتقال الى سكن الطرفين وكذلك مفاتحة الجهات التنفيذية للمساهمة في معالجة المشاكل التي تكون عائق في مسيرة الأسرة وان عدد الموظفين العاملين في القسم المذكور يبلغ (8) ثمانية موظفين فقط . ولهم قاطع خاص في مجمع المحاكم في دبي وهو قسم واحد ا لان إمارة دبي فيها مجمع محاكم واحد فقط . ويكون عمل قسم التوجيه والإصلاح الأسري في محاكم دبي يكون عمله سابق للعمل القضائي، اذ لا تقبل المحكمة الدعوى في مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالتفريق والحضانة إلا بعد عرضها على قسم التوجيه والإصلاح الأسري وذلك عملا بأحكام المادة (16) من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي ونصها ما يلي (( 1ـ لا تقبل الدعوى أمام المحكمة في مسائل الأحوال الشخصية، إلا بعد عرضها على لجنة التوجيه الأسري، ويستثنى من ذلك، مسائل الوصية والإرث وما في حكمها، والدعاوى المستعجلة والوقتية، والأوامر المستعجلة والوقتية في النفقة والحضانة والوصاية والدعاوى التي لا يتصور الصلح بشأنها كدعاوى إثبات الزواج والطلاق.
2ـ إذا تم الصلح بين الأطراف أمام لجنة التوجيه الأسري، اثبت هذا الصلح في محضر، يوقع عليه الأطراف، وعضو اللجنة المختص، ويعتمد هذا المحضر من القاضي المختص، ويكون له قوة السند التنفيذي، ولا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن إلا إذا خالف أحكام هذا القانون)).

الفرع الرابع

الأثر التشريعي لعلم النفس في قانون الأحوال الشخصية

يمثل القانون مجموعة من القواعد القانونية التي تعبر عن فلسفة الأمة أو فلسفة السلطة القابضة على مقاليد السلطة في الأنظمة غير الديمقراطية أحيانا ، وتكون الطبيعة التي ينشأ فيها القانون أو البيئة الحاضنة له هي المجتمع ، السلطة والدولة[41]، وتعرف القاعدة بأنها القاعدة التي تحتوي على ثلاثة عناصر أو أركان الأول القاعدة القانونية: التي تواتر العمل بها وتتصف بالعمومية ، والركن الثاني أن ينظم العلاقة بين الأفراد بعضهم مع البعض أو بين الأفراد والمؤسسات أو بين الدول وما يماثل ذلك، الركن الثالث وهو الإلزام الذي يتبعه المواطن ويلتزم بالقانون سواء طوعاً أو كراهية))[42] والحكمة من إيراد هذا التعريف هو بيان مدى تأثر المشرع العراقي في الأجواء والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كانت تحيط به عند إصداره لتشريع ، حيث صدر قانون الأحوال الشخصية وشرع في عهد الجمهورية الأولى عام 1959 التي كانت تتقاذفها مفاهيم التقدمية والاشتراكية ، والاهتمام بالعلوم والتكنلوجيا ، وكانت نهضت العلوم النفسية والاجتماعية في أوجها فظهر أثرها الجلي في مواد القانون ، وكان القانون في حينه ردة فعل تجاه الأوضاع السائدة آنذاك التي كانت تتصف بالتخلف والرجعية ، وكانت قضايا الأحوال الشخصية تنظمها الفتاوى ويحكم بها رجال الدين ، وتعتمد على مشيئة العالم الديني ، ولا محل للتقدم العلمي في معالجة المشاكل الأسرية وكان الغالب الأعم هو الأفكار السلفية التي كانت تصلح للقرون الأولى من عمر الدولة الإسلامية ، فكان لعلم النفس تأثير واضح على عقلية واضع النص في حينه فانه لأول مرة يعول على تقرير اللجان الطبية في تحديد الأمراض النفسية المتعلقة بالجنون أو العنة للأسباب نفسية ، على العكس مما كان قائم في حينه وقبل صدور القانون ، ويلاحظ مما جاء في الأسباب الموجبة لإصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل ، إن التقدم العلمي والتطور الذي نادت به ثورة 14 تموز انعكس على عقلية المشرع في حينه اذ جاء في هذه الأسباب (ومنذ أن انبثقت ثورة 14 تموز الخالدة جعلت من أهدافها الأولى وضع قانون موحد في أحكام الأحوال الشخصية يكون أساسا لإقامة بناء العائلة العراقية في عهدها الجديد ويكفل استقرار الأوضاع فيها ويضمن للمرأة حقوقها الشرعية واستقلالها العائلي)

الخاتمة

بعد العرض المقتضب في هذا المطلب لا ازعم إني قدمت بحثا في علم النفس لأني لا أتوفر على أدواته ، ولكن أظن أني اجتهدت في التحري عن نقاط الالتقاء بين علم النفس وقانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل ، والإشارة إلى تطبيقات القضاء العراقي في التعامل مع علم النفس وبيان الكيفية التي تحسم فيها الدعاوى باللجوء إلى علم النفس ، كما إن الأمر لا يقتصر على قانون الأحوال الشخصية عند النظر في دعاوى الأحوال الشخصية ، وإنما يتعداه إلى قوانين أخرى في مناقشة الشهود التي تنظمها قوانين المرافعات والإثبات ، وكيفية التعامل مع سلوكيات الشهود من اجل استجلاء الحقيقة من خلال ما يؤدونه من شهادات ، كذلك عندما يحتاج القاضي إلى استجواب المدعي أو المدعى عليه في الدعوى فان عملية الاستجواب تنصب على معرفة الإرادة الحقيقية الكامنة في نفس المستجوب ، مع مراعاة سلوكيات جميع الإطراف في الدعوى ، وجميع هذه الأمور ذات صلة بعلم النفس وبتماس مباشر ، لذلك أرى إن الحاجة قائمة إلى تثقيف القاضي بثقافة علم النفس، حتى يتسلح بالعلم تجاه الفصل الحاسم والعادل في القضية والوصول إلى الحكم العادل ، علما إن علماء النفس والمشتغلين في مجاله ، أوجدوا أنواع من الاختصاصات في هذا المجال بعناوين علم النفس الجنائي وعلم النفس القانوني ، ويلوح في الأفق مجال يحمل عنوان علم النفس القضائي ، وفي الختام أتمنى أن أكون قد وفقت في بيان عوامل الاشتراك بين العمل القانوني والقضائي من جهة وعلم النفس من جهة أخرى.

والله ولي التوفيق