العلاج بالمخدرات شرعاً وقانوناً
القاضية أريج خليل
اختلف الفقهاء المسلمون في إمكانية التداوي بالمحرمات كالدم والخمر والمسكرات وغيرها, فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من مانع ولكل منهم دليل معتمد لديه وقد ظهرت آراء أو مذاهب في ذلك، الا ان الجميع متفق على ان الحفاظ على النفس هو من الضرورات الملحة التي تبيح المحظورات لذلك يكون الفقهاء القائلون بجواز التداوي بجميع المحرمات هم اكثر حجة من غيرهم حيث استدلوا في قولهم على قوله تعالى “إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”. فأجازوا استعمال المحرمات في حالة الضروةر والاضطرار لان الضرورات تبيح المحظورات ، على ان تقدر الضرورة بقدرها وبما لا يزيد عن الحاجة.

ويقيناً أن العلاج سبيل للمحافظة على الصحة ويعتبر ضرورة تلجئ صاحبها لاستعمال الممنوع شرعاً فتباح له كإباحتها للجائع بسبب الحاجة خوفاً من الهلاك، اي يبقى العلاج بالمحظورات هو الاستثناء كون ان الأصل هو العلاج بالمباحات وهو أمرٌ لا خلافَ فيه في الشريعة والقانون ، الا انه يبقى للاستثناء نطاقه فقد تستجد امور تستلزم استعمال الممنوع لان المرض هو حالة ملحة وهي ضرورة تبيح استعمال المحظورات ومنها المخدرات التي هي عقاقير تصيب من يتعاطاها بالإدمان مما يشكل ضرراً على الصحة العامة وتفتك بها وتؤثر سلبا على الفرد والأسرة والمجتمع ككل.

وقد استدل القائلون بجواز تناول المحرمات عند الضرورة بالعقل، فقالوا ان التداوي بالمحرمات لا يكون حراماً عند الضرورة، فاستعمال المخدر عند اجراء العمليات الجراحية جائز مع ان المخدر يغيب العقل وهذا حرام، فدل ذلك على جوازه مع حرمته عند الضرورة ما دام لا يوجد ما يسد مسدّه أو يقوم مقامه من المباحات وذلك من باب التيسير على الناس ورفع الحرج والمشقة عنهم .

وقد عالج المشرع العراقي في القانون رقم 50 لسنة 2017 قانون المخدرات والمؤثرات العقلية ذلك ، حيث ذكر جميع انواع المواد المخدرة ومصادرها في الجداول الملحقة بالقانون وقد أحسن المشرع العراقي صنعاً عندما ذكر في البند أولا من المادة ( 1 ) أن المخدر كل مادة طبيعية أو تركيبة من المواد المدرجة في الجداول الملحقة بالقانون ,ويتضح من النص أن المشرع لم يضع تعريفاً للمخدر بل حدد على سبيل الحصر ما يعتبر كذلك ,لأن التقدم العلمي قد يؤدي إلى إيجاد أي جديد في مادة معينة بشأن اعتبارها مخدراً من عدمه ,فضلاً عن أن التحديد يستلزم خبرة فنية في اتخاذ القرار لكي يمكن مواكبة ما يستجد من تغيرات واكتشافات مستقبلية.

فيما أباح المشرع للوزير المختص {وزير الصحة} حق التعديل في الجداول الملحقة بما يحقق النفع العام وكذلك الحال بالنسبة للمؤثرات العقلية ، وأكد القانون على عدم جواز حيازة هذه المواد او استعمالها او التعامل بها بيعا وشراء الا وفق القانون حيث اجاز القانون للأطباء والصيادلة والمذاخر المجازة رسميا ذلك ورتب احكاما وعقوبات لكل من يتجاوز الحدود التي رسمها القانون في هذا الاستعمال، حيث يجوز وفقاً للقانون استعمال المواد المخدرة في العمليات الجراحية وان الطبيب هو من يكون له الحق في وصف أو استعمال المواد المخدرة لمداواة مرضاه وينبغي ان يكون مرخصا له بالعلاج فإذا انقضت الرخصة لأي سبب، بات الطبيب مسؤولا عن جريمة حيازة المخدرات او تعاطيها بحسب الأحوال والظروف.

وقد اشارت المادة 16 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية النافذ إلى جواز استعمال المخدرات في وصفات الأطباء وجواز صرف الصيادلة للمواد المخدرة او المؤثرات العقلية حيث لا يجوز للطبيب صرف هذه المواد لأي مريض الا بقصد العلاج الطبي ووفق التعليمات والضوابط التي تصدرها وزارة الصحة في هذا الشأن ، وجاء في المادة 17 من القانون اعلاه ايضا الى جواز حيازة الطبيب للمخدرات في العيادة الخاصة به وبكميات تحددها وزارة الصحة لغرض استعمالها عند الضرورة القصوى بشرط ان يتم الاحتفاظ بها بشكلها الذي يتفق مع استعمالها الطبي المعد له دون تغيير ، كما اجاز البند ثالثا من المادة 17 اعلاه للصيدلي المجاز وفق القانون ببيع وشراء وصرف وحيازة ونقل المؤثرات العقلية المدرجة في الجداول ( 2 ، 3 ، 4 ) الملحق بالقانون، واجازت المادة 18 بناء على ذلك للأفراد حيازة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية التي حصلوا عليها لأسباب صحية بحته وفي حدود الكميات التي يصفها الطبيب ولا يجوز لهم التنازل عنها للغير لأي سبب .

كما ان المواد 20 و21 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية النافذ حددت اسلوب إجازة التعامل بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية حيث يجب ان يكون ذلك بموجب تعليمات يصدرها وزير الصحة يحدد فيها البيانات والشروط الواجب توافرها في الوصفات الطبية وبطاقات الرخصة التي توصف بمقتضاها مواد مخدرة او مؤثرات عقلية للصرف من الصيدليات ، وله تحديد المواد والمقادير التي لا يصح مجاوزة صرفها لكل مريض شهريا .

ويلاحظ مما سبق أن استخدام المحظورات ممكن في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ولكن ضمن ضوابط وحاجات ملحة بسبب خطورة بعضها على الكافة , وان الشريعة السمحاء أوسع في نطاق التحريم مما هو عليه الحال في القانون الوضعي , .فالشريعة حظرت التداوي بجميع المحرمات من حيث العموم والمباح هو الأصل في العلاج والاستثناء هو الممنوع عند الضرورة وعدم وجود المباح وبمشورة أهل الطب بأن المحظور يقود إلى الشفاء أو يعجل فيه في غالب الظن وعلى ان يكون الاستعمال قدر الحاجة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت