النظام الرئاسي.

يقوم النظام الرئاسي على أساس الفصل التام بين السلطات العامة في الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية مع التوازن والمساواة بينهم بحيث تستقل كل سلطة استقلالاً كاملاً عن بقية السلطات في ممارستها لوظيفتها المحددة لها في الدستور ، وهذا يتناقض مع…. النظام المجلسي الذي يقوم على أساس دمج السلطتين التشريعية والتنفيذية في قبضة الهيئة النيابية. وتتمثل السلطة التنفيذية في رئيس الجمهورية وحدة(1). فهذه السلطة غير مجزأه إلى عنصرين منفصلين (رئيس الدولة والوزارة) فالرئيس هو في الوقت ذاته رئيس الدولة ورئيس الحكومة ويمارس فعلاً هذه الوظيفة أما الوزراء فلا يمتلكون سلطة سياسية خالصة .. فهم عبارة عن مسيرين ادارين لقطاعاتهم ، وهكذا فالنظام الرئاسي لا يوجد فيه مجلس وزراء. وبالتالي فعندما يجتمع الرئيس بهؤلاء المساعدين يكون ذلك لمجرد أخذ آرائهم فقط أما سلطة البت النهائي فهي تابعة للرئيس(2). وتستقل السلطة التنفيذية في مباشرة وظيفتها عن السلطة التشريعية تمام الاستقلال لذلك يستقل رئيس الجمهورية بوظيفته ويعتبر على قدم المساواة مع البرلمان دون ان يكون لهذا الأخير أدنى نفوذ عليه ، ذلك ان الرئيس يستمد نفوذه وسلطاته من الشعب الذي يقوم بانتخابه لا من البرلمان الذي لا شأن له في أمر تقلده منصبه الرئاسي(3). وكذلك يظهر استقلال السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية في استقلال رئيس الجمهورية بتعيين وزرائه وعزلهم وتحقق مسؤولياتهم أمامه وحده ، فلا يكون لهؤلاء الوزراء علاقة مباشرة مع البرلمان بان يمتنع عليهم الجمع بين منصب الوزراء وعضوية البرلمان ، كما لا يجوز محاسبة الوزراء عن أعمالهم أمام البرلمان بتوجيه الأسئلة والاستجوابات إليهم أو بتقرير مسؤوليتهم السياسية أمامه حيث تتقرر هذه المسؤولية أمام رئيس الدولة وحده الذين يخضعون له خضوعاً تاماً ، وينفذون السياسة العامة التي قام بوضعها ، ولذلك يسمون بالسكرتيرين لضعف سلطتهم وتبعيتهم الكاملة للرئيس(4). كما تستقل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية إذ لا يملك رئيس السلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد العادي أو فض دورته أو حله ، ويباشر البرلمان وظيفته التشريعية باستقلال تام، بحيث لا تستطيع السلطة التنفيذية اقتراح القوانين أو التدخل في إعداد ميزانية الدولة وليس للوزراء ان يحضروا جلسات البرلمان بهذه الصفة(5). بيد ان النظام الرئاسي وبما يتضمن من فصل جامد ومطلق بين السلطات الثلاث ، دون أدنى تعاون أو تنسيق أو رقابة متبادلة فيما بينها ، قد يكون صعب التطبيق في الواقع العملي فلا غنى للسلطات الثلاث في سهرها على المصالح العامة في الدولة الحديثة ذات الوظائف المتشابكة والمسؤوليات المتداخلة ، لا غنى لها عن حد أدنى من التعاون بينها والتنسيق بين وظائفها والرقابة المتبادلة على بعضها البعض. وطبقاً لذلك فان دساتير الدول التي أخذت بالنظام الرئاسي حققت من وحدة الفصل المطلق بين السلطات بتقرير بعض الاستثناءات التي تلطف من حدة هذا الفصل(6).

___________________________

1- يلاحظ اننا نتحدث هنا عن (رئيس الجمهورية) بصفة خاصة ولا نتحدث عن (ملك) لان النظام الرئاسي لا يوجد عادة الا في الجمهوريات ، حيث يصحب تطبيقه في الملكيات نظر للاختلاف الكبير بين المبادئ التي يقوم عليها وبين مبادئ النظم الملكية ـ د. أحمد حافظ عطيه ـ مصدر سابق ـ ص105.

2- د. محمد ارزقي نسيب ، مصدر سابق ، ص178ـ179.

3- محسن خليل ـ القانون الدستوري والنظم السياسية ـ مصدر سابق ـ ص189.

4- د. محسن خليل ـ القانون الدستوري والنظم السياسية ـ مصدر سابق ـ ص190 ود. عبد الغني بسيوني ـ مصدر سابق ـ ص199.

5- د. يحيى الجمل ـ أنظمة السياسية المعاصرة ـ مصدر سابق ـ ص151ـ153.

6- يعتبر دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر عام 1787 المثال التقليدي للنظام الرئاسي بيد ان هذا الدستور وردت فيه حالات استثنائية عن مبدأ الفصل المطلق بين السلطات وهذه الحالات تمثل نوعاً من التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فقد منح الدستور رئيس الجمهورية حق الاعتراض التوقيفي على القوانين التي اقرها مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وأعطاه الحق كذلك في إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين. كما أجاز الدستور للرئيس حق دعوة الكونجرس لادوار الانعقاد غير العادي في حالات الضرورة التي تتطلب ذلك الانعقاد غير العادي وفي مقابل تلك السلطات الاستثنائية يعترف الدستور الأمريكي لمجلس الشيوخ ببعض السلطات في مواجهة السلطة التنفيذية التي يمتلكها الرئيس، اذ قرر الدستور حق مجلس الشيوخ في الاشتراك مع رئيس الجمهورية في بعض جوانب العلاقات الخارجية كاشتراط موافقة المجلس على المعاهدات الدولية وعلى تعيين السفراء في الدول الأجنبية ، وأعطى الدستور مجلس النواب الحق في توجيه الاتهام الجنائي لأعضاء السلطة التنفيذية من رئيس الدولة إلى الوزراء ، على ان يتولى مجلس الشيوخ محاكمتهم . د. سعد عصفور ـ المبادئ الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية ـ منشأة المعارف ـ الاسكندرية ـ بدون تاريخ ـ ص247ـ248.ود. أحمد حافظ عطية نجم ـ مصدر سابق ـ ص106. ود. محمد رفعت عبدالوهاب ـ مصدر سابق ـ ص272.

النظام البرلماني .

يعتبر النظام البرلماني الصورة الصحيحة والنموذج المعبر عن مبدأ فصل السلطات بمفهومه السليم. إذ يوزع السلطة في الدولة بين هيئات ثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية ، دون ان يفصل بين هذه الهيئات فصلاً مطلقاً ، بل يقيم بينها تعاوناً واشتراكاً في ممارسة بعض الاختصاصات ، ويجعل لكل منها في الأخرى تأثيراً وتداخلاً متبادلاً ، مع الإبقاء على مبدأ المساواة والتعاون بينها ، على الأخص فيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية(1).ويقوم تشكيل السلطة التنفيذية في النظام البرلماني على أساس الازدواجية الثنائية فهناك رئيس الدولة الذي يمارس دوراً شرفياً فهو بجسد الأمة ، ويصدر القوانين ، ويرفع على المراسيم ويصادق على المعاهدات الدولية ، ويعين رئيس الوزراء ، ويعلن عن حل البرلمان ، غير ان هذه الصلاحيات لا يمارسها رئيس الدولة فعليً ، وانما هي مناطه به رمزياً فقط ، اذ ان القرارات انما تتخذ من طرق الوزارة ، ويترتب على هذا ان رئيس الدولة في النظام لا تقع على عاتقه أية مسؤولية سياسية سواء كان ملكاً ورئيساً للجمهورية(2).اما الطرف الثاني للسلطة التنفيذية فهو رئيس الوزراء الذي يرأس الوزارة المتمثلة في هيئة متكاملة ومستقلة تضم مجموعة من الوزراء وهي مجلس الوزراء ، ونظراً لاضطلاع الوزارة بأعباء الحكم باعتبارها المحور الرئيسي في هذا النظام. فان المسؤولية السياسية الكاملة تقع على عاتقها أمام البرلمان(3). وهذه المسؤولية قد تكون تضامنية (جماعية) ، أو مسؤولية فردية تتعلق بوزير بمفرده . ويقصد بالمسؤولية التضامنية ان الوزارة تكون مسؤولة في مجموعها عن السياسة العامة التي تسير عليها أمام البرلمان، ويلزم الحصول على تأييده لها ، وإذا اعترض البرلمان على هذه السياسة ولم يوافق عليها ، فان هذا يعني سحب الثقة منها وإسقاطها ، اما المسؤولية الفردية فتتعلق بتقرير مسؤولية وزير بعينه عن تصرفاته الفردية الخاصة بإدارته لوزارته ، وهذا يعني سحب الثقة منه مما يحتم عليه تقديم استقالته من الوزارة(4).

ولما كان النظام البرلماني يفترض التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فقد منعت السلطة التنفيذية ، لغرض تحقيق التوازن ، حق حل البرلمان وما يترتب على ذلك من إجراء الانتخابات لاختيار برلمان جديد . ذلك ان حل البرلمان يعني الاحتكام إلى الشعب لحسم النزاع الذي نشأ بين السلطتين وأدى إلى هذه النتيجة ، فاذا أيد الشعب نواب البرلمان فانه يعيدهم مرة أخرى إلى مقاعدهم في البرلمان اما إذا كان الشعب مع الوزارة يسقطهم ، وهكذا فالتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يتحقق في إعطاء الأولى حق إسقاط الثانية ، وفي إعطاء الثانية حق حل الأولى(5). فضلاً عن ذلك فنتيجة لقيام النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات نشأت عدة مظاهر للاتصال والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية . تتمثل هذه المظاهر في حق اقتراح القوانين المقررة للسلطة التنفيذية ، ومشاركة أعضائها في مناقشة مشروعات القوانين المطروحة أمام البرلمان والتصويت عليها. وحقها في إصدار ما تقره السلطة التشريعية من هذه القوانين ، كما ان حضور أعضاء الوزارة لجلسات البرلمان ، والاشتراك في مناقشات اللجان البرلمانية المختلفة ، وشرح سياسة الحكومة بصدد الموضوعات المطروحة يمثل مظهراً هاماً للاتصال والتعاون بين السلطتين(6). وهذا ويستطيع البرلمان ان يشكل لجان تحقيق برلمانية من أعضائه للتحقيق في بعض الأعمال الصادرة من السلطة التنفيذية ، وقد يتخذ البرلمان إجراءات معينة لا يكون لها الصفة التشريعية ، كموافقته على الميزانية السنوية للدولة ماعدا القسم الخاص منها بفرض الضرائب أو إلغائها الذي لا يكون الا بقانون ، وكذلك تفويض الحكومة في اتخاذ أعمال محددة مثل تفويضها في عقد قرض مالي(7). وهكذا يشهد مبدأ الفصل بين السلطات في النظام البرلماني تطبيقاً عادلاً ومتوازناً لا يصل إلى حد الفصل المطلق ولا يهبط إلى حد الاندماج أو السيطرة لصالح إحدى السلطات على حساب غيرها من السلطات ، وهو وضع نموذجي لو طبق في الواقع العملي تطبيقاً سليماً لحقق مزايا عديدة تجعله أفضل النظم على الإطلاق ، فالتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يمنع وقوع الخلافات بينهما على حساب المصلحة العامة. والتعاون بينهما يؤدي إلى إنجاز الوظيفتين التشريعية والتنفيذية أفضل إنجاز والرقابة المتبادلة بينهما تمنع كلاً منها من الانحراف أو الخروج على حدود ما تقتضيه اختصاصاتها أو العمل على خلاف ما يقتضيه الصالح العام(8).

_________________________

1- د. ثروت بدوي ـ مصدر سابق ـ ص311.

2- اما بالنسبة للمسؤولية الجنائية ، فان الأمر مختلف بشأنها في الدول ذات النظام الملكي عن دول النظام الجمهوري ، اذ ان الملك في الدول البرلمانية الملكية غير مسؤول جنائياً عن أفعاله كذلك على أساس قاعدة ان الملك لا يخطيء ، أو ان ذاته لا تمس. اما في الدول البرلمانية الجمهورية ، فان رئيس الجمهورية يسأل جنائياً عن تصرفاته التي تشكل جرائم تقع تحت طائلة العقاب ، وذلك سواء كانت هذه الجرائم تتصل بأعمال وظيفة ام جرائم عادية. د. محمد ارزقي نسيب ـ مصدر سابق ـ ص183. ود. عبد الحميد متولي ـ القانون الدستوري والنظم السياسية ـ مصدر سابق ـ ص289.

3- د. ادمون رباط ـ الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ـ دار العلم للملايين بيروت ، 1971 ، ص637.

4- د. عبد الغني بسيوني ـ مصدر سابق ـ ص.

5- د. صالح جواد الكاظم ود. علي غالب العاني ـ مصدر سابق ـ ص72.

6- د. سعد عصفور ـ مصدر سابق ـ ص245.

7- د. اندريه هوريو ـ مصدر سابق ـ ص354.

8- د. أحمد حافظ عطيه ـ مصدر سابق ـ ص112 و 113.

المؤلف : تغريد عبد القادر المنقحة
الكتاب أو المصدر : مبدا الفصل بين السلطات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .