تبين أن الإنابة القضائية في القانون الدولي الخاص هو أجراء قضائي في دولة أجنبية ومن ثم فأن هناك سيادتين لدولتين أحداهما سلطاتها القضائية تطلب تنفيذ الإنابة القضائية وسيادة دولة الثانية مطلوب منها تنفيذ تلك الإنابة. وعليه فإن هناك حالات لا يمكن تنفيذ الإنابة بوجودها وأن هناك شروطاً يجب توفرها لتنفيذ الإنابة القضائية وكما يأتي:

1- أن يكون طلب الإنابة القضائية ضمن العلاقات الخاصة الدولية –المدنية التجارية والأحوال الشخصية- :

والعبرة هنا بطبيعة هذا الأجراء ذاته لا بطبيعة المحكمة التي تنظر النزاع وتطلب هذا الأجراء(1). فبعض القوانين الأجرائية التي تنظم الدعاوى الجزائية تجيز للمجني عليه أن يقدم إلى محكمة الجزاء طلباً بالتعويض عن الضرر الذي يصيبه جراء الفعل الجرمي المعاقب عليه والذي نظرت هذه المحكمة الجزائية وحكمت على المتهم به، يكون في هذه الحالة، أن تقدم المحكمة الجزائية طلباً للإنابة القضائية إذا كان الأمر متعلقاً بطلب التعويض ومن ثم أدخاله ضمن الأمور المدنية وليس الجزائية(2). فلا يجوز أن تكون الإنابة في مسائل تدخل ضمن القانون العام مثل المسائل المالية أو الإدارية أو الجزائية إلا إذا تقرر ذلك بموجب أتفاقيات دولية كون مسائل ذلك القانون يدخل ضمن سيادة الدولة(3)، وكذلك تأكيد لمبدأ أقليمية القوانين المالية أو الجزائية والتي لا يوجد تنازع قوانين بينها وكانت محكمة السين الفرنسية قد رفضت تنفيذ الإنابة القضائية لدعوى ضريبية أو مالية لأن فكرة التعاون والتعاضد في الجوانب العامة لم تنسق في القانون الدولي أو التطبيق الدولي، ولكن في بعض جوانب القانون العام يمكن طلب الإنابة وخصوصاً الإدارية منها فالقانون الدولي الخاص يرمي وخصوصاً في خصوص حل تنازع القوانين الدولية إلى تحقيق التناسق والتعاون المشترك بين النظم القانونية للدول المختلفة بغية تحقيق الأستقرار والأمان للعلاقات الخاصة الدولية(4).

2- أن لا يكون موضوع الإنابة القضائية تنفيذ إجراء من إجراءات تنفيذ الحكم الأجنبي :

وذلك لأن تنفيذ الأحكام الأجنبية تخضع لقانون خاص بها(5) ، فمثلاً لا يجوز تقديم الإنابة القضائية لتنفيذ حكم بتسلم مبلغ معين أو أي دين لأن ذلك يستلزم توافر شروط مذكورة في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية للبلد المطلوب تنفيذه فيه.

3- أن لا يكون الطلب المقدم مخالفاً للنظام العام في الدولة المطلوب منها تنفيذه:

فالنظام العام يعد من الأساسيات في مجتمع دولة ما، ولا يجوز بأي حال خرقه، والنظام العام يجعل من الضروري تدخل قضاء الدولة في الحالات التي لا يوجد نص تشريعي يمنع أجراء الإنابة القضائية داخل هذه الدولة من أجل حماية مصالح مشروعة(6). ترتبط بالدولة بصلات معينة لا يمكن توفير الحماية القانونية لها من طريق آخر وبصورة ملائمة وبهذا فأن القضاء يتجاوز حدود القانون بهدف تحقيق متطلبات العدالة وعدم التجاوز على الأساسيات القانونية لتلك الدولة. ومن الثابت إن القواعد الأجرائية وبصفة خاصة القواعد التي تتعلق بتنظيم مرافق القضاء وسير الدعوى ومراعاة حقوق الدفاع والطعن في الأحكام وقواعد الأختصاص الدولي والمواعيد الأجرائية إنما هي قواعد آمرة لأنها تتعلق بعمل مرفق عام وهو القضاء، وهي بهذا النحو تتعلق بالنظام العام وهي قواعد لا يجوز الأتفاق على خلافها- التي تختلف عن مفهوم النظام العام – في القانون الدولي الخاص، والذي يقوم بوظيفة من درجة إذ قد يستخدم كدفع يستبعد تطبيق القانون الأجنبي، المعين بوساطة قاعدة الأسناد الوطنية بحكم العلاقة ذات الطابع الدولي وقد يستخدم كضابط أسناد يعقد الأختصاص للمحاكم الوطنية في بعض الموضوعات التي تتضمنها قواعد معينة بسبب المضمون الخاص لهذه القواعد والتي تقوم على فكرة وجوب تلافي أنكار العدالة(7)، وضرورة الأستجابة لمقتضيات حسن تطبيق العدالة في العلاقات الخاصة الدولية والذي يفترض عدم أختصاص المحاكم الوطنية بنظر الدعوى ذات الطابع الدولي بسبب عدم توافر أي ضابط من ضوابط الأختصاص القضائي المقرر في القانون الداخلي ولكن أستناداً إلى مفهوم النظام العام –يمكن للمحاكم الوطنية أن تنظر هذه الدعوى إذا تعرض أحد الأطراف إلى خطر أنكار العدالة. هذا فضلاً عن أن فكرة النظام العام ما هي إلا أنعكاس للأفكار السائدة في مجتمع دولة ما ومن ثم يمكن لهذه الأفكار أن تختفي وتتطور بأستمرار. ومن صور القضاء الأجنبي في فرنسا إنه إذا تبين للقاضي الفرنسي أن في تنفيذ الإنابة القضائية مساس بأمن وسيادة الدولة أو النظام العام فيها على وفق المادة 743/ مرافعات، فرنسي(8)، فيمكن رفض هذا الطلب ذلك إن من الصعوبة أن نتصور مثلاً أن يطلب قاض أجنبي إلى المحاكم المصرية أو اللبنانية سماع شهادة أشخاص ممنوعين من الشهادة بمقتضى التزامهم بالحفاظ على أسرار المهنة التي يمارسونها أو طلب سماع شهادة أحد الزوجين ليدلي بمعلومات أفشاها إليه الطرف الآخر أثناء الحياة الزوجية بغير رضا الطرف الآخر(9). لا يجوز أن يكون طلب الإنابة القضائية تفويضاً لسلطة بمثابة أصدار الحكم في الدعوى ولا سلطة النظر في موضوع هذه الدعوى(10). وذلك لأن طلب تنفيذ الإنابة القضائية ينحصر بأجراء قضائي معين في الدعوى وليس أحالة الدعوى أي أنه لا يستتبعه نزع الأختصاص القضائي من المحكمة التي تنظر النزاع موضوع الدعوى.

4- أن لا يكون الأجراء المطلوب أتخاذه من الأجراءات التي تقع على عاتق الخصوم القيام به بأنفسهم : 

فكما هو معلوم أن الدعوى هي مجموعة الأجراءات القضائية التي يهدف القضاء من خلالها الوصول إلى الحقيقة وتكفل المشرع بوضع الآثار القانونية جزاءً لمخالفة كل أجراء منها فقد يفرض القانون أجراءً معيناً على الخصم لأثبات دعواه وعندما يدعي أحد الطرفين فأن تلك الإجراءات لا تتطلب الإنابة القضائية بخصوصها على الرغم من أن تلك الأجراءات تدخل ضن الخصومة القضائية(11)، ولكن إذا ما قدم أحد المتداعين دفعاً قانونياً وكان لهذا الدفع أثراً في الدعوى يتطلب أثباته أتخاذ أجراء في الخارج، فهنا يمكن للمحكمة وبناء على طلب أحد الخصوم أن تقرر الإنابة القضائية للحصول على الدليل المدعى به من قبل أحد الخصوم.

5- أن يدخل ضمن أختصاص السلطة القضائية المطلوب منها التنفيذ(12) :

والسلطة القضائية المقصودة هنا ليس المحكمة الوطنية لتلك الدولة المطلوب منها التنفيذ فقط بل أن يدخل أساساً ضمن مجالات السلطة القضائية في الدولة الأجنبية، وللقاضي الوطني كما هو في فرنسا أن يرفض قبول الإنابة القضائية من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم إذا تبين أن موضوع الإنابة القضائية لا يدخل في أختصاصه (13)

________________________

-1Paul D. Carrington، op; cit، p. 128.

2- نصت المادة (10) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971، النافذ (لمن لحقه ضرر مباشر مادي أو أدبي من أية جريمة أن يدعي بالحق المدني ضد المتهم أو المسؤول مدنياً عن فعله مع مراعاة ما ورد في المادة التاسعة بعريضة أو طلب شفوي يثبت في المحضر أثناء جمع الأدلة أو أثناء التحقيق الأبتدائي أو أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية في أية حالة كانت عليها حتى صدور قرار فيها، ولا يقبل ذلك منه لأول مرة عند الطعن تمييزاً.

3- أجازت أتفاقية الرياض للتعاون القانوني والقضائي العربية لعام 1983 طلب الإنابة القضائية في المسائل الأدارية بموجب نص المادة (16) منها، ومن التطبيقات القضائية أن: (محكمة السين الفرنسية كانت قد رفضت الإنابة القضائية لدعوى ضريبة أو مالية لأن فكرة التعاون والتعاقد في الجوانب العامة لم تستنفذ القانون الدولي أو التطبيق الدولي لها، .Hute op، cit; p. 354.

4- د. أحمد عبد الكريم سلامة، القانون الجنائي، مصدر سبق ذكره، ص170، وكذلك أشار في هذا البحث (التفرقة بين القانون العام والخاص تفرقة زماناً ومكاناً، فما يعد من القانون العام في زمن، لا يظل كذلك في زمن آخر، كما أن ما يعتبر من القانون العام في بلد، لا يكون كذلك في بلد آخر)، ص185.

5- قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية في العراق رقم 28 لسنة 1930.

6- جابر جاد عبد الرحمن، مصدر سبق ذكره، ص75.

7- د. أحمد عبد الكريم سلامة، القانون الجنائي الأجنبي …، مصدر سبق ذكره، ص185.

8-Bernard Audit، op، cit; p. 44.

9- د. عكاشة محمد عبد العال، مصدر سبق ذكره، ص296، وكذلك Ander Hute، op، cit; p. 360.

10- د. عنايت عبد الحميد ثابت، أحكام القانون الدولي الخاص المقررة في مصر من خلال بعض التطبيقات العملية، القاهرة، 2004، ص25.

11- د. حسن عبد الباسط جميعي، قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية، القاهرة، بدون سنة نشر، ص70 وكذلك د. آدم وهيب، مصدر سبق ذكره، ص131.

12-عكاشة محمد عبد العال، مصدر سبق ذكره، ص295.

13- أبو العلا علي أبو العلا أبو النمر، مصدر سبق ذكره، ص68

المؤلف : عبد المطلب حسين عباس الموسوي
الكتاب أو المصدر : الانابة القضائية في القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص39-43

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .