اشترط الفقهاء عدة شروط يجب توافرها في الشيء الموهوب وذلك على التفصيل الآتي:

الحنفية يشترط الحنفية في الشيء الموهوب:

أن يكون موجودا وقت الهبة، فلا تنعقد الهبة بما ليس موجود وقت العقد، مثل أن يهب ما يثمر نخله هذا العام، وما تلد أغنامه هذه السنة لأنه تمليك لمعدوم فيكون العقد باطلاً (1)، بخلاف الوصية فإنها تنعقد بما ليس موجود وقت الوصية، والفرق في ذلك، أن الهبة تمليك للحال وتمليك المعدوم محال، والوصية تمليك مضاف الى ما بعد الموت. ويلحق بذلك أن يهب ما في بطن هذه الشاه أو ما في ضرعها، فإن الهبة تكون غير صحيحة، لاحتمال الوجود والعدم، فإن انتفاخ البطن قد يكون للحمل وقد يكون لداء في البطن، وكذلك انتفاخ الضرع قد يكون باللبن وقد يكون بغيره، فكان له خطر الوجود والعدم ولا سبيل الى تصحيحه بالإضافة الى زمن لأن التمليك بالهبة محالاً يتحمل الاضافة الى الوقت.

1- أن يكون مالاً(2) متقوماً، فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم ولحم الخنزير، كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له كالخمر.

2- أن يكون محرزاً أي مفرزا، فلا تصح هبة المشاع إذا كان يحتمل القسمة، فإذا وهب نصف دار غير مقسوم فإن الهبة لا تصح، فإذا أراد شخص أن يهب لآخر نصف دار فعليه أن يقسمها أولاً، فإذا تعذر عليه قسمتها فيمكنه أن يبيعه النصف بثمن معين ثم يبرئه من الثمن.

وتجوز الهبة إذا كان الموهوب مشاعاً لا يحتمل القسمة كالسيارة مثلاً، وجواز الهبة هنا للضرورة، لأنه قد يحتاج الى هبة بعض ذلك، ويكتفي بالتخلية مقام القبض، ولكن يشترط أن يكون قدره معلوماً. ودليلهم في الحالة الأولى أن القبض في الهبة شرط كالرهن، والشيوع يمنع من القبض، لأن التصرف في النصف الشائع وحده لا يتصور، فإن سكنى نصف الدار شائعاً محال، ولا يمكن من التصرف فيه إلا بالتصرف في الكل، والعقد لم يتناول كل الدار فعدم قسمة الموهوب يمنع صحة القبض وتمامه.

3- أن يكون مملوكاً في نفسه، أي يكون الموهوب مما ترد عليه الملكية ويقبل التداول وانتقال ملكيته من يد الى يد، فلا تنعقد الهبة على المباحات، فلا تصح هبة الماء في النهر، ولا السمك في البحر، ولا الطير في الهواء ولا المساجد والزوايا.

4- أن يكون الموهوب متميزا عن غيره، وليس متصلاً به، ولا مشغولاً بغير الموهوب.

لأن معنى القبض، وهو التمكن من التصرف في المقبوض لا يتحقق مع شغل الموهوب بغيره.

وبناء عليه لو وهب شخص أرضاً فيها زرع للواهب دون الزرع، أو زرعاً دون الأرض أو نخلاً فيها ثمرة للواهب دون ثمرة، أو ثمرة دون النخل، لا يجوز وإن قبض الموهوب، ولكن لو جز الثمر وحصد الزرع ثم سلمه فارغاً جاز لأن المانع من نفاذ حكم العقد وهو ثبوت الملك، قد زال. ومثال ذلك أيضاً إذا وهب له داراً فيها متاع للواهب، أو وهب دابة عليها حمل للواهب دون الحمل، وقبض الموهوب، لا تجوز الهبة، ولا يزول الملك عن الواهب الى الموهوب له، لأن الموهوب مشغول بغيره، فيكون بمنزل هبة المشاع، ولكن لو ميز الموهوب عن غيره بأن أفرغ الدار من المتاع، والدابة من الحمل جازت الهبة(3).

استثناء ما في البطن:

يلحق بالشرط السابق أنه لو وهب دابة واستثنى ما في بطنها لا يجوز، لأنه هبة ما هو مشغول بغيره، ولكن الحنفية قالوا تجوز الهبة في الأم والحمل جميعاً ويبطل الاستثناء.

1- أن يكون مملوكاً للواهب، فلا تنفذ هبة مال الغير بغير إذنه، لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك(4).

المالكية: يشترط المالكية في الموهوب:

2- أن يكون مملوكاً للواهب، فلا تصح هبة ملك الغير بدون إذنه، فإذا وهب شخص ملك غيره لم تنفذ الهبة، خلافاً لبيع ملك الغير فإنه يقع صحيحاً موقوفاً على اجازة المالك، ومثل الهبة الوقف والصدقة، فمتى صدر واحد من هذه الأمور من شخص لا يملكها كان العقد باطلاً وإن أجازه المالك، ويقول بعض المالكية أن هذه الأمور كالبيع إذا أجازها المالك نفذت(5).

3- أن يكون الموهوب من الأشياء القابلة للنقل من ملك الى ملك في نظر الشارع، فلا تصح هبة الاستمتاع بالزوجة، لأن نقل هذا الاستمتاع ممنوع شرعاً، وتصح هبة جلود الأضاحي لأنها وإن كانت لا يصح بيعها فلا تقبل النقل بالبيع، لكن يصح اهداؤها والتبرع بها وبالتالي تصح هبتها.

ولا يشترط المالكية أن يكون الموهوب مفرزاً، فتصح عندهم هبة المشاع كالبيع، فإن القبض في الهبة المشاع يصح كالقبض في المبيع المشاع، فإن القبض في هبة المشاع يصح كالقبض في المبيع المشاع، وصفة قبضه أن يسلم الواهب جميع الشيء الى الموهوب له، فيستوفي منه حقه، ويكون نصيب شريكه في يده كالورثة ودليلهم على ذلك من السنة وفد هوازن لما جاؤوا يطلبون من رسول الله (صلى الله عليه واله) أن يرد عليهم ما غنمه منهم قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم)(6)، وهذا هو هبة المشاع وبهذا الرأي أخذ الشافعية والحنابلة. ولا يشترط المالكية في الموهوب أن يكون معلوماً فتجوز هبة مجهول العين والقدر ولو كان يظن أنه يسير فظهر أنه كثير، مثال ذلك إذا وهب شخص ميراثه من عمه لشخص وكان لا يعرفه قدره ويظن أنه يسير فاتضح أنه كثير فالهبة صحيحة، وكذلك إذا وهبه ما في جيبه وهو يظن أنه قليل فاتضح أنه كثير فالهبة صحيحة وليس للواهب الرجوع عن هبته.

الحنابلة: يشترط الحنابلة في الموهوب:

1- أن يكون موجوداً فلا تصح هبة المعدوم كهبة الثمر قبل أن يبدو صلاحه.

2- أن يكون مقدوراً على تسليمه فلا تصح هبة المجهول كالطير في الهواء، ولا تصح هبة الحمل في البطن في الضرع، لأنه مجهول معجوز عن تسليمه(7).

3- ولا يصح تعليق الشيء الموهوب بشرط لأنه تمليك لشيء معين في الحياة فلم يجز تعليقه على شرط كالبيع، فإن علقه على شرط كقول رسول الله (صلى الله عليه واله) لأم سلمة: (إن رجعت هديتنا الى النجاشي فهي لك) كان وعداً وإذا اشترط في الهبة شروطاً تنافي مقتضاها كأن يقول له وهبتك هذا بشرط أن لا تهبه أو لا تبيعه، أو بشرط أن تهبه أو تبيعه، لم تصح الشروط، وفي صحة الهبة وجهان: وإذا جعل الهبة مؤقتة كأن يقول الواهب وهبتك هذا سنة ثم يعود الي لم يصح لأنه عقد تمليك لعين فلم يصح مؤقتاً كالبيع)(8). وإذا وهب أمه واستثنى ما في بطنها صح، لأنه تبرع بالأم دون ما في بطنها، عكس ذلك الحنفية فقد رأينا أنهم يطلبون الاستثناء وتصح الهبة(9).

القانون السوداني:

تشير المادة 275 أحوال شخصية على الشروط الواجب توافرها في الشيء الموهوب بقولها أن يكون:

أ – مالاً متقوماً.

ب – موجوداً وقت الهبة.

ج – مملوكاً للواهب.

الموهوب بغيره.

وبناء عليه لو وهب شخص أرضاً فيها زرع للواهب دون الزرع، أو زرعاً دون دون الأرض أو نخلاً فيها ثمرة للواهب دون الثمرة، أو ثمرة دون النخل، لا يجوز وإن قبض الموهوب، ولكن لو جز الثمر وحصد الزرع سلمه فارغاً جاز لأن المانع من نفاذ حكم العقد وهو ثبوت الملك، قد زال.

ومثال ذلك أيضاً إذا وهب له داراً فيها متاع للواهب، أو وهب دابة عليها حمل للواهب دون الحمل، وقبض الموهوب، لا تجوز الهبة، ولا يزول الملك عن الواهب الى الموهوب له، لأن الموهوب مشغول بغيره، فيكون بمنزلة هبة المشاع، ولكن لو ميز الموهوب عن غيره بأن أفرغ الدار من المتاع، والدابة من الحمل جازت الهبة(10).

يسري على الشيء الموهوب ما يسري على محل العقد بوجه عام، فيجب أن يكون موجوداً، معيناً ومعلوماً ومملوكاً للواهب.

ووجود الشيء الموهوب تسري فيه القواعد العامة التي ذكرت في النظرية العامة للالتزام، ولكن خلافاً للقواعد العامة لا تجوز هبة الأموال غير الموجودة وقت الهبة، فهبة الأموال المستقبلة باطلة. وهذه الشروط التي نص عليها المشرع السوداني هي نفسها الشروط التي أشار إليها الفقهاء خاصة المذهب الحنفي، ولكن يهمنا هنا أن نتعرض للشرط الخاص بملكية الشيء الموهوب للواهب، فهذا الشرط يتفرع عنه هبة الأموال المستقبلة وهي ملك الغير، وهبة المال الشائع وهبة الدين وذلك على التفصيل الآتي:

أولاً: هبة الأموال المستقبلة:

الأصل طبقاً للنظرية العامة للعقد أنه يجوز التعامل في المال المستقبل، وقد نصت على ذلك صراحة المادة 79/2 معاملات مدنية بقولها: يجوز أن يكون المعقود عليه شيئاً مقتبلاً إذا عين تعييناً نافياً للجهالة والفرد. فيجوز مثلاً بيع المحصولات المستقبلة قبل أن تنبت، وأن يبيع شخص منزلاً لم يبدأ بناءه على أن تنتقل ملكية المنزل الى المشتري عند تمام البناء، ويجوز أن يبيع نتاج ماشية قبل وجودها، بل يجوز أن يبيع صاحب مصنع قدراً من مصنوعاته دون أن يكون قد بدأ صنعها، وأن يبيع مؤلف مؤلفه قبل أن يبدأ كتابته (11).

ولكن القانون قد يحرم لأسباب خاصة ضروباً من التعامل في الشيء المستقبل، كما في تحريم التعامل في التركة المستقبلة، فقد نصت المادة 78/2 معاملات:

لا يجوز التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة، ولو كان ذلك برضاه إلا في الأحوال التي تنص عليها القانون، وكذلك حرم هبة المال المستقبل فقد نصت المادة 234 معاملات: على الرغم من أي نص مخالف في هذا القانون لا تنعقد الهبة بالوعد ولا تنعقد على مستقبل (12) بطلان هبة المال المستقبل. إذن وطبقاً لنص المادة 234 فإن هبة المال المستقبل تكون باطلة. ولكن يجب التمييز بين المال الحاضر والمال المستقبل فإذا وهب شخص شيئاً مملوكاً له عند ابرام الهبة ولو كان غير معين بالذات كمائه أردب من القمح فإن الهبة صحيحة. أما المال المستقبل، فهو المال غير الموجود وقت الهبة، ولذلك لا تصح هبة محصولات لم تنبت، أو منزل لم يتم بناؤه، أو الربح الناتج عن الأسهم والسندات والتي لم يحل موعدها، أما هبة الأسهم والسندات نفسها فجائزة، لأن ذلك لم يعد مالاً مستقبلاً، وقد نصت على ذلك صراحة المادة 277 أحوال شخصية بقولها: تجوز هبة الأسهم والسندات وغيرها من الحقوق المالية، وكذلك هبة التركة المستقبلة لا تجوز م 78/2 معاملات.

وهبة المال المستقبلة تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً، لا تلحقها الاجازة، ولا يرد عليها التقادم، ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان، بل يجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه. والعلة في ذلك ترجع الى ما تنطوي عليه هبة المال المستقبل من خطر فإن الواهب يندفع الى مال مستقبل أكثر مما يندفع الى هبة مال حاضر، فأراد المشرع أن يحميه من هذا الاندفاع بإبطال هبته (13). وإذا وهب الشخص مالاً حاضراً ومالاً مستقبلاً في وقت واحد لشخص واحد، وكانت الهبة قابلة للتجزئة صحت الهبة في المال الحاضر وبطلت في المال المستقبل طبقاً للقواعد المقررة في انقاض العقد، وقد نصت على ذلك المادة 94 معاملات بقولها: إذا كان العقد في شق منه باطلاً أو موقوفاً فهذا الشق وحده هو الذي يبطل أو يقف إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً أو موقوفاً فيبطل العقد كله.

مثال ذلك: إذا باع شخص لآخر داره وما فيها من أثاث، وما سيوجد من الأثاث الى يوم موته، وتبين أن العقد هبة مستترة في صورة بيع وأنها تقع على مال حاضر ومال مستقبل صحت الهبة في المال الحاضر وهو الدار وما يوجد فيها وقت الهبة من الأثاث، وبطل في المال المستقبل وهو الأثاث الذي سيوجد بعد الى يوم موت الواهب.

ثانياً: هبة ملك الغير:

تختلف هبة ملك الغير، عن هبة المال المستقبل، فالمال المستقبل هو مال غير موجود وقت الهبة ولكنه يوجد في المستقبل، أما ملك الغير فهو مال معين بالذات وموجود وقت الهبة ولكنه غير مملوك للواهب، لذلك فإن الهبة في المال المستقبل تكون باطلة بطلاناً مطلقاً، أما في ملك الغير فيكون قابلة للإبطال، وقد نصت على هبة ملك الغير المادة 231/1 معاملات مدنية بقولها: لا ينفذ عقد الهبة إذا كان المال الموهوب غير مملوك للواهب ما لم يجزه المالك ويتم القبض برضاها.

واضح من هذا النص أن هبة ملك الغير تلحقها الإجازة، ويقتضي ذلك أن توضح حكم هبة ملك الغير فيما بين المتعاقدين، وبالنسبة للمالك الحقيقي.

(1)حكم هبة الغير فيما بين المتعاقدين:

المتعاقدين في هبة الغير هما الواهب الذي لا يملك الموهوب، والموهوب له، وهذه الهبة كما ذكرنا قابلة للإبطال، ولكن في هذه الحالة، فإن من يتمسك بالبطلان هو الموهوب له، حيث يستطيع أن يتمسك بهذا البطلان حتى ولو يتعرض له المالك

الموهوب له، حيث يستطيع أن يتمسك بهذا البطلان حتى ولو لم يتعرض له المالك الحقيقي، ويرى الفقهاء أنه يحق للموهوب له أن يطالب بالتعويض عما أصابه من الضرر الغدر بسبب إبطال الهبة إذا كان الواهب قد تعتمد إخفاء أن الشيء الموهوب مملوك للغير، وهنا يستحق التعويض العادل، أو إذا كانت الهبة بعوض وفي هذه الحالة يرجع بما أداه من عوض (14)، ويرى جانب آخر من الفقهاء أن الواهب لا يكون مسئولا عن التعويض إلا إذا كان سيء النية أو ارتكب خطأ جسميا، والبعض الآخر يقول أن المسئولية هنا لا تنشأ عن عقد الهبة بعد إبطاله ويذهب الى وجوب تطبيق أحكام المسئولية التقصيرية (15). أما الواهب فلا يجوز له إبطال الهبة الصادرة منه، لأن الهبة ليست باطلة بطلاناً مطلقاً يتمسك به أي شخص، وإنما هي قابلة للإبطال لمصلحة الموهوب له وحده.

وللموهوب له أن يجيز الهبة فتنقلب صحيحة، ولكن لا يعني ذلك تنقل ملكية الموهوب الى الموهوب له لأن المالك الحقيقي لم يجز الهبة وهو أجنبي عنها، فلا تنتقل الملكية منه إلا برضاه، م 231/1 معاملات.

(2)حكم هبة المالك الغير بالنسبة الى المالك الحقيقي:

إذا لم يجز المالك الحقيقي الهبة فإن الهبة لا تسري في حقه ويبقى مالكاً للموهوب، ولا تنتقل منه الملكية الى الموهوب له حتى لو أجازها الموهوب له، ويستطيع أن يرجع على الموهوب له بدعوى الاستحقاق، ويرجع على الواهب بالتعويض.

وإذا أجاز المالك الحقيقي الهبة، وتم قبض الموهوب برضاه، ففي هذه الحالة ينفذ عقد الهبة ويكون صحيحاً، وتنقلب الهبة صحيحة من وقت صدورها، ولكن الملكية لا تنتقل الى الموهوب له إلا من وقت الإجازة (16).

ثالثاً: هبة المال الشائع:

… أن الفقهاء اختلفوا في هبة المال المشاع، فالفقه الحنفي يمنع هبة المال المشاع، وأما الجمهور فتجوز عندهم، وقد أجاز القانون السوداني هبة المشاع فقد نصت المادة 276 أحوال شخصية:

تكون هبة المشاع مطلقاً كان أو متصلاً بغير اتصال ملاصقة أو مجاورة.

طبقا لهذا النص إذا وهب المالك في الشيوع حصته الشائعة أو بعض هذه الحصة، انتقل ما وهبه الى الموهوب له.

فإذا كان الشيء أو المال مملوكاً ملكية شائعة وكانت هذه الملكية الشائعة مطلقاً، ويكون ذلك في حالة امتلاك عدد من الملاك عقاراً واحداً كل واحد منهم يمتلك حصة فيه، كما هو الحال في حالة انتقال العقار عن طريق الميراث، أو إذا كان المال المشاع متصلاً بغيره، ويكون ذلك في حالة الملاك المجاورين لبعضهم البعض، ففي هذه الحالات تجوز هبة المال المشاع سواء أمكن قسمته أو لم يمكن ذلك، لأن عدم قسمته لا يمنع من بيعه فكذلك لا يمنع هبته.

رابعاً: هبة الدين:

قد يكون لشخص معين دين على آخر، فيهب له هذا الدين أو يهبه لآخر غير المدين، وقد اختلفت آراء الفقهاء في ذلك على النحو الآتي:

الحنفية:

قالوا هبة الدين لمن عليه الدين أي المدين جائزة، فإذا قال الدائن للمدين وهبت لك الدين الذي عليك فإنه يصح، ولكن لا تكون هبة حقيقية لأن الهبة يشترط فيها أن تكون عيناً لا ديناً، فهي اسقاط للدين بمجرد قول الواهب وهبت لك الدين فلا يشترط قبول المدين. فإذا لم يقبل المدين ورد الهبة فإنها ترتد ويبقى الدين على الدين. وأما في حالة الكفيل بالدين ووهب له الدائن الدين الذي كفله فإن الهبة تصح بشرط قبوله، وإذا رفض فإن رفضه يكون صحيحاً. أما بالنسبة لهبة الدين لغير المدين، فهي صحيحة لأنه يكفي أن يشترط في صحة الهبة في هذه الحالة أن يأمر الدائن الموهوب له بالقبض فيقبضه نيابة عنه(17).

المالكية:

قال المالكية تصح هبة الدين لمن عليه الدين ولغيره، (فإن كانت لمن عليه الدين ولغيره)، فإن كان لمن عليه الدين كانت إبراء والإبراء يحتاج الى قبول لأنه نقل للملك، فإذا لم يقبل المدين لا تصح هبة الدين له، وبعضهم يقول: إن هبة الدين اسقاط لا نقل للملك فلا تحتاج الى قبول. أما إذا وهب الدين لغير من عليه الدين فإن الهبة تصح بثلاثة شروط:

أ – أن يشهد على الهبة.

ب – أن يدفع الواهب للموهوب له سند الدين إن كان له سند.

ج – أن يجمع بين الموهوب له وبين من عليه الدين إن كان حاضراً، أما إن كان غائباً فلا يشترط الجمع.

الشافعية:

قالوا: هبة الدين للمدين يعتبر إبراء فلا يحتاج الى قبول، أما هبته لغير من عليه الدين فهناك اختلاف حولها.

بعضهم يقول أنها هبة صحيحة، والبعض الآخر يقول إنها باطلة لأنا لدين غير مقدور على تسليمه، وهو متصف بكونه ديناً، فإنه إذا قبض لا يكون ديناً بل يكون عيناً(18).

الحنابلة:

قالوا: هبة الدين لمن عليه الدين صحيحة وبرئت ذمة المدين، ولا يشترط القبول لأنه اسقاط كإسقاط القصاص والشفعة وحد القذف والطلاق، وإن قال له تصدقت به عليك صح، لأن القرآن ورد في الابراء بالصدقة قال تعالى: (ودية مسلمة الى اهله الا ان يصدقوا)(الإنسان: 92)، وإن قال له عفوت صح قال تعالى: (إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح)(البقرة: 273).

أما هبة الدين لغير من عليه الدين فلا تصح لأنه غير قادر على تسليمه (19)، والهبة تقتضي وجود شيء معين وهنا غير موجود(20).

القانون السوداني:

تنص المادة 231 معاملات في الفقرتين الثانية والثالثة على الآتي:

1- تصح هبة الدين للمدين وتعتبر إبراء.

2- تصح هبة الدين لغير المدين وتنفذ إذا دفع المدين الدين إليه.

واضح أن القانون السوداني أخذ بالحالتين، هبة الدين لمن عليه الدين، وهبته للأجنبي، واعتبر الحالة الأولى ابراء من الدين ولا يحتاج ذلك الى قبول من المدين لأنه يعتبر اسقاط في هذه الحالة والاسقاط كما ذكرنا لا يحتاج الى قبول.

والحالة الثانية تجوز الهبة لغير المدين ولكن نفاذ هذه الهبة متوقف على القبض، فإذا دفع المدين للموهوب له وقبضه صحت الهبة ونفذت، أما إذا لم يقبضه فلا تنفذ.

__________________

1- راجع (فقه السنة)، سيد سابق ، ج3 (ص391).

2- أحمد ابراهيم (ص623).

3- أحمد ابراهيم، (ص65 و66).

4- راجع كتابنا (الوصية والوقف)(ص6)، وكذلك المادة 29/ ب أحوال شخصية حيث تنص: يشترط في الموصي له أن يكون موجوداً حقيقة أو تقديراً.

5- (المبسوط) (ج12، (ص71)، تكملة (فتح القدير)، ج7، (ص124)، (حاشية ابن عابدين) ج4، (ص534).

6- أشارت الى هذا الشرط 856 من شرح المجلة بقولها: يشترط وجود الموهوب في وقت الهبة وبناء عليه لا تصح هبة عنب بستان سيدرك أو ولد فرس سيولد.

7- المال المتقوم هو ما كان مجزراً فعلاً للارتفاع المعتاد شرعاً حال السعة والاختيار، راجع بحثنا (الملكية وأسباب كسبها في الفقه الاسلامي)(ص2).

8- (البدائع) (ص119).

9- (الفقه على المذاهب الأربعة)، ج3 (ص295).

10- (البدائع) ج6 (ص129).

11- (الوسيط في شرح القانون المدني) – السنهوري – ج5، المجلد الثاني (ص116).

12- هذا النص مستفاد من شرط الأول المشار إليه في الفقه الحنفي وهو أن يكون الموهوب موجوداً.

13-(السنهوري) المرجع السابق (ص117)، وراجع كذلك (مبادئ القانون المدني في العقود المسماة) للدكتور محمود جمال الدين زكي (ص134) حيث يقول: وكان على واضعي القوانين أن يفصحوا عن حكمته، ومع ذلك يمكن تعليله بأن حاجة التعامل في العصر الحديث التي أملت إغفال القاعدة الشرعية، ولم تدع الى اطلاق الأخذ بالمبدأ الجديد، فالهبة عقد لا يمس نظام المبادلة، وبالتالي لا يتعلق بكيان النظام الاقتصادي.

14- (السنهوري)، المرجع السابق (ص121) وراجع المادة 238/2 معاملات والتي سيأتي تفصيلها.

15- أكتم الخولي (العقود المسماة)(ص106).

16- (السنهوري)، المرجع السابق (ص123).

17- (البدائع)، ج6 (ص119)، (حاشية ابن عابدين) (ج4، (ص544)، (المبسوط) ج12، (ص70).

18- (مفتي المحتاج) ج21، (ص400).

19-(الفقه على المذاهب الأربعة) ج2، (ص301).

20-(المغني)، ج5، (ص658).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .