كيفية العلم بالشرط المفترض للجريمة

المؤلف : مجيد خضر احمد عبد الله
الكتاب أو المصدر : نظرية الغلط في قانون العقوبات
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

لمّا كانت الشروط المفترضة سابقة على النشاط الارادي للجاني ، فان الارادة وهي أحد عنصري القصد الجرمي لا تتجه الى تحقيق هذه الشروط وان كانت تتجه الى العدوان عليها في حالة القصد الخاص. ومع ذلك تقتضي القاعدة أن تكون الشروط المفترضة معلومة للفاعل سواء في حالة القصد العام أو الخاص ليمكن القول بتوافر القصد الجرمي لديه. وفي هذا السياق يقول بعض أنصار نظرية الارادة – في القصد الجرمي – أن هذه الارادة تشمل الشروط المفترضة الى جانب الفعل. فيقول أنصار هذه النظرية .

انه ليس صحيحاً ما يدّعيه انصار نظرية العلم – في القصد الجرمي – من أن الارادة لا يمكن تصوّرها متجهة الى الوقائع التي تحدد الدلالة الجرمية للفعل مثل كون المجني عليه حيّاً، وكون الشيء في السرقة مملوكاً لغير الجاني (وهي مما تعد شروطاً مفترضة للجريمة) ، ذلك أن الارتباط الوثيق بين الفعل وهذه الوقائع ثم اتجاه الفعل وهو مرتبط بها يحتم القول ان الارادة قد اتجهت اليها ايضاً ، بل ان الارادة حين تتجه الى الفعل فهي تتجه الى اقامة الرابطة الوثيقة بينه وبين هذه الآثار لاحداث النتيجة الاجرامية. وعلى الرغم من الانتقاد الذي تعرّض له هذا الرأي، تكمن الحقيقة في أن هذا الرأي لا يقول ان الارادة حين تتجه الى الشروط المفترضة فانها تحققها، انما يقول: ان ارادة الفعل والعلم بالشروط المفترضة مؤداه أن الارادة قد اتجهت الى الفعل مقترناً بالشروط المفترضة (1) .

ومهما يكن الأمر ، فانه يتعين أن يحيط الجاني علماً بالشروط المفترضة في الجريمة ، بحيث يترتب على انتفاء ذلك العلم في جريمة معينة انتفاء القصد الجرمي فيها .

فمن يعتقد أن الصك الذي أعطاه للمستفيد يقابل رصيداً قابلاً للسحب على حين كانت الحقيقة غير ذلك نظراً لوضــــع الحجز على رصيده من دون علمه، ومن يعتقد أنه يهين شخصاً اعتيادياً وليس موظفاً نظراً لوقوفه بين حشد من الناس في داخل الدائرة، ينتفي القصد الجرمي لديه لانتفاء علمه بالكيفية والصفة المفترضة التي تطلب المشرّع العلم بها لقيام الجريمة. ويلاحظ أن المشرّع قد يتطلب العلم بالشرط المفترض للجريمة صراحة، كأن يتطلب علم المتهم بأن من يخفيه أو يأويه بنفسه أو بوساطة غيره شخصاً قد فرّ بعد القبض عليه أو صدر بحقه أمر القاء القبض أو كان متهماً في جناية أو جنحة أو محكوماً عليه (المادة/273/1 عقوبات عراقي). وفي الواقع أنه حتى في حالة سكوت النص عن تطلب العلم بالشرط المفترض فانه ينبغي أيضاً توافر علم المتهم بالكيفية التي ألمحنا اليها، نظراً لأن الأمر يتعلق بقاعدة من القواعد العامة.

واذا كان الأصل علم الجاني بالشرط المفترض في الجريمة، فان القضاء أحياناً يذهب الى افتراض هذا العلم لدى الجاني افتراضاً لا حقيقية، كأفتراض محكمة النقض المصرية في بعض احكامها علم الجاني لشروط مفترضة معينة، مثل سن المجني عليه في جريمة هتك العرض، وقيام الزوجية في جريمة الزنا.

وتعلل هذه المحكمة ذلك الافتراض بقولها: ((أن كل من يقدم على مقارفة فعل من الأفعال الشائنة في ذاتها أو التي تؤثمها قواعد الآداب وحسن الأخلاق يجب عليه أن يتحرّى بكل الوسائل الممكنة حقيقة جميع الظروف المحيطة قبل أن يُقدم على فعلته فاذا هو أخطأ التقدير حق عليه العقاب عن الجريمة التي تتكون منها ما لم يقم الدليل على أنه لم يكن في مقدوره بحال أن يقف على الحقيقة)). وقضت أيضاً بأن ((كل ما يوجبه القانون على النيابة العامة أن تثبت في جرائم الزنا أن المرأة التي زنا بها متزوجة وليس عليها أن تثبت علم شريكها بذلك، اذ ان علمه بكونها متزوجة أمر مفروض وعليه هو لكي ينفي هذا العلم أن يثبت أن الظروف كانت لا تمكنه من معرفة ذلك لو استقصى عنه)).

وعليه فان ما يترتب على هذا الافتراض هو ان على المتهم وليس على سلطة الاتهام أن يثبت بأن غلطه كان مبرراً وما كان بمقدوره أن يعلم بالشروط المفترضة في الجريمة ولو بحث واستقصى، أو أن أسباباً قهرية أو ظروف استثنائية كانت تحول بينه وبين العلم على الوجه الصحيح بتلك الشروط. واذ قال القضاء كلمته فانه لم يخرج عن القواعد الموضوعية في القصد الجرمي، فهو مازال يتطلب العلم بتلك الشروط المفترضة لقيام القصد الجرمي، انما كان خروجه عن القواعد العامة في الاثبات حين نقل عبأه من عاتق النيابة العامة الى عاتق المتهم، محدداً له طريقاً خاصاً في سبيل ذلك الاثبات بأن يكون اعتقاده بحسن نيّة ومبنياً على أسباب معقولة ومقبولة ومبررة (2) .
__________________
1- عبد العظيم مرسي وزير-الشروط المفترضة في الجريمة-دار الجليل للطباعة-مصر-1983– ص288 ومابعدها. ويُنظر د. محمود نجيب حسني-النظرية العامة للقصد الجنائي-دار النهضة العربية-القاهرة-1978 – ص40 ومابعدها . ويُنظر المؤلف نفسه : شرح قانون العقوبات القسم العام – ص 604.
2- د. عبد العظيم مرسي وزير – المصدر السابق – ص 289 – 293.