الشرطة القضائية كأحد مواد قانون المسطرة الجنائية

يعتبر موضوع الشرطة القضائية جزءا من مواد قانون المسطرة الجنائية.

وقد صدر أول قانون للمسطرة الجنائية في عهد الاستقلال بتاريخ 10 يبراير 1959، وظل العمل به إلى غاية 28 يوليوز 1974، حيث صدر ظهير الإجراءات الانتقالية الذي أدخل تعديلات جوهرية وهامة على ظهير 1959، وعلى الرغم من التأكيدات التي واكبت صدور هذا الظهير الأخير من أن العمل به سيكون لفترة وجيزة وانتقالية، فقد ظلت مقتضياته مطبقة لمدة حوالي 30 سنة، إلى أن صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 يناير 2003 الظهير الشريف رقم 1.02.255 المؤرخ في 03 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ فاتح أكتوبر 2003.

ويضم قانون المسطرة الجنائية الجديد الذي جاء بعدة مستجدات إيجابية بين دفتيه، بالإضافة للكتاب التمهيدي المتعلق بقرينة البراءة وإقامـة الدعوى العمومية والدعوى المدنيـة ( الدعوى العمومية تقام كرد فعل على الضرر العام الذي يلحق بالمجتمع، والدعوى المدنية تتعلق بالتعويض عن الضرر الخاص) ثمانية كتب، أولها الكتاب المتعلق بالبحث عن الجرائم والتثبت من وقوعها، وهو الكتاب الذي سنركز عليه في هذه الدراسة.

أما باقي الكتب التي يضمها هذا القانون فتتعلق :

1 – بالحكـم فـي الجـرائـم.
2 – القواعد المتعلقة بالأحداث.
3 – طـرق الـطـعـن.
4 – المساطـر الخاصـة.
5 – تنفيذ المقررات القضائية ورد الاعتبار.
6 – الجـرائـم المقترفـة خارج المملكة.
7 – أحـكام مـختلـفـة.

مـجــال تــطـبـيــق قــانــون المــســطــرة الجــنــائــيــة :

ويعتبر قانون المسطرة الجنائية بمثابة التطبيق العملي للقانون الجنائي، وذلك بمعاينة المخالفات والبحث عن مرتكبيها لينالوا جزاءهم على يد القضاء، فهو بذلك عبارة عن صلة وصل بين المخالفة والعقوبة.

ولهذا نجده يتوخى الحرص على الحفاظ على التوازن بين حقوق المجتمع في الأمن والطمأنينة والنظام، وحق الفرد في الحرية والكرامة.

وهكذا تتبين أهمية قانون المسطرة الجنائية في كونه وسيلة لحماية المجتمع والأفراد :

· من المـجـرميـن : لأنـه يلعـب دورا وقـائيـا بـالـردع.

· من استغلال السلطة : لأن قواعده تتعلق بحماية الحرية الشخصية وصيانة حقـوق الدفـاع.

ولذلك فإن استقراء قواعده ومواده كاف ليترجم مدى حرص دولة ما على حماية وصيانة حقوق الأفراد.

ومن هذا المنطلق نجد أن المشرع المغربي نص في المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية الجديد على قاعدة قرينة البراءة La Présomption d’Innocence ، وتعني أن كل شخص يعد بريئا إلى أن تثبت إدانته، وهذه القاعدة مستمدة من المواثيق الدولية التي انخرط فيها المغرب وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وقد جاء في المادة المذكورة ما يلي : ” كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة، يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية”.

يفسر الشك لصالح المتهم

ولهذا، فقد خول المشرع لضابط الشرطة القضائية سلطات واسعة لتمكينه من وسائل فعالة لأداء مهامه كالتفتيش والحجز والوضع رهن الحراسة النظرية، إلخ… ونجده بالمقابل قد قيد هذه السلطات بوسائل مراقبة مختلفة تجنبا لأي انزلاق أو تجاوز صونا لحرية الأفراد وتكريسا لحقوق الدفاع.

وهكذا، وبعد التعرف – في هذه الدراسة – على هيئة ضباط الشرطة القضائية وأصنافها، وبما أن أهم نشاطها هو التثبت من وقوع الجرائم، فإننا سنعرج على بعض مقتضيات القانون الجنائي المتعلقة بالمخالفة الجنائية قبل التطرق لأنواع الأبحاث التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية، سواء في إطار التلبس، أو البحث التمهيدي أوالإنابة القضائية، لنختم هذه الدراسة ببعض النماذج العملية التي من شأنها أن تكون أرضية يستأنس بها ضابط الشرطة القضائية المبتدئ عند أدائه لمهامه.

السـلـطـات الـمـكـلـفـة بـالـبـحــث عـن الـجـرائـم والـتـثـبـت مـن وقـوعــهـا الشرطة القضائية

أصـــل الـتـسـمـيـة :

أصل كلمة الشرطة بالفرنسية Police حسب بعض الباحثين هو كلمة Polis اليونانية ومعناها المدينة، وكلمة Policia تعني إدارة المدينة : L’ Administration de la Cité .

أما التسمية العربية ” شرطة ” وهي مرادفة لكلمة أمن، التي تعني Sûreté ، وقد تكون أصلا لها، فأصلها حسب الدكتور محمد أمين بن عبد الله علامة أو شرطة كانت توضع على ملابس الحراس في عهد الخلفاء الراشدين، وأصبحوا يلقبون بأصحاب الشرطة، أي الذين توضع علامة على ملابسهم، وقـد تطورت الكلمة إلى أن أصبحت تستعمل بمفهومها الحالي : الشرطة بالضم ( كتاب الدكتور محمد أمين بن عبد الله la police Administrative )

أما وصف الشرطة بالقضائية، فذلك لتمييزها عن الشرطة الإدارية، ولأن مهامها وثيقة الصلة بالقضاء تزاولها تحت إشرافه ولصالحه، ناهيك أنها قد تنتدب من طرفه للقيام ببعض الإجراءات كما سنرى، وتسمى أيضا بالضابطة القضائية، وخاصة في الشرق العربي.

التفرقة بين الشرطة القضائية والشرطة الإدارية :

إن دور الشرطة القضائية يتجلى في التثبت من المخالفات للقانون الجنائي والبحث عن مرتكبيها، فإذا كان دور الشرطة الإدارية هو السهر على استتباب الأمن والنظام، وهو دور وقائي يتجلى في الحيلولة دون وقوع الاضطراب الاجتماعي، أي الجريمة، نجد أن دور الشرطة القضائية لا يبدأ إلا عندما تفشل الشرطة الإدارية في مهمتها، أي عند وقوع الجريمة.

و يمكن في آن واحد لنفس الشخص في القانون المغربي أن يتحمل مهمة الشرطة الإدارية والشرطة القضائية، سواء كان تابعا للأمن الوطني أو الدرك الملكي أو السلطة المحلية كما سنرى. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الازدواجية في المهام ما زالت محل انتقاد من طرف قضاة النيابة العامة، باعتبار أن المهام الإدارية تؤثر على حسن قيام ضابط الشرطة القضائية بالمهام القضائية، إذ أنها تؤدي إلى تأخير إنجاز الأبحاث. وقد وقعت المطالبة مرارا بتفرغ الشرطة القضائية لهذه المهمة دون غيرها من المهام.

أصناف ضباط الشرطة القضائية :

وهكذا نجد أن الشرطة القضائية تضم بمقتضى المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية، بالإضافة للضباط السامين، وينتمون للسلطة القضائية، الأصناف التالية :
– ضباط الشرطة القضائية.
– ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث.
– أعوان الشرطة القضائية.
– الموظفون والأعوان الذين أناط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك بعض الموظفين السامين الذين يمكنهم ممارسة أعمال الشرطة القضائية في ظروف استثنائية وببعض الشروط.

1 – ضباط الشرطة القضائية السامون هم :

الوكيل العام للملك ونوابه، وكيل الملك ونوابه، وقاضي التحقيق.

2 – أما ضباط الشرطة فــهــم :

حسب الترتيب الوارد في المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية :

– المدير العام للأمن الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها.
– ضباط الدرك الملكي وذوو الرتب فيه، وكذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة.
– البـاشوات والـقـواد.

كما يمكن تخويل هذه الصفة للأصناف التاليـة :

– مفتشو الشرطة التابعون للأمن الوطني ممن قضوا على الأقل ثلاث سنوات بهذه الصفة، وتمت تسميتهم بقرار مشترك صادر من وزير العدل ووزير الداخلية.

– الدركيون الذين قضوا على الأقل ثلاث سنوات من الخدمة في الدرك الملكي، وعينوا اسميا بموجب قرار مشترك لوزير العدل، والسلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني، وتنشر سنويا لائحة بأسمائهم في الجريدة الرسمية.

3 – ضباط الشرطة القضائية المكلفون بالأحداث :

وينتمون لجميع الأجهزة المشار إليها أعلاه، شرط تسميتهم من طرف الإدارة التي ينتمون إليها للقيام بالأبحاث المتعلقة بالأحداث.

4 – أعوان الشرطة القضائية وهم :

– موظفـو المصالح العاملـة للشـرطـة.
– الدركيون الذين ليست لهم صفة ضابط الشرطة القضائية.
– خلفاء الباشوات وخلفاء القـواد.

5 – الموظفون والأعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية :

وهم موظفو وأعوان الإدارات والمرافق العمومية الذين أسندت لهم بعض مهام الشرطة القضائية بموجب نصوص خاصة، وكمثال على ذلك :

· مهندسـو ومأمورو المياه والغابات.

· الموظفون المكلفـون بقمع الغـش.

· الموظفون التابعون لإدارة الجمارك، إلخ…

6 – الموظفون السامون الذين يقومون استثناء بأعمال الشرطة القضائية :

· الـولاة والعمـال

مـهـام الشرطـة الـقضـائـية :

على الرغم من أن أبرز مهام الشرطة القضائية، وبجميع أصنافها وبمعناها الواسع، هي التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها، والبحث عن مرتكبيها، فإنه من الضروري التعرض لمهام كل صنف على حدة، لوجود بعض الخصوصيات التي تميز هذه الأصناف.

أولا : الـضـبـاط الـسـامـون

1 – الوكيل العام للملك ونوابه :

ينتمي الوكيل العام للملك ونوابه للسلك القضائي، وبصفة أدق للقضاء الواقف، ويزاولون مهامهم على صعيد محكمة الاستئناف، وهي المحكمة المختصة بالنظر في الجنايات والجنح والمخالفات المرتبطة بها.

ويوصف الوكيل العام للملك برئيس النيابة العامة تمييزا له عن الرئيس الأول للمحكمة، باعتباره يتوفر على سلطة رئاسية على جميع أعضاء النيابة العامة المزاولين لمهامهم ضمن نفوذ دائرة محكمة الاستئناف.

مهام الوكيل العام للملك :

يقوم الوكيل العام للملك بعدة مهام، سـواء على صعيد محكمة الاستئناف – تحريك الدعوى العمومية وممارستها -، أو بصفته ضابطا للشرطة القضائية، وهو الذي يسهر على حسن تطبيق القانون الجنائي في دائرة نفوذ محكمة الاستئناف.

وقد نص قانون المسطرة الجنائية الحالي صراحة على انتمـاء الوكيل العـام للملك للشرطة القضائية ( المادة 20 )، كما جعله يمارس سلطته على ضباطها وأعوانها وعلى الموظفين القائمين بمهام الشرطة القضائية، وله الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة أثناء مباشرة مهامه.

وبالرجوع للمادة 49 من قانون المسطرة الجنائية ، نجد أنه من حق الوكيل العام للملك بصفته ضابطا ساميا للشرطة القضائية أن :

· يباشر بنفسه أو يأمر بمباشرة الإجراءات الضرورية للبحث عن مرتكبي الجنايات وضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم.

· يتلقى الشكايات والوشايات والمحاضر الموجهة إليه، ويتخذ بشأنها ما يراه ملائما من الإجراءات أو يرسلها مرفقة بتعليماته إلى وكيل الملك المختص.

· يحـق لـه، لضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين، إصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض، وهو يسخـر لذلك الشرطـة الدولية ” الأنتربول ” عـن طريق الشرطة المحلية.

· يجـوز له، إذا تعلـق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم، أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وهو لهذه الغاية قد يسخر القوة العمومية.

· كما يمكنه أن يأمر برد الأشياء المحجوزة أثناء البحث إلى أصحابها.

· يحق لـه، إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحـة مرتبطة بها يعاقـب عليها القانون بسنتين حبسا أو أكثر – إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث التمهيدي – ، سحب جواز سفر الشخص المشتبه فيه وإغلاق الحدود في حقه لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا، ويمكن تمديد هذا الأجل إلى غاية انتهاء البحث التمهيدي إذا كان الشخص المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمامه، وهو يكتفي هنا بإصدار قرار يوجهه للشرطة القضائية المكلفة بالبحث على أساس تذييعه إلى شرطة الحدود.

وقد جاء قانون المسطرة الجنائية بمقتضى جديد يتمثل في تخويل الحق للوكيل العام للملك بالأمر كتابة بالتقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد إذا تعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، وهي جرائم تمس أمن الدولة أو تتعلق بالعصابات، إلخ…، وذلك بعد تقديم ملتمس بذلك للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، اللهم إلا إذا كان الأمر يتعلق بحالات الاستعجال القصوى، وذلك في بعض أنواع الجرائم الخطيرة كالمس بأمن الدولة أو المخدرات أو الأسلحة والتفجيرات، أو الاختطاف وأخذ الرهائن، ويمكن أن تستمر هذه العملية لمدة أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك، وذلك بواسطة أحد ضباط الشرطة القضائية الذي يحرر محضرا بهذه العمليات.

ب –وكــيــل الــمــلــــك ونــوابــــه :

يمثل النيابة العامة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائيـة المعين بها ومراكز القضاة المقيمين، ويمارس الدعوى العمومـية تحت مراقبة الوكيـل العام للملك شخصيا، أو بواسطة نوابه الذين يخضعون لسلطته، وباعتباره ضابطا ساميا للشرطة القضائية فهـو يباشـر بنفسه أو يأمـر بمباشرة الإجراءات الضرورية للبحث عن مرتكبي المخالفات للقانون الجنائي، ويصدر الأمر بضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم.

ويحق له، بمقتضى المـادة 40 لضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين، إصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض، كما يحـق له إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم أن يأمر بأي إجراء تحفظي لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، على أن يعرض الأمر على الجهة التي أحيلت عليها القضية لتأييده أو تعديله أو إلغائه خلال ثلاثة أيام على الأكثر.

كما يمكنه إذا تعلق الأمر بجنحة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر، سحب جواز سفر الشخص المشتبه فيه وإغلاق الحدود في حقه لمدة لا تتجاوز شهرا قابلة للتمديد إلى غاية انتهاء البحث التمهيدي إذا كان المشتبه فيه هو المتسبب في تأخير البحث، مع أن هذين الإجراءين ينتهي مفعولهما بمجرد إحالة القضية على المحكمة.

ويسير وكيل الملك في دائرة نفوذ محكمته أعمال ضباط الشرطة القضائية وأعوانها، ويقوم بتنقيطهم، كما أنه يسهر على احترام إجراءات الحراسة النظرية وآجالها، وعلى مباشرتها في الأماكن المعدة لهذه الغاية، لذا يتعين عليه أن يقوم بزيارة هذه الأماكن مرة في الأسبوع على الأقل، ويقوم بمراقبة سجلات الحراسة النظرية، وله الحق في تسخير القوة العمومية عند مزاولة مهامه.

ويتحدد اختصاص وكيل الملك المحلي، مثله في ذلك مثل الوكيل العام للملك، حسب ثلاثة معايير : مكان ارتكاب الجريمة، محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مشاركته في ارتكابها، مكان إلقاء القبض على أحد هؤلاء الأشخاص لأي سبب.

ينتمي قاضي التحقيق للقضاء الجالس، إذ أنه يعين من بين قضاة الحكم سواء على مستوى المحاكم الابتدائية من بين قضاتها، أو محاكم الاستئناف من بين مستشاريها لمدة ثلاثة سنوات قابلة للتجديد بقرار من وزير العدل، ويمكن أن يوضع حد لمهامه بنفس الطريقـة.

وبصفته ضابطا ساميا للشرطة القضائية، فهو يتمتع بسلطات واختصاصات واسعة يمكن أن يزاولها أثناء سريان البحث في حالة التلبس أو خلال التحقيق الإعدادي الذي لا يمكنه أن يجريه إلا بملتمس من النيابة العامة أو بناء على شكاية مرفقة بتنصيب المشتكي طرفا مدنيا، ويحق لـه تسخير القوة العمومية أثناء مزاولته لمهامه، وإذا تعـذر عليه القيام شخصيا ببعض إجراءات التحقيق جاز لـه بصفة استثنائية أن يكلف بإنابة قضائية أحد القضاة، أو ضباط الشرطة القضائية لتنفيذ هذه الإجراءات ضمن الشروط المحددة في القانون.

3- قــاضـي التــحـــــقــيــــق :

ويمكن أيضا لقاضي التحقيق، إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد، وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها.

وقد أتى قانون المسطرة الجنائية بمستجد يتجلى في تخويل قاضي التحقيق الحق في وضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق لمدة شهرين قابلة للتجديد خمس مرات لضمان حضوره… ويقوم قاضي التحقيق المكلف بالقضية أو القاضي الذي ينتدبه لهذه الغاية بالمكان الذي يسكن به المتهم، بتعيين شخص مادي أو معنوي مؤهل للمشاركة في تطبيق الوضع تحت المراقبة القضائية، أو بتعيين مصلحة للشرطة أو الدرك الملكي أو أية مصلحة قضائية أو إدارية مختصة ( المادة 162 ).

وكما سبق القول، فإن قاضي التحقيق يزاول سلطات مهمة تتعلق بالشرطة القضائية في حالة التلبس سنتطرق إليها عند التعرض لهذا الموضوع.

مــلاحــظــات عـلـى تـخــويـل صـفـة الـشـرطـة الـقـضـائـيـة لـفـئـة مـن الـقـضـاة

وهكذا يتبين أن هذه الفئة من القضاة، التي خولت لها صفة ضابط سام للشرطة القضائية، تلتقي مع فئة ضباط الشرطة القضائية في إمكانية قيامها مباشرة بالأبحاث والتحريات، إلا أنها تتميز عنها بكونها يمكنها أن تكلف أي ضابط للقيام بذلك دون تمييز بين الأجهزة، عكس ضباط الشرطة القضائية الذين لا يمكن لفئة منهم إعطاء أوامر بالبحث لفئة أخرى، كأن يكلف ضابط الشرطة القضائية التابع للدرك الملكي ضابط الشرطة المنتمي للسلطة المحلية بالبحث، والعكس صحيح، إلا أن هذا التصرف قد يحدث في الواقع العملي خاصة بالنسبة لبعض رجال السلطة الذين يكتفون عند وقوع جريمة في دائرة نفوذهم بإحالتها على قائد مركز الدرك المتواجد في نفس الدائرة للبحث فيها، الشيء الذي لا يقبله هؤلاء نظرا لانعدام التسلسل الرئاسي بين الفئتين.

إن سبب تخويل فئة القضاة ( النيابة العامة وقضاء التحقيق ) الصفة الضبطية يرجع إلى ضرورة إعطائها الصلاحيات والسلطات الكافية، وتمكينها من الوسائل اللازمة لأداء مهامها المتمثلة في ممارسة الدعوى العمومية من ناحية، والإشراف من ناحية أخرى على أعمال الشرطة القضائية ومراقبتها، إلا أن بعض المهتمين، وخاصة في فرنسا، انتقد هذا التصنيف لأنه جعل قضاء التحقيق خاضعا بدوره لسلطة الوكيل العام للملك، وفي ذلك تناقض مع مبدأ استقلال القضاء الجالس عن القضاء الواقف.

ولهذا، نرى أن المشرع الفرنسي، الذي استلهم منه المشرع المغربي هذا التصنيف قد تخلى عنه، وأزال هذه الصفة عن القضاة مع احتفاظه لهم بجميع صلاحيات الشرطة القضائية لتمكينهم من أداء مهامهم.

ثانيـا : ضـباط الـشـرطـة القضائية :

لقد خصص المشرع للشرطة القضائية المواد من 16 إلى 35 من قانون المسطرة الجنائية، وجعلها تمارس مهامها في نطاق الحدود الترابية التي تزاول فيها وظائفها وتخضع في ذلك لتسيير وكيل الملك، كما أنها توضع تحت سلطة الوكيل العام للملك ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، ونريد التأكيد هنا على أن مجال مراقبة هذه الجهات مقتصر على الأعمال المتعلقة بالجانب القضائي، ولا مجال لتدخلها في النشاط الإداري الذي يخضع للرؤساء الإداريين الذين يتبع لهم الضابط، وتتلخص مهامها في :

– البحث عن مخالفات القانون الجنائي، أي جميع الجرائم المنصوص عليها وعلى عقوبتها في القانون الجنائي والقوانين الزجرية الأخرى، وسنتعرض لمفهوم المخالفة الجنائية لاحقا.

– معاينة هذه الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها.

– تنفيذ أوامر وإنابات قضاء التحقيق وأوامر النيابة العامة، ويحق لضابط الشرطة القضائية أثناء مزاولة مهامهم الاستعانة بمترجم، كما يحق لهم أن يلتمسوا مباشرة مساعدة القوة العمومية

وتجدر الإشارة إلى أن لضباط الشرطة القضائية اختصاصات متنوعة عند البحث في حالة التلبس والبحث التمهيدي سنتطرق إليها عند الكلام على الأبحاث التي تقوم بها الشرطة القضائية.

ثالثـا : ضـباط الـشـرطـة القضائية المكلفون بالأحداث :

انسجاما مع ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية بخصوص حماية الأحداث والتي صادق عليها المغرب، أدخل المشرع المغربي تغييرات مهمة تتعلق بالبحث في الجرائم المرتكبة من طرفهم أهمها :

· الرفع من سن الحدث إلى 18 سنة بدلا من 16.

· منع إخضاع الحدث للحراسة النظرية.

· تخصيص هيئة متخصصة في البحث في الجرائم المرتكبة من طرف الأحداث هي : ضباط الشرطة القضائية المكلفون بالأحـداث.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد أي اختلاف بين هذه الفئة وفئة ضباط الشرطة القضائية، اللهم إلا وجوب تعيينها بالطرق الإدارية العادية وتبعا لنظام الجهاز الذي تنتمي إليه للبحث في قضايا الأحداث، وإخبار النيابة العامة بهذا التعيين، وبالتالي فإنه لا يمكن لأي ضابط غير معين خصيصا لهذه الغاية أن يباشر الأبحاث المتعلقة بالأحداث الذين يقل عمرهم عن ثمانية عشرة سنة.

رابعـا : أعـوان الـشـرطـة القضائية :

يقوم أعوان الشرطة القضائية حسب المادة 26 من قانون المسطرة الجنائية :

– بمساعدة ضباط الشرطة القضائية في التثبت من وقوع الجرائم والبحث عن مرتكبيها.

– يقومون بالتثبت من المخالفات للقانون الجنائي وجمع الأدلة والمعلومات المؤدية للعثور على مرتكبيها في إطار مساعدة ضباط الشرطة القضائية.

– و يقومون بذلك تحت إشراف رؤسائهم وامتثالا لأوامرهم، وخضوعا كذلك لنظام الهيئة التي ينتمون إليها.

– و عليهـم أن يخبروا رؤساءهـم بما يصل إلى علمهم من مخالفـات للقانـون الجنائي.

خامسا : الموظفون والأعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية :

لقد أعطى المشرع لفئة من الموظفين والأعوان الحق في القيام ببعض مهام الشرطة القضائية في مواد معينة حددتها النصوص التي خولت لها تلك الصلاحيات ( المادة 27 )، ونجد أن هذه الصلاحيات تتسع وتضيق بالنسبة لكل فئة على حدة، فإذا كان المبدأ العام هو أن هؤلاء الموظفين لا يمكنهم القيام ببعض الإجراءات الخطيرة كالحجز والتفتيش والوضع رهن الحراسة النظرية، نجد بعضهم خلافا لذلك يتمتع بهذه الصلاحيات مثل أعوان الجمارك، ذلك أن المادة 237 قد خولت لهم حق القيام بأبحاث تمهيدية، وأن يباشروا بمناسبة تحرياتهم تفتيش المنازل، كما أجازت لهم المادة 238 حق الاحتفاظ بالأشخاص رهن إشارتهم.

وقد خول ظهير قمع الغش في البضائع للموظفين والأعوان الحق في القيام، بالإضافة لضباط الشرطة القضائية، بالبحث والتثبت من هذا النوع من الجرائم وتحرير محاضر بشأنها.

والملاحظ أن قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 قد خول لمأموري المياه والغابات بمقتضى المادة 26 الحق في البحث والتثبت من المخالفات الغابوية، شريطة ألا يقوموا بدخول المنازل وتفتيشها وحجز الأشخاص إلا بواسطة ضباط الشرطة القضائية، وقد تم حذف هذه المادة بمقتضى القانون الحالي ليبقى اختصاص هؤلاء الموظفين والأعوان محددا بمقتضى ظهير 1914.

سادسا : الموظفون السامون :

ونقصد بذلك الولاة والعمال، إذ يجوز لهم – رغم عدم انتمائهم لجهاز الشرطة القضائية – أن يقوموا بالبحث، أو يكلفوا ضباط الشرطة القضائية بذلك كتابة عندما يتعلق الأمر بجرائم تقترف ضد سلامة الدولة الداخلية أو الخارجية.

إلا أن ذلك مشروط :

– بتوفـر حالـة الاستعجال.
– عدم علمهم بمباشرة القضية من طرف وكيـل الملك الذي يجـب إخـباره فـورا.
– تخليهم عن القضية للسلطة القضائية بعد مرور ثلاثة أيام من الشروع في البحث بشأنها، فيقدموا لوكيل الملك – أو الوكيل العام للملك – وثائق ومستندات البحث، وكذلك الأشخاص المقبوض عليهم بمناسبة البحث ( المادة 28 من ق.م.ج ).

الاختصاص الترابي لضباط الشرطة القضائية :

يمارس ضباط الشرطة القضائية اختصاصاتهم في نطاق الحدود الترابية التي يزاولون فيها وظائفهم، فالقائد أو الباشا يزاول مهامه داخل الحدود الترابية للقيادة أو الباشوية، أما قائد مركز الدرك فيزاول مهامه داخل حدود هذا المركز، إلا أنه يمكنهم في حالة الاستعجال أن يمارسوا مهامهم في جميع أنحاء المملكة إذا طلبت منهم ذلك السلطة القضائية أو العمومية.

وفي كل دائرة حضرية مقسمة إلى دوائر للشرطة، فإن اختصاص رئيس دائرة الشرطة يقتصر مبدئيا على حدود تلك الدائرة، إلا أن اختصاص ضباط الشرطة القضائية الممارسين لمهامهم في إحدى هذه الدوائر يمتد إلى مجموع الدائرة، فإذا حدث لأحد هؤلاء الضباط مانع، يكلف ضابط من أي دائرة مجاورة للقيام مقامه.

ونجد أن المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية التي يشمل نفوذها كل الدوائر الأمنية التابعة للأمن الإقليمي يمتد اختصاصها عند الحاجة إلى خارج المدن، أي إلى المناطق القروية الخاضعة لنفوذ الدرك الملكي أيضا.

أما الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي يوجد مقرها بالدار البيضاء، فيشمل نفوذها مجموع التراب الوطني، ويمكن تكليفها بإجراء أبحاث من طرف جميع النيابات العامة بالمملكة.

وبالنسبة للـدرك الملكي، نجد أن الفرقة القضائية La Brigade Judiciaire التابعـة لسرية الدرك الملكي يمتد اختصاصها إلى مجموع دائرة نفوذ المراكز التابعة للسرية، وكما أن الفصيلة القضائية La Section Judiciaire التابعة للقيادة الجهوية يشمل نفوذها مجموع دائرة نفوذ هذه القيادة المتكون من عدة سرايا ومراكز.

والجدير بالذكر، أنه يحق للوكيل العام للملك ووكيل الملك تكليف أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية العامل في دائرة نفوذ محكمته بالقيام عند الضرورة ببعض الأبحاث دون مراعاة الفرق بين المدن والقرى.

الـمخــالــفـــات الجــنــائــيـــة

لقد سبق القول أن قانون المسطرة الجنائية هو التطبيق العملي للقانون الجنائي، وذلك بالتثبت من المخالفات، والبحث عن مرتكبيها، وجمع الأدلـة عنها، إلخ…

وإذا كانت مهمة ضابط الشرطة القضائية الأساسية هي التثبت من المخالفات، فإنه بات لزاما عليه أن يحيط إحاطة شاملة ببعض مقتضيات القانون الجنائي، وخاصة ما يتعلق منها بالمخالفات الجنائية، ليكون على علم بالأعمال والتصرفات التي يعاقب عليها القانون، والتي تستوجب تدخله، ذلك أنه يجب ألا يغيب عن الأذهان أنه لا يمكن مؤاخذة أي شخص من أجل فعل لم يجرمه المشرع.

ولهذا – وقبل استئناف الكلام عن تقنيات البحث وقواعده – لا بد أن نتعرض بشيء من الإيجاز إلى تعريف الجريمة، أنواعها، عناصرها، والحالات التي يعفى فيها الفاعل من العقاب، وتطبيقها من حيث الزمان والمكان.

تعريف الجـريــمــة :

لقد صدر ظهير القانون الجنائي، المطبق حاليا بتاريخ 26 نونبر 1962، وقد أدخلت عليه عدة تعديلات جزئية، وذلك بتـاريخ 21/05/1974 و 19/09/1977 و 06/05/1982 و 26/08/1992 و 25/07/1994 وبمقتضى قانون 03.03 المتعلق بالإرهاب، وقانون رقم 03.07 المتعلق بزجر المخالفات المعلوماتية، وقانون 24.03 المتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والمرأة.

والجدير بالذكر أن هناك مشروع قانون جنائي جديد قيد الإعداد، ولعله قد وصل مرحلته الأخيرة.

وقد عرف المشرع الجريمة في الفصل الأول من الظهير المذكور كما يلـي :

” يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية “.

إذن، الجرائم هي الأفعال والتصرفات التي تحدث اضطرابا اجتماعيا، وهذا هو أساس تجريمها، أما غير ذلك من التصرفات التي قد تكون بعيدة عن الأخلاق والآداب والمثل العليا مثلا، فإنها تخرج من دائرة التجريم، لأنها تصرفات لم تصل لحد الإضرار وزعزعة التوازن الاجتماعي. فمثلا عدم رد التحية، عدم مساعدة المحتاج، إلخ… كلها أمور يمجها الذوق، إلا أن أثرها على الاستقرار الاجتماعي بسيط، إن لم نقل منعدم.

ولهذا السبب، نص الفصل الثالث من القانون الجنائي على أنه ” لا يمكن مؤاخذة أي شخص على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون، ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”.

أركـــان الـجــريـمــة :

الجريمـة التـي عرفها المشـرع في ظهير 26 أبريـل 1962 في المـادة 110 هـي ” … عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه “.

ويستنتج من هذا التعريف أنه لا بد، لتحقق الجريمة، من توافر عدة عناصر وأركان :

1 – الركن المادي :

وهو العمل الإيجابي أو السلبي الذي يجب أن يتحقق بالملموس، ذلك أنه إذا بقي في مرحلة النوايا، فإنه لا عقاب عليه، لأن ركنه المادي لم يتحقق. فجريمة السرقة مثلا، لا تتحقق إلا بالإقدام على إخراج المال المسروق من حيازة مالكه إلى حيازة الجاني.

ويتحقق الركن المادي كذلك بالامتناع عن القيام ببعض الأعمال، فعدم مساعدة شخص في خطر، أو عدم أداء النفقة لمن له الحق فيها، إلى غير ذلك، تدخل في باب الامتناع المعاقب.

ويتكون الفعل المادي من 3 عناصر هي :

* الـفعـل الـمادي : وهـو التصرف الـذي يقـوم به الفاعـل، فندركه ونحسه.

* النتيجـة الإجرامية : وهي الاضطراب، أو الخلل الذي يحدثه ذلك التصرف على صعيد المجتمع.

* العـلاقـة السببية : وهي أن يكون هذا التصرف من حيث المبدأ هو السبب المباشر لحصول النتيجة.

2 – الـركن المعـنوي :

هو الإرادة الجنائية، أو القصد الجنائي، أو العمد في الجرائم العمدية، وأن تكون هذه الإرادة موجهة نحو تحقيق واقعة إجرامية معينة، مع العلم بحقيقة تلك الواقعة. أما في الجرائم غير العمدية، فيكفي أن يثبت الإهمال أو عدم التبصر بتوفر هذا الركن.

3 – الركـن القانـوني :

لقد جاء في الفـصل الرابع من القانون الجنائي، أنه :

” لا يؤاخذ أحد على فعل لا يعد جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه “.

ومعنى ذلك – كما سبق القول – أن أي تصرف، ولو أضر بالآخرين ومس شعورهم أو معتقداتهم، إذا لم ينص عليه القانون وعلى عقوبته، لا يمكن أن يكون محل مؤاخذة أو متابعة.

أنـواع الـجـريـمــة :

يمكن تقسـيم الجريمة إلى عدة أنواع :

· الجريمة الفورية والجريـمة المستمـرة.

· الجريمة البسيطة والجريمة الاعتياديـة.

· الجريمة الشكليـة والجريـمة الماديـة.

· الجريمة التامة والجـريمة النـاقـصة.

· الجريمة العمدية والجريمة الغير عمدية.

1 – الجريمة الفورية والجريـمة المستمـرة :

أ – الجريمة الفوريـة : هي الجريمة التي يتم تنفيذها في وقت محدد غير قابل للتجدد بإرادة الفاعل، فالسرقة مثلا تتم بالاستيلاء أو اختلاس المسروق.

ب – الجريمة المستمـرة : هي التي يكون ركنها المادي قابلا حسب طبيعته للتجدد بإرادة الجاني، كجريمة حمل الوسام بدون حق، التـزيي بزي نظامي بدون حق كذلك، انتزاع حيازة عقار…

وهذه التفرقة ضرورية لحساب أمد تقادم الدعوى، ذلك أن الجرائم الفورية يبدأ التقادم بشأنها بمجرد ارتكابها، أما الجرائم المستمرة فلا يبدأ حساب أمد التقادم بشأنها إلا منذ تاريخ اكتشافها.

2 – الجريمة البسيطة وجريمة الاعتياد :

أ – الجريمــة البسيطـة : هي كل جريمة لم يشترط القانون للعقاب عليها تكرار الفعل، فالسرقة معاقب عليها ولو ارتكبت مرة واحدة.

ب – أما جريمة الاعتياد : هي التي لا يعاقب عليها القانون إلا إذا ارتكبها الجاني أكثر من مـرة، كجرائم حماية البغاء.

3 – الجريمة الشكلية والجريمـة الماديـة :

أ – الجريمـة الشكلـيـة : هي التي لا يتوقف وجودها على تحقق النتيجة الإجرامية، كجريمة التسميم.

ب – الجريمة المادية : هي التي يدخل في ركنها المادي نشاط الجاني والنتيجة الإجرامية معا، بمعنى أن الجريمة لا تتحقق إلا إذا حصلت فعلا النتيجة الضارة الباعثة على التجريم، الضرب مثلا، القتل، مع الأخذ بعين الاعتبار عقاب المشرع لمحاولة ارتكاب بعض الجرائم كما سنرى.

4 – الجرائم التامة والجرائم الناقصـة :

أ – تكون الجرائم تامة : عندما تحدث النتيجة المتوخاة منها كما خطط لها الفاعل، فيحدث إزهاق روح الضحية بفعل جريمة القتل.

ب – الجرائم غير التامة : أو ما يسمى بالمحاولة أو الجرائم الخائبة، أو المستحيلة، فهي التي لا تحدث النتيجة المتوخاة منها إلا لسبب خارج عن إرادة الفاعل، فقد يسدد الشخص مسدسه ليقتل الضحية ، إلا أنها تلوذ بالفرار ( المحاولة )، أو يسدد فيصيب الضحية، إلا أنه يتبين أن الضحية فارق الحياة قبل ذلك (الجريمة المستحيلة)، أو أنه دخل ليسرق، فلم يجد ما يسرقه (الجريمة الخائبة).

5 – الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية :

أ – الجريمة العمديـة : تكون الإرادة فيها موجهة لتحقيق النتيجة.

ب – بالنسبة للجرائم غير العمدية : فإن النتائج غير متوقعة، وقد لا تحدث بالمرة.

وهناك تقسيمات فقهية أخرى لا مجـال للخوض فيها نظرا لعـدم ترتيب أي أثر قانونـي عليها.

تصنيف الجـرائم على أسا س العقوبة :

وتنقسم الجرائم من حيث العقوبات المخصصة لها إلى : جنايات، جنح، ومخالفات.

ويعتمد هذا التقسيم على أهمية العقوبة التي حددها المشرع للفعل الإجرامي، وذلك حسب خطورة ذلك الفعل، ومدى الضرر الاجتماعي الذي أحدثـه.

وهكذا، فقد نصت المادة 111 من القانون الجنائي على أن ” الجرائم إما جنايات، أو جنح تأديبية، أو جنح ضبطية، أو مخالفات “.

* فالجرائم التي يعاقب عليها بمقتضى الفصل 16 من القانون الجنائي تعتبر جنايات، وهي:

– الإعـــدام.

– السجن المؤبد.

– السجن المؤقت من خمس إلى ثلاثين سنة.

– الإقــامـة الإجـبـاريـة.

– التجريد من الحقوق الوطنية.

* أما الجرائم التي يعاقب عليها القانون بالحبس الذي يزيد حده الأقصى عن سنتين، ولا يتعدى خمس سنوات، تعد جنحا تأديبيـة.

* أما الجرائم التي يعاقب عليها القانون بحبس أقصاه سنـتان، أو بغرامة تزيد عن 1 200,00 درهم، فتعـد جنحة ضبطية.

* الجرائم التي يعاقب عليها القانون بإحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة 18، فتعد مخالفة، وهذه العقوبات هي :

– الاعتقـال لمـدة تقـل عـن شـهـر .

– الغرامة من 30 إلى 1 200,00 درهـم.

– 1 الآثار القانونية لتصنيف الجرائم حسب العقوبة :

أ – من حيث الاختصاص :

ويترتب على هذه التفرقة معرفة المحاكم المختصة للنظر في كل جريمة على حدة، ذلك أن النظر فيما يخص الجنايات يرجع لمحاكم الاستئناف، أما بالنسبة للجنح والمخالفات فيرجع النظر فيها إلى المحاكم الابتدائية.

كما يجب أن نشير إلى أن محاكم الجماعات والمقاطعات تنظر في المخالفات المنصوص عليها في ظهير 17 يوليوز 1974.

والجدير بالذكر أن التفرقة بين الجنح الضبطية والجنح التأديبية لم يعد له أي مفعول من حيث الاختصاص منذ دخول ظهير الإجراءات الانتقالية حيز التنفيذ وكذا قانون المسطرة الجنائية الحالي لسنة 2002، فحسب قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 كانت درجات التقاضي على الشكل التالي :

– محاكـم السـدد، وتختـص للنظـر في الجنـح الضبطية والمخالفـات.

– المحاكم الإقليمية، وتنظر في الجنح التأديبية كدرجة أولى، وفي الجنح الضبطية بصفتها درجة استئنافيـة.

– محاكم الاستئناف وتنظر في الجنح التأديبية بصفتها درجة استئنافية كما كانت تتكون منها محاكم الجنايات.

– أما المجلس الأعلى، فليس درجة من درجات التقاضي لأنه يختص فقـط بالنظر في قانونيـة الأحكـام.

ولكن، بإنشاء المحاكم الابتدائية بمقتضى ظهير الإجراءات الانتقالية سنة 1974، تم إدماج محاكم السدد في المحاكم الإقليمية التي أصبحت تسمى محاكم ابتدائية، وأصبحت تنظر في الاختصاص الموكول سابقا للمحكمتين ( السدد والإقليمية ) المشار إليهما أعلاه، بينما تنظر محاكم الاستئناف فيها كدرجة استئنافية وكذا في الجنايات، وأسند النظر في المخالفات المنصوص عليها في ظهير 15 يوليوز 1974 إلى حكام الجماعات والمقاطعات.

والجدير بالذكر أن قانون المسطرة الجنائية الحالي أنشأ ما يسمى بمحاكم الجنايات الاستئنافية التي تنظر في قضايا الجنايات المستأنفة على صعيد نفس المحكمة.

ب – من حيث التجريم والعقاب :

زيادة على ما قلناه سابقا من أن هـذا التقسـيم يـدل على الجهة المختصة للنظـر في ( الجرائم )، إذ تختص محاكم الاستئناف بالجنايات، والمحاكم الابتدائية بالجنح وبعض المخالفات، هناك تفرقة أهم تتجلى في كون المشرع عاقب على محاولة الجنايات بصفة مطلقة واستثناء بعض الجنح بنص خاص، ولم يعاقب على ذلك بالنسبة لجل الجنح والمخالفات، كما أنه عاقب على المشاركة في الجنايات والجنح، ولم يعاقب عليها بالنسبة للمخالفـات.

فمـا هـي المحـاولـة ؟

الـمــحـاولـــة :

جاء في المادة 114 من القانون الجنائي ما يلـي :

” كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها، أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة إلى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها، تعتبر كالجناية التامة، ويعاقب عليها بهذه الصفة “.

و جاء في المادة 115 من نفس القانون :

” لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نص خاص في القانون “.

وتضمنت المادة 116 أن ” محاولة المخالفة غير معاقب عليها مطلقا “.

إذن، فإن محاولة الجناية معاقب عليها بصفة مطلقة والجنحة بنص خاص، ولكن لتوقيع للعقاب عليها لا بد من توفر العناصر التالية :

1 – البـدء في الـتنفيـذ : أي تجاوز مرحلة النية، والتخطيط إلى القيام بأعمال مادية، أو لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها.

2 – انعدام العدول الطوعي : بمعنى أن الفاعل عندما يشرع في ارتكاب الجريمة، إما أن يؤنبه ضميره، فيتراجع من تلقاء نفسه عن ارتكابها، أو يكون مصمما على ارتكاب الجريمة، ولكن ظهور عنصر خارج عن إرادته هو الذي ثناه عن التنفيذ، كأن يتسلق منزلا للسرقة، وعندما يهم بفتح الخزانة يكتشف بأن هناك منبها قد يجعل أمره ينكشف، فيتراجع عنها، وهنا يكون عدوله خارجا عن إرادته، ويتعرض بذلك للعقاب.

وتتجلى أهمية التفرقة بين الجنايات والجنح والمخالفات كذلك في تحديد عناصر المشاركة في الجرائم.

– VIالمشاركة والمساهمـة ( المواد 128 – 131 ) من القانون الجنائـي :

لقد نصت المادة 128 من القانون الجنائي على ما يلي :

” يعتبر مساهما في الجريمة كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي لها “.

أما المادة 129، فقد نصت على أنه ” يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها، ولكنه أتى أحد الأفعال الآتية :

1 – أمر بارتكاب الفعل، أو حرض على ارتكابه، وذلك بهبة أو وعد، أو تهديد، أو إساءة استغلال سلطة، أو تحايل، أو تدليـس.

2 – قدم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل مع علمه بأنها ستستعمل لذلك.

3 – ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية، أو الأعمال المسهلة لارتكابها، مع علمه بذلك.

4 – تعود على تقديم مسكن أو ملجأ، أو مكان اجتماع للأشرار، مع علمه بسلوكهم الإجرامي “.

أما المشاركة في المخالفات فلا عقـاب عليها.

الــتــقـــادم :

وتكمن أهمية هذه التفرقة كذلك من حيث تطبيق القانون الجنائي على المستوى الزمني، أو ما يسمى بالتقادم، ذلك أن المشرع خصص مدد تقادم الجرائم والعقوبات حسب تصنيفها إلى جنايات وجنح ومخالفات.

وهكذا، فإن الجنايات تتقادم بمضي 20 سنة كاملة على ارتكابها، أما الجنح بمضي خمس سنوات على ارتكابها، بينما تتقادم المخالفات بمضي سنتين على ارتكابها، ما لم يقرر المشرع مددا أخرى ( المواد 4 و688 من قانون المسطرة الجنائية )، أما الأحكام فتتقادم منذ تاريخ النطق بالحكم بصفة نهائية.

الأسباب المبررة التي تمحو الـجريمـة :

تنص المادة 124 من القانون الجنائي على أنه : لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الأحوال الآتيـة :

1 – إذا كان الفعل قد أوجبه القانون، وأمرت به السلطة الشرعية.
2 – إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها استحالة مادية اجتنابها، وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.
3 – إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة للدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره، أو عن ماله أو مال غيره، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء.

حالة الدفاع الشرعي عن النفـس :

وفي الحياة العملية، نجد أن كثيرا من الفاعلين يتذرعون بحالات الدفاع الشرعي عن النفس للإفلات من العقاب، مما نرى معه التعرض لهذه الحالة بصفة خاصة، وتوضيح شروطها.

لقد نصت المادة 124 في فقرتها الأخيرة على هذه الحالة وشروطها، وهي :

1 – وجود خطـر.

2 – كـونه حـالا.

3 – تناسب الدفاع مع الاعتداء.

4 – أن يقع على النفس أو المال.

فإذا لم يكن هناك خطر محقق، كالخوف من إزهاق الروح أو الهروب بأموال لا يمكن العثور عليها لاحقا،

وإذا لم يكن هذا الخطر حالا، بل مستقبلا أو متوقعا، أو موقوفا على شرط ما،

وإذا لم يكن هذا الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء، بحيث تقابل الصفعة بطعنة مثلا،

وإذا لم يكن هو الوسيلة الوحيدة لدفع الاعتداء كتوفر إمكانية الهروب أو الاختباء مثلا لتجنب خطر الموت

فإن عذر الدفـاع الشرعي غير قائـم.

والجدير بالذكر أن تقدير توفر شروط هذه الحالة يبقى في الغالب الأعم من اختصاص المحكمة عند إحالة القضية عليها.

تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان

لقد جاء في المادة 10 من القانون الجنائي أنه ” يسري التشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين وأجانب وعديمي الجنسية، مع مراعاة الاستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي والقانون الدولي “

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن القانون الجنائي لا يسري على الديبلوماسيين الأجانب وأفراد أسرهم، ويدخل ضمن إقليم المملكة، السفن، والطائرات المغربية أينما وجدت، فيما عدا الحالات التي تكون فيها خاضعة لتشريع أجنبي بمقتضى القانون الدولي ( المادة 11 ).

وتنص المواد من 704 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية على القواعد المتعلقة بصفة عامة بالاختصاص بالنسبة للجرائم التي تقترف سواء داخل المملكة، أو خارجها من طرف مواطنين أو أجانب، وشروط وضع اليد على تلك الجرائم.

هذه نظرة موجزة ومركزة على بعض القواعد المتعلقة بالمخالفة الجنائية التي لا بد أن يكون ضابط الشرطة القضائية على إلمام تام بها لتسهل عليه أداء مهمته.