الشذوذ الجنسي … بين حزم الشريعة وتهاون القوانين

تعتبر الديانات السماوية عمومًا، الأفعال المثلية والمثليين شواذ وغير طبيعيين، ويجب التصدي لهم ومنعهم من إفساد المجتمعات، أما الأديان الوضعية؛ مثل البوذية فتتسامح معهم ومع أفعالهم.

ويُعتبر الشذوذ الجنسي من وَجهة نظر الشريعة الإسلامية ممارسة غير طبيعية، وخلقًا منحرفًا عن الفطرة الإنسانية السليمة، ويُعَدُّ الشاذ جنسيًّا عاصيًّا لله جَلَّ جَلالُه؛ فيستحق العقاب في الدنيا والآخرة ما لم يَتُب إلى الله الغفور الرحيم؛ وذلك لأن الشذوذ الجنسي يُعَدُّ عدوانًا وظلمًا وتجاوزًا لحدود الله.

وهذه الرذيلة لم تُرَ قبل قوم لوط؛ فالقرآن يقول: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 28]، فهم الذين ابتكروه؛ ولذلك ظلَّت البشرية قرونًا لم يحدث فيها هذا الأمر، فهؤلاء هم الذين ابتكروا هذه الفاحشة، وقد جاء رسولهم ونهاهم عن هذا الأمر نهيًا شديدًا في غاية الغلظة، وانتهى أمرهم بتطهير الأرض من شرهم؛ فجعل الله عالي قريتهم سافلها: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83].

وهكذا عاقبهم الله عز وجل بهذه العقوبة، وطهَّر الأرض من شرهم؛ قال تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِين، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 165-166]، وقال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [الأعراف: 80-81].

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ؛ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ) [رواه أحمد والأربعة، ورجاله موثقون].

والمشرع المسلم ذهب إلى أبعد من ذلك؛ حيث حرم على الرجال كشف عوراتهم أمام بعضهم البعض، حيث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (غط فخذك؛ فإن فخذ الرجل من عورته) [رواه البخاري]، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا تُفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد) [رواه مسلم].

وقد أقر جمهور فقهاء السنَّة والصاحبان من الحنفية بأنَّ اللائط يُعاقب بمثل الزاني، بحيث يرجم المحصن ويجلد غيره، فالشافعية يقولون بأن: (حد اللواط هو حد الزنا)، بدليل ما رواه البيهقي عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى الرجلُ الرجلَ؛ فهما زانيان) [رواه البيهقي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، (282)].

وقال المالكية والحنابلة بوجوب الرجم في اللواط، بغض النظر إذا ما كان الفاعل محصنًا أو غير محصن، ويُرجم المفعول به أيضًا إن كان بالغًا، راضيًا بالفعل.

لكن خالف أبو حنيفة؛ فذهب إلى أن اللوطي يعزَّر فقط و لا يُحد، من منطلق أنه لا اختلاط للأنساب بالمثلية، ولا يترتب عليه حدوث مناعات تؤدي إلى القتل، ولا يتعلق به المهر، فليس هو زنا كما يرى، ورغم موقف أبي حنيفة هذا إلا أن محمد وأبا يوسف أفتيا أن الحد في اللواطة كالزنا، وفي حالة تكرار اللواط؛ يُقتل حسب ما أفتى معظم الحنفيَّة.

وقد انتشرت ظاهرة الشذوذ الجنسي بمجتمعاتنا العربية، منتقلة من المجتمعات الغربية المنحلة، فتحت شعار حقوق الإنسان فتحت على مجتمعاتنا أبواب جهنم، والعجيب أن القانون الوضعي في أغلب البلاد العربية لا يعاقب على ممارسة الشذوذ، سواء أكان لواطًا أو سحاقًا، ولاسيما إذا كان من يمارس الشذوذ الجنسي من السياح أو الأجانب، حيث تحولت بعض بلادنا العربية إلى بؤر للسياحة الجنسية دون حسيب أو رقيب.

وتتدخل منظمات حقوق الإنسان الغربية للدفاع عن الشواذ، وتطالب بعدم توقيع أية عقوبة عليهم، والغريب أن المنظمات العربية العاملة في نفس المجال تختط خطها وتفعل مثلها؛ فعلى سبيل المثال قدمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عريضة تطالب الحكومة المغربية بإبطال العمل بفصل في القانون الجنائي ينص على معاقبة الشواذ جنسيًّا بالسجن، كما تطالب بإطلاق سراح ستة رجال مسجونين حاليًا بموجب هذا الفصل من القانون الجنائي.

والعقوبة في القانون المغربي مع ذلك غير رادعة؛ فأورد الفصل المتعلق بتجريم الشذوذ في باب انتهاك الآداب في الفرع السادس من القانون الجنائي في مادته 489، أنه يعاقب من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات، وغرامة من 200 إلى 1000 درهم مغربي، من ارتكب فعلًا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه، وهذه عقوبة خفيفة لا تردع أهل المعاصي والأهواء.

وانتشر الشذوذ الجنسي في المجتمعات الغربية، ووجد حماية دستورية واعترافًا في قوانين بعض البلاد، التي تدَّعي أنها تحافظ على حقوق الإنسان، فإذا هي تحول هذا الإنسان إلى مستوى أدنى من البهائم بانحرافه عن الفطرة السوية.

وبمراجعة هذا التحول في المسار المنحرف لجوهر حقوق الإنسان؛ نجد أنه إلى ما قبل عام 1973م، كان الشذوذ الجنسي مُدرجًا في قائمة الاضطرابات النفسية في الكتيب التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الذي يُعتبر المصدر الرئيسي لتشخيص الاضطرابات النفسية في أمريكا وفي أغلب دول العالم.

إلا أن ضغوط جمعيات الشواذ جنسيًّا قد تسببت في تشكيل لجنة لمراجعة موقف الكتيب من الشذوذ الجنسي، وقررت اللجنة بسرعة لم يسبق لها مثيل في مثل هذه الحالات، وبتعدِّي كثير من القنوات الشرعية المعتادة حذف الشذوذ الجنسي كاضطراب نفسي من الكتيب التشخيصي، إلا أنها احتفظت في الكتيب بحالة تُعرف بأنها عدم رضا الشخص عن اتجاهه الجنسي، بحيث يسبب له ألمًا نفسيًّا شديدًا، ولكن سرعان ما اختفى حتى ذلك التعريف من الكتيب.

والآن يجد هذا الانحراف عن الفطرة السوية ملاذًا تحت حماية منظمات حقوق الإنسان، فكما نعرف أن بعض بنود وثيقة حقوق الإنسان، وأيضًا اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تحمل كل منهما بنودًا يتم تفسيرها في معظم المؤتمرات بإيفاء الشواذ حقوقهم، ولا ننسَ تلك المسيرة الهائلة للشواذ من الشباب في مؤتمر “لاهاي” للمطالبة بحقوقهم، تحت مظلة ذلك المؤتمر الخاص بالمرأة!

وأصبح الدفاع عن الشواذ عالميًّا يمتد أثره للأدب والسينما والروايات التي تتحدث عنه، وكأنه خيار إنساني لا عقاب عليه، بل نجد بعض المدونات باللغة العربية تتحدث عن هذه الحقوق وتشجع الشاذين على أن يكسروا “التابو ضدهم”!

وتم تشكيل لجان واتحادات وهيئات عالمية للدفاع عنهم، وما يُقال إنها “فوبيا من الشذوذ”، ويطالبون بمواصلة “النضال المشترك”؛ لإحداث التغيير التدريجي في ثقافات الشعوب للوصول إلى ما يهدفون إليه، من إعطاء الشواذ الحقوق كافة، التي يتمتع بها الأسوياء، ناهيك عن إلغاء القوانين كافة التي تجرم ذلك الفعل.