السبل القانونية لمكافحة ظاهرة الرشوة في المجتمعات

مفهوم الرشوة , أسبابها و سبل مكافحتها

مفهوم الرشوة

الرشوة لغة: يطلـق العرب لفظ الرشوة على رش الدلو ، يقال: رشا الدلو، إذا جعل له رشاء ، اي حبل ، ويتوصل به الى الماء ويربط به من احد طرفيه

وايضا تطلق هذه اللفظة على راس الفرخ حينما يمد راسه ويرفعه الى الاعلى لتطعمه امه ، ويطلق على ولد الظبي حينما يتحرك ليمشي، وتسمى خيوط اليقطين وخيوط الاعناب اذا امتدت اغصانها فصارت كالحبال

والرشوة واحدة الرشا ، وتضبط الرشوة مثلثة الراء المشددة فيقال رشوة بفتح الراء ورشوة بكسر الراء ورشوة بضم الراء ورشاه يرشه رشوا أي اعطاه الرشوة قيل في المحاباة والجعل؛ قال صاحب القاموس: الرشوة مثلثة الجعل، ورشاه أعطاه، وارتشى الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء؛ ومن الالفاظ المرادفة للرشوة السحت

والسحت لغة : الحرام ، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار؛ سمي بذلك لأنه يسحت البركة ويذهبها، يقال : (سحته الله) أي أهلكه ، ويقال : (أسحته)، وقرئ بهما في قوله تعالى: ( فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَاب ) أي يستأصلكم ويهلككم.

يقال: (فلان سحوت المعدة) إذا كان لا يلقى أبدا إلا جائعا، قاله الفراء

ومما يشهد لهذا المعنى اللغوي ما ثبت في فقه اللغة من تقارب المعنى بتقارب الألفاظ، والسحت متقارب مع السحق بالقاف، وهو الدق والطحن بشدة، وفيه الهلاك والتحطيم، وكذلك يشترك مع السحت السحب بالباء ، وفيه سحب المرتشي، ويشترك مع السحر، والرشوة فعل عمل السحر في نفسه.

أما البرطيل: قال ابن تيمية رحمه الله هو الحجر المستطيل، وسميت به الرشوة لأنها تلجم المرتشي عن التكلم بالحق، كما يلقمه الحجر ، جاء في الأثر: ((إذا دخلت الرشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة)) وفي القاموس: الترطيل: تليين الشعر بالدهن وتكسيره وإرخاؤه وإرساله . )

وقال الاصمعي اذا امتدت اغصان الحنظل قيل قد ارشت أي صارت كالارشية

وهي الحبال وعلى هذا يكون مدار المعنى لهذه الكلمة على الوصول الى الحاجة كما ذكر ذلك صاحب كشاف اصطلاحات الفنون حيث قال :هي في اللغة كل مايتوصل به الى الحاجة بالمصانعة بان تصنع شيئا ليصنع لك شيئا اخر فالكلمة كما قال ابن حجر الهيتمي كلها راجعة الى التوصل والامتداد كما يتوصل بالرشا الممدود بالبئر الى مائها

تعريفها اصطلاحا : ومما يلزم التنبيه عليه هو أن ما لا يوجد له معنى دقيق في اللغة لا يتأتى وجود معنى دقيق له في الاصطلاح؛ لأن المعنى اللغوي أسبق في الوضع والاستعمال؛ فإذا جاء الشرع نقل المعنى اللغوي إلى الاستعمال الشرعي مع زيادة شروط ووضع قيود شرعية.

عرفها الجرجاني بقوله : أنها ما يعطى لإبطال حق، او إحقاق باطل وعرفها اخر بأنها : اسم للمال الذي يقصد به التوصل الى المهدى اليهوقال صاحب المصباح المنير بأنها : ما يعطيه الشخص الى الحاكم او غيره ليحكم له او يحمله على ما يريد وعرفها ابن العربي فى عارضة الاحوذي : بأنها كل مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونا على ما لا يجوز وعرفها القرافي بأنها : الأخذ للحكم بغير الحق او لإيقاف الحكم، وعرفها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: بأنها ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه وعرفها غيرهم : بأنها ما يبذل له ليحكم بغير الحق او ليمتنع من الحكم بالحق ويلاحظ على هذه التعريفات أنها تدور على معنى مشترك ، هو اخذ المال مقابل عمل محرم إذ إنَ تعريف الجرجاني أخرج كل ما يعطى لإحقاق حق ، وكذلك اخرج كل ما يعطى لإبطال باطل وبهذا يكون التعريف غير جامع لمفردات المعرف وليس هناك مانع من ان ندخل على التعريف مفردات اخرى والمتعارف عليه عند اهل العلم و جاء في الأثر: ((إذا دخلت الرشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة)) وفي القاموس: الترطيل: تليين الشعر بالدهن وتكسيره وإرخاؤه وإرساله . )

وقال الاصمعي اذا امتدت اغصان الحنظل قيل قد ارشت أي صارت كالارشية

ان يكون التعريف جامعا مانعا ، وبهذا يكون التوصل الى الحق ببذل المال لا يعد رشوة وإنما هو من باب ما لا يتوصل الى الواجب إلا به وبهذه المقارنة بين التعاريف نخلص إلى أن أقرب التعاريف الى حقيقة الرشوة هما تعريفا ابن العربي والهيتمي فشمل تعريف الهيتمي الحكم بالباطل ، والحكم بالحق، وأما قوله للتوقف عنه فهو داخل لا محالة تحت الحكم بالباطل باعتبار التوقف عن الحكم سكوتا عن الحق وتعطيلا له ولست مع التعريف الذي يحصر المعنى بالدفع للحاكم لانه سيقيد المعنى الواسع للرشوة والذي سنبينه لاحقا بعون الله تعالى

اركان الرشوة

* الراشي

الراشي وهو الشخص الذي يقوم بدفع الرشوة من ماله للمرتشي ، رجاء الحصول على غرضه الذي يرجوه من وراء ذلك الدفع ويطلق عليه المستفيد من الدفع أو المنتفع ، ويمكن ان يكون الدفع أو الإعطاء بدفعة واحدة او دفعات ، وغالبا ما تكون صيغة الدفع على مرحلتين ، الأولى تسمى مقدما والثانية عند تحقيق الهدف من وراء ذلك الدفع حيث تكون الثقة والمصداقية هنا معدومة لا محالة فأي ثقة بمن يرتكب هذه الجريمة، أو ان يكون الدفع دفعة واحدة، وتكون عملية الدفع والقبض عبر إحدى الطرق الآتية :

الطريقة الأولى : أن يقوم الراشي بدفع الرشوة الى المرتشي يدا بيد

الطريقة الثانية : أن يحددا مكانا معلوما متفقاً عليه بينهما ليأخذ المرتشي الرشوة

الطريقة الثالثة : أن يتم إيصالها عن طريق طرف ثالث ويسمى الرائش وقال الاصمعي اذا امتدت اغصان الحنظل قيل قد ارشت أي صارت كالارشية

والراشي لابد ان تكـون عنده مقومات التكليف والأهلية والتي تتمثل بالعقل والبلوغ والاختيار فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ) ومنها الاختيار فالإكراه هنا متصور خاصة حينما يكون مضطرا لدفع الرشوة لتحصيل حقه وهذا الإكراه غير مختار له وهنا يتبادر الى الذهن سؤال : هل يسقط الإثم عن من دفع رشوة الى المرتشي مضطرا غير مختار ليحصل على حقه الذي سلب او سيسلب منه ويذهب لغيره ان هو امتنع عن الدفع ؟ قال الشافعية ومنهم الخطابي انهم قالوا : لا باس ان يصانع الرجل عن نفسه وماله ان خاف الظلم

ان أهلية الأداء صفة قدرها الله سبحانه وتعالى فى الإنسان تجعل تصرفاته ماضية وصحيحة وان مسؤولية الراشي تثبت عليه ما دام قد امتلك الأهلية الكاملة وتثبت عليه الأحكام بوجود تلك الصفات المؤهلة لوقوع الحكم الشرعي على المكلف وقد عد العلماء العقل مناطا لأهلية الأداء فلا أهلية للمجنون ولا للصبي غير المميز ولا للمكره لان هؤلاء جميعا لا يدركون مراد الخطاب الشرعي ومقصد الشارع الحكيم وبهذا لن يمتثلوا لأمر ولن يجتنبوا نهي عليه فأهلية الراشي للأداء تعني ان يكون صالحا لصدور الأفعال عنه، لتصح تصرفاته شرعا ، ولتترتب عليه آثارها

المرتشي

وهو الشخص المقصود بدفع الرشوة فتدفع اليه ليملكها بحيث يكون هو المقصود بعينه وذلك لوصول الرشوة اليه، وهو السبب الذي أقدم من خلاله الراشي على دفع المال له ، ويطلق عليه البعض الأخذ لانه ياخذ المال من الراشي لأجل تقديم مصلحة له وتحصيل بغيته اذا فكل من اخذ مالا او حصل منفعة على غير وجه حق وإنما على سبيل الرشوة فهو المرتشي

وللمرتشي أيضا شروط ، كما للراشي إن توفرت فيه يكون بذلك قد امتلك الأهليـة ، كالبلوغ والعقل الذي هو مناط التكليف ، والاختيار، بحيث يكون للمرتشي كامل الحرية في اخذ او رد الرشوة ، وهنا قد اتضح التعريف بالمرتشي ، ويتبادر الان الى الذهن ، هل المرتشي يشترط فيه ان يكون موظفا حكوميا فقط ؟ فقد عرفها اهل القانون الوضعي في تعريفهم الآتي (قيام أي موظف في الدولة بأخذ او قبول او طلب معين له قيمة مادية او معنوية، للقيام بعمل اختصاصه بحكم وظيفته او الامتناع عن أداء عمل من اختصاصه بحكم وظيفته ، أو للإخلال على أي نحو بمقتضيات واجبات وظيفته) وهذا التعريف سيفضي الى إقصاء كل الجرائم التي تنضوي تحت معنى ومسمى الرشوة وتعطي المجال لارتكابها مادام المرتشي ليس موظفا لدى الدولة ! اما واقع المجتمع اليوم بتعدد وتنوع مرافقه غير الحكومية يعطيك كما هائلا من الصور الواضحة للرشوة والتي سيتم بيانها في موضع اخر من البحث بعون الله، لأن المؤسسات غير الحكومية والخاصة باتت من الكثرة والتنوع مما لا يمكن ان يتم تجاهله ، وبهذا سيكون هناك قصور كبير فى تعريف الرشوة ومن اجل هذا تم توسيع مدلول تعريف الرشوة لتلافي هذا الخلل بحيث يشمل طائفة من العاملين في ميدان الأعمال الخاصة ،لاسيما بعد التوسع في إنشاء الشركات الأهلية والمرافق الخدمية التي ابتعدت تماما ماليا وقانونيا عن الدولة ،ولو رجعنا الى التعريف الاصطلاحي لوجدنا ان الرشوة يراد بحصرها على الحكام والقضاة ، قال ابن حجر الهيتمي: ومما يدل على ان الرشوة لا يختص بها القضاة كما صرح بها غير واحد ما رواه احمد عن ابن حميد الساعدي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:) هدايا العمال غلول) وما رواه أبو داود في سننه عن أبي إمامة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا كبيرا من أبواب الربا )

أسبابها وسبل مكافحتها

الرشوة آفة مجتمعية قديمة مستجدة لا يكاد يخلو أي مجتمع من المجتمعات من آثارها.

لذلك فإن لدراسة جريمة الرشوة أهمية متميزة عن دراسة غيرها من الجرائم وذلك لأن هذه الجريمة على درجة كبيرة من الخطورة، وخطورتها تمس الفرد والمجتمع والدولة على السواء، والمعاناة منها تكاد تكون على كافة المستويات الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، بل يتعدى أثرها إلى المستوى السياسي أيضا .

فهي من الجرائم الفاسدة والمفسدة ، وهي إن تمكنت من السريان والانتشار في جسد المجتمع أفسدت ذلك الجسد حتى يغدو جماداً بلا روح، وكلما تمكنت واستفحلت كانت كمعاول الهدم والتخريب لا تنفك تطرق في أركان الدولة حتى تزعزعها.

فالرشوة كما مر معنا في تعريف الفقهاء لها هي اتجار بالوظيفة ، تتمثل في انحراف الموظف في أدائه لأعمال وظيفته عن الغرض المستهدف من هذا الأداء، وهو المصلحة العامة، من أجل تحقيق مصلحة شخصية له، وهي الكسب غير المشروع من الوظيفة.

لذلك فالمشرع يحمي بتجريم الرشوة نزاهة الوظيفة العامة ويصون الأجهزة الحكومية مما يمكن أن يلحق بها من خلل وفساد نتيجة الاتجار في أعمال الوظيفة العامة.

حيث أن انتشار الرشوة تضعف ثقة الأفراد في السلطة العامة ونزاهتها، كما أن انتشارها يؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين المواطنين وإثارة الأحقاد والضغائن والتباغض بينهم، ورواج الكيد والغش وكثرة السماسرة المتاجرين بحقوق الناس، حتى يغدو المجتمع غابة يكون البقاء فيها للقادرين على الدفع. ومن آثار الرشوة على مصالح المسلمين ظلم الضعفاء وهضم حقوقهم أو إضاعتهاأو تأخر حصولها بغير حق بل من أجل الرشوة، ومن آثارها أيضاً فساد أخلاق من يأخذهامن قاض وموظف وغيرهما وانتصاره لهواه، وهضم حق من لم يدفع الرشوة أو إضاعتهبالكلية مع ضعف إيمان آخذها وتعرضه لغضب الله وشدة العقوبة في الدنيا والآخرة، فإنالله سبحانه يمهل ولا يغفل، وقد يعاجل الظالم بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة،

ولا يقتصر أثر الرشوة على الناحيتين الاجتماعية والأخلاقية، بل يمتد ليشمل الصعيد السياسي والاقتصادي للدولة.

أسباب انتشار الرشوة

بالنظر إلى حجم الأخطار والأضرار التي يمكن أن تحيق بالدولة والمجتمع من جراء شيوع الرشوة وانتشارها بين أفراد المجتمع .

لذلك يجب التأمل والتفكير كثيرا في طرق التخلص والنجاة من هذا الداء الخطير، ولوضع العلاج لا بد من التقصي عن أسباب سريان الرشوة في مجتمع ما، وهذه الأسباب تتجلى في أسباب سياسية وإدارية واقتصادية واجتماعية نعرضها تباعا وفق ما يلي:

أولا: الأسباب السياسية:

لا شك أن الرشوة هي داء منتشر في أغلب الأنظمة السياسية ، فهي لا تقتصر على الدول النامية والمتخلفة، بل نراها سارية في المجتمعات المتقدمة وإن كانت بنسب أقل.

فالرشوة تكون بنسبة أعلى في الأنظمة السياسية التي لا يوجد عندها مساحة كبيرة من الرقابة والمساءلة. ولا تتاح فيها حرية التعبير والرأي ، بحيث لا تخضع تصرفات المؤسسات الادارية للتنقيب والمساءلة وإظهار مواطنالفساد

كما يساعد على انتشار الرشوة ضعف السلطة القضائية بحيث تبدو فاقدة لاستقلالها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي يؤدي إلى أن القانون لا يطبق على الجميع وأن هناك أشخاصاً فوق القانون تبعا لمنصبهم السياسي والإداري

ثانيا الأسباب الإدارية:

تلعب الإدارة دورا كبيراًفي مكافحة الرشوة، وتعد مسؤولة مسؤولية تامة عن مكافحتها، ولعل أهم الأسباب الإدارية التي تؤدي إلى تفشي الرشوة، مـا يأتي :

1 – تخلف الإجراءات الإدارية والروتين

2 – غموض الأنظمة وتناقض التشريعات وكثرة التفسيرات .

3 – ضعف دور الرقابة وعدم فعاليتها وافتقارها إلى الكوادر المؤهلة والمدربة.

4 – عدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب كما مر معنا في ، والوصول إلى المناصب عن طريق أساليب غير مشروعة، فالذي يدفع الرشوة من أجل الوصول إلى موقع معين، عندما يصل إلى هذا الموقع سوف يبدأ بالتفكير في استرجاع ما دفعه. وبعد ذلك تدفعه متعة المال والجشع إلى طلب المزيد، الأمر الذي يصبح جزءاً من حياته في العمل والتفكير.

وهذه التصورات هي التي تعزز وتعشعش الرشوة وتؤدي إلى الفساد في

المجتمع .

فقد أظهرت دراسة قام بها باحثون وخبراء نشرتها مؤخراً مصادر رسمية أظهرت بأن ثمانين بالمائة من أسباب انتشار الرشوة هي تمتع البعض بمناصب ومراكز تجعلهم بعيدين عن المحاسبة.

ثالثًا الأسباب الاقتصادية :

لعل العامل الاقتصادي من أهم العوامل التي تؤدي إلى انتشار الرشوة، وهذا الأمر يعود إلى:

1 – انخفاض مستوى المعيشة وتدني الأجور مقابل الارتفاع المستمر في الأسعار:

فالموظف الذي يرتشي يكون عادة ضحية للحاجة الماسة للنقود، فهو مدفوع في أغلب الأحيان إلى ارتكاب الجريمة رغبة منه في قضاء حاجته التي لا يقدر على أدائها بسبب تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار، نظراً لضعف القوة الشرائية بسبب انخفاض الأجر الشهري للموظف والذي لم يعد يكفي لسد هذه الحاجات

2- سوء توزيع الدخل القومي:

الأمر الذي يجعل الأموال تتمركز لدى حفنة من الأشخاص، وهذا الأمر يؤدي إلى زيادة حد الانقسام الطبقي، حيث تصبح الطبقة الغنية أكثر غنى والطبقة الفقيرة أكثر فقراً.

لذلك سوف يتولد لدى الموظف شعور الحقد والحسد والبغض، ويعبر عن هذا الشعور من خلال أخذ الرشاوي من أصحاب رؤوس الأموال.

رابعاً: الأسباب الاجتماعية:

الرشوة تعتبر سلوكاً اجتماعياً غير سوي قد يلجأ إليه الفرد أو الجماعة بوصفها وسيلة لتحقيق غايات لا يستطيع الوصول إليها بالوسائل المشروعة أو بالطرق التنافسية الشريفة المتعارف عليها.

فمن أهم الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى انتشار الرشوة :

1 – ضعف الوعي الاجتماعي :

فكثيراً ما نجد أن الانتماءات العشائرية والقبلية والولاءات الطبقية وعلاقات القربى والدم سبب رئيسي في هذه الانحرافات الإدارية، بحيث يتم تغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة .

ورد أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد قسم (مروطاً ) والمرط هو كل ثوب لم يخاط بعد بين نساء اهل المدينة فبقي منها واحد فقال له بعض من كان حاضرا عنده اعط هذا لابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت حينئذ أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب فقال عمر رضي الله عنه أم سليط أحق به وأم سليط امرأة من الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عمر أنها كانت تحمل القرب وتسقي المقاتلين في وقعة أحد .

2- تدني المستوى التعليمي والثقافي للأفراد :

وذلك أن شريحة كبيرة من أفراد المجتمع تفتقر إلى الثقافة العامة ، ناهيك عن الثقافة القانونية ، فجهل المواطن بالإجراءات الإدارية ، وجهله بالقانون يجعل منه فريسة سهلة المنال بالنسبة للموظف الذي يحاول دوماً تعقيد الإجراءات للحصول على الرشوة .

فالمواطن البسيط يجد نفسه مضطرا لدفع الرشوة في سبيل الانتهاء من معاملته بالسرعة المطلوبة .

3- ضعف إحساس الجمهور بمدى منافاة الرشوة لنظم المجتمع :

فبعد أن كان المرتشي يعد في نظر المجتمع مرتكباً للخطيئة أصبح الأفراد يشعرون بأن دفع مقابل لإنجاز بعض أعمالهم لا يعد رشوة، بل يجتهدون لإسباغها بنوع من المشروعية، فالبعض يسميها إكرامية او هدية .

4- ضعف الوازع الديني والأخلاقي :

حيث يعتبر الوازع الديني هو الرادع الأقوى والأجدى من جميع العقوبات الوضعية، فهو يمثل رقابة ذاتية على سلوك الفرد ويوجهه نحو الخلق الحسن والسلوك القويم .

سبل مكافحة الرشوة

لا يكفي أن يتم تحديد الداء بل لابد من إيجاد الدواء المناسب والعلاج الشافي، فتحديد أسباب الرشوة يدفعنا إلى البحث عن السبل الكفيلة للقضاء أو التخفيف من هذه الظاهرة المرضية في المجتمع واستئصالها.

ولما كانت آثار الرشوة لا تقتصر على جانب معين من جوانب الحياة، بل تمتد لتشمل كافة الجوانب السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية فينبغي أن تتضافر الجهود في كافة هذه الجوانب لاستئصال الرشوة وذلك من خلال ما يأتي:

أولا : الجانب السياسي :

1 – ضرورة صدور قرار حقيقي من السلطة السياسية لمكافحة جريمة الرشوة وذلك من خلال إيجاد هيئة مستقلة لمكافحة الرشوة .

وأن يكون شاغلوا الوظائف السياسية العليا والوسطى قدوة حسنة في سلوكهم المهني ، بحيث ينعكس هذا السلوك على شاغلي وظائف الدولة كافة وأفراد المجتمع قاطبة .

2 – ضرورة تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين والعاملين.

3 – حرية النقد الديني و الصحافة والتعبير والرأي وذلك لممارسة دورهم الرقابي لكشف مواطن الفساد والرشوة من خلال أجهزة تشريعية تعمل ضمن ضوابط شرعية صارمة .

4 – ضرورة تحقيق مبدأ استقلالية القضاء والعمل على توفير البيئة المناسبة للقضاة بما يضمن استقلالهم وحيادهم

ثانيا: الجانب الاداري

وتكون مكافحة الرشوة في الجانب الإداري من خلال الأمور الآتية :

1. الرقابة الفعالة على الموظفين :

وتكون الرقابة من خلال إسناد مناصب الإدارة والقيادة إلى أشخاص يتمتعون بحس ديني عقائدي منضبط بنصوص القران والسنة النبوية وعلى قدر عالٍ من المسؤولية ، حتى يكونوا قدوة حسنة لمن هو أدنى منهم درجة، وأن يمارسوا دورهم الرقابي بكل أمانة ومصداقية على مرؤوسيهم.

والرقابة لا تكون فقط من المدير على موظفيه فحسب، بل تكون أيضاً من خلال جهاز للرقابة والتفتيش يعمل بشكل مستقل لمراقبة تصرفات الموظفين بشكل دائم ذلك ان المراقبة هي المحافظة على الاموال العامة وحمايتها من العبث ونرى هنا اثر قول سيدنا على(رضي الله عنه) حينما أرسل الى عامله كعب بن مالك(رضي الله عنه) ( إما بعد: فاستخلف على عملك واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة كورة (أي قرية قرية) فتسألهم عن عمالهم وتنظر في سيرتهم )، فيبقى الموظف الذي لا يرتدع عن ارتكاب الخطيئة بوحي من ضميره ، خائفاً من هذا الجهاز الذي لا ينفك يسلط الضوء على سلوكه ، ولا شك أن خشيته من تلك الرقابة المستمرة تمنعه من الإساءة إلى الوظيفة. ومن امن العقوبة لا شك سيزين له الشيطان سوء عمله .

2. وضع الرجل المناسب في المكان المناسب :

بما يكفل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام جميع المواطنين . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا سال النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ،قال : وكيف إضاعتها قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) فالاختيار والتعيين للوظيفة يجب أن يكون على أسس موضوعية وعلمية شرعية وأن تكون على أساس الكفاءة والمقدرة ، وليس على أساس الوساطة والمحسوبية والرشاوى

3. تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وتطبيق مبدأ من أين لك هذا :

حيث يتم محاسبة كافة المرتشين والفاسدين وتطهير الدوائر منهم وإعادة تأهيلهم تأهيلاً شرعياً من خلال الندوات والكراسات التي تساعدهم على أن يتحصنوا من العودة إلى هذه العلة المقيتة ، أما من تثبت كفاءته ونزاهته يتم مكافأته وتوقيره وشكره . وتتمثل هذه الفقرة من الحساب الشديد لمن ينتسب الى دوائر الدولة ومرافقها الخدمية من خلال البون الشاسع الذي نراه بين مقدار ما يتقاضاه الموظف من اجر في دائرة ما وبين مظاهر الترف المفاجئ في ما يسكنه وما يركبه وما يمتلكه من عقارات وأملاك اذا ما قيست بمقدار ما يتقاضاه من اجر تجدها كمن يجمع مائة دينار مع مائة دينار فيظهر الناتج عشرة الاف بينما الصحيح هو مائتا دينار من أين له هذا الفرق الشاسع لقد قيلت هذه الكلمة لأورع الناس وأشجعهم واتقاهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر قيلت لعمر بن الخطاب ولم يقل أنها حصتي من النفط ولا حصتي من غيره ومات وثوبه مرقع لكنه كان أمينا مؤتمنا بارا برعيته “

ثالثاً : الجانب الاقتصادي :

ويتم مكافحة الرشوة في المجال الاقتصادي من خلال ما يأتي :

1. تحسين الوضع الاقتصادي للموظفين :

وذلك أن أهم أسباب الرشوة هي الأجور المتدنية التي لا تتناسب مع متطلبات المعيشة وغلاء الأسعار.

لذلك لابد من زيادة الرواتب للموظفين بشكل مستمر وتحسين مستوى المعيشة بحيث يتم توفير متطلبات عيش كريم لمنع مبررات الرشوة . وسد ذريعة الانحراف ، وعلى هذا الأساس تتفاوت رواتب الموظفين في إدارة الدولة بحسب الجهد والشهادة والخبرة والمسؤولية فقد ورد فى الأثر الصحيح ان راتب الصحابي الجليل عمار بن ياسر(رضي الله عنه) كان ستمائة درهم كل شهر في عهد عمر رضي الله عنه لان عمارا (رضي الله عنه) كان واليا على الكوفة علاوة على راتبه اليومي نصف شاة وراتب معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما) والي الشام الف دينار كل عام وبلغ راتب عثمان بن حنيف عامل سيدنا عمر على مساحة العراق خمسة الاف درهم كل عام علاوة على راتبه اليومي ربع شاة وخمسة دراهم وبلغ راتب شريح القاضي على الكوفة مائة درهم في الشهر( 68) وبهذا يتضح ان هذه الرواتب قد اختلفت من شخص لآخر تبعا لخطورة عمله وأهميته فكان راتب عمار ومعاوية رضي الله عنهما افضل الرواتب لأنهما أمراء ومنصب الإمارة لها مالها من التبعات والالتزامات لان الوالي حاكم في ولايته ويتحمل أكثر الأعباء وأصعبها ، ثم يأتي من بعده القاضي والكل يعرف مقدار المسؤولية الملقاة على عاتقه ومدى خطورة عدم تحقيق العدل في الاحكام والقضايا التي تصل الى القضاة ، ولكي لا يطمع قاض في رشوة او هدية ويختل العدل ويقع الظلم على الضعيف ولا ينصف المظلوم ، فكل فرد يحصل على ما يستحقه مقابل ما يؤديه من عمل في وظيفته التي وكل إليها لان الإمارة والوظيفة تكليف وجهد ومسؤولية

لأنه إذا أردنا لموظفينا أن تعف نفوسهم عن قبول الرشوة، كان لزاماً على أولي الأمر أن يدرسوا واقع القوة الشرائية لأجور الموظفين ، بحيث تؤمن لأدناهم معيشة كريمة تغنيه عن الارتشاء والسقوط في مستنقع الرشوة .

فإذا ما ارتكب الموظف بعد ذلك جريمة الرشوة، فإنه عندئذ يكون مستحقا للعقاب، لأنه لم يرتش لحاجة أو فقر، إنما لدناءته وجشعه.

2. التوزيع العادل للدخل القومي والثروات:

وذلك بما يخفف حدة التفاوت الطبقي في المجتمع، ويكون ذلك من خلال سياسة اقتصادية منبثقة من خطط مدروسة ولا نكتفي باللوم وتعليق المشكلة وأسبابها على شماعة الأعذار التى لا شك أنها واقعية الا ان العلاج يبدأ بالاعتراف بوجود المرض أولاً ثم تشخيصه ومن ثم البدء بأخذ العلاج فق جدول علمي وذلك بالاعتماد على الله ومن ثم على التجارب التي سلكتها الدول الاخرى التي مرت بما يشبه ما مرَّ به بلدنا لان التجارب الموجودة تعط دروساًوحلولا جاهزة مستقاة من المعانات التي أفرزت تلك الجريمة

3. تطوير الأنظمة والقوانين الاقتصادية :

وذلك بما يكفل خلق مناخ استثماري ملائم يسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني والابتعاد عن محاربة الله ورسوله من خلال الربا

قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّه وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن َّلْمتَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْب مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ )

الذي هو أساس الانهيار الاقتصادي للدول جميعا بما فيها الدول الاسلامية التي يوجد فيها من المصارف والبنوك الربوية الكم الهائل فماذا يتوقع من يحارب الله ورسوله ، بالتأكيد انهيار اقتصادي ويتبعه فساد اداري يشمل جسد الدولة بكامله فنعطي لضعاف النفوس المجال ان يستشروا في ممارساتهم المخالفة للشرع والقانون ومن هذه المعالجات عدم فرض فوائد ربوية على القروض الممنوحة للموظف المحدود الدخل لكي لا نضطره أن يمتنع عن اخذ هذه القروض لانه يعلم أنها محرمة ومن ثم سنضطره إلى أن يقع في المحذور المحرم الأخر وهو الرشوة