دور القاضـــي فـــي الدعـــوى المدنيـــة

المحامية: منال داود العكيدي
يسعى القاضي عند نظره للدعوى التي تتكون من طرفين احدهما المدعى والاخر المدعى عليه الى تحقيق العدل .

فالمدعي او وكيله عليه تهيئة وسائل اثبات دعواه كالمستندات الرسمية أو السندات العادية او الشهادات . والمدعى عليه يدفع دعوى المدعي بما تيسر له من وسائل لدفع الدعوى .

والفصل في الدعوى للوصول الى الحكم العادل من مهمات القاضي فعمله يمر بعدة مراحل تبدأ من مرحلة التكييف القانوني الذي يعني : (اعطاء الوصف القانوني لوقائع الدعوى المعروضة عليه اي الوصف الذي حدده القانون)، فتكييف القاضي للتصرف القانوني او الواقعة القانونية هو اسباغ الوصف القانوني لذلك التصرف او لتلك الواقعة . فهي عمليه قانونية يقوم بها القاضي من دون التقيد بتكييف الخصوم للدعوى .

وللقاضي دور ايضا في تفسير التشريع او النص القانوني الذي يقصد به توضيح ما ابهم من الفاظ القانون او إكمال ما اقتضب من احكامه ، وتخريج نصوصه ، والتوفيق بين اجزائه المتناقضة ) .

والمقصود بالتفسير في هذا الموضع هو التفسير القضائي : للوصول الى معنى نص القانون بغية تطبيقه على وقائع الدعوى ، فالتفسير القانوني يسبق عملية تطبيق القانون فالقاضي ملزم باتباع التفسير المتطور للقانون ، ومراعاة الحكمة من التشريع عند تطبيقه ، إي إن المشرع قد الزم القاضي بان يتقيد بالتفسير المتطور للقانون وحكمة تشريعه عند تطبيقه على وقائع الدعوى المعروضه عليه ، ويقصد بالتفسير المتطور للقانون : هو تفسير القاضي النص القانوني بحيث يوائم محتواها بما طرأ من تغييرات على المجتمع .

اذ كلما ظهرت تجربة انسانية جديدة او معارف علمية حديثة تسمح باستخدام طرق افضل للكشف عن الحقيقة ، فيمكن للقاضي اللجوء اليها اتباعا للتفسير المتطور للقانون ، لان القانون في حقيقته هو كائن حي ينمو ويتطور في الوسط الذي نشأ فيه على ان يقترن التفسير بمراعاة حكمة التشريع عند التطبيق ، اي الغرض الذي يبغي التشريع تحقيقه ، وهو سبب وجوده ، ذلك لان لكل نص قانوني هدفاً يرمي اليه ، اي يجب فهم النص القانوني من خلال الحكمة من تشريعه اي المصلحة التي اراد المشرع حمايتها ، وبالتفسير المتطور للقانون ومراعاة الحكمة من تشريعه يوفر للقانون مرونة تتجدد مع الايام وتجعلها متماشية مع تطور ظروف المجتمع ليطبق على الحالات الجديدة.

كما ان للقاضي دوراً في سد الفراغ في القانون ويقصد بالفراغ في القانون او سكوت القانون هو (عدم ورود حكم فيه يتناول النزاع المعروض امام القاضي) .

وكذلك القصور في القانون الذي يقصد به عدم تضمن النص القانوني لما تقوم الحاجة اليه من احكام تفصيلية او جزئية وعند ذاك فان على القاضي في الدعوى المدنية ان يطبق قواعد العدالة عند عدم وجود النص التشريعي او عدم وجود العرف او مبادئ الشريعة الاسلامية اذ تعتبر قواعد العدالة من المصادر الرسمية للقانون المدني حسب المادة الاولى من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 .

اما في الدعاوى الجزائية فلا اشكال في ذلك لان البند (ثانيا) من المادة (19) من دستور جمهورية العراق الاتحادي لسنة (2005) قد نص على أن : ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، ولاعقوبة الا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة ، ولايجوز تطبيق عقوبة أشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة) .

كما نصت المادة الاولى من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 ( لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص القانون عليها ).

ان سبب قصور التشريع او نقصه هو انه اي التشريع لا يمكن ان يحيط بكل شيء ولا يستطيع المشرع مهما كان نافذ البصيرة ان يتنبأ بكل مسألة لكي يضع لها حلا .

ولهذا لابد للقاضي ان يجتهد للوصول الى الحكم العادل لكي لا يعتبر ناكلا عن القضاء او ممتنعا عن احقاق الحق وعندئذ ينبغي على القاضي ان يكون اجتهاده قد صدر استنادا لاعتبارات موضوعية عامة لا ذاتية او شخصية ، مسترشدا بالفلسفة القانونية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع وان يخدم اهداف القانون ، فقد يلجأ القاضي احيانا الى (القياس) وهو إعطاء واقعة مسكوت عنها حكم واقعة اخرى منصوص عليها لاتحاد الصلة بين الواقعتين .

ان تطوير القانون من قبل القاضي يكون بالملاءمة بين مضمون القاعدة القانونية وبين التطورات الاجتماعية التي تواجهه ، وقد سماها الفقه ( سلطة تجديد الشباب ) وتجديد شباب القاعدة القانونية يعني احياءها حتى تتلاءم مع مقتضيات العصر ، ذلك ان شيخوخة القانون تؤدي الى عزله عن المجتمع .

فالعملية القضائية ليست مجرد تطبيق حرفي لنصوص القانون بل انه قضاء انشائي يبتدع الحلول العادلة لحسم النزاع ، اي البحث والتأصيل والملاءمة بين المصالح المتضاربة للخصوم في الدعوى.