الدور الرقابي للمجالس النيابية العربية

د. رغيد الصلح
بإشراف
المركز اللبناني للدراسات

(ملخـص)

الرقابة البرلمانية الناجحة تشترط أمرين: الأول، يتعلق بالمجالس النيابية نفسها، أي توفير الإطار القانوني والإمكانات المادية والبشرية التي توضع تحت تصرف النواب للحصول على المعلومات حول السلطة التنفيذية، ورغبة النواب في القيام بالرقابة؛ والشرط الثاني يتعلق بالظروف العامة، أي توافر الثقافة السياسية الديمقراطية الملائمة، والحياة السياسية الصحيحة التي تقوم فيها أحزاب نشيطة وإعلام حي وانتخابات حرة وتداول للسلطة ومجتمع مدني فاعل يرتكز على أوضاع اجتماعية واقتصادية مناسبة. فما هو وضع الرقابة البرلمانية العربية في ضوء مقومات النجاح هذه؟ هذا هو السؤال الذي تسعى الورقة إلى الإجابة عنه.

تعرض الورقة أولاً التطورات العالمية وأثرها في الدور الرقابي للبرلمانات، وتركز هنا على متغيرين هامين: الأول سياسي، يتمثل بانتشار النظم الديمقراطية البرلمانية في العالم؛ والمتغير الثاني هو ثورة الاتصالات التي أدّت إلى تطوير وسائل الحصول على المعلومات وتسهيل التواصل بين المواطنين والنواب. كما تعرض الورقة تأثير هذين المتغيرين في الرقابة البرلمانية دولياً وعربياً. وعلى الصعيد الدولي تلاحظ الورقة أن هذه التطورات ساهمت في تعميق تقاليد الرقابة البرلمانية حيث كانت موجودة أساساً، وفي توسيعها وانتشارها في بعض المناطق، مثل المنطقة العربية، حيث كان انتشارها ضعيفاً أو محدوداً. هذا ما يبينه استخدام الوسائل الخمسة المتنوعة لمراقبة السلطة التنفيذية في البرلمانات العربية.

وتلاحظ الورقة أنه خلال السنوات العشر الماضية وفي ظل المتغيرات الدولية، وبتأثير منها ومن بعض المتغيرات المحلية حصل بعض التطور في اضطلاع البرلمانات بكل من وسائل المراقبة هذه. وبرز هذا التطور، بصورة خاصة، في تنامي توجيه الأسئلة في البرلمانات العربية. ومارست مجالس عربية أيضاً حقها في طرح موضوعات عامة للمناقشة وفي تأليف لجان تقصي الحقائق في قضايا ساخنة مثل قضايا الأمن والدفاع والخارجية، كما قامت بعض اللجان الدائمة في مجالس عربية بدور مهم في مراقبة الحكومة وبخاصة في مجال المال والاقتصاد. واستخدمت المجالس النيابية العربية استخداماً محدوداً بقية أدوات المراقبة الأخرى مثل الاستجواب وطرح الثقة والاتهام الجنائي.

ما يمكن استنتاجه من دراسة مدى ممارسة البرلمانات العربية دورها الرقابي خلال التسعينات هو ان الأوضاع الداخلية، أي القانونية والفنية والإدارية والمادية، لهذه البرلمانات تحسنت نسبياً، فعكست، ولو بصورة محدودة، التطورات الدولية المشار إليها أعلاه. أما الأوضاع العامة خارج البرلمان فلم تتقدم كفاية لكي تسمح للبرلمانات العربية بالقيام بالدور المطلوب في مجال مراقبة السلطة التنفيذية. وفي المقارنة بين الأوضاع الداخلية والأوضاع العامة، فإن الأخيرة هي التي تترك الأثر الأكبر في واقع البرلمانات. وفي كلتا الحالتين تتوافر ظروف مؤاتية حالياً ف الدول العربية لكي يضطلع النواب العرب بدور أكثر نشاطاً في تطوير أوضاع برلماناتهم والأوضاع السياسية في دولهم. وفي هذا السياق يمكن النواب العرب أن يزيدوا من نشاطهم من أجل تطوير برلماناتهم داخلياً من خلال الخطوات التالية:

وضع الأطر القانونية التي تحدد علاقة برلماناتهم بالسلطات التنفيذية. والسعي من أجل التخفيف من القيود على استخدام بعض أشكال الرقابة البرلمانية.
تزويد النواب بالمساعدين من الباحثين وأصحاب الاختصاص.
تنمية عمل اللجان البرلمانية، نظراً إلى أهمية دورها في مجال المراقبة.
تزويد المجالس النيابية العربية بالمكتبات، وكذلك بالأجهزة الكومبيوترية التي تساعد النواب على الحصول على المعلومات الضرورية لعملهم في حقل الرقابة البرلمانية.
تنظيم برامج ودورات ثقافية للنواب العرب الذين يرغبون في تطوير قدراتهم في مجال العمل الرقابي.
عقد المزيد من الندوات الإقليمية العربية للنواب مع المزيد من التركيز على الموضوعات المختصة في مجال مراقبة الأداء الحكومي.
تشجيع النواب المستقلين على تكوين التكتلات البرلمانية.

كما يمكن النواب العرب العمل على تطوير دور برلماناتهم الرقابي عن طريق المساهمة في تطوير الأوضاع العامة وبخاصة في المجالات الآتية:

تنمية اهتمام المواطن بالحياة البرلمانية وثقته بالعمل البرلماني وبالانتخابات.
تعزيز دور الأحزاب والتكتلات السياسية، وتوفير أجواء أفضل لتداول السلطة في البلاد.
تأكيد دور هيئة الأمم المتحدة ودور المنظمات الدولية المختصة في دعم عملية التحول الديمقراطي، وتنمية الدور الرقابي للبرلمانات العربية.
تشجيع الجماعات الأهلية المستقلة والمنظمات غير الحكومية القيام بمساهمات أوسع في الانتخابات العامة، وفي الاضطلاع بمهام مراقبة الأداء الحكومي ومراقبة أداء البرلمانيين ومدى اضطلاعهم بمهام مراقبة السلطة التنفيذية.
إن هذه الهيئات تستطيع، على سبيل المثال، تقديم المكافآت السياسية والمعنوية لأولئك النواب الذين وقفوا إلى جانبها وإلى جانب قضاياها ومصالحها عبر استخدام وسائل المراقبة البرلمانية.