الدعاوى المترتبة على ارتكاب الجريمة الصحفية

لقد أتى ظهير 15 نونبر 1958 في شقة الخاص بالصحافة بجملة من الإجراءات المسطرية المتسمة بالحياد والاستقلالية عما يقضي به قانون المسطرة الجنائية ، إلا أن أحكام ومواد هذه الأخيرة تكون واجبة التطبيق كلما تم الاصطدام بإشكالية الفراغ القانوني بخصوص النصوص المسطرية ، مما يجعل قانون المسطرة الجنائية شريعة عامة للشكليات المنصوص عليها في […]
جرائم الصحافة بالمغرب

الفصل الثاني : آثار الجريمة الصحفية

المبحث الثالث : الدعاوى والجزاءات المترتبة على ارتكاب الجريمة الصحفية

[…] قانون المسطرة الجنائية شريعة عامة للشكليات المنصوص عليها في قانون الصحافة ، وأيا كان الاختلاف ، فسواء تم اتباع إجراءات قانون الصحافة أو إجراءات قانون المسطرة الحنائية ، فإن الجزاءات الجنائية تكون واجبة التطبيق في حق كل من ثبتت مسؤوليته عن الجرائم الصحفية .
سنحاول معالجة هذا الموضوع انطلاقا من الآتي بيانه أسفله .

المطلب الأول : الدعاوى المترتبة عن ارتكاب الجرائم الصحفية .

تكتسي كل من الدعوى العمومية والدعوى المدنية أهمية قصوى في مختلف أنواع الجرائم والتي تعد الجريمة الصحفية إحداها ، إلا أن الدعويين المذكورتين تتسمان في المادة الصحفية بخصائص تميزها عن ما يجري العمل به وفق القواعد العامة.

أولا : الدعوى العمومية
من خلال الدعوى العمومية ، يمارس المجتمع سلطة العقاب على الجناة حتى ينالوا الجزاء عن ما يقترفونه من جرائم . إلا أن توقيع الجزاء المذكور يتوقف على ممارسة هذه الدعوى وفق شروط معينة ، فما هي ؟

1-ممارسة الدعوى العمومية
كما سبق وأوضحنا ، فإن الاصطلاحات القانونية تختلف بشكل يؤدي إلى تغيير المعنى المقصود من بعض الأحكام ، فمصطلح التحريك لا يرادف مصطلح الممارسة ولذلك تعمدنا اعتماد هذا الأخير لكونه الأكثر ملائمة لها سنعرض له.

** توقف ممارسة الدعوى العمومية على تقديم شكاية :
من خلال المادة 71 من قانون الصحافة ، عرض المشرع المغربي مجموعة من الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة والتي يستلزم لقيامها تقديم شكاية ومن الأمثلة عنها: القذف الموجه إلى الأفراد إذ من الضروري أن يتم تقديم هذه الأخيرة
( أي الشكاية ) من طرف الشخص المضرور نفسه ، كذلك الشأن إذا تعلق الأمر بالقذف الموجه إلى عضو مستشار أو شاهد ، إذ لا تقع المتابعة إلا بناءا على شكوى من طرف العضو أو الشاهد ، أما إذا تعلق الأمر بالمجالس القضائية والمحاكم والجيوش البرية أو البحرية أو الجوية والهيئات المؤسسة والإدارات العمومية بالمغرب ، فلا تجري المتابعة بشكوى من رؤساء هذه الهيئات إلا عند انعدام توفر هذه الهيئات على جلسة عامة ،، أما إذا كان فعل السب أو القذف موجها إلى الموظفين أو رجال أو أعوان السلطة العمومية أو إلى الأشخاص المكلفين بمصلحة أو مهمة عمومية فإن المتابعة تتم إما بناء على شكوى من هؤلاء أو بناء على شكوى مقدمة من طرف رئيس المصلحة التي ينتمون إليها ، أو بشكوى من وزير الداخلية إلى وزير العدل .
ما ينبغي الإشارة إليه ، هو أن المشرع المغربي لم يحدد شكلا معينا للشكوى إلا أن الشرط الهام فيها هو أن ترد مكتوبة طبقا لما هو مفترض في قانون المسطرة الجنائية ، وأن تعبر عن إرادة رفعها .
-قبل تقديم الشكوى من تكون النيابة العامة ممنوعة من رفع الدعوى أو مباشرة أي إجراء فيها وذلك تحت طائلة بطلان الإجراء وعدم قبول الدعوى .

** توقف ممارسة الدعوى العمومية على إذن :
بعيدا عن الشكاية ، يمكن تصور ممارسة الدعوى العمومية عن طريق الإذن في نوازل أخرى أبرزها حالة النائب البرلماني الذي يرتكب جريمة صحفية ، إذ يشترط الحصول على إذن من طرف مجلس النواب أثناء الدورة النيابية وذلك برفع الحصانة عن النائب المشار إليه ، ويتم الإذن برفع الحصانة أيضا من طرف المكتب إذا لم تكن هناك دورة نيابية ، إذاك يتأتى للنيابة العامة ممارسة الدعوى العمومية.

** توقف ممارسة الدعوى العمومية على طلب.
هناك حالات تتطلب فيها الدعوى صدور طلب إما من المتضرر أو من جهة معينة ، فالقذف والسب الموجهين إلى المجالس القضائية والمحاكم والجيوش البحرية أو البرية أو الجوية والهيئات المؤسسة والإدارات العمومية بالمغرب ، فإن المتابعة لا تقع إلا بعد مداولة تجريها المجالس والمحاكم والهيئات المذكورة في جلسة عامة والمطالبة بإجراء المتابعة مادام أن لهذه الهيئات جلسة عامة ، وإلا فإن المتابعة تجري بشكوى من رئيس الهيئة ،، كذلك الأمر بالنسبة لجنحة المس بصفة علانية بكرامة رؤساء الدول والحكومات ووزراء الشؤون الخارجية للبلدان الأجنبية أو بكرامة الممثلين الديبلوماسيين أو القنصليين الأجانب المعتمدين أو المندوبين بصفة رسمية لدى جلالة الملك، حيث لا تقع المتابعة ألا بناءا على طلب من طرف المعني بالأمر ، أو طلب موجه من طرفه إلى الوزير المغربي الأول أو لوزير الخارجية .

2- الآثار المترتبة على ممارسة الدعوى العمومية
بعد استكمال الدعوى العمومية للشروط التي ربطها بها المشرع لممارستها ، تنتج عن ذلك عدة آثار نعرض لها أسفله:

** الجهة المختصة :
لا يثير الاختصاص النوعي أي إشكال ،، فكلما تعلق الأمر بجنحة كلما انعقد الاختصاص للمحكمة الابتدائية ، وعلى العكس من ذلك ، تكون محكمة الاستئناف هي المختصة كلما تعلق الأمر بارتكاب جناية.
بخصوص الاختصاص المكاني ، فإن القواعد الجنائية العامة تكون واجبة التطبيق ، إذ يتم تخويل النظر في الدعوى للمحكمة الواقع بدائرتها الفعل الإجرامي أو التي يقع بدائرتها إلقاء القبض على المتهم أو تلك التي يقطن بدائرتها هذا الأخير.
إن مكان اقتراف الفعل الإجرامي من قبل الصحفي يطرح إشكالا هاما خاصة إذا تعلق الأمر بجريدة أو مجلة توزع في مجموع أنحاء المملكة أو قد تتجاوز حدود المغرب ، إذ في هذه الحالة يتم الرجوع إلى مكان طبع الجريدة.

** توجيه الاستدعاء
تم النص على الاستدعاء بموجب المادة 72 من قانون الصحافة ، إذ اشترطت تبليغه من طرف النيابة العامة أو الطرف المدني قبل تاريخ الجلسة ب15 يوما ، وهو أجل لا يتعارض مع ماهو منصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية ، إضافة إلى ضرورة تضمينية التهمة الموجهة وتحديد صفتها مع الإشارة إلى النص القانوني الوجب تطبيقه على المتابعة وإلا ترتب على ذلك بطلان الإستدعاء.

*الإثبات في الجريمة الصحفية .
يقع عبء الإثبات في إطار الجريمة الصحفية على عاتق النيابة العامة ، وتتمتع بهذا الخصوص بحرية واسعة .إلا أن هذا الأمر يحتمل خصوصيات معينة في إطار الجريمة الصحفية فالمادة 49 من ظهير 15 نوبر 1958 تنص على أن إثبات صحة الواقعة المنسوبة إلى القاذف لا يمكن أن تقبل إلا إذا تعلق هذا القذف بالمهام وكان موجها إلى وزير أو عدة وزراء أو نحو موظف أو أحد رجال أو أعوان السلطة العمومية أو كل شخص مكلف بمصلحة أو مهمة عمومية مؤقتة كانت أم مستمرة ، أو مساعد قضائي أو شاهد من جراء تأدية شهادة . كما يمكن إثبات صحة القذف أو السب الموجهين إلى مسيري أو متصرفي كل مقاولة صناعية أو تجارية أو مالية تلتجئ علنيا إلى التوفير والقرض، ويتعين أن يتوفر المسؤولون عن النشر قبل القيام به على الحجج المثبتة صحة الوقائع موضوع القذف ، ويجوز دائما إثبات صحة القذف ، إلا أن ذلك غير ممكن فيما يلي من الحالات :

– إذا كان القذف يرجع إلى أعمال مضى عايها أكثر من عشر سنوات .
– إذا كان القذف يرجع إلى جريمة شملها العفو أو سقطت بالتقادم أو أدت إلى عقوبة انمحت برد الإعتبار .
– إذا تعلق القذف بحياة الفرد.
إضافة إلى ما سبق ، ينص الفصل 73 من قانون الصحافة أن المتهم إذا أراد أن يكون مقبولا لإثبات صحة الوقائع موضوع القذف الموجه للأفراد، أن يعلن خلال الخمسة عشر يوما الموالية لتوصله بالإستدعاء للحضور أن يعلن إلى وكيل الملك أو إلى المشتكى به في محل المخابرة معه ، وذلك إذا كان المتهم قد أقيمت عليه الدعوى بطلب من النيابة العامة أو المشتكى ما يأتي بيانه:
1-بسط الوقائع والموضوع في طلب الحضور والتي يريد إثبات حقيقتها
2-نسخة من المستندات .
3-أسماء ومهن وعناوين الشهود المراد الإعتماد عليهم في إقامة الحجة، ويتضمن هذا الإعلان تعيين المواطن المختار لدى المحكمة ، وإلا فيترتب عن ذلك سقوط الحق في إقامة الحجة .

** الإستئناف :
يجب أن يقدم الاستئناف وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية ، وتثبت محكمة الإستئناف في كل الأموال داخل أجل أقصاه ستون يوما من تاريخ تقديم الإستئناف ، وهو أجل قصير نسبيا إذا ما قورن بذلك الممنوح للمحكمة الإبتدائية والمحدد في تسعين يوما من تاريخ التبليغ القانوني للإستدعاء.

** ظروف التخفيف :
يستثنى من التمتع بظروف التخفيف كل من آرتكب جريمة منصوص عليها في الفصل 41 من قانون الصحافة ويتعلق الأمر بالجرائم المرتكبة ضد الشؤون العامة ، وذلك ماهو منصوص عله في المادة 74 من قانون الصحافة.

** التقادم :
إن الدعوى العمومية المنصوص غليها في قانون الصحافة يسقط الحق في إقامتها برسم التقادم والمحددة مدته في ستة أشهر كاملة من إقتراف الجريمة أو من يوم آخر وثيقة من وثائق المتابعة إن كانت هناك متابعة ، كما أن مدة التقادم هاته لا تقتصر على الدعوى العمومية ، بل تمتد لتشمل الدعوى المدنية أيضا ، أي تلك الدعوى الخاصة بتعويض الضحية عن ما لحقه من ضرر ، وذلك يعد إستثناءا عن القاعدة العامة القاضية باستقلال مدة التقادم المدنية عن الجنائية.

ثانيا :الدعوى المدنية التابعة
تجد الدعوى المدنية التابعة للدعوى العمومية في إطار الجريمة الصحفية أساسها القانوني في الفصل 75 من ق ص ، فالدعوى المدنية الناتجة عن جنحة القذف لايمكن فصل متابعتها عن المتابعة الخاصة بالدعوى العمومية إلا في حالة وفاة مرتكب الأمر المدعى فيه أو حالة عفو .
وفي هذا الإطار ، فإن سقوط الدعوى العمومية لايلازمه بالضرورة سقوط الدعوى المدنية ، فالحكم الجنائي لا يمنع المتضرر من الفعل الإجرامي من المطالبة بتعويض يوازي حجم الضرر أو الأضرار اللاحقة به