– الدائنون الناشئة ديونهم بعد الحكم بفتح مسطرة التسوية

إذا كان الدائنون الناشئة ديونهم قبل الحكم بفتح مسطرة المعالجة ملزمون بالتصريح بديونهم إلى السنديك، وأن هذا الأخير ملزم بدوره بإشعار الدائنين الحاملين لضمانات أو لعقود ائتمان إيجاري تم شهرهما وذلك بصفة شخصية حتى يتمكنوا بدورهم من التصريح بديونهم، فإن الأمر يختلف بالنسبة للدائنين الناشئة ديونهم بعد الحكم بفتح مسطرة المعالجة، ذلك أن هؤلاء الدائنين غير ملزمين بالتصريح بديونهم الناشئة بعد الحكم بفتح مسطرة المعالجة، وهو الأمر الذي يستفاد من مقتضيات المادة 40 من القانون التجاري الفرنسي لسنة 1985، حيث أكدت هذه المادة على أن الدائنين الناشئة ديونهم بعد الحكم بفتح مسطرة المعالجة يتمتعون بامتيازين وهما: الحق في استيفاء ديونهم عند حلول الأجل العادي لاستيفاء الدين أي عند تاريخ الاستحقاق في حالة استمرار المقاولة في أداء نشاطها ثم حالة التفويت الكلي، حيث أن هؤلاء الدائنون لهم الحق في استيفاء ديونهم بالأسبقية على كل الديون الأخرى، سواء كانت مقرونة بامتيازات أو بضمانات.

وهكذا فإن هؤلاء الدائنين لا يخضعون لذات التقييدات والتقليص من الحقوق التي يخضع لها الدائنون السابقون عن الحكم القاضي بفتح المسطرة وإلا لما منحوا ثقتهم وائتمانهم للمقاولة وهي خاضعة لمسطرة المعالجة القضائية، وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء[1] في أحد قراراتها حيث جاء في تعليله:

” … وحيث أكدت الطاعنة في مذكرتها التوضيحية بكون هذه الصعوبة هي مجرد صعوبة ظرفية، وأنها تأمل في تجاوزها في إطار المقتضيات القانونية المعمول بها في إطار مدونة التجارة والتي تمنح امتيازات متعددة لدائني المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية.

وحيث بالفعل، فإن هذا الطرح يتماشي ومقتضيات المادة 575 من مدونة التجارة وبالتالي فإن هذا الامتياز الوارد في الفصل المذكور من شأنه أن يشجع الأبناك على منح المقاولة قروضا تستطيع بموجبها تجاوز صعوباتها المالية…”. إذن نلاحظ أن هؤلاء الدائنين لا يخضعون لمسطرة التصريح بالديون ولا لمسطرة تحقيقها ولا تتعرض متابعاتهم الفردية للمدين للوقف أو المنع، كما لا تخضع ديونهم لوقف سريان الفوائد سواء أكانت قانونية أم اتفاقية.

كما يتمتع الدائنون الناشئة ديونهم بعد الحكم بفتح مسطرة المعالجة باستيفاء ديونهم عند بالأسبقية عند حلول أجالها، لكن ذلك حسب بعض القفه المغربي والمتمثل في شخص الأستاذ امحمد لفروجي يتوقف على ضرورة توافر 3 شروط أساسية وهي:

– أن ينشأ الدين بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية

– أن ينشأ الدين بمناسبة مواصلة نشاط المقاولة

– أن ينشأ الدين بصفة قانونية.

أ- نشوء الدين بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية

لكي يستفيد الدائن من حق الأسبقية المقرر بمقتضى المادة 575 من مدونة التجارة، يتعين عليه القيام بإثبات أن دينه قد نشأ بعد حكم فتح مسطرة المعالجة وليس قبلها أو كما جاء حسب الفقيه « Michel Jeantin » أنها يجب أن تكون قد نشأت أثناء فترة الملاحظة وينتهي هذا الامتياز بانتهاء هذه الفترة.

ولتحديد ذلك، فكلما كان تاريخ نشأة الدين لاحقا لتاريخ الحكم بفتح المسطرة القضائية اعتبر هذا الشرط متحققا، الأمر الذي يخول للدائن حينئذ الاستفادة من تاريخ الأسبقية، إلا أنه في حالة اختلاف تاريخ نشأة الدين عن تاريخ العقد كما هو الحال بالنسبة للعقود المستمرة، كالعقود البنكية وعقود التزويد بالخدمات وعقود الإيجار وغيرها، فإن السنديك هو الذي له صلاحية تقرير مواصلة هذه العقود من عدمها طبقا لمقتضيات المادة 573 من مدونة التجارة، بعلة أنها عقود جارية التنفيذ في تاريخ فتح المسطرة، وصراحة فإن هذا الاختصاص الممنوح في هذا الإطار للسنديك هو بدرجة من الخطورة على اعتبار أن السنديك قد يقرر عدم مواصلة هذه العقود والتي قد تكون المقاولة في حاجة ماسة إليها قصد مواصلة نشاطها.

ففي هذا الإطار ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى اعتبار أن حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 40 من القانون التجاري الفرنسي الصادر بتاريخ 25 يناير 1985 والمستقاة منه المادة 575 من مدونة التجارة، لا يطبق بالنسبة للعقود المستمرة الجارية التنفيذ في تاريخ الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية إلا بخصوص الديون الناشئة عن مواصلة هذه العقود بعد هذا التاريخ، أما الديون التي تكون قد نشأت قبل فتح المسطرة، فإنها لا تخضع لحق الأسبقية المذكور بالرغم من كونها ناتجة عن عقد تمت مواصلة تنفيذه خلال فترة الملاحظة.

ب- نشوء الدين بمناسبة مواصلة نشاط المقاولة

يتعين في هذه الحالة أن يكون الدين ناشئا نتيجة لمواصلة المقاولة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية لنشاطها خلال فترة إعداد الحل، وهذا في حد ذاته يمكن اعتباره جزاءا للدائنين الذين أقبلوا على التعامل مع المقاولة خلال فترة التسوية القضائية، على أن الديون الناشئة خلال فترة أو مرحلة تنفيذ مخطط التسوية أو التصفية القضائية لا تستفيد من هذا الامتياز إلا إذا كانت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين تقتضي استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية وذلك وفقا لمقتضيات المادة 620 من مدونة التجارة.

ج- نشوء الدين بصفـة قانونية

لكي يستفيد الدائنون الناشئة ديونهم بعد تاريخ الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية من حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من مدونة التجارة، فلا بد أن يكون الدين الذي نشأ في ذمة المدين قد نشأ بصفة قانونية بعيدا عن التصرفات غير المبررة، وذلك إذا كان الدين قد نشأ نتيجة تصرفات وأعمال في مصلحة المقاولة واستمرارية نشاطها بغية تقويم وضعيتها، وعدم تعارض هذه الديون مع مصلحة هؤلاء الدائنين.

وإذا كانت الآثار المترتبة عن حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من مدونة التجارة توجب أداء الديون في تاريخ استحقاقها، بصرف النظر عن المرحلة التي قطعتها مسطرة التسوية القضائية، فإنه مع ذلك يبقى للدائن الحق والخيار في منح أجل إضافي للمدين أو تخفيض مبلغ الدين من عدمه وذلك مساهمة منه في إنجاح عملية التسوية القضائية.

كما أن هؤلاء الدائنين لا يخضعون لقاعدة وقف المتابعات الفردية ولا لقاعدة وقف سريان الفوائد المنصوص عليها في المواد 653 و 656 و 660 من مدونة التجارة، هذا ويحصل الدائنون الناشئة ديونهم بصفة قانونية بعد الحكم بفتح المسطرة على ديونهم وذلك بالأسبقية على باقي الدائنين ولو كانوا حاملين لضمانات أو امتيازات بما في ذلك الرهن الرسمي، لكن ورغم أن هؤلاء الدائنين الناشئة ديونهم بصفة قانونية بعد فتح المسطرة يحظون بهذا الامتياز، إلا أنه ثمة بعض الدائنين، وبحكم مركزهم القانوني يمكنهم استيفاء حقوقهم بالأسبقية على هؤلاء الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة، وذلك من قبيل الدائن المرتهن رهنا حيازيا « le gage »، والدائن الذي يملك حق الحبس Droit de rétention أو البائع لمنقولات تحت شرط الاحتفاظ بالملكية إلى حين الأداء الكامل للثمن، أو الدائنين العمال في التشريع الفرنسي بسبب امتياز الامتياز super- privilège الذين يتوفرون عليه.

من جهة أخرى، إذا كان المشرع الفرنسي قد وضع ترتيبا محكما للدائنين الذين نشأت ديونهم بعد الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية، فإن نظيره المغربي لم يسلك هذا المسلك، إلا أن هناك معيارين يمكن بواسطتهما معرفة الدين الذي يمكن أن يتم تسديده بالأسبقية عن غيره وهما معيار تاريخ لاستحقاق الدين والضمانات المقرونة بالدين:

1- معيار تاريخ استحقاق الدين

يعتبر هذا المعيار معيارا حاسما للفصل بين الدائنين الناشئة ديونهم بعد الحكم القاضي بفتح المسطرة القضائية، إذ يمكن السنديك من أداء الديون المستحقة حسب تاريخ استحقاقها، إلا أن هذا المعيار لا يؤخذ به على إطلاقه، لأنه قد تكون هناك ديون أخرى لها نفس تاريخ الاستحقاق، الأمر الذي يؤدي إلى تأدية هذه الديون بالأسبقية على بعضها البعض بحسب رتبة كل دين وفقا للقواعد العامة المتعلقة بامتيازات الدائنين على منقولات وعقارات المدين.

على أنه بالرجوع إلى القواعد العامة نجد أن المادة 1245 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، قد تطرقت إلى أن الدائنين الممتازين في مرتبة واحدة يستوفون حقوقهم على وجه المحاصة، كما أن هذا المعيار ينصب أيضا عن الديون والفوائد وكذلك يشمل أيضا أموال المدين سواء المنقولة أو العقارية بالنظر إلى أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه.

2- معيار الضمانات المقرون بها الدين

يلجأ بعد الدائنين بهدف تأمين حقوقهم من الضياع نتيجة المزاحمة فيما بين الدائنين المستفيدين من حق الأسبقية إلى اشتراطهم الحصول على ضمانات إضافية، وذلك مثل الرهون الرسمية وهذا شأن أغلبية البنوك التي تتعامل مع المقاولة، خصوصا إذا كانت هذه الأخيرة خاضعة لمسطرة التسوية القضائية.

وهكذا فكما سبقت الإشارة فإن هؤلاء الدائنين المتمتعين بحق الأولوية يلجؤون إلى التعامل بضمانات قد تكون عينية وهي محددة قانونا على سبيل الحصر ولا يجوز التوسع فيها[2]، وكذلك التعامل بضمانات شخصية كالكفالة المنصوص عليها في المواد من1117 إلى 1160 من قانون الالتزامات والعقود، على أنه وبالرجوع إلى المادة 150 من ظهير 2 يونيو 1915 نجدها تنص على أن: الامتياز حق عيني تخول بمقتضاه صفة الدين للدائن الأفضلية على باقي الدائنين حتى ولو كانوا دائنين برهن رسمي”.

[1]- قرار صادر عن المحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 150/2000 بتاريخ 20/01/2000 أورده الأستاذ عبد الكريم عباد في أطروحته تحت عنوان” دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة”، المرجع السابق، ص429.
[2] – تنص المادة 1242 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أن :” الأسباب القانونية للأولوية هي الامتيازات والرهون وحق الحبس”.