موقف القضاء العراقي من الخسائر الناجمة عن الحوادث المضرة في التشريع الضريبي

المؤلف : حيدر نجيب احمد فائق سعيد المفتي
الكتاب أو المصدر : الخسائر الضريبية في قانون ضريبة الدخل العراقي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

موقف القضاء العراقي من الخسائر الناجمة عن الحوادث المضرة في التشريع الضريبي اتجه القضاء العراقي سابقاً وقبل تشكيل اللجان الاستئنافية وهيئة التمييز إلى عدم جواز خصم الخسائر الناجمة عن الحوادث المضرة. فقد يتصور البعض إن هذا النوع من الخسائر يمكن خصمه من وعاء الضريبة، إلا أن القضاء العراقي يتجه على خلاف ذلك، وإن موقف القضاء هذا قد جاء استناداً للعديد من الأسباب هي(1):
أولاً: إن خصم هذا النوع من الخسائر يؤدي إلى الابتعاد عن روح النصوص القانونية على أساس إن الخسائر لم تنفق في سبيل الحصول على الدخل وإنتاجه بينما النصوص القانونية تقتضي خصم جميع التكاليف التي أنفقها المكلف للحصول على الدخل وتنـزيلها من وعاء الضريبة.
ثانياً: إن المكلف له الحق باستحصال التعويض عن هذه الخسارة من خلال إقامة دعوى السرقة على السارق وكذلك المطالبة بالتعويض من شركات التأمين عن البضاعة التي غرقت على متن السفينة وغير ذلك، وبالتالي فإن إمكانية حصول المكلف على تعويض مقابل ما لحقه من خسائر ناجمة عن حوادث مضرة تحول دون خصم مثل هذا النوع من الخسائر . وبناءً على ذلك نلاحظ إن قضاء محكمة التمييز اتجه إلى عدم جواز خصم مثل هذا النوع من الخسائر، كما إن محكمة الاستئناف ذهبت بنفس الاتجاه وذلك بعدم جواز خصم الخسائر العرضية(2).
ثالثاً: إن تعزيز موقف القضاء العراقي في عدم جواز خصم الخسائر الناجمة عن الحوادث المضرة قد جاء على أساس نص المادة الثامنة من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل والتي تضمنت تنـزيل وخصم كل ما ينفقه المكلف ويتكبده من مصاريف للحصول على الدخل الخاضع للضريبة خلال السنة التي تولد ونجم فيها دخله وبشرط أن تكون هذه المصاريف والتكاليف التي أنفقها المكلف مؤيدة بوثائق مقبولة قانوناً سواء كانت وصولات أو دفاتر تجارية أو قوائم حسابية…. وقد حددت هذه المادة المبدأ العام للنفقات الواجبة الخصم من وعاء الضريبة وكذلك حدوث النفقات الواجبة التنـزيل والخصم على سبيل الحصر ، إلا إنه لم يرد ضمن هذه النفقات المحددة حصراً في نص المادة الثامنة المشار إليها أعلاه الإشارة إلى الخسائر باعتبارها من النفقات الواجبة الخصم. وقد حدد نص المادة أعلاه النفقات الواجبة الخصم بـ(الفوائد – بدلات الإيجار – الاندثار – تكاليف الصيانة للمكائن – الديون المتعلقة بممارسة النشاط – الضرائب والرسوم – التبرعات – النفقة الشرعية – أقساط التأمين – أقساط إطفاء الموجودات …)(3). وبالتالي فإن عدم ذكر الخسائر من بين النفقات المحددة في نص المادة الثامنة من القانون والتي يجب خصمها، كان أيضاً الأساس الذي استند إليه القضاء العراقي في عدم جواز خصم الخسائر الناجمة عن الحوادث المضرة(4). أما بالنسبة للأموال التي تصادر من قبل السلطات العامة وكذلك الأموال التي تتعرض إلى الحريق وغير ذلك من الحوادث المضرة والتي تسبب خسارة للمكلف فإنها لا تخصم أيضاً من وعاء الضريبة بما تشكله من خسارة قياساً لعدم جواز خصم المبالغ المختلسة(5). ويمكن الرد على اتجاه القضاء العراقي في عدم جواز خصم الخسائر الناجمة عن الحوادث المضرة بما يلي:
أولاً: إن خصم الخسائر الناجمة عن الحوادث المضرة هو أقرب للعدالة على أساس إن هذه المبالغ وإن كانت لم تنفق للحصول على الدخل إلا أن واقعة حصولها سواءً كانت بالحريق أو السرقة أو الاختلاس وبما تشكله من خسارة للمكلف كان ثابتاً ثبوتاً قطعياً، كما إن هذه الحوادث قد نشأت بمناسبة ممارسة المكلف لنشاطه الاقتصادي ، وقد انصبت على الأموال العائدة للمكلف سواءً كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً.
ثانياً: إن المادة الحادية عشرة من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل تؤكد خصم الخسائر الناجمة عن الحوادث المضرة، فنص المشرع الضريبـي العراقي في هذه المادة على تنـزيل الخسائر التي يتعرض لها المكلف وقد جاء النص عاماً ومطلقاً من دون تحديد لنوع الخسارة الواجبة التنـزيل دون غيرها.

ثالثاً: إن المشرع الضريبـي العراقي أفرد في قانون ضريبة الدخل العراقي مادة خاصة لمعاملة الخسائر كمبدأ عام والتي يجب التمسك بها في معاملة الخسائر الضريبية، وبالتالي لا تكون هناك ضرورة تدعو للتمسك بنص المادة الثامنة من نفس القانون السالف الذكر والتي تضمنت تحديد النفقات الواجبة الخصم والتنـزيل من وعاء الضريبة عند تقدير دخل المكلف وفرض الضريبة عليه طالما كان هناك نص خاص يحكم ويعالج الخسائر التي يتعرض لها المكلف(6).

رابعاً: إن نص المادة الثامنة من القانون لا يتفق مع الخسائر، إذ أن الخسائر لا تعتبر نفقة بالمعنى الدقيق لكي يعد نص المادة الثامنة حجة على عدم جواز خصم الخسائر العرضية، فالنفقة هي كل ما ينفقه المكلف ويدفعه للحصول على مقابل سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، كما هو الحال في دفع المكلف لنفقات صيانة المكائن المخصصة لإنتاج الملابس وبالتالي الحصول على الدخل فتجديد هذه المكائن وصيانتها سيؤدي إلى تحقيق فائدة للمكلف وهي الاستمرار بإنتاج الدخل وزيادته نتيجة لزيادة إنتاجية هذه المكائن والآلات، وكذلك الحال في دفع المكلف للفوائد للحصول على المبلغ المقترض وغير ذلك من النفقات .

بينما الخسائر هي ما يتعرض له المكلف من نقص في رأس المال المستثمر وبالتالي وجود نقص في الدخل الخاضع للضريبة سواء كانت المبالغ لم تدفع أصلاً كما هو الحال في تعرض هذه المبالغ للسرقة أو الاختلاس قبل إنفاقها أو تم دفع هذه المبالغ ولم يحصل المكلف على مقابل لهذه المبالغ المدفوعة كما هو الحال في دفع المكلف لمبلغ من المال لشراء بضاعة ومن ثم تتعرض هذه البضاعة إلى التلف نتيجة الرق، فالمكلف لم يحصل على مقابل وبصورة نهائية. وبعبارة ثانية إن الخسائر تختلف عن النفقات من حيث الفائدة أو المقابل النهائي الذي يحصل عليه المكلف لكل منهما ، وهذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إن النفقات تدفع للحصول على إيراد صافي ونهائي وهو الدخل، بينما الخسائر لا تعود للمكلف بإيراد يمكن فرض الضريبة عليه بل تقلل من هذا الإيراد إذا لم تعدمه نهائياً.

خامساً: إذا كان التمسك بنص المادة الثامنة من القانون الضريبـي حجة في عدم جواز خصم الخسائر العرضية باعتبار إن الخسائر لم تكن واردة من بين التكاليف أو النفقات الواجبة الخصم حصراً في نص المادة، فهذا يعني إن بقية أنواع الخسائر وخاصة خسائر النشاط العادي غير مشمولة بالخصم أيضاً، في حين نجد إن هذا النوع من الخسائر واجب الخصم فقهاً وقانوناً وكذلك من الناحية العملية وبالتالي سيكون هناك تناقضاً في خصم الخسائر وهو ما يتنافى مع المنطق والعدالة وخاصة فيما يتعلق بنصوص المواد (8 ، 11) من قانون ضريبة الدخل النافذ حالياً.

سادساً: إن العدالة الضريبية كمبدأ من المبادئ الواجبة التطبيق عند فرض الضريبة تقتضي خصم مثل هذا النوع من الخسائر، ففرض الضريبة على الأرباح المتحققة للمكلف من بيع البضاعة أو الملابس المنتجة من مصنعه دون الالتفات إلى حالات تعرض هذه البضاعة إلى الحريق او السرقة مثلاً وما يشكل ذلك من خسارة وضرر يلحق المكلف هو أمراً يتقاطع مع مقتضيات العدالة وأهدافها.

وبعبارة ثانية إن فرض الضريبة على الأرباح المتحققة للمكلف من بيع بضاعته يقتضي أيضاً الأخذ بنظر الاعتبار وبما يفرضه مبدأ العدالة الضريبية مراعاة المكلف عند تعرض هذه البضاعة للتلف وتحقق خسارة له أيضاً، وبالتالي تكون هذه الخسائر واجبة الخصم استناداً لمبدأ العدالة الضريبية.
_____________________
1- د. صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص403.
كذلك أنظر عبد الحميد الرفاعي ، التكاليف في ضريبة الأرباح التجارية والصناعية ، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة ، 1971، ص727.
2- القرار الاستئنافي الصادر بتاريخ 10/5/1954 مشار إليه لدى : د. عوض فاضل إسماعيل، موقف المشرع العراقي من الخسائر الضريبية ، مصدر سابق، ص64.
3- لمزيد من التفاصيل أنظر نص المادة الثامنة من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل.
4- د. عوض فاضل إسماعيل، موقف المشرع العراقي من الخسارة الضريبية، مصدر سابق ، ص64.
5- د. صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص403.
6- د. صالح يوسف عجينة، نفس المصدر السابق، ص404.