الحماية القانونية و الدولية للجرحى و المرضى في المنازعات المسلحة

 

المحامية: منال داود العكيدي
تعرض الجرحى والمرضى على مر التاريخ للاهمال والقسوة في المعاملة وغالبا ماكانوا يتركون في ساحة العمليات العسكرية يتعرضون للموت والجوع وافتراس الحيوانات الضارية وعلى الرغم من التطور الذي حظيت به البشرية في الوقت الحاضر في المجالات المختلفة فان المجتمع الدولي لم يلتفت الى معالجة هذه الناحية الا بعد ان شهد الويلات المروعة في الحربين العالميتين الاولى والثانية حيث استشعر وحشية ترك الجرحى والمرضى من دون مساعدة او معالجة لذا فقد عمل المجتمع الدولي على ملافاة هذه الحالة فعقدت اتفاقية جنيف الثانية الخاصة بجرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان ضمن اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 / اب / 1949 التي وضعت القواعد القانونية لحماية الجرحى والمرضى .

وقد شهدت الحروب الحديثة ازدياد حالات الجرحى والمرضى في المنازعات العسكرية المسلحة سواء ماكان منها في الحروب الدولية ام الحروب الاهلية ويقدر عدد الجرحى والمرضى في الحروب باكثر من سبعة اضعاف القتلى في المنازعات المسلحة وقد تلجأ الدول المتحاربة الى ان يكون عدد الجرحى والمرضى من جراء الحروب اعدادا كبيرة بسبب كونهم سيكونون عبئا ثقيلا على الدولة التي يتبعونها اذ يتطلب اعداد كبيرة من الاشخاص والاموال الطائلة التي ترصد لمعالجة تلك الحالات ماداموا على قيد الحياة .

وقد تضمنت اتفاقية جنيف العديد من الاحكام التي تخص حماية الجرحى والمرضى والغرقى منها : ما اشارت اليه المادة الثانية من الاتفاقية على انها تنطبق في عدة حالات هي : حالة السلم : اذ لم تحدد الاتفاقية حالة السلم والتي يقصد بها حالات الكوارث والاضطرابات والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية كانفجار مفاعل نووي او مصنع كيمياوي او غير ذلك مما يهدد اعدادا كبيرة من السكان .

وحالة الحرب المعلنة على طرف معين ومن الناحية العملية فان الدول لاتعلن في الوقت الحاضر عن حالة الحرب لان الحرب محرمة طبقا للمادة الاولى من ميثاق الامم المتحدة عام 1945 وكانت الدول قبل ذلك تصدر اعلانا بالحرب وان الدول الاخرى يجب ان توضح موقفها مع هذا الطرف او مع الطرف الاخر او انها في حالة حياد بين الطرفين ويترتب على الاعلان مسؤولية قانونية .

وتطبق المادة الثانية من الاتفاقية ايضا في حالة الاشتباك المسلح بين طرفين او اكثر من الدول حتى لو لم يعترف احدهما بحالة الحرب ، وكذلك في حالة الاحتلال الجزئي او الكلي لاقليم احد الاطراف السامية المتعاقدة حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة ، وقد نصت الاتفاقية ايضا على انه حتى لو لم تكن احد دول النزاع طرفا في الاتفاقية فان دول النزاع الاطراف فيها تبقى مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة كما انها تلتزم بالاتفاقية ازاء الدولة المذكورة اذا قبلت هذه الاخيرة احكام الاتفاقية وطبقتها .

و لا تقتصر حماية الجرحى والمرضى في حالة الحروب الدولية بل تجب حمايتهم في الحروب الداخلية وهي الحروب الاهلية واعمال الشغب والثورات المسلحة والتمرد وغيرها من المنازعات المسلحة الداخلية ففي حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في اراضي احد الاطراف السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف في النزاع بان يطبق كحد ادنى مجموعة من الاحكام هي : بالنسبة للاشخاص الذين لايشتركون مباشرة في الاعمال العدائية بمن فيهم افراد القوات المسلحة الذين القوا اسلحتهم والاشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض او الجرح او الاحتجاز او لاي سبب اخر فانهم يعاملون في جميع الاحوال معاملة انسانية دون اي تمييز بسبب اللون او الدين او المعتقد ويحظر فيما يتعلق بالاشخاص المذكورين الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية والتعذيب واخذ الرهائن والاعتداء على الكرامة الشخصية واصدار الاحكام وتنفيذ العقوبات من دون اجراء محاكمة سابقة امام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا.

وقد حدد القانون الدولي الانساني طبيعة ونوعية الحماية التي يتمتع بها الجرحى والمرضى لدى الطرف الاخر ومخالفة هذه الحماية تعرض مرتكبيها للمحاكمة باعتبارهم مجرمي حرب طبقا لنظام روما لعام 1998 وحدود هذه الحماية هي : يجب ان يكون المرضى والجرحى تحت سلطة الدولة الرسمية ولا يجوز ان يكون هؤلاء تحت سلطة المليشيات لان الاخيرة لاتعرف قواعد القانون الدولي الانساني مما قد يؤدي الى حرمان الجرحى والمرضى من حقوقهم .

كما يجب ان يتم تسجيل الجرحى والمرضى بحيث يمكن التحقق من خلال المعلومات المسجلة عن هوية الجرحى والمرضى والموتى الذين يقعون في قبضتها وينتمون الى الطرف الخضم على ان تقوم الدول المتحاربة باشعار مكتب الاستعلامات الذي يقوم بدوره بنقل المعلومات الى الدولة التي يتبعها هؤلاء الاشخاص والى الوكالة المركزية لاسرى الحرب . وعلى اطراف النزاع ان يعاملوهم معاملة انسانية وان يتم تقديم المساعدة لهم من دون اي تمييز وينظر بشدة اي اعتداء على حياتهم او استعمال العنف معهم مع معاملة النساء معاملة خاصة باعتبار جنسهن وحاجتهن الى العناية والمساعدة الانسانية .

ويعد الجرحى والمرضى التابعون لدولة محاربة الذين يقعون في ايدي العدو اسرى حرب وتنطبق عليهم احكام القانون الدولي المتعلقة باسرى الحرب . وعلى الدول المتنازعة بعد انتهاء الاشباك ان تتخذ التدابير الممكنة للبحث عن الجرحى والمرضى وحمايتهم من سوء المعاملة وتأمين الرعاية اللازمة لهم وكذلك البحث عن جثث الموتى وحمايتهم من السلب على ان تعمل الدول المتحاربة على دفن الجثث او حرقها بحسب الظروف بشرط ان يسبق ذلك القيام بفحص الجثة والتأكد من حالة الوفاة والتحقق من هوية المتوفى ويجب ان يتم التحقق من ان الموتى قد دفنوا باحترام وطبقا لشعائر دينهم ان امكن وان مقابرهم محترمة ومصانة ويتم تمييزها لكي يتم الاستدلال عليها فيما بعد.