التقنين المدني العراقي لم يخرج عن احكام الشريعة الاسلامية في هذه المسألة إذ اورد حكم شراء الاشياء القيمية في المادة (519) (1). فأذا ضمت الصفقة الواحدة مجموعة اشياء قيمية فأن رؤية المشتري لبعضها لا تكفي ولا يتحقق بها علمه بالمعقود عليه وعلى العموم فأن رؤية هذه الاشياء لا تقوم في حقيقة الامر مقام رؤية الاشياء الباقية ذلك ان الاشياء القيمية بعكس الاشياء المثليه فلا يقوم بعضها مقام بعض كما انها تتفاوت تفاوتاً كبيراً من نواحي عديدة وعليه تلزم رؤية المشتري لكل شيء تضمنته الصفقة فأن اقتصرت رؤيته على بعضها وارتضاها ثم رأى البعض الاخر ولم يبد الرغبة في اخذه فليس له الا رد جميع الاشياء او ان يقبل بها جميعاً ويمتنع عليه اخذ ما رغب به ورد الباقي لان في ذلك تفريقاً للصفقة لعدم قابليتها للتجزئة ووجود الخيار وهذا ما تقرره الشريعة والقانون وهو ما يتفق مع مبادئ العدالة التي تأبى ان يضر البائع بسبب ذلك التصرف(2).

ونرى ان المشرع العراقي كان مصيباً فيما ذهب اليه في عدم خروجه عن الاحكام التي اتفق عليها فقهاء هذه الامة ويلاحظ ان المشرع العراقي الذي استقى احكام هذا الخيار من الشريعة الاسلامية وكان حريصاً على ان لا يخرج عن القواعد التي اقرها فقهاء المسلمين دون التقيد بمذهب معين اما المشرع اليمني فلم يختلف نهجه في هذا الموضوع عن ما ذهب المشرع العراقي اذ اعتبر رؤية من اشترى مجموعة اشياء قيميه لبعضها لا تعد كافية لتحصيل العلم بالمقصود من شراء المعقود عليه بذلك العلم الذي لا يتحقق الا برؤية ما لم يره ذلك يلزم له الخيار كما لا يجوز له ان يأخذ ما رآه ويدع الباقي لعدم الرغبة لان في ذلك تفريقاً للصفقة والقانون هنا صريح فالمشتري يكون امام خيارين اما ان يأخذ المعقود عليه بكامل الثمن او ان يرده كله ويسترد الثمن (3).

اما التقنين المدني المصري فله موقف لا يعد مختلفاً عن مواقف التقنينات السابقة فقد تضمن التقنين المصري الملغي معالجة المسألة موضوع البحث (4). فأن تكون المعقود عليه من مجموعة اشياء قيمية ولم يحدد المشتري لكل وحدة منها ثمن وانما اشترى الكل في صفقة واحدة ولم يكن شاهد الا بعض المعقود عليه فأن رأى البعض الاخر ولم يرغب به فليس له ان يقبل ما رآه ويرد الباقي هذا ما صرح به المشرع المصري في التقنين الملغي كما حضر على المشتري تجزئة المبيع اذ تجزئة الثمن وجعل له طريقاً واحداً عليه ان يسلكه فأما ان يقبل المبيع كله او يفسخ العقد بأستعمال الخيار ويرده كله وعلى الرغم من عدم النص على هذا الحكم في التقنين الحالي الا انه لا زال معمولاً به اذ ان القواعد العامة تفي بالغرض المطلوب وهذا ما اشارت اليه مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري وهو ما صرح به شراح هذا القانون في مؤلفاتهم(5). وبناءً على ذلك يبدو ان المشرع المصري في قانونه المدني لم يخرج عن احكام الشريعة الاسلامية والتي تقضي بعدم جواز تجزئة الصفقة في بيع الاشياء القيمية التي رأى المشتري بعضها ولم ير البعض الاخر

ويمكن ان نستنتج ما يلي :

ان القانونين العراقي واليمني كانا اكثر القوانين توفيقاً في ايرادهما بنصوص خاصة تحكم هذه المسألة ضمن احكام خيار الرؤية .
اتفاق هذه التقنينات على قاعدة عدم تجزئة الصفقة هذه القاعدة التي لها اهمية بالغة في هذا النوع من البيوع اذ انها تعتبر ضمانة اكيدة لعدم الاضرار بالبائع وهي بذلك تبرز اهمية هذا الحكم المستمد من الشريعة الاسلامية .

______________

1- نصت المادة (519) مدني عراقي على انه :

(1.اذا بيعت جملة اشياء متفاوتة صفقة واحدة فلا بد للزوم البيع من رؤية كل واحد منها على حده .

2. فاذا كان المشتري رأى بعضها فمتى ما رأى الباقي جاز له اخذ الجميع ولو شاء ردها جميعاً وليس له ان يأخذ ما رآه ويترك الباقي ) . وجاء في قرار غير منشور لمحكمة تمييز العراق ( لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية وقرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على الحكم المميز الصادر من محكمة استئناف بغداد بتاريخ 7/7/1998 وعدد 1444/س/98 . القاضي بتأييد الحكم البدائي المستأنف وفسخ العقد وتعديل اتعاب المحاماة وإذ انه لا وجه لدعوى وكيل المدعي بلزوم العقد المبرم في 19/9/1996 الذي اشترى بموجبه المدعى عليه مرجل غازي بمبلغ مقداره خمسة ملايين وخمسمائة الف دينار لتمام التسليم وليس للمدعى عليه المطالبة بفسخ العقد ورد المبيع بحجة عدم ملائمته للغرض الذي اشتراه من اجله وقد ثبت من القرار المذكور ان المميز عليه لم ير المبيع مع عدم ذكر ايراد اوصافه في العقد عليه وبالاستناد لنص المادة (517) والمادة (519) من القانون المدني تقرر تصديق الحكم التمييزي ورد طعن المميز مع تحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالاتفاق في 26/11/1998 ( رقم الاضبارة 774 رقم القرار 3654/ م1 منقول / 98 تاريخ 26/11/98)) .

2- د. عباس حسن الصراف ، عقدي البيع والايجار في القانون المدني العراقي ، مطبعة الاهالي ، بغداد ، 1956م – ص85 ; د. غني حسون طه الوجيز في العقود المسماة عقد البيع ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1969،1970م ، ص77 ; د. جعفر الفضلي ، الوجيز في شرح العقود المدنية البيع والايجار والمقاولة دراسة في ضوء التطور القانوني معززة بالقرارات القضائية ، دار الكتب للطباعة والنشر ، 1989م ،ص36 ; د. سعيد مبارك ، طه الملا حويش ، صاحب عبيد الفتلاوي ، الوجيز في العقود المسماة البيع والمقاولة ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، بغداد ، 1992،1993م – ص32-33 ; كمال قاسم ثروت الونداوي – شرح احكام عقد البيع – ط1 – مطبعة السلام – بغداد – سنة 1973 – ص64-65 ; د. سعدون العامري ، الوجيز في شرح العقود المسماة في البيع والايجار ، ط3 ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1974م – ص39 ; وراجع قرار محكمة تمييز العراق المرقم ( 844 /مدنية/تاريخ القرار 8/11/1981 المنشور في مجموعة الاحكام العدلية سنة 12 المجلد 4) ص42 .

3- نصت المادة (490) مدني يمني على انه ( اذا بيعت اشياء متفاوتة صفقة واحدة لزم رؤية كل واحد منها على حده فأن رأى المشتري بعضها حال الشراء او قبله على النحو المبين في المادة (484) فله الخيار عند رؤيته للبعض الاخر ان شاء اخذ الجميع بالثمن المسمى في العقد وان شاء ردها جميعاً وليس له ان يأخذ ما رآه ورضي به ويترك ما لم يكن رآه ) .

4- د. جميل الشرقاوي – شرح العقود المدنية البيع والمقايضة – دار النهضة العربية 32 – شارع عبدالخالق ثروت – بدون سنة طبع وذكر في شرح المادة 250/316 ( المادة السابقة تنظم العلم بالمبيع في البيع الجزاف أي في ذلك الذي ينصب على عدة وحدات دون ان يحدد لكل وحدة جزءً من الثمن وكانت تقضي بأنه ( اذا لم يشاهد المشتري جزافاً الا بعض المبيع وتبين انه لوراه كله لا ينبع من شرائه فليس له الا ان يتحصل على حكم بفسخ البيع بدون ان يجوز له طلب تقسيم المبيع او تقسيم ثمنه ) وهذا الحكم من الشريعة الاسلامية وما زال مأخوذاً به على الرغم من عدم النص عليه تطبيقاً للقواعد العامة ) ص48 ; د. احمد نجيب الهلالي ، شرح القانون المدني في العقود المسماة ( البيع والحوالة والمقايضة ) ، مطبعة الاعتماد ، مصر ، 1925م – ص93 ; وانظر مؤلفه مع د. احمد نجيب الهلالي ، د. حامد زكي ، شرح القانون المدني (البيع والحوالة والمقايضة ) ، ط3 ، مطبعة الفجالة الجديدة ، 1954م – ص79-80 .

5- د. سليمان مرقص ، د. محمد علي امام ، عقد البيع في التقنين المدني الجديد ، مطبعة نهضة مصر بالفجالة ، 1955م – ص161 ; د. انور سلطان ، د. جلال العدوي ، العقود المسماة عقد البيع ، دار المعارف للنشر ، بدون سنة طبع ; ذكر ( تطبيقاً لمبدأ العلم الكافي يذهب القضاء المصري الى ان عدم علم المشتري بالعجز في مساحة الارض المبيعة بمثابة عدم علم بالمبيع بالمعنى الوارد في القانون ) ص69-70 ; وانظر في الموضوع نفسه في شرح القانون الكويتي ; د. محمود جمال الدين زكي ، قانون عقد البيع في القانون المدني الكويت ، 1974،1975م – ص112 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .