الحكم بثبوت الإدانة أو بالشبهة في الفقه الإسلامي

من المعلوم أن هناك فرق بين موجبات الحدود والقصاص والتعازير في الفقه الإسلامي والحال كذلك في عقوباتها .

ومن المعلوم أن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم حرام المساس بها إلا بالحق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم :” إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام “.

ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى حد حدوداً لا يحق لنا تجاوزها قال تعالى :” تلك حدود الله فلا تعتدوها “.

ومن المعلوم أن ماوقع من جرائم الحدود أوالقصاص وتبين طريق ثبوتها وجب علينا تطبيق شرع الله وإقامة حدوده وإلا وقعنا في المحظور والاعتداء على حدود الله.

وإن ثبوت جرائم الحدود هو انتفاء أي شبهة حولها فيستحيل من حيث العقل والنقل أن يجتمع اليقين والشك أبداً في تلكم الجرائم .

والأصل اليقيني هو حرمة دماء المسلمين وإعراضهم وأموالهم وأبشارهم وهذا يقين لا يستبيحه إلا يقين مثله في الدرجة فإن راب هذا اليقين شبهة فلا يتأثر اليقين بالشبهة ولا يثبت الحد بها حفاظاً على الأصل وهو إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام .

واليقين لا يزول بالشك هي قاعدة فقهية معروفة عند علماء الفقه الإسلامي وهي فرع لقاعدة “الأصل براءة الذمة ” نتج عنها تأصيل الفقهاء لآرائهم الفقهية نذكر على سبيل المثال لا الحصر أن القاضي إذا شك في الحد أجلد أم رجم فإنه لا يحد بل ينتقل للتعزير ولو تردد بين عقوبيتين سقطتا وانتقل للتعزير بالإضافة إلى الشك في سن التكليف عند وجود موجب الحد وهكذا ….

وقاعدة درء الحدود بالشبهات المبنية على مجموع الروايات و منها ما ورد بلفظ :”أدرؤا الحدود ما استطعتم ” ومنها ما ورد بلفظ :” ادرءوا الحدود بالشبهات “ومنها ما ورد بلفظ :” ادرءوا الحدود ” ومنها ما ورد بلفظ :” ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم * فإن وجدتم للمسلم مخرجا * فخلوا سبيله * فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ” هي من القواعد التي تقرر ما أشرنا إليه وهي من القواعد العقلية البديهية ولمّا أوردها النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يؤسس بها معنىً جديداً بل يؤكد على أصلٍ وهو أن الأصل في الإنسان البراءة وأن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم حرام المساس بها إلا بالحق سواء كان الحق قد بلغ درجة اليقين أو يرتقي إلى درجة اليقين بحيث عند النظر فيه يترجح أحد الجانبين على الآخر رجحانا مطلقاً يطرح معه الجانب الآخر .

والشبهة في اللغة هي الالتباس جاء في المعجم الوسيط: “الشُبْهَةُ: الالتباس* واشتبه الأمر عليه: اختلط* واشتبه في المسألة: شكَّ في صحتها.”

ويدرأ الحد بالشبهة عندما تثير الشبهة الشك والارتياب وتكون لها قوة في اللبس معتبرة عند نظرها تكون سبباً مقبولاً لدرء الحد يتوافق مع العقل والنقل بحيث يتمسك ببقاء الأصل وأن الأصل في الإنسان البراءة وإلا حرم درء الحد بالشبهة لقول الله تعالى :” تلك حدود الله فلا تعتدوها “.

قال الشوكاني في السيل الجرار:وليست الشبهة التي أمرنا بدرء الحد عنها إلا ما كانت موجبةً للاشتباه موقعةً في اللبس * وإلا كان ذلك من إهمال الحدود التي ورد الوعيد الشديد على من لم يقمها .

فإن كانت الشبهة قوية معتبرة لدى المحكمة أخذ بها إعمالاً أن الأصل في الإنسان البراءة وما تضمنته النصوص المؤيدة لذلك وإلا امتنع الأخذ بها لما فيها من تعطيل لحدود الله سبحانة وتعالى قال تعالى :” تلك حدود الله فلا تعتدوها “وأصبحت مدخلاً لتعطيل الحدود بحيث من أراد إسقاط الحد بحث عن اقل الأسباب وقال هذه شبهة .

ثم لا سبيل لبيان الشبهة المسقطة للحد والتي تتصادم مع البراءة الأصلية إلى بقوة الشبهة واعتبارها وبيانها بالأدلة والشواهد والأمارات والدلائل والقرائن الناتجة من استنتاج سليم وقياس صحيح وإلا أصبح بيان تحديد الشبهات غير منضبط بحيث ما يقال شبهة عند هذا لا يكون شبهة عند غيره ومثل هذا لا يجوز في شرع الله سبحانه وتعالى .

فإن كانت الشبهة غير موجبة للاشتباه غير موقعة في اللبس لم يدرأ الحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب “.

فإذا كانت الشبهة الموقعة في اللبس قوية وجب أن لا يقيم الحد لأن الأصل أن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم حرام المساس بها إلا بالحق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم :” إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام “وأما إذا تبين وجوب الحد فلا يحل لا أحد أن يسقطه بشبهة غير موجبة للبس لأنه فرض من فرائض الله سبحانه وتعالى .

والشائع عند فقهاء الفقه الإسلامي أن قاعدة درء الحدود بالشبهات لا عمل لها إلا في جرائم الحدود والقصاص دون جرائم التعازير وقد صرح ابن نجيم في الأشباه والنظائر أن التعزير يثبت مع الشبهة وأكد الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر أن الشبهة لا تسقط التعزير .

ومفهوم كلام الفقهاء أن جرائم التعازير المستقلة التي لها عقوبات مستقلة ابتداء يجوز إثباتها مع وجود الشبهة والحال كذلك في التعزير عند سقوط الحد .

وبناء على ما أشير إليه أعلاه :

نقول نصت المادة (3) من نظام الإجراءات الجزائية : لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعاً أو نظاماً وبعد ثبوت إدانته بناءً على حكم نهائي بعد محاكمة تُجرى وفقاً للوجه الشرعي .

والتهمة الموجبة للمحاكمة في الدعوى الجزائية العامة درجات هي :

1- تهمة ثابتة ناتجة من دليل ثابت تنسب التهمة لمرتكبها قطعاً (100% تقريباً) .

2- تهمة قوية ناتجة من دليل قوي تنسب التهمة لمرتكبها بدرجه قوية جداً (75% فأعلى تقريباً)

3- تهمة ناتجة من دليل مقبول تنسب التهمة لمرتكبها بدرجة مقبولة (50% فأعلى تقريباً ).

4- تهمة ناتجة من قرائن وأمارات ودلائل توجه ضد متهم (30%فأعلى تقريباً ).

5- تهمة ناتجة من قرائن وأمارات ودلائل ضعيفة توجه ضد متهم (1%فأعلى تقريباً )

6- عدم التهمة قطعاً(البراءة القطعية ) (100%)

ونصت المادة (174) من نظام الإجراءات الجزائية : تسمع المحكمة دعوى المدعي العام ثم جواب المتهم* أو وكليه* أو محاميه عنها* ثم دعوى المدعي بالحق الخاص* ثم جواب المتهم* أو وكليه* أو محاميه عنها• ولكل طرف من الأطراف التعقيب على أقوال الطرف الآخر* ويكون المتهم هو آخرَ من يتكلم• وللمحكمة أن تمنع أي طرف من الاسترسال في المرافعة إذا خرج عن موضوع الدعوى* أو كرر أقواله• وبعد ذلك تصدر المحكمة حكماً بعدم إدانة المتهم* أو بإدانته وتوقيع العقوبة عليه وفي كلتا الحالتين تفصل المحكمة في الطلب المقدم من المدعي بالحق الخاص .

وبناء عليه يمكن أن يقال :

إن الحكم بثبوت الإدانة الناتجة من الأدلة الموضوعية والإقناعية عندما تكون التهمة :

1- تهمة ثابتة ناتجة من دليل ثابت ينسب التهمة لمرتكبها قطعاً (100% تقريباً) .

2- تهمة قوية ناتجة من دليل قوي ينسب التهمة لمرتكبها بدرجه قوية جداً (75% فأعلى تقريباً)

3- تهمة ناتجة من دليل مقبول تنسب التهمة لمرتكبها بدرجة مقبولة (50% فأعلى تقريباً ).

4- تهمة ناتجة من قرائن وأمارات ودلائل توجه ضد متهم (30%فأعلى تقريباً ).

وإن الحكم بعدم بثبوت الإدانة الناتجة من الأدلة الموضوعية والإقناعية عندما تكون التهمة :

1– تهمة ناتجة من قرائن وأمارات ودلائل ضعيفة توجه ضد متهم (29%فأدنى تقريبا)ً 2-عدم التهمة (البراءة القطعية ) (100%) .

النتيجة مما ذكر :

لا مشاحة في الإصطلاح بين الفقه الإسلامي والفقه النظامي