مساواة الأجور في الأعمال ذات القيمة المتساوية
مجاهد السيوحي
أحرزت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تقدما ملحوظا في تعزيز قوانين وآليات حماية موظفي منشآت القطاع الخاص وذلك من أجل ضمان بيئة عمل تمكينية لهم. ففي 18/9/1431هـ، صدر القرار الوزاري رقم (2370/1) والذي يمنع تمييز أجور العاملين عن العاملات في الأعمال ذات القيمة المتساوية. ولقد تم تعزيز هذا القرار في التنظيمات اللاحقة المتعلقة بعمل وتوظيف المرأة، بما في ذلك الإصدار الأخير للتنظيم والصادر في تاريخ 27/2/1440هـ. ولقد صدر القرار الوزاري رقم (1/1/1920) في تاريخ 3/5/1436هــ والذي يمنع التمييز بين أجور العاملين على أساس الإعاقة. وعلاوة على ذلك، فلقد نص “الدليل الاسترشادي لقواعد أخلاقيات العمل” والذي نشرته الوزارة قبل عامين على أن معاملة الموظفين على أسس العدل والمساواة تقع من ضمن مسؤوليات صاحب العمل. ويتضح من هذه القرارات حرص الوزارة على أن تقوم المنشآت بمعاملة موظيفها بشكل عادل، ومن ضمنها الممارسات المتعلقة بسياسات الأجور. وبالرغم من ضرورة تطبيق وإنفاذ القرارات الوزارية الآنفة ذكرها، إلا أن في رأيي الموضوعي أنها سوف تستغرق بعض الوقت للتنفيذ الفعال.

أود أن أبدأ هذا المقال بالأخبار التي نشرت مؤخراً في مختلف الصحف المحلية؛ حيث ألزمت المحكمة العمالية في منطقة مكة المكرمة – في سابقة تعد الأولى من نوعها والتي تصدر من محكمة عمالية ضد جهة حكومية – بزيادة الأجر الشهري لخمسة موظفين سعوديين وذلك بأثر رجعي من تاريخ الاستحقاق. ولقد تبين للموظفين بأن زميلا لهم يؤدي نفس أعمالهم ويتقاضى أجرا أعلى من أجورهم وفي مرتبة وظيفية أعلى، وذلك بالرغم من امتلاكهم لنفس المؤهلات العلمية والخبرات العملية.

على الرغم من أهمية هذا الحكم، فلقد سبق رفع قضايا تمييز الأجور إلى هيئات تسوية الخلافات العمالية في الماضي. ففي 3/12/1432هـ، حكمت الهيئة العليا لتسوية الخلافات العمالية ضد إحدى مستشفيات القطاع الخاص لعدم منحها “بدل العجز” لإحدى العمال العاملين لديها، والتي كان يحصل عليها بقية العمال في المستشفى. وذكر الحُكم على وجه التحديد بأنه كان قائما على مبدأ العدل والمساواة بين العاملين، وأن صاحب العمل ملزم بالتعامل مع موظفيه على هذا المبدأ.

يتضح من الحالتين أعلاه مدى حرص المملكة على حماية العمال من سياسات وممارسات الأجور غير العادلة. إلا أن الإنفاذ الحالي لقرارات منع تمييز الأجور بين العاملين يعتمد على أسلوب رد الفعل والقائم على قيام العامل بتقديم قضية عمالية، وليس بوجود آلية توفر حماية استباقية ووقائية للعمال من الممارسات الغير عادلة. وبعد الإطلاع على “مدونة المبادئ والقرارات العمالية” فإن القضايا العمالية التي رفعت لهيئات تسوية الخلافات العمالية والمتعلقة بتمييز الأجور عددها محدود، ومن الصعب تعقب عدد تلك القضايا حيث توقفت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عن نشر المدونة ولسنوات عدة.

لم يكن من المستغرب العثور على عدد محدود من القضايا المتعلقة بالتمييز بين أجور العاملين في أرشيف “مدونة المبادئ والقرارات العمالية” وذلك بسبب ضعف الثقافة العمالية لدينا في المملكة. ويجدر بالذكر أنه حتى بالنسبة للعاملين الذين يتمتعون بثقافة عمالية عالية ويعلمون ما لديهم من حقوق، فإنهم قد يترددون في رفع قضايا تمييز الأجور أمام المحاكم العمالية لأسباب عدة.

أولاً، أنهم سيجدون صعوبة في التوصل إلى استنتاج واضح يدل على تمييز حاصل بين أجور العاملين في منشآتهم. ثانيا، قد يعزف العمال عن رفع قضايا أمام المحاكم العمالية خوفا من انتقام صاحب العمل وما قد يترتب من ذلك على تأثيرات سلبية والتي قد تهدد المستقبل الوظيفي للعامل لدى المنشأة. وأما بالنسبة إلى القرارات الوزارية المتعلقة بمنع تمييز الأجور بين العاملين، فلم توضح الوزارة آلية تطبيق تلك القرارات لدى المنشآت.

لم توفر وزارة العمل والتنمية الاجتماعية دليلا ارشاديا يختص بكيفية تطبيق المنشآت لقرارات منع التمييز بين أجور العاملين. ويجدر بالذكر هنا أن مختلف الدول تفرق بين مفهوم “المساواة في الأجر مقابل العمل المتساوي”، ومفهوم “المساواة في الأجر مقابل العمل المتساوي القيمة”.

حيث يشير المفهوم الأول إلى وجود موظفين يعملون بنفس الوظيفة والذي يترتب على صاحب العمل بمنح هؤلاء العاملين أجورا متساوية، في حين أن الأخير سيوسع هذا المفهوم ليشمل الموظفين العاملين في وظائف مختلفة والتي تتطلب مجموعات مختلفة من المسؤوليات والمهارات والمعرفة، لكن القيمة الإجمالية لهذه الوظائف تعد متساوية.

إن عملية تحديد القيمة الوظيفية للوظائف تكون من خلال منهجيات التقييم الوظيفي والتي يقوم بها مختصوا الموارد البشرية. وفي إطار منهجية تقييم الوظائف التحليلية، فإنه عادة ما تستند القيمة الوظيفية إلى عوامل عدة بما في ذلك مستوى المهارات والجهود والمسؤوليات وظروف العمل المطلوبة من العامل لأداء الوظيفة. حيث يكون نتاج هذا التقييم قيمة رقمية مرتبطة بالمسميات الوظيفية المختلفة لدى المنشأة والتي يتم منها تحديد الأجور المناسبة لتلك الوظائف. وتشير اللغة المستخدمة في القرار الوزاري رقم (2370/1) إلى مفهوم “المساواة في الأجر مقابل العمل المتساوي القيمة” والذي يتوافق مع اتفاقية “مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية”المعتمدة من منظمة العمل الدولية والتي صادقت عليها المملكة في السبعينات الميلادية.

ويمكن تقديم مثال توضيحي يوضح مفهوم “المساواة في الأجر مقابل العمل المتساوي القيمة” للقارئ، فلو ظهرت نتائج التقييم الوظيفي لمنشأة صحية بأن القيمة الوظيفية لمساعد صيدلي تعادل القيمة الوظيفية لفني أشعة، فعلى المنشأة منح العاملين في هاتين الوظيفتين أجورا متساوية. ولا يمنع أن تكون هناك فروقات في الأجور طالما تتواجد أسباب مشروعة تفسر هذا الفارق كعدد سنوات الخبرة التي يحملها العامل أو بدلات معينة يمنحها صاحب العمل للعامل تكون منوطة بظروف العمل نفسه. ولكن في ظل غياب دليلا ارشاديا مصاحب للقرارات الوزارية المتعلقة، فسيغيب المرجع عن صاحب العمل والعامل عن ماهية الأسباب المشروعة التي تتيح لصاحب العمل التفريق بين أجور موظفيه ولو كانوا يعملون في أعمال متساوية القيمة.

ومن أجل إنفاذ القرارات الوزارية المتعلقة بعدم التمييز بين أجور الموظفين بشكل فعال، فلا شك أن كمية الإعداد اللازمة من منشآت القطاع الخاص ستكون هائلة. حيث سيتعين على المنشآت بإنشاء نظم لتقييم الوظائف، بالإضافة إلى حاجتها لتوظيف وتأهيل مختصين في عملية تقييم الوظائف وسياسات الأجور والمكافآت. وسوف يكون هذا بمثابة تغيير كبير للمنشآت المحلية والتي يُنظر إلى بنيتها التحتية للموارد البشرية فيها على أنها ضعيفة. وسيتعين كذلك على الوزارة إنشاء نظام يدقق نظم تقييم الوظائف لدى المنشآت ليتحقق من عدالتها. لذلك، فإن في رأيي الموضوعي أن تطبيق وإنفاذ القرارات الوزارية المتعلقة بعدم تمييز الأجور بين العاملين ، – بالرغم أنها ضرورية ومرغوبة على حد سواء – فإن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت لتنفيذها وتطبيقها على نحو فعال.

ولا يعني ذلك أننا يجب أن نتعايش مع الوضع الراهن. ولكن بدلاً من ذلك، فإن التنفيذ التدريجي للقرارات الوزارية وأن يكون مصحوبا بدليل ارشادي واضح هو الخيار الأمثل في الوقت الحالي. وعلى الوزارة وضع أهداف قصيرة وطويلة الأجل تهدف إلى حماية الموظفين بشكل استباقي ووقائي من ممارسات الأجور غير العادلة بدلاً من الأسلوب القائم على رد الفعل المعمول به حاليا.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت