الحق في التربية والتعليم في الدساتير الجديدة لدول المغرب وتونس ومصر

تعمل منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو سنويا غلى تقديم تقرير عالمى حول التربية والتعليم ،بعنوان التقرير العالمي للتعليم للجميع ،تصنف فيه الدول حسب ما حققته من تقدم فى نيل الأهداف الستة للتعليم للجميع و هذه الاهداف محددة بسقف زمنى ،بمؤشرات وتراعى فى نفس الوقت الوفرة والجودة فى التعليم.

وغير خاف على احد المراتب المتدنية التى يحتلها المغرب فى هذا التصنيف حيث وضعته المنظمة الاممية لسنة 2014/2013 ضمن 21 أسوأ دولة في مجال التعليم .

ولا يبدو ان هذا الوضع سيتغير فى المدى المنظور ، حتى وان كان اعتراف المنتظم الدولى بقطاع التربية والتعليم كواحد من أفضل المجالات التى يمكن للدول أن تستثمر فيها فى تزايد مطرد ،واعترافه بالحق فى التعليم ليس فقط كحق اساسي الى جانب الحقوق الاساسية الاخرى بل كحق تمكينى يسهم فى: التخلص من الفقر، تمكين المرأة من حقوقها ، وجعل الأطفال بمناى عن مخاطرالعمل وخاصة الاستغلال الجنسي، تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، حماية البيئة، وتنظيم النسل

و فى علاقة وطيدة باعمال هذا الحق بالمغرب ، تميز الدخول المدرسى لهذه السنة ، بحدثين هامين سيكون بعدهما ليس كقبلهما ،ويتعلق الامر بكل من :

– مشروع قانون اصلاح انظمة التقاعد وما له من اثار فى حال سريانه ،على الفاعل الرئيسى من مدرس بالدرجة الاولى والعامل بالقطاع بشكل عام، وما يرجح من تاثيره الاكيد على جودة التعليم

– انطلاق عملية احصاء السكان وما ستكشفه الارقام من اعداد هائلة للدين لم يتمتعوا بالحق فى التمدرس كبارا وصغارا اناثا وذكورا ،قاطنين بالمدن او القرى او منتمين لاوساط اجتماعية مختلفة…

واختيار البحث عن مكانة هدا الحق فى الدستور له ما يبرره .فالدستور هو حصيلة موازين القوى السائدة فى المجتمع فى لحظة تاريخية محددة، ويعكس القيم السائدة فيه عبر تحديد الحقوق والحريات الاساسية التى لايمكن تعديلها الا من خلال اجراءات مراجعة الدستور، وبوصفه اسمى قانون وطنى فهو يؤطر القوانين الاخرى التى تصبح لاغية فى حال مخالفتها لاحكامه ،ويسمح بالوقوف على مدى تكريس الدولة لحقوق مواطنيها وللالتزامات الدولية التى تعهدت بها

ومحاولة التعرف على هدا الحق فى دساتير المغرب تونس ومصر ،يرجع لكونها بلدان ذات قواسم جغرافية وتاريخية وهوياتية مشتركة فيما بينها ،وعرفت كلها مؤخرا حراكا اجتماعيا فى اطار ما يسمى بالربيع العربى،والدى تلته بلورة دساتير “جديدة او معدلة (سنة 2014 لتونس ومصر، وسنة 2011 بالمغرب )

فما مدى استجابة المشرع لمطلب اساسى كالحق فى التعليم ، والى اى حد استوفت هده الدساتير معايير تعليم وتربية كما يجب لها ان تكون فى دولة الحق والقانون ،وما مدى تلائمها مع ما تنص عليه الصكوك والمعاهدات الدولية لحقوق الانسان

ان قراءة وتحليل المواد الدستورية المرتبطة بالحق فى التعليم فى الدساتير الثلاث على ضوء المرجعية الكونية لحقوق الانسان وبالخصوص العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتقافية فى مادته 13 ،والتعليق العام عليه من طرف اللجنة المعنية به ،و مقارنة هده المواد مع ما نصت علية الدساتير السابقة لها ،تسمح بتسجيل الملاحظات التالية :

– من الناحية الشكلية تشترك كل الدساتير الجديدة فى تضمنها لمواد تخص الحق فى التعليم ،
وان كانت تختلف فىما بينها و مقارنة مع سابقاتها من حيث عدد المواد ومضمونها : ففى الوقت الدى افرد فيه الدستور المصرى اكبر عدد منها (من المادة 19 الى المادة 25 )، خصص الدستور التونسى مادة واحدة (الفصل38 ) ،فى الوقت الذى لم ينص عليه الدستور السابق بشكل صريح فى اى من مواده ،فيم وردت فى الدستور المغربى 3 مواد (الفصل 31 ،32،33)،و مقارنة مع دستور 1996 فقد ورد هذا الحق فى (الفصل 13) ،لكن باية مضامين؟

– من حيث المضمون

1- التنصيص على الحق فى التعليم
– التعليم حق لكل مواطن ،دلك ما ينص عليه دستور 2014 فى مصر(المادة 19) ،وتضمنه الدولة فى تونس ( الفصل38) وبالنسبة للمغرب فحق الطفل فى التعليم الاساسى هوما تم اقراره بشكل صريح فى (الفصل 32) ،عدا دلك نص الدستور فقط على تيسير الحق فى الحصول على تعليم فى سياق حقوق اقتصادية واجتماعية اخرى ( الفصل 31) ،وتيسير تمتع دوى الاعاقة بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع (الفصل 34)
ومقارنة مع دستور 1996 الدى نجد فى الفصل 13 منه بان التربية والشغل حق للمواطنين على السواء الا يمكن القول بانه تراجع عن التاصيل الدستورى لهدا الحق الاساسى

2 -المسئول اوالمطالب بالحق في التعليم
– حسب المرجعية الكونية لحقوق الانسان ،المادة 13 (2) من العهد ،فان الضامن لتنفيذ الحق بالتعليم هى الدولة ، اى انها ملزمة باحترام و حماية و تحقيق الحق في التعليم ،سواء من خلال الدستور والقوانين أو سياسات التعليم

ودستور مصر وتونس يقر بضمان الدولة لهذا الحق ،اما المسئول دستوريا فى المغرب (الفصل 31)هو “الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية،” و الاسرة فى الدرجة الاولى ثم الدولة بعد ذلك بالنسبة للتعليم الاساسى (الفصل 32) من نفس الدستور

وتختلف تفاصيل هدا الالتزام من دستور لاخر، فالدولة فى مصر تلتزم دستوريا ب:
ترجمة أهداف التعليم المعلن عنها فى الدستور ،عبر المناهج والوسائل، وتوفير التعليم وفقاً لمعايير الجودة العالمية.
كفالة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون.
تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم العمومى ،الجامعى ،الجامعى الاهلى والبحث العلمى
كفالة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلى وإسهام المصريين فى الخارج فى نهضة البحث العلمى.
ضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية للدولة .
تشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى …بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.
كفالة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وتطويره
تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التى لا تستهدف الربح،…وإعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين
كفالة تنمية الكفاءات العلمية، لرجال التعليم ومهاراتهم المهنية، رعاية حقوقهم المادية والأدبية
كفالة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، ورعاىة الباحثين والمخترعين،.
وضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين فى جميع الأعمار، وضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدنى، وذلك وفق خطة زمنية محددة..

4-المجانية و موارد التعليم المالية
تنص فقرات المادة 13 (2) من العهد على مجانية التعليم الابتدائى( الفقرة ا)،والأخذ تدريجيا بمجانية التعليم العالى ( الفقرة ج)،والتعليم الثانوي بما فيه التقني والمهني( الفقرة ب)،، وإنشاء نظام منح واف بالغرض من التعليم (الفقرة ه).

وقد كفلت الدولة فى تونس ومصر مجانية التعليم فى دستوريهما فى مختلف مراحل التعليم العمومى، دون شرط بالنسبة لتونس ووفقا لاحكام القانون فى مصر

ودهب المشرع المصرى ابعد من دلك حين تحديده دستوريا لنسبة الإنفاق الحكومى للتعليم من الناتج القومى الإجمالى ،وتاكيده على تصاعدها التدريجي حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وجعلها لا تقل عن 4%للتعليم ما قبل الجامعى ( المادة 19) ، و عن 2% للتعليم الجامعى (المادة 20) ،وعن 1%البحث العلمى (المادة 23) ،كما نص على تخصيص نسبة لتطوير العملية التعليمية والبحثية ( المادة 21) وعلى تكفل الدولة بسبل مساهمة القطاعين الخاص والأهلى وإسهام المصريين فى الخارج من اجل نهضة البحث العلمى( المادة 23) وحددت ميزانية السنة المالية 2016-2017 كموعد للالتزام بمعدل الانفاق كاملا على التعليم والصحة والبحث العلمى المادة (238)

بينما لم ينص دستور مصر 2012 السابق على أى نسبة للإنفاق على التعليم، سواء الجامعي أو ما قبله، أو على البحث العلمي.
وفى المغرب فان استفادة المواطنات والمواطنين من الحق فى التعليم مرهون بجهود الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، فى تعبئة كل الوسائل المتاحة (الفصل 31)،وبالنسبة للتعليم الأساسي الطفل فهو واجب على الأسرة بالدرجة الاولى والدولة فى الدرجة الثانية (الفصل 32).

وبلسان الحال نتساءل : عن اية اسرة تتحدثون ،والى اى تدهور انتم منصرفون ’

5- الزامية التعليم
التعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها فى الدستور المصرى (المادة 19)فى الوقت الدى كان فيه مقتصرا على المرحلة الإعدادية فى دستور 2012
وفى تونس فهو ايضا الزامى فى الدستور حتى سن السادسة عشرة (الفصل 38 )
لاينص الدستور المغربى بشكل صريح على الزامية التعليم، ومن خلال ما ذكر حول مصادر موارده المالية ،هل من حقنا ان نستنتج انه غير الزامى فى حالة استحالة تعبئة الموارد اوفى حالة عدم اتاحتها(الفصل 31)

6- جودة التعليم
وردت عبارة وفقا لمعايير الجودة العالمية اربع مرات فى 3 مواد خاصة بالحق فى التعليم فى الدستور المصرى حيث ان الدولة تضمن التزامها بمعايير الجودة العالمية فيما يخص :
توفير التعليم( مادة 19) ،وتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره، والتوسع فى أنواعه كافة، (المادة 20) مع مراعاة ربطه بسوق الشغل ، واستقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي(المادة 21) الجامعات الخاصة والأهلية (المادة 21) ،كما اشارت فى المادة 22 الى رجال التعليم كفاعل اساسي لضمان جودة التعليم

اما الدساتير الاخرى فلم تمعن فى التفاصيل ونصت فى صيغة عامة على :
سعى الدولة لتوفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التربية والتعليم والتكوين (الفصل 38) من الدستور التونسي
عمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تيسير الاستفادة من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة فى الدستور المغربى (الفصل 31)

– الحق في حرية التعليم

توصى المادة 13 (3) من العهد الدولى باحترام حرية الآباء والأوصياء في:
– تأمين تربية أولادهم دينياً وخلقياً وفقاً لقناعاتهم الخاصة وباحترام حرية الرأي والضمير والتعبير. بل وبالنسبة للتعليم العام الذي يشمل تعليماً لدين أو معتقد معين،فان اللجنة الاممية المعنية تعتبره غير متسق مع المادة 13(3) ما لم ينص على إعفاءات أو بدائل غير تمييزية يمكن أن تلائم رغبات الآباء والأوصياء.
– اختيار مدارس أخرى غير المدارس العامة لأطفالهم، شريطة التزام هذه المدارس “بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة”.
وبهذا الخصوص يختلف الدستور المصرى عن مماثليه المغربى والتونسي ،فى اعتباره التربية الدينية ، دون الاشارة لدين بعينه ، من المواد الاساسية فى التعليم قبل الجامعى الحكومى والخاص (المادة 24 ) فيم تعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق ..
اما دستور تونس فقد اقر فى صيغة عامة فى المادة 38 عمل الدولة على تجذير الناشئة في هويتها العربية الإسلامية
وذهب دستور 2011 بالمغرب فى صيغة عامة ايضا ،الى تيسير الحق في التنشئة على التشبث بالثوابت الوطنية ألراسخة ( الفصل 31) و التى يعتبر الاسلام ركنا منها
اما بالنسبة للحرية في اختيار مدارس خاصة ،فالدولة فى مصر ، تضمن التزام جميع المدارس والمعاهد بما فيها الخاصة،بالسياسات التعليمية لها (المادة 19) بجودة التعليم بمعايير عالمية ، وبإعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين، ( المادة 21) كما تكفل سبل المساهمة الفعالة للقطاع الخاص الى جانب الأهلى وإسهام المصريين فى الخارج فى نهضة البحث العلمى (المادة 23)

ا نفرد التشريع المصرى وحده بالتنصيص الدستورى على مواضيع بعينها وهى كالتالى :

-الاهداف من التعليم
1- اكدت المرجعية الكونية لحقوق الانسان على توجيه الاهداف من التعليم نحو:
“الإحساىس بكرامة” الشخصية الإنسانية، “تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر”،
تشجيع التفاهم بين جميع الفئات “الإثنية” وكذلك الأمم والمجموعات العرقية والدينية.
المساواة بين الجنسين واحترام البيئة.
وقد حدد الدستور مجموعة من الاهداف فى (المادة 19) والتزمت الدولة بمراعاتها فى المناهج التعليمية ، وان كان لم يشر لا الى المساواة بين الجنسين و لا احترام البيئة كاهداف من التعليم

– موارد التعليم البشرية
ضمانا للممارسة التامة للحق فى التعليم تنص المرجعية الكونية لحقوق الانسان فى الفقرة ه من المادة 13(2) من العهد على مواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس.
وقد انفرد رجال التعليم بالاشارة اليهم فى مادة من مواد اسمى قانون فى البلاد فى مصر (المادة 22) حيث تم نعتهم بالركيزة الأساسية للتعليم، وضمنت الدولة التكفل بتنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، وهوما يعتبر بالفعل من ضمانات جودة التعليم وتحقيق أهدافه ،ويفهم منها اشادة واعتراف بدور المعلم

-الحق في التربية الأساسية
تنص الفقرة(د) من المادة 13 (2) من العهد على التربية الأساسية للذين لم يتلقوا او لم يستكملوا تعليمهم الابتدائى وهو ما يصطلح عليه ب محو الامية وعلى ضرورة وضع مناهج دراسية وأنظمة لتوفير التعليم تكون مناسبة لجميع الأعمار
لم يقف الدستور المصرى عند الالتزام بوضع خطة شاملة ومحددة زمنيا مع اشراك مؤسسات المجتمع المدنى فى وضع آليات التنفيذ من اجل محو الامية الابجدية بين المواطنين فى جميع الأعمار فحسب ، بل نص ايضا على الامية الرقمية (المادة 25)

– التعليم العالى
حسب الفقرة ج) من المادة 13 (2) من العهد ، فالتعليم العالى لا ينبغى ان يكون متاحا للجميع على قدم المساواة فقط، وانما خصوصا تبعا لكفاءة الاشخاص ،وهى التى يجب تقديرها بالرجوع إلى كل ما لديهم من خبرة وتجربة فيما يتصل بذلك.
و الدستور فى مصر يلزم الدولة بكفالة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، توفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، العمل على تطوير ه وضمان مجانيته فى جامعات الدولة ومعاهدها، وفقا للقانون (مادة 21.) و بالإنفاق عليه بنسبة لاتقل عن 2% من الناتج القومى الإجمالى، تكون متصاعدة تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية
كما تعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التى لا تستهدف الربح، وتلتزم بضمان جودة التعليم بمعايير جودة عالمية فيها وفى الجامعات الخاصة ، وإعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين، وتخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية.

البحث العلمى
تكفل الدولة حريته وتشجع مؤسساته، وتعتبره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتنفق عليه الحكومى تصاعديا حتى بلوغ المعدلات العالمية. وتبحث عن مساهمة القطاعين الخاص والأهلى وإسهام المصريين فى الخارج فى نهضته (المادة 23)

إعادة نشر بواسطة محاماة نت