الحفاظ على حقوق الانسان في السلامة الجسدية

حق الإنسان في السلامة الجسدية

مقال للدكتور عبد الله الواكد ( رحمه الله )
مدرس القانون الدولي / جامعة الزرقاء الخاصه
المصدر : موقع سلامتي الالكتروني
تاريخ النشر : 31/5/2010

منذ القدم وفي كافة العصور كان حق الإنسان في السلامة الجسدية وعدم التعرض للتعذيب محل انتهاك دائم، ففي الحضارات القديمه كان الرق شائعاً بل كان يعد من الدعائم الاقتصادية المهمة في المجتمع، والرقيق لايتمتع بأي حقوق ويعتدى عليه بالضرب والإيذاء ويكلف بالقيام بأعمال شاقه، كما أن كثرة الحروب والغزوات أدتا الى سبي أعداد كبيره من بني البشر الذين كان ينكل بهم ويعذبون بطرق وحشية كانت من أكثر مظاهر انتهاك الحق في السلامة الجسدية شيوعاً•
كما أن المتهم كان ينتزع منه اعترافه بالتعذيب وسائر طرق المعاملة اللاإنسانية، ولم تكن توجد أي ضمانات للإنسان في عدم الاعتداء على جسده وعدم تعرضه للتعذيب•

بمجيء الإسلام نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن التعذيب بقوله (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) مر هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام . قد أقيموا في الشمس . فقال : ما شأنهم ؟ قالوا : حبسوا في الجزية . فقال هشام : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا ” الراوي: عروة بن الزبير المحدث: مسلم

فالتعذيب والمعاملة القاسية أواللاإنسانية ممنوع في الإسلام، فهذه الأفعال تتنافى مع الكرامة الإنسانية التي كرست لها الشريعة الإسلامية اهتماماً كبيراً، فمن مظاهر الكرامة أن يعيش الإنسان في مجتمعه موفور الكرامة مصون المنزلة، ويجب عدم إيذائه بالقول والخطاب واليد والمعاملة، بل إن الإسلام أوجب الجهاد في نصرة المستضعفين المعتدى على حريتهم وحقوقهم من أجل رفع الظلم وإنصافهم، ويؤكد فقهاء الشريعه عدم جواز تعذيب المتهم أو إساءة معاملته، فالشارع نهى عن التعذيب والمثلة ولو كانت في الكلب العقور•

الأمم المتحده ووكالاتها المتخصصة أبدت اهتماماً بالغاً في مسألة تأمين الحماية الكافية لجميع الأشخاص من التعرض للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسيه أو اللاإنسانيه، فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول المواثيق الدولية التي أنكرت هذا السلوك، فالمادة الخامسه من الإعلان نصت على أنه (لايجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينه)، كما أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية كرر في مادته السابعة ماجاء في الإعلان، وأضاف عدم جواز إخضاع أي شخص للتجارب الطبية والعلمية دون رضائه، أيضاً الاتفاقية الدولية للقضاء على جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها حرمت التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية واعتبرت الاتفاقية التكميلية بشأن إلغاء الرق أن عملية قطع جزء من جسم الإنسان أو وسم الرقيق بعلامات مميزه، تعتبر جريمة وفقاً لجميع قوانين الدول الأطراف في المعاهدة ومهما كانت الطريقة المتبعة في ذلك•

الجمعية العامه لهيئة الأمم المتحده أصدرت عام 1975 إعلانا خاصاً بالتعذيب سمي بإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وهو الذي أكد على عدة مبادىء مهمة هي:
1 – اعتبار التعذيب شكلاً متعمداًمن أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة•
2 – التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية هو امتهان للكرامة الإنسانية•
3 – لايجوز لأي دوله أن تسمح بالتعذيب أوغيره من ضروب المعاملة أوالعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامه وأن تتسامح فيه•
4 – لايجوز التذرع بالحالات الطارئه كذريعة لتبرير التعذيب•
5 – على كل دوله أن تكفل استجواب الأشخاص ومعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في الحجز بحيث لايتعرضون للتعذيب•
6 – على كل دولة أن تضمن قانونها الجنائي نصوصاً تجرم ممارسة التعذيب والاشتراك به أو التواطؤ عليه أو التحريض عليه أو محاولة ارتكابه•

وقد أثمرت جهود الأمم المتحدة الرامية الى صيانة حق الإنسان في السلامة الجسدية وعدم التعرض للتعذيب إلى إقرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة لاتفاقية منع التعذيب في عام 1984 التي دخلت حيز التنفيذ عام 1987، والتي أكدت على مبادئ الإعلان السابقة وأضافت إليها الكثير من الأحكام التي تمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أواللاإنسانيه أو المهينة•

وقد أنشئت بموجب أحكام الاتفاقيه لجنة خاصه لمناهضة التعذيب تتألف من عشرة خبراء على مستوىً أخلاقي عالٍ ومشهود لهم بالكفاءة في ميدان حقوق الإنسان، ومهمة هذه اللجنه مراقبة تطبيق الدول الأطراف لبنود الاتفاقيه وتسجيل انتهاكاتهم والعمل على تسويتها، كما تقوم برفع تقرير سنوي عن أعمالها إلى الجمعية العامه لهيئة الأمم المتحده، كما أقرت الهيئة عدة مواثيق دولية أخرى وتهدف الى إضفاء المزيد من الحماية لهذا الحق• على الصعيد الوطني اهتمت الدول المختلفة وبمقادير متفاوتة بحق كل إنسان في السلامة الجسدية وعدم التعرض للتعذيب، فمعظم الدساتير تضمنت مواد تنص على أن الحرية الشخصية مصونة، فكل تعرض لهذه الحرية وتعد على أي شخص في نفسه ممنوع بنص الدستور، كما أن القوانين الجزائية الوطنيه فصلت في موادها العقوبات المختلفة التي توقع على كل من يعتدي على حق أي إنسان في سلامته الجسدية، وتتراوح العقوبة من حيث الشدة بحسب حجم هذا الاعتداء وآثاره على الشخص المعتدى عليه•