دراسة وبحث قانوني قيم عن الحرية النقابية بين مدونة الشغل والاتفاقيات الدولية

مقدمة:

– النقابة تجمع منظم يربط بين أعضاء المهنة الواحدة، من أجل تمثيل المهنة والدفاع عن المصالح المشتركة لأعضائها، وهم الأجزاء الذين يكونون النقابة بانخراطهم فيها[[1]]url:#_ftn1 .
وقد ظهرت التكتلات العمالية والتجمعات النقابية. ونمت إبان الثورة الصناعية في ابريطانيا، ثم في بلدان غرب أوربا في وقت كانت فيه نظرية الحرية والفردية في الاقتصاد في قمة نشاطها[[2]]url:#_ftn2 وبمرور الزمن اندثرت فيه هذه النظرية، وعلا صوت الحرية النقابية وحقوق الإنسان ونمت عفوية أغلب النقابات العمالية في كثير من الدول وقدر لها أن تدعم صفوفها في مواجهة ظروف الصناعة الحديثة، ومع هذا التطور الحاسم في الأوضاع النقابية ذاتها اختفت المعالم البارزة للنظرية القديمة للنقابات ولم نعد نسمع منظمات معوقة للإنتاج[[3]]url:#_ftn3 ، ترسخت مبادئ الحرية النقابية، واعترفت بها كل التشريعات والاتفاقيات الدولية، وقد أصبح مؤكد عليه اليوم أن لهذه النقابات دور في الإنتاج، ودور في ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان.وغدت الحرية النقابية حق أساسي وشرط لازم لفعالية العمل النقابي نفسه[[4]]url:#_ftn4 .
وفي المغرب يلاحظ أنه في عهد الحماية لم يكن يعترف بالحق النقابي للمغاربة[[5]]url:#_ftn5 .
والأكثر من ذلك فقد عمدت سلطات الحماية إلى إصدار قانون سنة 1938 لمعاقبة الأجراء المغاربة الدين ينضمون إلى النقابات والسبب هو التخوف من تكتل الأجراء في النقابات وبالتالي تعزيز صفوف المقاومة الوطنية[[6]]url:#_ftn6 .
وفي نهاية الحماية فإن ظهير 12 شتنبر 1955 وعمل على تمتيع المغاربة بالحق النقابي.
ونظرا لأهمية النقابة، التي تعتبر إطارا هاما لتنظيم الأطراف الاجتماعية والدفاع عن مصالحهم وخصوصا فيما يتعلق بفئة الأجراء، التي تشكل الجانب الضعيف في علاقة الشغل، ومظهرا من مظاهر تطبيق الديمقراطية في المؤسسة خاصة أولت التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية عناية لائقة للاعتراف بالحرية النقابية، لذلك نتسائل عن موقع الحرية النقابية في مدونة الشغل وكذا في الاتفاقيات الدولية

– لا بد من الاحترام الكلي للحرية النقابية، بكل من مظهريها الفردي والجماعي
– المبادئ والضمانات الهادفة الى إقرار وحماية ودعم الحرية النقابية بكل مظاهرها.
– المستوى الجماعي: ضمان حرية تكوين النقابة ووضع نظامها الأساسي، مجرد الإعلام.
حرية النقابة في اختيار قياديها، في المفاوضات الجماعية والاستقلالية في ممارسة نشاطها. (ص 397)
– حماية الأجراء الأعضاء في النقابة: من التمييز وإلا المراد حرية الانضمام، عدم الانضمام.

الفصل الأول: مظاهر الاعتراف بالحق النقابي بين مدونة الشغل والاتفاقيات الدولية

كما سبق أن رأينا، في مقدمة هذا البحث كانت ممارسة العمل النقابي محظورة، فلم تكريسها تدركيا، إلى أن أصبحت حقا من حقوق الإنسان معترفا بها قانونا سواء من ناحية حرية إنشاء وتأسيس النقابات (المبحث الأول) أو من ناحية حرية الانتماء النقابي (المبحث الثاني) وهو ما نسعى له تباعا انطلاقا من مدونة الشغل والاتفاقيات الدولية.

المبحث الأول: حرية إنشاء النقابة حسب مدونة الشغل والاتفاقيات الدولية

سوف نتطرق في هذا المبحث إلى حرية إنشاء وتأسيس النقابة حسب مدونة الشغل (الفرع الأول) وكذلك وفقا لما جاءت به الاتفاقيات الدولية (الفصل الثاني) وذلك حتى تتمكن من مقارنة

الفرع الأول: حرية إنشاء النقابة حسب مدونة الشغل:

قبل التطرق إلى مسألة حرية إنشاء النقابة حسب مدونة الشغل لا بأس أن نشير إلى أن أول نص تشريعي سمح بإنشاء النقابات المهنية بالمغرب صدر بموجب ظهير 24 دجنبر 1936 لكن عيبه يكمن في ضيق نطاقه الشخصي إذا كان محصورا على الأروبيين فيحق لهم هم فقط إنشاء النقابات، وقد تم تعزيز منع المغاربة من تأسيس النقابات بإصدار ظهير 24 يونيو 1938 المنظم للعقوبات الزجرية الموقعة على كل مخالف لمبدأ المنع في ممارسة الحق النقابي بالنسبة للمغاربة[[7]]url:#_ftn7 .
وقد تم إلغاء ظهير يونيو 1936 بعدما أعلن محمد الخامس على ضرورة الاعتراف بتأسيس النقابات بالنسبة للعمال المغاربة، بموجب ظهير 20 يونيو 1950، وقد تأسست أول مركزية نقابية حرة فعلية بالدار البيضاء تحت اسم الاتحاد المغربي للشغل بتاريخ 20 مارس 1953[[8]]url:#_ftn8 ولم يتم الاعتراف بها بصورة شرعية إلا بصدور ظهير 12 شتنبر 1995، الذي أشار إلى حق الانخراط في النقابات القائمة فعلا دون الاشارة إلى حق التأسيس، إلى أن جاء ظهير 16 يوليوز 1957، وتم الحق النقابي وضمنه في شموليته…

وقد جاءت مدونة الشغل[[9]]url:#_ftn9 لتؤكد على حرية أنشاء النقابات والإقرار لحق التنظيم النقابي أولا في تصديرها وديباجتها وكذا من خلال المواد من 396 الى 429 في الكتاب التالي بعنوان، النقابات المعنية، ولاسيما المادة 398، وهكذا فمن أهم مظاهر الاعتراف بالحرية النقابية، يمكن للنقابة أن تتأسس بكامل الحرية وبدون استلزام الحصول على ترخيص مسبق من السلطة الإدارية وبدون أي تدخل منها وإلا عد ذلك خرقا لنبدأ الحرية النقابية فالحرية في تكوين النقابات تشكل المظهر الصريح والرئيسي للحرية النقابية على مستوى العلاقة بين التنظيمات النقابية والسلطة العمومية فهي الضامن لاستقلال النقابة عن السلطة الإدارية وقت تأسيسها سواء تعلق الأمر بنقابات العمال أو أصحاب الأعمال أو الاتحادات النقابية لهؤلاء وأولئك[[10]]url:#_ftn10 .

وهكذا جاء بالمادة (398) من مدونة الشغل ما يلي “يمكن تأسيس النقابات المهنية لكل حرية. بغض النظر عن عدد الأجراء المشتغلين بالمقاولة أو بالمؤسسة من طرف أشخاص يتعاطون مهنة أو حرفة واحدة، أو مهنا أو حرفا يشبه بعضها بعضا، أو مرتبطة بعضها ببعض، ومعدة لصنع منتوجات أو تقديم خدمات معينة، وفق الشروط المنصوص عليها فيها هذا القانون وإذا كان المشرع المغربي قد حدد شروطا معينة لتأسيس النقابات المعنية في الباب الثالث من مدونة الشغل، فإن هاته الإجراءات يجب أن لا تخرج عن خدمة النقابة كشخص معنوي لا المساس بحرية التأسيس كتعبير أولي عن الحرية النقابية.

الفرع الثاني: حرية إنشاء النقابات حسب الاتفاقيات الدولية:

إن الاعتراف بالحق في تشكيل النقابة لم يكن حكرا على التشريعات الوطنية، كما هو الأمر بالنسبة لمدونة الشغل بل كفلته حتى المواثيق والاتفاقيات الدولية، مما يدل على أن الحرية النقابية تعتبر من الحقوق الانسانية لا يملك أحد تجريد الانسان منها، ولا يجوز للتشريع أن يغتات عليها، فالاعتراف الدولي إذن بحرية إنشاء النقابات تجسيد في وثائق دولية عديدة، من أهمها:
الفاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة في ديسمبر1948 وقد تضمن هذا الإعلان فقرة موجزة، ولكنها محكمة، عن حرية إنشاء النقابات، هي الفقرة 4 من المادة 23 التي تنص على أنه “لكل شخص الحق في أن ينشئ، وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته” وعلى إيجاز الفقرة، فإنها تنص على الحق في إنشاء النقابات، وليس مجرد الانضمام إليها، وأهمية ذلك يعرفها كل من يدرس النظم الشمولية التي تحتكر الدولة فيها حق إنشاء النقابات[[11]]url:#_ftn11 وهو ما تلافته مدونة الشغل كما رأينا وكان قرارا صادرا عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1947 قد تضمن الاعتراف بحق تأسيس النقابات بشكل لا يمكن التنازل عنه، وقد جاء في هذا القرار ما يلي:

“الجمعية العامة: ترى أن حق النقابات في الحرية النقابية، الذي لا يمكن التنازل عنه في ذلك شأن الضمانات الاجتماعية الأخرى، هو أساس لتحسين مستوى معيشة العمال ورفاهيتهم الاقتصادية…”.

وهو نفس الأمر الذي أكدته الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وضعته، الأمم المتحدة سنة 1955. ففي المادة (8) من هذه الاتفاقية جاء ما يلي:
(1) تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بأن تكفل.
أ- حق كل فرد في تشكيل النقابات… في حدود ما تعرضه قواعد التنظيم المعني…
ب- حق النقابات في تشكيل اتحادات قومية أو فدرالية، وحق هذه الأخيرة في تكوين منظمات نقابية دولية والانضمام اليها….
وكذلك فعلت المادة (22) من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية التي وضعتها الأمم المتحدة سنة 1955. ومما جاء في هذه المادة التي تنص على ما يلي: “لكل فرد الحق في حرية المشاركة مع الآخرين، بما في ذلك تشكيل النقابات…
لا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق، غير تلك المنصوص عليها في القانون والتي تستوجبها – في مجتمع ديمقراطي – مصلحة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم…”
وقد تضمنت أيضا الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز العنصري التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1965 في المادة (5) ما يشير إلى الحق في تكوين النقابات ونفس الأمر جاء بالمادة (20) من أركان التقدم والتنمية الذي أجازته الجمعية العامة للام المتحدة 1969 إجاء أشارت المادة المذكورة إلى الحرية الديمقراطية للنقابات وحرية التجمع لكل العمال.

كما أن الميثاق الاجتماعي الأروبي المنعقد عام 1961 أشار في مادته إلى الحق في التنظيم النقابي وشدد على أن لا يكون القانون القومي للإطراف المتعاقدة. يشكل يمس هذا الحق وتنص المادة (11) من الميثاق الأوربي لحقوق الإنسان على الحق وحرية الاجتماع وحرية تكوين الجمعيات بما في ذلك تكوين النقابات…

أما عن اتفاقية منظمة العمل الدولية[[12]]url:#_ftn12 رقم 87 1948 أشارت بشكل صريح في المادة (2) إلى حق العمال وأصحاب الأعمال بدون تمييز في تكوين المنظمات التي يختارونها بأنفسهم، دون حاجة إلى إذن سابق، ودون الخضوع الا لقواعد هذه المنظمات فحسب، ونفس الأمر تضمنته اتفاقية العمل الدولية رقم 98 لسنة 49 عن حماية حق التنظيم والمقاومة الجماعية.
وبشكل اكثر صراحة وضعت منظمة العمل العربية، رقم 3 لسنة 77 عن الحريات والحقوق النقابية، والتي تعد نظيرة لمنظمة العمل الدولية اتفاقية عن الحريات والحقوق النقابية والحق في تكوين وتشكيل منظمات دون إذن مسبق، للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، المادة (1) أما المادة (2) من نفس الاتفاقية فقد أشارت إلى التسهيلات اللازمة من أجل ضمان حرية التكوين النقابي كإيداع أوراق التكوين لدى الجهة المختصة.

نستنتج إذن، أن سواء مدونة الشغل أو الاتفاقيات الدولية لم تكتف بالاعتراف بالحق في تشكيل النقابات، وإنما وضعت مجموعة من الضمانات التي تكفل لكل إنسان الحق في تشكيل النقابات ووضع إجراءات تشكيل تمس بالحق كعدم الحاجة إلى ترخيص وعدم جواز تقييد الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للنقابات (مادة 7 من الاتفاقية 78 لعام 1948).

فإذا أريد تحقيق الحرية النقابية في الجانب الإنشائي التي هي أصل تقدم القوى العاملة، فيجب إلغاء كل القوانين النقابية وترك قرار التنظيم والتكوين وما إلى ذلك للعمال والمهنيين أنفسهم –أصحاب النقابة- وهذا المبدأ الذي نصت عليه اتفاقية الحرية النقابية لمنظمة العمل الدولية (الاتفاق 87 لسنة 48) كما سبق الذكر، كما توجب المواد التي تلي ذلك عدم تدخل السلطات أو أصحاب الأعمال في تفاصيل التكوين والتنظيم النقابي كما تحرم الحل الإداري للنقابات وتعطيها حق الانضمام إلى اتحادات دولية أو غير دولية.

المبحث الثاني: حرية الانتماء النقابي فمدونة الشغل والاتفاقيات الدولية

إن الاعتراف بحق التنظيم أو التكوين النقابي، غير كافي لممارسة النقابات الهداف التي تشكلت من أجلها، وإنما كان لابد من تقرير الانتماء أو الانتساب أو الانضمام النقابي بين أعضاء المهنة الواحدة والتجمع النقابي الذي يهمهم أو بين هذا الأخير وغيره من التجمعات معلوم أن النقابات تعتمد بصفة أساسية على العنصر البشري في قوتها وتوسعها وتحقيقها لغاياتها دفاعا عن مصالح الطبقة العمالية هذه الطبقة التي تتشكل من أفراد بوسعهم حقهم النقابي الذي خوله لهم القانون، لذلك من حق كل فرد الانتماء إلى أي نقابة من النقابات والانخراط فيها، رغبة في تحصين مصالحه ودفاعا عنها (الفرع الأول) كما أنه لكل فرد حرية الانسحاب من أي نقابة او عدم ممارسة حقه النقابي بالمرة، (الفرع الثاني).
سوف نتطرق إلى هذا وذاك وفقا لما جاءت به مدونة الشغل أو أشارت اليه الاتفاقيات الدولية.

الفرع الأول: حرية الأفراد في الانضمام إلى النقابة.

العمل النقابي يحكمه مبدأ الحرية النقابية، لذلك يملك كل أجير حق الانخراط في العمل النقابي عن طريق انضمامه إلى إحدى النقابات كما وقع عليها اختياره، فهو حق له لا يمكن لأحد أن يجادله فيه[[13]]url:#_ftn13 ، وقد عملت التشريعات المقارنة والاتفاقيات الدولية على كفالة حرية الانضمام إلى التجمعات النقابية لكل الأفراد الذين يمارسون نشاطا مهنيا معينا وهو ما أكدته مدونة الشغل، ففي الفقرة الثانية من المادة 398 من المدونة جاء ما يلي: “يمكن للمشغلين والأجراء أن ينخرطوا بحرية في النقابات المهنية التي وقع عليها اختيارهم”.
كما يمكن للنقابات المهنية أن تتكتل، وتتشاور فيما بينها بكل حرية، لتدارس مصالحها المشتركة والدفاع عنها، كما يمكن لها، أن تنخرط في منظمات نقابية دولية للأجراء أو للمشغلين وهذا ما أكدته كل من المادتين (399) و(400) من مدونة الشغل. ويعتبر شرط الاتحاد أو التشابه أو الارتباط بمهنة أو حرفة معينة، هو الشرط الوحيد اللازم لممارسة حق الانخراط النقابي قياسا إلى ما جاء في الفقرة الأولى من المادة (398) من مدونة الشغل، التي أشارت الى أن حرية وحق تأسيس النقابات المهنية يكون من طرف أشخاص يتعاطون حرفة او مهنة واحدة أو مهنا أو حرفا متشابهة أو مرتبطة ببعضها[[14]]url:#_ftn14 .
وبالرجوع إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الحرية النقابية نجدها تدافع عن نفس المبدأ وتكفل حرية الانتماء أو الانضمام إلى النقابات.

فالاتفاقية رقم (87) الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق كما اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في يوليوز 1948، تنص في بابها المعنوي بالحرية النقابية على حق العمال وأصحاب العمل في الانضمام الا المنظمات النقابية ودون أي ترخيص مسبق من طرف أي جهة معينة، وذلك حسب المادة (2) من الاتفاقية، كما كفلت نفس الاتفاقية لمنظمات العمال وأصحاب العمل حق الانضمام الا الاتحادات العمالية وحق الانتساب إلى منظمات دولية للعمال وأصحاب العمل وذلك في المادة (5) منها.

فلا يجوز إذن فرض قيود على حق الانضمام أو الانتساب إلى النقابات المهنية سوى تلك المنصوص عليها في منظمة العمل الدولية والمواثيق الدولية ذات العلاقة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948 ينص على حق الأفراد في الانضمام إلى النقابات، وقد وضعت اتفاقية العمل الدولية رقم (98) لعام 1949 بعض الضمانات لكفالة الحق في الانتساب للنقابات بكل حرية[[15]]url:#_ftn15 .
فمن حق كل فرد إذن الانضمام إلى ما يختاره من نقابات، وذلك في حدود ما تفرضه قواعد التنظيم المعنى، وقد حثت الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وضعتها الأمم المتحدة سنة 1955، الدول الأطراف فيها بأن تكفل وتحفظ هذا الحق[[16]]url:#_ftn16 ومثلها فعلت الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية التي وضعتها الأمم المتحدة سنة 1955[[17]]url:#_ftn17 وكذلك الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز العنصري التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1965[[18]]url:#_ftn18 والميثاق الأوربي لحقوق الإنسان أعطى بدوره الحق لكل الأفراد في تكوين النقابات والانضمام إليها وذلك في المادة 11 منه.
نلاحظ إذن أن مدونة….

الفرع الثاني: حرية الأفراد في عدم الانتماء النقابي

إذا كانت حرية الأجير في الانضمام إلى النقابة تحمي النقابيين[[19]]url:#_ftn19 فإن حرية الأجير في عدم الانتماء النقابي تحمي غير النقابيين، فعلى غرار حرية الأفراد في اختيار أي تجمع نقابي والانخراط فيه، فإنهم يملكون حق اختيار عدم ممارسة الانتماء النقابي[[20]]url:#_ftn20 فليس هناك أي مقتضى في مدونة الشغل أو الاتفاقيات الدولية برغم جميع الأجراء في الانخراط أو الانضمام إلى أي نقابة إلا برضاهم وهو ما يستتبع من الفقرة الأخيرة من المادة (398) من مدونة الشغل، وذلك بمفهوم المخالفة، التي تقول “يمكن للمشغلين والأجراء أن ينخرطوا بحرية في النقابة المهنية التي وقع عليها اختيارهم”.
فإمكانية الانخراط إذن تقابلها إمكانية عدم الانخراط في أي تجمع نقابي والحرية النقابية، المنصوص عليها، مفادها ترك الاختيار للأجراء لتفسير مدى حاجتهم للانتماء النقابي من عدمه كل حسب رؤيته وأفكاره، فمن الأجراء من لا يرغب في الانتماء النقابي[[21]]url:#_ftn21 والمشرع يضمن لهم هذا الحق، فلا يجوز طرد عامل من عمله بسبب أنه لا ينتمي إلى أية نقابة أصلا أو الاحتفاظ بالأجراء المنتمين إلى نقابات معينة دون غيرهم دكلها مقتضيات مكنتبة بمفهوم المخالفة عن حرية الأجراء في الانخراط النقابي المنصوص عليه بمدونة الشغل بمقتضى الفصل (398)، ونفس الأمر يسري على الاتفاقيات الدولية. ولاسيما اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 وهو لعام 1949 التي نصت على الضمانات الخاصة بالحق في الانتساب النقابي واتفاقية منظمة العمل العربية رقم 3 لسنة 1977 عن الحريات والحقوق النقابية.

وكما لأجراء الحق في الانضمام أو عدم الانضمام إلى النقابة، لهم كامل الحرية في الانسحاب من النقابة[[22]]url:#_ftn22 المنضمين إليها، في أي وقت شاؤوا وفي هذا الصدد تنص مقتضيات الفصل الثامن من ظهير 16 يوليوز 1957 أنه: “يمكن لكل عضو من أعضاء النقابة المهنية أن ينسحب من الجمعية متى أراد ذلك وبالرغم من كل شرط متناقض” وهذا ما أكدته الفقرة الأولى من المادة (402) من مدونة الشغل بنصها على ما يلي “يمكن لكل عضو من نقابة مهنية أن سنسحب منها في أي وقت شاء، رغم كل شرط مخالف…”[[23]]url:#_ftn23 كما كفلت الاتفاقية، العربية كل الحقوق والحريات بموجب مادتها الثالثة عشر حق العامل في الانسحاب من النقابة.

وهكذا باستطاعة أي عضو دون تمييز بين رجل وامرأة بين قاصر وبالغ ولا بين حديث العهد بالعمل النقابي أو نقابي متمرس في أن ينسحب من أي نقابة مهنية بغض النظر عن مكانتها على الصعيد الوطني وفي أي لحظة اختارها المنسحب وعلى الرغم من كل شرط مخالف لهذا الحق. إذ فمجرد تقديم الأجير لاستقالته تعتبر مقبولة وسارية المفعول في نفس اللحظة مما يجعله يتحول من صفة الأجير النقابي إلى صفة الأجير غير النقابي، ودون أن يتوقف ذلك على قبول المجلس النقابي أو الجمع العام.
ودون أن يترتب على ذلك أي التزامات في ذمة الأجير المنسحب، باستثناء حق النقابة في المطالبة بواجب الاشتراك المفروض أداؤه عن الأشهر الستة الموالية لتاريخ الانسحاب، كذلك حسب الفقرة الثانية من المادة (402) التي نصت على أنه “…مع مراعاة حق النقابة المهنية في مطالبة المعني بالأمر بأداء واجب الاشتراك عن الستة أشهر الموالية لقرار الانسحاب…”.

المبحث الثاني: مظاهر حماية الحرية النقابية

بعد أن وقفنا في المبحث الأول على مظاهر الاعتراف بالحرية النقابية سواء بمدونة الشغل او بالاتفاقيات الدولية، نحاول في هذا المبحث معالجة مظاهر حماية هذا الاعتراف وذلك حتى تؤدي الحرية النقابية المبتغى من تقريرها، لذلك سنعالج في المطلب الأول، مظاهر الحماية من الأعمال التحيزية والتسهيلات اللازمة لممارسة الأنشطة النقابية، أما في المطلب الثاني، فسنعمل على دراسة مدى تدخل القانون الجنائي للشغل لضمان الحرية النقابية وذلك بمدونة الشغل والاتفاقيات الدولية.

المطلب الأول: ضمانات الحماية من الأعمال التحيزية والتسهيلات اللازمة لممارسة الأنشطة النقابية

الفرع الأول: ضمانات الحماية من الأعمال التحيزية

تطبيقا لمقتضيات الفصل الثالث من الدستور والمادة 396 من مدونة الشغل والبند الرابع من الفصل الأول من النظام الأساسي للنقابات التابعة للاتحاد المغربي للشغل والمادة الثانية من النظام الأساسي للنقابات التابعة للكنفدرالية للشغل، والفصل الرابع من النظام الأساسي للنقابات التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، فإن من حيث المهام السياسية للنقابات المهنية الدفاع عن مصالح أعضائها اقتصاديا واجتماعيا ومعنويا ومهنيا، والتدخل من أجل دلك لدى المشغلين[[24]]url:#_ftn24 عند إخلال هؤلاء بمقتضيات القانون أو بنود الاتفاق فتتولى النقابة الاتصال بالمشغلين لإزالة ما قد يشكو منه الأجير، وكذلك لمفاوضاتهم في شأن شروط العمل وفي مقدمتها ساعات العمل ولأجور، وتحسين ظروف العمل، والسعي الى رقية أعضائها أدبيا ومهنيا وأن تقوم بكل مل من شأنه تصفية كل خلاف يحث بين المشغلين وأجرائهم.

إلا أنه انطلاقا من الواقع العملي يتضح أن أعضاء النقابة، وخاصة ممثليها وبسبب نشاكها النقابي، هم أكثر الأجراء عرضة من غيرهم للتمييز والنقل وللطرد التعسفي لذلك تحميهم التشريعات المقارنة، والتشريع المغربي والاتفاقيات الدولية بحماية خاصة تضمن كفالة أدائهم لمصالحهم النقابية وتمكينهم من الإطلاع بدورهم التمثيلي داخل المقاولة والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد نصت مدونة الشغل على العديد من المقتضيات التي تروم حماية الممثلين النقابيين من أي تمييز داخل المقاولة، بينهم بين الأجراء الغير المنخرطين في النقابات، خير دليل، على ذلك ما نصت عليه المادة (472) على أنه “يستفيد الممثلون النقابيون من نفس التسهيلات والحماية التي يستفيد منها مندوبوا الأجراء بمقتضى هذا القانون…”[[25]]url:#_ftn25 وكذلك التجريم الصريح لعملية التمييز بين الأجراء القائمة على أساس النشاط أو الانتماء النقابي للأجراء، خاصة فيما يتعلق بالتشغيل وتسيير الشغل، وتوزيعه والتدريب المدني والمزايا الاجتماعية والإجراءات التأديبية.

وبالرجوع الى الاتفاقيات الدولية نجدها توفر حماية كافية للعمال ضد أية أعمال تمييزية على صعيد استخدامهم تستهدف المساس بحريتهم النقابية فقد نصت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 على أن يتم إنشاء أجهزة إذا دعت الضرورة، تكفل حق احترام التنظيم النقابي من الأعمال القائمة على أي شكل من أشكال التمييز، وتوفير كذلك لممثلي العمال في المؤسسة أو المنشأة حماية فعالة من أية تدابير يمكن أن تلحق بهم الضرر، بما في ذلك الفصل ويكون سببها صفتهم أو أنشطتهم كممثلين للعمال أو عضويتهم النقابية، أو مشاركتهم في أنشطة نقابية طالما ظلوا في تصرفاتهم يلتزمون بالقوانين أو الاتفاقيات الجماعية القائمة[[26]]url:#_ftn26 .

وقد نصت كذلك اتفاقية منظمة الدولية، رقم 98 لسنة 49 عن حماية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية. في مادتها الأولى على أنه “يجب أن توفر للعمال وسائل الحماية الكافية ضد أعمال التمييز التي يقصد بها الحد من حريتهم فيما يختص بالعمالة

تطبق مثل هذه الحماية بصفة خاصة بالنسبة للأفعال التي يقصد بها
إخضاع تشغيل العامل لشروط عدم الانضمام لنقابة أو التنحي عن عضوية نقابة.
فصل العامل أو الإضرار به بأي صورة بسبب عضويته في النقابة أو مشاركته في النشاط النقابي في غير ساعات العمل أو خلال ساعاته بموافقة صاحب العمل”.
وهو ما أكدته المادة (16) من اتفاقية منظمة العمل العربية رقم 3 لسنة 77 عن الحريات والحقوق النقابية التي نصت على أنه “يحظر القانون نقل أو وقف، أو فصل أو الإضرار بالعضو النقابي بسبب انتمائه النقابي أو ممارسته لنشاطه النقابي”.

الفرع الثاني: التسهيلات اللازمة لممارسة الأنشطة النقابية

حتى تقوم النقابة بأهدافها المتمثلة أساسا في الدفاع عن مصالح المنخرطين وتقديم الخدمات الاجتماعية لهم، وتمثيل المصالح المشتركة للمهنة لدى السلطة العامة والارتقاء بمستواها كما يمكن لها وانطلاقا من مقتضيات المادة (408) من مدونة الشغل القيام بأنشطة أخرى ذات طابع اجتماعي وهكذا نص المشرع المغربي على السماح للنقابات المهنية بتخصيص جزء من مواردها لإقامة مساكن ذات أسعار في متناول منخرطيها ولاقتناء أراضي لإحداث منتزهات للعمال أو ممارسة الرياضة، كما يمكن ك\لك للنقابة إنشاء أو إدارة مشاريع اجتماعية أو مهنية كالتعاونيات وصناديق التضامن أو مخيمات صيفية أو غيره وتقديم الدعم المالي لها قصد الإنتاج والاستهلاك، إلا أن المشرع المغربي يمنع النقابات المهنية من ممارسة الأنشطة التجارية ويستثني من \لك ما نصت عليه المادة (408) من مدونة الشغل حيث يمكن لها القيام بشراء جميع ما هو ضروري لكي تمارس مهنتها من مواد أولية ومعدات وآلات وأسمدة وبذور… بقصد كرائها أو إعارتها أو توزيعها. بين أعضائها لكي يمارسوا مهنتهم…
وهكذا فتوفير الحماية والتسهيلات لممثلي العمال في المؤسسات نصت عليها كل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحرية النقابية، ومن بينها اتفاقية منظمة العمل تحمل الرقم 135 التي أكدت على الضمانات التي ينبغي توفيرها لممثلي العمال من أجل القيام بمهمتهم على أحسن وجه، كما تحدثت عن التسهيلات التي ينبغي إعطائها له.
وقد احترم المشرع المغربي هذه الاتفاقية، بتنصيصه في المادتين (455) (465)
عن التسهيلات التي ينبغي توفيرها لمندوب العمال. زيادة على الحماية التي ينبغي توفيرها لهم و\لك في المواد (457) (458) (459) ويظهر لنا تلاءم المدونة مع الاتفاقية –بصفة جلية- من خلال تمديد ه\ه المقتضيات إلى الممثل النقابي و\لك من خلال المادة (472).[[27]]url:#_ftn27

الهوامش

– يمكن للنقابات المهنية أن تتكتل وتتشاور فيما بينها بكل حرية لتدارس معالمها المشتركة والدفاع عنها. انظر المادة 399 من مدونة الشغل.
– أمين عز الدين. مجلة العمل العربي.عدد 7. 1967 ص 77.
– أمين عز الدين. مجلة العمل العربي.عدد 7 ص 78
– غازي ناصيف مكي: مجلة العمل العربي العدد 197.44 ص 65
– كان ظهير 24 دجنبر 9136 بشأن النقابات المهنية يقتصر تطبيقه على العمال الأجانب.
– انظر عبد الكريم غالي: في القانون الاجتماعي المغربي دار القلم الرباط طبعة 2005 ص 267-268
– عبد العزيز مباح، الحق النقابي بالمغرب، قراءة نقدية في ظهير 16 يوليوز 1956 بشأن النقابات، مطبعة فضالة – الطبعة 3 2003 ص58
– راجع محمد سعيد بناني، قانون الشغل –الجزء الثاني- علاقات الشغل الجماعية – دار النشر العربية- طبعة 1985 ص 6 إلى 11
– ظهير شريف، رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 11سبتمر2003 بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل.
– عبد اللطيف خالفي، الوسيط في علاقات الشغل الجماعية، دراسة مقارنة في ضوء أحكامي الشريعة والقضاء وآراء الفقه، الطبعة الأولى 1999 ص 415.
– الحركة النقابية حركة إنسانية، مقال منشور على شبكة الانترنت في الموقع الالكتروني:

– منظمة العمل الدولية –كما هو معروف- هي الوكالة المختصة في مجال العمل الدولية ولها تاريخ عريق يعود إلى سنة 1919 عندما تكونت نتيجة لجهود عملية ودولية، وأدرجت في اتفاقية السلام اتفاقيات فرساي سنة 1919 والاتفاقيات التي تصدرها تعد معاهدات ملزمة للدول التي تطبق عليها، وتعد كل الاتفاقيات التي تصدرها منظمة العمل الدولية عن الحرية النقابية، اتفاقيات حقوق الإنسان ويكون لها أولوية على غيرها. أنظر الحركة النقابية حركة إنسانية ، مقال، منشور على الموقع الالكتروني :
naqabiyya2.htm

– عبد العزيز مباح – الحق النقابي – بالمغرب ص 29
انظر الفقرة الأولى المادة “998”من مدونة الشغل، التي تنص على أنه “يمكن تأسيس النقابات بكل حرية، بغض النظر عن عدد الأجراء المشتغلين بالمقاولة أو بالمؤسسة، من طرف أشخاص يتعاطون مهنة أو حرفة واحدة، أو مهنا أو حرفا يشبه بعضها بعضا، أو مرتبطة بعضها ببعض، ومعدة لصنع مستويات أو تقديم خدمات معينة، وفق الشروط المنصوص عليها في ه\ا القانون…”
– انظر مقال منشور عن المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني بعنوان المعايير الدولية لحرية العمل النقابين على الموقع الالكتروني:

– انظر المادة “8” من الاتفاقية
-[17] انظر المادة “22”من هذه الاتفاقية
انظر المادة “5” من الاتفاقية
– الحاج الكوري: القانون الاجتماعي المغربي الطبعة الثانية 2001 مطبعة دار السلام للطباعة والنشر – الرباط – ص 210
– دنيا مباركة – ضمانات الحرية النقابية من خلال التشريع الحالي ومشروع مدونة الشغل رقم 99-65 ، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون 2007 من ص 15 إلى 20
– د. مباح عبد العزيز- مرجع سابق ص 23.
هناك عدة أسباب تجعل من الأجير لا يرغب في الانتماء إلى نقابة معينة لعل من بينها الرضى بظروف العمل والابتعاد عن كل ما يمكن أن يثير المشاكل مع المشغل أو عدم الإيمان بجدوى العمل النقابي لضعف النقابات، في الدفاع عن حقوق الأجراء.

– الحاج الكوري، مرجع سابق، ص210
– انظر كذلك المادة الثالثة من التشريع المصري الخاص بالنقابات التي تنص “للعامل حرية الانضمام إلى المنظمة النقابية أو الانسحاب منها” انظر في هذا الصدد: محمد احمد إسماعيل القانون الخاص، القاهرة دار النصر للتوزيع والنشر 1993 ص100
– عبد اللطيف الخالفي “الوسيط في علاقات الشغل الجماعية الطبعة 1 1999 المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ص 427
– انظر كذلك المادة 473 من المدونة
– المعايير الدولية لحرية العمل النقابي، مقال منشور بشبكة الانترنت على الموقع الالكتروني:

– انظر في هدا الصدد المقال المنشور على شبكة الانترنت بعنوان: تطابق مدونة الشغل مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في العنوان الالكتروني التالي:
# وصلة ممنوعة 1100 # –/archive/2006/5/530498.htm