الحراسة القضائية والإجراءات الاحترازية

تحدثنا في المقال السابق عن الحراسة القضائية وعن النوع الأول من أنواعها وهي الحراسة التحفظية، وذكرنا أن طبيعة الحراسة التحفظية أو الحراسة القضائية أنها إجراء تحفظي، وهي كذلك إجراء وقتي لا تمس الموضوع، لذلك فهي ليست إجراءً تنفيذياً، أو عملاً نهائياً أو وسيلة ضغط على أحد الخصوم ممن هو في مركز المدين حتى تدفعه للوفاء بما يدعى به عليه، كما أنها إجراء وقتي تبقى ببقاء الظروف التي اقتضتها، وتزول بزوالها، فليس لها حكم الاستمرار.

والصفة الفقهية للحارس القضائي التحفظي أنه حكم يفرضه القاضي على المال، ويكون بموجبه الحارس ولياً على المال بصفة مؤقتة، وفي القانون الوضعي يكون بصفة النائب عن أطراف الدعوى، له حق إدارة المال الموضوع تحت يده، ثم يكون نائباً عمن يظهر أنه مالك المال بعد حسم النزاع، وبهذا تترتب آثار التولية على وجه صحيح، وهو أن الحارس القضائي يكون نائبا عن شخص غير معين، لكنه قابل للتعيين بتولية قضائية، وذلك حتى تتعلق تصرفات الحارس بالإنابة على وجه قضائي، ويكون الحارس مسؤولا مسؤولية مباشرة أمام القضاء.

وحقوق الحارس القضائي الأصل فيها أن يكون الحارس بأجر سواء كان ذلك بمبلغ مقطوع أو راتب شهري وفق المعتاد وحسبما تقدره المحكمة أو أطراف القضية إلا أن يتنازل عنه، وغالباً لا يتم التنازل إلا إذا كان الحارس القضائي من أفراد العائلة ومتفقا عليه بين الأطراف، أما إذا كان من خارج العائلة فالعادة أنه يطالب بمستحقاته، وله حق المطالبة بها إذا لم يرد له اشتراط، وهذا على عكس الوكيل والمودع فلا يستحقانه إلا إذا اشترطاه؛ لأن مبناه التبرع وعدم اللزوم، فلا يستحقانه إلا عند اشتراطه، وهو ما أخذت به القوانين المعاصرة.

النوع الثاني: الحراسة الشرعية

وهي إجراء قضائي يجريه القاضي بمقتضى الطلب الشرعي المتعلق بولاية القضاء، كحفظ أموال القصر من الأيتام، وعديمي الأهلية، ومن هو تحت الحجر، ونحو ذلك. فالقاضي صاحب ولاية تترتب بموجب شرعي منذ ظهور مقتضاها له، وله أن يختار من يوليه عليها، وتكون تصرفات الولي تحت نظره.

فللقاضي أن يفرض على أموال هؤلاء الحراسة القضائية إلى أن يتم تمييزها من أموال الشركاء إذا كانت أموال هؤلاء مشاعة مع حقوق غيرهم كالتركات، والشركات، والمطالبات المالية لصالح هؤلاء إذا كانت حقوقهم ثابتة فيها، فالحراسة في مثل هذه الحال ليس منشأها نزاع ثار بين أطراف في دعوى، إنما منشأ الحراسة القضائية ذو طبيعة ولائية رتبها الشارع، وأناط مسؤوليتها بالقضاء حفاظا على حقوق من تدخل الشرع لحمايتهم.

النوع الثالث: الحراسة الاتفاقية

وهي إجراء تحفظي مؤقت يتفق عليه طرفا الخصومة فيما بينهما، يعهدان بموجبه إلى شخص حفظ مال من منقول، أو عقار، يقوم عليه نزاع، أو يكون الحق فيه غير ثابت، فيتكفل هذا الشخص بحفظه وإدارته ورده وغلته إلى من ثبت الحق فيه له، وبهذا ينشأ مع من بيده حفظ المال عقدان: عقد وديعة، يقوم على حفظ المال بإيداع من الطرفين، وعقد وكالة على العمل في المال بتنميته واستثماره، وهذا عقد وكالة بتوكيل من الطرفين، وعليه فإنها تطبق عليه أحكام العقدين عند اللزوم.

وقد تنتقل الحراسة الاتفاقية إلى قضائية أثناء نظر الخصومة إذا ما قام نزاع واختلاف بين الأطراف حول الحراسة.

ويشترط لوضع الأموال التي يجوز وضعها تحت الحراسة القضائية ما يلي:

1- أن يكون المال قابلاً للتعامل فيه بين الأطراف، ويتحقق عدم قبول المال للتعامل؛ كالأموال العامة التابعة للدولة، فلو أن أحد الأفراد ينازع الدولة في مال منقول أو عقار، فإن الدولة معنية بالمحافظة عليه، ولأن المنع مترتب على ذلك المال بصفة تعلق حق عموم الناس به، فلزم الحفاظ عليه من جهتها بمقتضى الإنابة العامة.

2- الأموال خاصة النفع للدولة كالأعيان المنقولة وغير المنقولة ذات النفع القائم للدولة، التي يجري الانتفاع بها في متطلبات وجوه إدارة الدولة، واستثماراتها في وجوه خدمة المصلحة العامة، فإنه لا يجوز وضعها تحت الحراسة القضائية؛ لأن هذا يؤدي إلى تعطيل الانتفاع العام مع ملاءة الدولة.

3- الأموال التي لا تقبل الحجز عليها في دعوة مديونية، كبيت السكن، ووسيلة النقل، وأثاث منزل المدين، ومكتبته، وراتبه المقابل لكفايته، وإعالة من يعول، فهذه الأموال لا يجوز وضعها تحت الحراسة القضائية إذا كان سبب طلب الحراسة نزاعا في مديونية، أما إن كان طلب الحراسة قائما على نزاع في ملكية المال أو حيازته أو في إدارته فإنه يوضع تحت الحراسة القضائية.

4- ألا يؤدي وضع الشيء تحت الحراسة إلى تعطله مما له ارتباط شخصي بصاحبه كعيادة الطبيب، والمختبر الفني، ومكتب المحامي، وورشة المهني الفني، فهذه تعد مواقع تتعلق بمهنة شخصية لمن يزاول العمل فيها، فطلب الحراسة القضائية عليها مكيدة ظاهرة في تعطيل مهنة صاحبها، فالاعتبار الشخصي الملحوظ في هذه الأشياء يمنع من ذلك.

ولعل ما سبق يكفي في بناء صورة متكاملة عن الحراسة القضائية والمعاني الأساسية فيها، حتى نعطي القراء أحد المعاني الحقوقية في منظومة متكاملة لأن بعض المعاني المتصلة بالشأن القضائي تتطلب إبراز الأسس العامة حتى لا تختلط الصورة الذهنية للقارئ أثناء إدراكها.