نتناول هذه الفقرة في شقين اولهما عدم القابلية للعزل ويتضمن الثاني حالات جواز العزل .

1. عدم القابلية للعزل

الأصل أن يتمتع القضاة بعدم القابلية للعزل ويقصد بهذا المبدأ ألاّ يحرم القاضي من عمله بفصله أو بأن يوقف عنه ، أو أن يحال على التقاعد إلاّ بالاستناد إلى الحالات التي نص عليها القانون والغاية منه هو إيجاد الاطمئنان في نفوس القضاة ، بحيث يؤدي عمله بحرية ونزاهة بعيداً عن الخوف الذي يؤدي بالنتيجة إلى تعميق ثقة المتقاضين في عدالة القضاء ، إضافة إلى أن أعمال هذا المبدأ يؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة أولاً ، ويُعد هذا المبدأ من الأهمية ، بحيث أنه يمثل الدعامة الأولى لاستقلال القضاة(1). وينص على هذا المبدأ معظم الدساتير في العالم ، فقد نصت المادة 89 من الدستور المؤقت العراقي لعام 1970 على أن [الحكام والقضاة غير قابلين للعزل وذلك على الوجه المبين في القانون] . ونصت المادة 168 من الدستور المصري لسنة 1971 على أن [القضاة غير قابلين للعزل] . وتنص على هذا المبدأ المادة 107 من الدستور الإيطالي ، والمادة 64 من الدستور الفرنسي لسنة 1968 وقبله دستور سنة 1948 في المادة 48 منه(2). وكذلك نصت عليه القوانين المختلفة فقد نصت المادة 67 من قانون السلطة القضائية المصري رقم 46 لسنة 1972 على ذلك بقولها : [مستشارو محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والرؤساء بالمحاكم الابتدائية وقضاتها غير قابلين للعزل] . ويلاحظ على نص المادة الأخيرة أن جميع القضاة لايتمتعون بهذه الضمانة إلاّ بعد أن يكملوا ثلاث سنوات في منصب القضاء(3). وكذلك نص على هذا المبدأ قانون نظام القضاء الليبي(4). كما نصت عليه المادة الثانية من قانون نظام القضاة العدليين اللبناني بقولها [القضاة لا يمكن فصلهم عن السلك القضائي إلاّ ضمن حدود هذا القانون] (5).

2. حالات جواز العزل

وعدم القابلية للعزل لا تعني أن يظل القاضي في وظيفته طوال حياته حتى لو بدرت منه تصرفات غير مقبولة قانوناً(6). لذلك نجد أن القوانين قد خولت جهات قضائية للنظر في إمكانية عزل القاضي . فنجد أن لجنة شؤون القضاة في العراق تملك حق توقيع العقوبات الانضباطية على القضاة(7).ومنها إنهاء الخدمة استناداً إلى قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 في المادة 58 منه ، وفي المادة 39/خامساً والمادة 59/أولاً التي نصت على حالتين ثم اسـتثناؤهما من أصل عدم القابلية لعزل القضاة .

الأولى :حالة تأجيل ترفيع عضو السلطة القضائية أكثر من مرتين متتاليتين في الدرجة نفسها .

والثانية :حالة إجازة المشرع لمجلس العدل إنهاء خدمة عضو السلطة القضائية من الصنف الرابع ، أو نقله إلى وظيفة مدنية بناءً على قرار مسبب بعدم أهليته للاستمرار في الخدمة ويتم ذلك بمرسوم جمهوري(8) .

وكذلك في القانون المصري يمكن عزل القاضي تأديبياً ، أو أن يحال إلى المعاش (التقاعد) عند بلوغه سن الستين ، أو أن يحال إلى المعاش إذا تبين عجزه عن القيام بوظيفته كما ينبغي لأسباب صحية ، كما أن للقاضي أن يستقيل من وظيفته مع عدم سقوط حقه في المعاش أو المكافأة ، أو أن يحال إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة أخرى غير قضائية ويشمل هذا رؤساء المحاكم الابتدائية وقضاتها إذا حصلوا على تقريرين بدرجة أقل من المتوسط (المواد (69 و 111 و 91 و 112 من قانون السلطة القضائية المصري) (9). ويلاحظ أن قانون نظام القضاء الليبي لا يمنح هذه الحصانة من العزل للقضاة غير المستشارين إلاّ بعد مضي خمس سنوات من تأريخ تعيينهم قضاة ، أما قبل ذلك فإنه يمكن عزلهم على أن يكون ذلك بموافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية(10). كما كان عليه الأمر في ظل قانون السلطة القضائية المصري السابق من اشتراط إكمال ثلاث سنوات في منصب القضاء لقضاة المحاكم الابتدائية ، لكي يشملوا بمبدأ عدم القابلية للعزل. وقد لجأت الحكومة اللبنانية، في بعض الأحوال، إلى رفع الحصانة عن القضاة بتشريع خاص لأجل عزل بعضهم بمرسوم عادي دون أخذ موافقة مجلس القضاء الأعلى ، لذا يقترح أن تنص دساتير الدول على عدم جواز رفع الحصانة عن القضاة ، وإلاّ أصبح النص على استقلال القضاة في الدساتير مجرد لغو لا غير(11). كما أنه قد أصدر مجلس قيادة الثورة الليبي في 15/10/1969 قراراً أجاز بموجبه إحالة بعض رجال القضاء المدني والشرعي وأعضاء النيابة إلى التقاعد أو نقلهم ، في غضون شهرين ، بناءً على عرض وزير العدل وموافقة مجلس الوزراء دون التقيد بما هو منصوص في قانون نظام القضاء أو أي قانون آخر(12). ونرى أن اللجوء إلى إصدار القوانين أو القرارات التي تؤدي إلى رفع الحصانة عن القضاة بحيث تجيز للحكومة عزلهم أو نقلهم ، متجاوزة قوانين السلطة القضائية يؤدي إلى المساس بمبدأ استقلال القضاء ويقضي بالنتيجة على هذا المبدأ الدستوري ، الذي نص على عدم جواز المساس باستقلال القضاء بعزلهم أو نقلهم ، وهذا يعني أن القوانين أو القرارات التي تصدر خلاف هذا المبدأ هي غير دستورية ومن ثم لا حاجة إلى النص على عدم جواز رفع الحصانة في الدستور نفسه كما يدعو بعضهم إلى ذلك. ويجب التأكيد أن جميع الإجراءات التي تتخذ في مواجهة القاضي يجب تستند إلى القانون ، وتكفل أن تكون بمعرفة المجلس الخاص المشكل للنظر في مثل هذه الحالات المذكورة ، إضافة إلى أنها توفر للقاضي الضمانات كافة لإبداء دفاعه والطعن في هذه القرارات أو التظلم منها ، وعلى كل حال يجب أن لا يكون مبدأ عدم القابلية للعزل مانعاً من استئصال العناصر غير الجديرة بشغل وظيفة القضاء(13). ونرى أن مبدأ عدم القابلية للعزل هو من المبادئ المهمة والأساسية في إقرار استقلال القضاء وحمايته من خلال منع السلطة التنفيذية من التدخل في عزل القاضي ، لأن مخالفة هذا المبدأ يؤدي إلى أن تبادر هذه السلطة إلى أن تجعل من إمكانية عزل القاضي ، وسـيلة ضغط لتملي إرادتها عليه ، وقد تحيد به عن تطبيق القانون كما ينبغي ، وفي هذه الحالة يكون القاضي خائفاً على الدوام من أن يفقد منصبه ، في حال عدم رضا السلطة التنفيذية عنه . وفي الوقت نفسه ، فإن القول باعتماد هذا المبدأ على إطلاقه ، ليس صحيحاً ولا يتوافق مع ضرورات الواقع القضائي وما ترافقه من حالات تطرأ على ساحته وتكون بحاجة إلى معالجة من خلال اتخاذ إجراءات بحق القاضي ومنها العزل ليكون أحدى الوسائل التي يبتغى منها تدعيم مركز العدالة من خلال اجتثاث القضاة غير الجيدين ، ومن ثم يمكن القول بجواز عزل القاضي في مثل هذه الحالات التي يجب أن تحدد على سبيل الحصر وأن يكفل أمر تطبيقها بضمانات تشريعية وضمانات إجرائية عن طريق إيكال أمر تطبيقها إلى جهات قضائية عليا ، كما هو حاصل فعلاً في العديد من الدول ، لنأمن بذلك كل المحاذير التي يمكن أن ترافق تطبيقها على القضاة .

_________________

– د. عبد العزيز عامر ، المصدر السابق ، ص26 ، د عامر احمد المختار – ضمانات سلامة احكام القضاء الجنائي – جامعة بغداد 1980 ص132 و سمير ناجي – قبس من ضياء قيم وتقاليد القضاء القاهرة ص 17 .

2- فينسان ، ص174 ، بند 160 ، وسوليس وبيرو ، ج1 ، ص185 . عن د. محمود محمد هاشم ، المصدر السابق ، ص219 ، ود . محمد محمود ندا . القضاء الدعوى التأديبية ط1 دار الفكر العربي 1981 ص74 .

3- د. محمود محمد هاشم ، المصدر السابق ، ص219 .

4- المادة (59) من قانون نظام القضاء الليبي رقم 29 لسنة 1962 .

5- المادة (2) من قانون نظام القضاة العدليين اللبناني .

6- د. أحمد أبو الوفا ، المصدر السابق . ص102-103 .

7- ضياء شيت خطاب ، المصدر السابق ، ص40 .

8- المادة 39 والمادة 59 من قانون التنظيم القضائي العراقي .

9- د. محمود محمد هاشم ، المصدر السـابق ، ص219-220 . و د. فتحي والي ، الوسيط ، ص160-161 و د. عبد الباسط جميعي ، المبادئ ، ص83 .

0- د. عبد العزيز عامر ، المصدر السابق ، ص 62 .

1- د. أحمد أبو الوفا ، المصدر السابق ، ص103 .

2- د. عبد العزيز عامر ، المصدر السابق ، ص62 .

3- د. عبد الباسط جميعي ، المصدر السابق ، ص 85. ود. محمود محمد هاشم ، المصدر السابق ، ص220 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .