الجرائم العسكرية الصّرفة المتصفة بالجنح وملائمتها لضمانات المتهم

 

الاستاذ أســامة نـورالـدّيــن بـاســطــي  

تنقسم الجرائم العسكريّة الخالصة أو الصّرفة إلى جنايات وهي التّي تعرّضنا إليها في دراسة سابقة ، كما يمكن أن تمثّل جنحا وهو ما سنتطرّق إليه في هذا الصّدد و ذلك طبعا في إطار البحث في جانب ضمانات المتّهم من النّاحية الموضوعيّة ضمن أحكام مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة ، على أنّه وجبت الإشارة إلى أنّ مناط التّجريم في هذا الخصوص هو واحد، حيث لاحظنا أن نفس النّص القانوني ونفس أساس التّجريم في خصوص الجرائم العسكريّة الصّرفة يؤسّس لجناية وكذلك لجنحة، ويبقى المعيار في التّفرقة قائما على أساس العقوبة المقرّرة للفعل المُجرًّم، لكن أساس تصنيف نفس الفعل المُجرًّم تارة إلى جناية وطورا إلى جنحة مرتبط أساس الارتباط بأركان الجريمة، من حيث شخص مرتكبها وزمن ارتكابها ومكانه، وموضوعها والجهة المتضرّرة منها وعلى هذا الأساس سنتعرّض إلى جنح الإخلال بالواجبات والتّراتيب العسكريّة (الفصل الأوّل) ثمّ إلى الجنح التّي يمثّل أساسها اعتداءا على المصالح العسكريّة (الفصل الثّاني) سواء كانت هذه المصالح ماديّة أو معنويّة.

الفصل الأوّل : جنح الإخلال بالواجبات والتّراتيب العسكريّة

اعتبارا لما تفرضه طبيعة نصوص التجريم صلب أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، من كون أن نفس الفعل المجرّم يكيّف إما جناية أو جنحة بحسب اختلاف مكونات الجريمة وآثارها، فإننا سنتوخى تقريبا نفس التقسيم الذي اعتمدناه في ما يخص الجنايات العسكريّة، حيث سنتعرّض إلى جنح التّفصي من الخدمة العسكريّة (الفقرة الأولى)، وأيضا إلى جنح الإخلال بواجب الطّاعة (الفقرة الثّانية) إضافة إلى جنح تجاوز حدود السّلطة (الفقرة الثّالثة)، أين سنسعى إلى تسليط البحث على أسس التّجريم فيما يخصّ الجنح العسكريّة الصّرفة سيما وأنّ النّصوص المجرّمة واحدة كما أسلفنا وبالتالي تطرح مسألة الضمانات ضمن إطار التجريم في هذا الصدد، إذ من المعلوم أن الفرق بين الجريمة المكونة لجناية والجريمة المكوّنة لجنحة، شاسع وواسع ودقيق سواء من حيث الأفعال المجرمة في حد ذاتها أو من حيث مرتكبي تلك الأفعال وموضوعها، وكذلك من حيث العقوبات المقررة ضمن النصوص المذكورة مما يفرض علينا إبراز صور تعزيز ضمانات المتهم في هذا الخصوص إن وجدت أو الوقوف على صور غيابها أو ضعفها في ذات السياق.

الفقرة الأولى : جنح التّفصي من الخدمة العسكريّة

تتّخذ جرائم التّفصي من الخدمة العسكريّة والمكوّنة لجنحة، صفتها العسكريّة من موضوع الجريمة في حدّ ذاتها والتّي هي في ارتباط مباشر بالمصلحة العسكريّة أو ما يعرف بمصلحة الجيش، حيث تمثّل جرائم التّفصي هذه، مجموعة الجرائم التي يكون هدفها تخليص شخص ما من التزامه بتأدية الخدمة العسكريّة[1]، وما يستشفّ من خلال هذا الطّرح هو أن تجريم كل فعل يؤدّي إلى التّفصي من الخدمة العسكريّة أساسه الطّبيعة الإلزاميّة لهاته الخدمة[2] في حدّ ذاتها والتي تعرف بالواجب الوطني وبذلك تكتسي صبغة علويّة.

ويمكن لجنح التّفصي من الخدمة العسكريّة أن تتمثل في الفرار والتخلّف عن أدائها (أ) ويمكن وصف هاته الحالة بالمباشرة، كما يمكن أن يكون التّفصي بطريقة غير مباشرة وهو ما يؤسّس لجنح التّشويه قصدا (ب) أو عمدا بغاية التّفصي من الخدمة العسكريّة، هاته الجنح التّي حدّدها المشرّع صلب أحكام مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة تقتضي منّا البحث في ضمانات أساس هذا التّجريم من خلال التّعرّض للجرائم في حدّ ذاتها.

أ – جرائم الفرار والتّخلف المكوّنة لجنحة

بالرجوع إلى أحكام الفصول المنظمة لهاته الجرائم ضمن مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، وهي الفصول 66 و 67 م.م.ع.ع والتي وردت بالقسم الأول تحت عنوان “التخلف – الفرار” ضمن الباب الثالث من الكتاب الثاني، نلاحظ أن جرائم التفصي من الخدمة العسكرية يمكن أن تتكون قبل الالتحاق بالجندية أو بعد الالتحاق بها.

فبالنسبة إلى جرائم التخلف المكونة لجنحة، فقد تعرض لها المشرع صلب أحكام الفصل 66 م.م.ع.ع، وهاته الجرائم أو الجريمة تخص “كل من وجبت عليه الخدمة العسكرية ولم يلبّ الدعوة”. كما جاء بذات الفصل في فقرته الأولى.

ومن هذا المنطلق نلاحظ أن المعني بالجريمة ليس عسكريا وهو ما يطرح إشكال إصباغ هاته الجريمة بالصبغة العسكرية الصرفة والحال أن مرتكبها ليس عسكريا ولم يلتحق بعد بالخدمة العسكرية[3]، ألم يكن أحرى بالمشرع حينئذ عدم إخضاع المتهم في هاته الحالة إلى أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية ؟ وحتى لو أخضعه لأحكامها، كان أحرى به أن يرجع اختصاص النظر في هاته الجريمة إلى المحاكم العدلية وليس العسكرية باعتبار أن المتهم مدني ولم يلتحق بعد بالجندية وجريمته جريمة تخلف أي عدم تلبية دعوة، يعني أنه ترك ما وجب فعله، وفي ذات الإطار فإن المشرع العسكري صلب الفصل 66 م.م.ع.ع قد أردف هاته الجريمة بظرف تشديد، يرتفع معه العقاب المقرر بالفقرة الأولى وهو السجن “من شهر إلى عام” إلى السجن “من عامين إلى خمسة أعوام” وهو العقاب المقرر بالفقرة الثانية من ذات الفصل، ظرف التشديد هنا يتمثل في الزمن الذي ارتكب فيه فعل التخلف، حيث ميز المشرع صلب نفس الفصل بين “حالة السلم” في الفقرة الأولى و”حالة الحرب” في الفقرة الثانية، وهي الممثلة لظرف التشديد.

وبناءا على ما تقدم نتبين أنه لقيام جريمة التخلف المكونة لجنحة على معنى الفصل 66 م.م.ع.ع يجب أن ينقضي اجل الالتحاق بالخدمة العسكرية، على أساس الدعوة الموجهة للمعني بالأمر وبذلك تكون شكلية الاستدعاء هي المحددة للأجل الواجب فيه الالتحاق وكذلك الوحدة الواجب الالتحاق بها على أنّ توجيه الاستدعاء يكون بالضرورة وفق الصّيغ الإدارية.

أما بخصوص جرائم الفرار من الخدمة العسكرية والمكونة لجنحة فقد ورد تنظيمها ضمن الفصلين 67 و68 م.م.ع.ع فتقتضي ضرورة الالتحاق بالخدمة العسكرية. وفي هذا المستوى وجب عدم الخلط بين جريمة صورة الفصل 66 وصورة الفصل 67 م.م.ع.ع. وقد صدر قرار تعقيبي جزائي في هذا الشأن تحت عدد 254 بتاريخ 5 جويلية 1976[4]، وقد ورد فيه ما يأتي: “حيث يتضح من أوراق القضية أن المتهم وقع قبوله بالجندية لحصة 73 – 2 ومنح الرقم … بمركز التجنيد والتدريب بسوسة، غير أنه غادره بعد الوصول إليه وحيث أنّ المحكمة لما قضت بإدانته من جريمة التخلف على معنى الفصل 66 أساءت تطبيق القانون، إذ أن المتهم لبى الدعوة وجلب فعلا والتحق بوحدته ثم بارحها بحيث ينطبق عليه الفصل 67 فقرة أولى”.

وعلى هذا الأساس فإن جريمة الفرار لا تقوم إلا متى كان الفار ملتحقا مسبقا بالخدمة العسكرية وضرورة أن تكون مدة التحاقه قد بلغت ثلاثة أشهر، لأنه في صورة عدم توفر هذا الشرط لا يعتبر المعني بالأمر فارا وفق أحكام الفقرة الأولى من الفصل 67 م.م.ع.ع متى لم يبلغ غيابه الشهر الكامل.

ولقد عدد الفصل 67 م.م.ع.ع صور الفرار داخل البلاد زمن السلم، وهي جرائم يرتكبها العسكري دون سواه، وتتكون منها جنحة على أساس العقوبة المقررة والتي تتراوح حسب أحكام نفس الفصل بين الستة أشهر والثلاث سنوات.

على أنّ الفرار زمن السّلم خارج البلاد نظّمته أحكام الفصل 68 م.م.ع.ع وأوجبت أن يكون الفارّ قد اجتاز الحدود التونسية دون إذن على أن ينقضي أجل ثلاثة أيام على غيابه غير الشرعي في حين أن هاته المدة تتقلص إلى يوم واحد زمن الحرب وفق ما ورد بالفقرة الأولى من الفصل المذكور، على أن نفس الفصل وفي فقرته الثانية والمنقحة بمقتضى أحكام الفصل 8 من القانون عدد 23 لسنة 1989 والمؤرخ في 27 فيفري 1989، قد أقر العقوبة المقررة لجريمة الفرار خارج البلاد وهي السجن بين ثلاثة وخمس أعوام، عدى حالة ما إذا كان الفار ضابطا فعندها ترتقي الجريمة إلى جناية، وعلى هذا الأساس فإن جنح الفرار من الخدمة العسكرية، هي جرائم عسكرية صرفة تنظر فيها المحكمة العسكرية لكن تبقى العقوبات المقررة لهاته الجرائم مشددة نوعا ما مقارنة بالأساس التجريمي المتمثل في فعل الفرار والذي يخضع في حد ذاته إلى آجال وشروط[5] بيّناها أعلاه، ولكن ما تجب الإشارة إليه هو أن جريمة الفرار المكونة لجنحة لا تمثل خطورة كبيرة في أغلب حالاتها وهو ما يوجب مراجعة العقوبات المقررة لها وذلك بالنظر إلى الظروف والوقائع والملابسات المحيطة بارتكاب فعل الفرار[6] وخاصة الهدف من ورائه.

ومن هذا المنطلق فإن ضمانات المتهم في هذا الصدد مرتبطة بقيام أركان الجريمة سواءا كان الركن المادي والمتمثل في التخلف أو الفرار أو الركن المعنوي والمتمثل في القصد الجنائي وهو الأهم، إذ أن الفرار لا يكوّن ضرورة قصدا جنائيا في كل مرة، حيث يمكن أن يكون الغياب المؤدّي إلى قيام جريمة الفرار غيابا شرعيا، وبالتالي انتفاء القصد الجنائي بما يمثّل ضمانة للمتهم في هذا الإطار.

ب – جرائم التّشويه العمد المكوّنة لجنحة

إلى جانب جريمتي التّخلف والفرار المكوّنتين لجنحة عسكريّة نجد كذلك جريمة التّشويه العمد أو قصدا، فبخصوص جريمة التّشويه قصدا فقد تعرّض لها المشرّع الجزائي العسكري صلب أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية في فصلها الـ 113 فقرة أولى والذّي تمّ تنقيحه بمقتضى أحكام الفصل الثامن من القانون عدد 23 لسنة 1989 والمؤرخ في 27 فيفري 1989.

ولقد نصّت الفقرة على ما يأتي : “يعاقب بالسّجن من عام إلى ثلاثة أعوام كلّ عسكري جعل نفسه عمدا غير صالح للخدمة مؤقّتا أو مؤبّدا للتّفصي من الواجبات العسكريّة القانونيّة والمحاولة موجبة للعقاب”.

وبذلك فإن جريمة التشويه قصدا، لا يمكن أن يرتكبها سوى العسكري ولا يمكن أن يتمّ تتبّع من لم يلتحق بالخدمة العسكريّة أصلا، لكنّ المشرّع في هذا الفصل لم يقم بتحديد أعمال التشويه إذ اكتفى بذكر “كل عسكري جعل نفسه عمدا غير صالح الخدمة …”.

وهاته العبارات عامة تفسح المجال أمام التأويل، إذا ما اعتبرنا أهمية فعل التشويه باعتباره يمثل الركن المادي لقيام الجريمة في صورة الحال، وهذا ما يطرح مشكلا أمام المتهم في جريمة التشويه، إذ كيف يمكن إثبات قيام الركن المادي وعلى أي أساس يكون ذلك طالما أن النص ورد في صيغة الإطلاق وبالتالي يمكن تأويل كل فعل على أنه ركن مادي لجريمة التشويه قصدا، والقصد في هاته الصورة يمثل العنصر أو الركن المعنوي لقيام الجريمة المذكورة، وهذا الركن في حد ذاته يطرح إشكالا واسعا إذ أن مسألة القصدية من عدمها تبقى صعبة الإثبات بحيث يمكن للعسكري أن يلحق بنفسه تشويها يجعله غير صالح للخدمة العسكرية ولكنه لا يقصد بالضرورة التفصي أو التملص من الخدمة العسكرية في حد ذاتها كأن يكون مثلا في حالة غضب من أمر شخصي معين ويقدم في حالة الغضب على تحطيم الزجاج بيده بما يصيّره غير صالح للخدمة العسكرية، لكنه في ذات الوقت لم يكن يقصد التفصي في حد ذاته.

وبناء على ما تقدم نلاحظ أن المشرع الجزائي العسكري، لم يقم بتعريف التشويه ولم يحدد الأفعال المكونة للتشويه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يكن يتوخى الدقة في تحديد الركن القصدي، وعلى هذا الأساس يمكن القول أن هذا النص لا يتوفر على حد معقول من ضمانات التجريم مما يسمح بالتسلط والتعسف على المتهم في إطار هاته الجريمة بناء على عدم تحديد أعمال التشويه وصعوبة إثبات الركن القصدي لجريمة التشويه قصدا والتي خصها المشرع بقسم كامل ورد تحت نفس العنوان وهو القسم السابع من الباب الثالث ضمن الكتاب الثاني، حيث كان أحرى به أن يجمعها إضافة إلى جريمتي التخلف والفرار صلب قسم واحد.

الفقرة الثّانية : جنح الإخلال بواجب الطّاعة والتّراتيب العسكريّة

يعتبر واجب الطاعة من خاصيات نظام الحياة العسكرية وذلك لما تفرضه طبيعة العمل في الميدان العسكري على أن المشرع الجزائي العسكري، قد جرم بعض الأفعال التي تدخل في إطار الإخلال بواجب الطاعة، من خلال أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، وهاته الأفعال المجرمة تكوّن جنحا، لكنها تبقى جنحا عسكرية صرفة أو خالصة، حيث نجد أولا جنح الامتناع عن إطاعة الأوامر وثانيا جنح الاعتداء على الرؤساء وتحقيرهم وثالثا جنح العصيان ورابعا جنح تجاوز حدود السلطة.

لكن ما يجب التأكيد عليه في هذا الصدد هو أن الأفعال المكونة للجرائم المذكورة أعلاه، هي أفعال متعلقة أساسا بالنّزعة الانضباطيّة التّي يتميّز بها الجيش وهي خاضعة إلى التّعليمات الوزاريّة المتعلقة بقواعد الانضباط العام للجيش، والتي ترتّب في حد ذاتها عقوبات لهاته الأفعال تعرف بكونها عقوبات انضباطية[7]، غير أننا الآن بصدد البحث في العقوبات الجزائيّة المقرّرة لهاته الأفعال المكوّنة لجنح، وبالتّالي التركيز على جانب الضّمانات المعتمدة في تجريم هاته الأفعال و عليه سنبحث في جنح الامتناع عن إطاعة الأوامر و مخالفة التّعليمات ( أ ) ثمّ جنح الاعتداء على الرّؤساء و تحقيرهم ( ب ) لنتخلّص إلى جنح العصيان العسكري ( ج ) .

أ – جنح الامتناع عن إطاعة الأوامر ومخالفة التّعليمات

إن عدم إطاعة الأوامر العسكرية في إطار الخدمة، يرتب جريمة تتصف بالجنحة أحيانا وبالجناية أحيانا أخرى وهو ما تعرضنا له في السابق، وبذلك سنتطرق إلى الأفعال المكونة لجريمة الامتناع عن إطاعة الأوامر والتي تتخذ صفة الجنحة، وقد تعرض المشرع لها صلب أحكام الفصل 78 م.م.ع.ع، وكذلك صلب الفصل 79 م.م.ع.ع في فقرته الأولى والثانية حيث جاء بالفصل 78 م.م.ع.ع أنه “كل من لم يطع أمرا يتعلق بواجبه يعاقب زيادة عن العقوبات الانضباطية التي يمكن أن يحكم بها عليه بالسجن من شهر إلى سنتين”.

وعلى هذا الأساس نستشف من خلال ما تقدم أن قيام جريمة الامتناع عن إطاعة الأوامر تقتضي وجوبا توفر شروط ثلاث أولها وجود “آمر”، “ومأمور” و”أمر” صادر يراد تنفيذه[8].

وبالرجوع إلى الفصل 58 م.م.ع.ع نجد أن المشرع قد عرّف “الآمر” بأنه: “هو من له حق إصدار الأوامر في حدود السلطة التي تخولها له رتبته” وبالتالي لا يجب على الآمر أن يصدر أمرا خارجا عن نطاق السلطة التي تستوجبها رتبته، إذ يجب أن يمثل الآمر السلطة المختصة في إصدار ذات الأمر وهذا ضمانة للمأمور باعتباره يمكن أن يكون متهما في جريمة الامتناع عن إطاعة الأوامر، وهذا الأخير قد عرفه المشرع كذلك صلب نفس الفصل المذكور أعلاه في فقرته الأولى والذي جاء فيه “يقصد بتعبير “المأمور” في هذا القانون الشخص المكلف بالقيام بالخدمات المذكورة بالمادّة السابقة”.

وهو ما يفرض أن يكون الأمر الصادر في إطار “الخدمة” والتي تعرض لها المشرع صلب الفصل 57 م.م.ع.ع حيث ورد فيه أنه: “تطلق كلمة “الخدمة” في هذا القانون على قيام المأمور بواجب عسكري معين معلوم أو بتنفيذ أمر صادر عن آمر”.

ولكن الإشكال المطروح في هذا الصدد هو هل أنّ “المأمور” مطالب بتنفيذ الأوامر الصادرة إليه من “آمر” ليس برئيسه في إطار “الخدمة” وبالتالي هل يجوز “للآمر” باعتباره رئيسا بحسب رتبته[9] أن يصدر أمرا إلى عسكري غير خاضع له مباشرة ولكنه أعلى منه رتبة، وهنا يكون واجب الطاعة غير مرتبط بتسلسل الرتب العسكرية وإنما بتبعية المرؤوس للرئيس في أمر يتعلق باختصاصه أو سلطته[10]، وهذا ما يجد أساسه في نص الفصل 16 من التعليمات الوزارية حول قواعد الانضباط العام بالجيش والذي جاء فيه أن “العسكري الأعلى رتبة لا يمكنه إصدار الأوامر لمرؤوس لا يخضع لسلطته إلا في إطار تطبيق القواعد العامة للانضباط”.

لكن الجدير بالطرح في هذا الصدد هو أن أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية لم تتعرض إلى أمر غاية في الأهمية ألا وهو هل أن عدم إطاعة “الآمر” في تنفيذ أمر غير شرعي يدين “المأمور” بجريمة عدم إطاعة الأوامر أم لا ؟

كان أحرى بالمشرع أن يتعرّض لذلك صلب المجلة باعتبار أن الفصل 18 من التعليمات الوزارية المتعلقة بالانضباط العام للجيش قد تعرض لذلك ومنع الآمر الرئيس من إصدار أوامر للمرؤوس تؤدي إلى قيام مسؤوليته الجزائية[11].

أما عن الفصل 79 م.م.ع.ع في فقرتيه الأولى والثانية فقد تعرض إلى ظروف تشديد لا تغير من وصف الجريمة والتي تبقى جنحة ولكن ترفع في حدة العقاب الأدنى باعتبار أن العقاب الأقصى لجنحة عدم إطاعة الأوامر هو السنتين والأدنى هو الشهر.

ما يستشفّ بالرجوع إلى الفصل 78 م.م.ع.ع هو أن المتهم في إطار هاته الجنحة يمكن أن يعاقب بالعقوبات الانضباطية وزيادة على ذلك بالعقوبة الجزائية المقررة في ذات الفصل، وهذا ما يطرح مشكلا حول الضمانات، فالأصل أنه لا يعاقب الشخص من أجل فعل واحد مرتين، وهذا ما يطرح عديد التساؤلات في هذا الصدد بحيث يعاقب المتهم بعقوبة انضباطية أساسها قواعد الانضباط العام ويعاقب زيادة على ذلك بعقوبة جزائية أساسها أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، وهذا ما يستدعي مراجعة في هذا الشأن من طرف المشرع رغم ما يساق من تبريرات بخصوص طبيعة الحياة العسكرية ونظام الجيش.

إضافة إلى ما تقدم فإن المشرع قد أقر جريمة أخرى في هذا الصدد وهي مخالفة التعليمات العسكرية والمكونة لجنحة وذلك ضمن أحكام الفصل 112 م.م.ع.ع وهي خلافا إلى جنحة عدم إطاعة الأوامر التي تقتضي القيام بفعل أساسي ألا وهو الامتناع فإن هاته الجنحة تقتضي القيام بفعل إيجابي وهو مخالفة الأمر، وقد أقرّ المشرع عقوبة لذلك بالفقرة الأولى من ذات الفصل تتراوح بين شهرين وسنتين سجن، على أن المشرع أردفها بظروف تشديد في الفقرة الثانية، ترتفع معها العقوبة إلى خمس سنوات، وهي صورة حصول الجريمة أمام متمردين أو داخل قلعة أو ترسانة أو أمام مستودع للذخيرة أو منطقة حرب أو حصار.

والملاحظ في هذا الفصل أن المشرع وسّع نطاق ومجال التجريم بعدم حصره للمخالفات الموجبة للعقوبة، وقد اعتبرت[12] المحكمة العسكرية الدائمة بتونس في حكمها الصادر في 6 مارس 1997 أن العسكري الذي سافر إلى الولايات المتحدة في إطار تربص ولم يعد إلى أرض الوطن ماكثا هناك، يعد مرتكبا لجريمة مخالفة التعليمات العسكرية[13]، وهو ما لا يجد أساسه صلب أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، ولكن مناطه توسيع مجال التجريم بعد حصره وهو ما يعد تعسفا على الضمانات الواجب توفرها للمتهم انطلاقا من نص التجريم.

هذا وتعتبر جريمة عدم المشاركة في المحاكمات العسكرية المنصوص عليها بالفصل 114 م.م.ع.ع، من جنح مخالفة التعليمات، وتوجب عقوبة تتراوح بين الشهرين والستة أشهر سجن، ومناط التجريم متمثل في فعل الامتناع بعذر غير شرعي، لكن يبقى الإشكال مطروحا بخصوص الأساس الإلزامي في تأليف محكمة عسكرية وهو ما يقلص من ضمانات المتهم في هذا الصدد.

ب – جنح الاعتداء على الرّؤساء وتحقيرهم

يمثّل الاعتداء على الآمر بوصفه رئيسا أو على الأعلى رتبة في نظام الحياة العسكرية، جريمة ويمكن أن يكون الاعتداء ماديا مثل العنف أو معنويا مثل التحقير، وتكوّن هاته الجرائم جنحا، وفق ما ورد بالفصل 88 م.م.ع.ع والفصل 89 م.م.ع.ع وذلك على أساس العقوبات المقررة والتي تتراوح بين الشهرين إلى الثلاث سنوات سجن.

ولئن مثلت هاته الجرائم جنحا عسكرية صرفة، وهي بالتالي جرائم عسكرية بامتياز باعتبارها لا تقع إلا من عسكري على عسكري في إطار ما يعرف بالتسلسل الرئاسي وقاعدة الرتب العسكرية، وما تفرضه من ضرورة احترام الرؤساء في إطار طبيعة الحياة العسكرية[14].

إلا أننا بالرجوع إلى النصوص مناط التجريم في هذا الخصوص، نلاحظ أن المشرع بقدر ما سعى إلى حماية الرؤساء ربما لما “يمثلونه من سلطة رئاسية تجاه مرؤوسيهم”[15]، فإنه لم يوازن بين مصلحة المتهم من خلال حقه في ضمانات عادلة على أساس نص التجريم، ومصلحة النظام العسكري من خلال مصلحة الرؤساء الأعلى رتبة، وبذلك فقد وسع المشرع في مجال التجريم انطلاقا من النصوص المذكورة بحيث لم يقم بتحديد كيفية الاعتداء ولا وسائله ولا اعتبار النتائج المترتبة عن ذلك الاعتداء، إذ أن المشرع الجزائي العسكري صلب النصوص المنظمة لهاته الجريمة بمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، قد اعتبر مجرد المس من الرؤساء مهما كانت بساطته،

جريمة مكوّنة لجنحة عسكرية، وهو ما يدفعنا إلى القول بأنه كان حريّا بالمشرع، توخّي الدقة في مجال التجريم بطريقة تضمن للمتهم أساسا مقبولا من العدالة، عملا بمبدأ التناسب بين الجريمة أو الفعل المكون للجريمة والعقاب المقرر لها، خصوصا وأننا حيال جريمة تصنف أو توصف بالجنحة والتي يمكن أن تصل العقوبة فيها إلى خمس سنوات، ولعل الأمر يكون على غاية من الخطورة في صورة إدانة عسكري حتى على أساس نظرات قد يراها رئيسه تقلل من احترامه، إذ أن ذلك يعد حسب أحكام الفصل 89 م.م.ع.ع جريمة مكوّنة لجنحة اعتمادا على اتساع مجال التجريم بحيث يمكن لقاضي الموضوع أن يقدّر مدى ثبوت الفعل الإجرامي من عدمه واتساع سلطة التقدير لديه، أساسها اتساع مجال التجريم الوارد بالنص، ولعل أبرز مثال على ذلك ما ذهبت إليه محكمة التعقيب في قرارها عدد 9025 مؤرخ في 16 ماي 2001[16]،

أين رفضت قبول مطلب التعقيب من ناحية الأصل واعتبرت أن المطاعن كانت ترمي لمناقشة اجتهاد محكمة الموضوع، من ناحية الأصل واعتبرت أن ما ذهبت إليه المحكمة العسكرية الدائمة بتونس في حكمها عدد 7607 والمؤرخ في 21 نوفمبر 2000 يدخل في سلطتها في تقدير الوقائع والذي كان معللا، أين اعتبرت المحكمة العسكرية أن مجرد توجيه نظرات ازدراء وعدم أداء التحية للرئيس العسكري مما تقوم به جريمة الفصل 89 م.م.ع.ع وهو ما يزيد من تأكيد إلزامية توخي الدقة من طرف المشرع الجزائي العسكري في تحديد مجال التجريم.

ج – جنح العصيان العسكري

لقد تعرض المشرع صلب أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية إلى جنح العصيان العسكري صلب الفصل 80 م.م.ع.ع، ولئن قام المشرع بتبيان صور العصيان العسكري وذلك بتحديد شروطه فإنه لم يقم بتعريفه، لكن ما يميز جريمة العصيان أنها جريمة مميزة من حيث أساسها بحيث كونها على صلة مباشرة ووثيقة بنظام الحياة العسكرية وطبيعتها.

وجنحة العصيان العسكري نظمتها الفقرة (أ) من الفصل المذكور، وتقتضي لقيامها وفق أحكام الفقرة المذكورة توفر أربعة شروط موحّدة:

أوّلها : أن يكون مرتكبو جريمة العصيان عسكريين

ثانيها: أن يكون هؤلاء العسكريون تحت السلاح

ثالثها: أن يكون عددهم أربعة على الأقل

رابعها: أن يرفضوا الإذعان لأوامر آمريهم لدى أول إنذار ويكون ذلك اتفاقا بينهم.

ولقد أقر المشرع بذات الفصل عقوبة ثلاثة أعوام سجنا وإذا قامت جريمة العصيان على صورة الفقرة المبيّنة أعلاه وهو ما يكسبها وصف الجنحة. إلا أن الإشكال المطروح، في هذا الصدد هو مسألة الاتفاق وهو الركن المعنوي في هاته الجريمة إذ كيف يمكن إثباته باعتبار أن المشرع اشترط وجود الاتفاق بين أربعة عسكريين إذ يمكن لكل منهم أن يرتكب العصيان دون أن يتفق مع الآخر، لكن الصدفة جعلت عددهم أربعة أو أكثر وقاموا بنفس الفعل دون اتفاق، فهل تقوم الجريمة حينئذ بالرجوع إلى نص الفصل المذكور في فقرته (أ) ؟ لا تقوم الجريمة طالما أن “الاتفاق”غير موجود، والإشكال في التطبيق بحيث يمكن اعتبار إتيان العسكريين لنفس الفعل في نفس الظروف وهم مجتمعون، قياما لركن الاتفاق اعتباريا، وإن صحّ ذلك يكون فيه تجنّ على المتهم في هاته الجريمة بناء على الصورة المعروضة أعلاه، لذلك كان على المشرع أن يكون أكثر دقة في تحديد أركان هاته الجريمة بصريح النص ضمانا لحق المتهمين موضوعيا في إطارها.

الفقرة الثّالثة : جنح تجاوز حدود السّلطة

إنّ جنح تجاوز حدود السلطة متعلقة أساسا بالعسكرييّن ذوي الرّتب العالية، ويمكن لهاته الجنح أن تتّخذ شكل اعتداء العسكري على من أقلّ منه رتبة أو تحقيره، وذلك طبق صور الفصول 93 م.م.ع.ع و94 م.م.ع.ع كما يمكن أن تتخذ شكل إساءة استعمال السلطة الممنوحة بمقتضى التسخير، أو مباشرة التسخير بدون إذن وذلك طبق صور الفصل 96 م.م.ع.ع.

وتتراوح العقوبة المقررة لجرائم تجاوز حدود السلطة والمكونة لجنحة من شهر إلى ثلاثة أعوام سجن طبق الصور المقررة بالفصول المشار إليها أعلاه والتي وردت ضمن القسم الثالث تحت عنوان “تجاوز حدود السلطة” والوارد ضمن الباب الثالث من الكتاب الثاني من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية.

وبناءا على ما تقدّم، نلاحظ أنّ جريمة الاعتداء على عسكري والمكوّنة لجنحة تجاوز حدود السّلطة، وفق صورة الفصل 93 م.م.ع.ع يجب أن يكون الفاعل فيها عسكريّا وأن يكون المعتدي عليه كذلك عسكريّا أقلّ رتبة من المعتدي، وضرورة أن يكون الاعتداء في إطار الخدمة مع علم المعتدي برتبة المعتدى عليه وهي شروط واجبة التوفر لقيام جنحة تجاوز حدود السلطة في هذه الصورة، وهاته الشّروط تمثل ضمانة للمتّهم في حدّ ذاتها إذ بانتفائها لا تقوم الجريمة في حقّه ومن ذلك إذا كان الاعتداء صادرا بمناسبة الدّفاع عن النّفس أو الغير والتّي اعتبرها المشرع الجزائي العسكري بمثابة حالة الدفاع الشرعي أو إرجاع الهاربين أمام العدوّ أو أمام المتمردين، أو كان الاعتداء الهدف منه إيقاف السلب والتدمير.

لكن تبقى صورة التحقير المكونة لجنحة تجاوز حدود السلطة الواردة ضمن أحكام الفصل 94 م.م.ع.ع محل إشكال إذ ماذا يقصد المشرع بعبارة “تحقير جسيم” وما هو المعيار المحدد للجسامة من عدمها ؟ ثم كيفية إثبات الاعتداء بالتحقير ؟ هاته الإشكالات كان بالإمكان تلافيها وذلك بتحديد مجال التجريم في هذا النص واستعمال مصطلحات وعبارات دقيقة وواضحة واجتناب التّعابير الفضفاضة التي تسمح بالتّوسع في أساس التّجريم وهو ما يتنافى ومصلحة المتّهم وبالتّالي ضماناته في إطار النّص المُجرِّم.

الفصل الثّاني : جنح الاعتداء على المصالح العسكريّة

رغم أن المشرع في إطار أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية قد اهتم بجرائم الإخلال بالتراتيب العسكرية والانضباطية، وهو ما تعرضنا له سابقا في إطار بحثنا في جانب الضمانات من خلال عرضنا لتلك الجرائم، إلا أن المشرع في ذات الإطار لم يهمل جانب الحفاظ على المصلحة العسكرية بصفة عامة، فهل راعى المشرع الجزائي العسكري، ضمانات المتهم في مستوى النصوص المجرّمة للاعتداء على المصالح العسكرية والمكوّنة لجنح ؟

للبحث في جانب الضمانات في هذا الصدد سنتعرض إلى جنح الاعتداء على المصالح العسكرية والتي يمكن أن تكون اعتداء على المصالح المادية للجيش(الفقرة الأولى) كما يمكن أن تكون اعتداءا على المصالح المعنوية للجيش (الفقرة الثّانية) وفي كلتا الصّورتين، فإنّ هاته الجرائم تتميّز بخطورتها وهو ما يحتّم مراعاة شروط الضّمانات الضروريّة المتعلّقة بالنّصوص المجرّمة في حدّ ذاتها.

الفقرة الأولى : جنح الاعتداء على المصالح الماديّة للجيش

إن ارتباط الميدان العسكري، ونطاق عمل الجيش بمسألة الدفاع والذود عن حمى الوطن، هو أساس حرص المشرع على حماية المصالح المادية للجيش والمتمثلة في كل ممتلكات الجيش من معدات وآلات وتجهيزات وغيرها وهي التي تمثل الوسائل المعتمدة في أداء الجيش لواجبه ومهامه[17].

وهذا ما أدى بالمشرع الجزائي العسكري إلى إقرار تجريم الأفعال المتمثلة في تدمير وتخريب وإتلاف متاع الجيش ( أ ) وكذلك اختلاسه وبيعه ورهنه ( ب ) وهي جرائم تتّصف بالجنح، لكن المهمّ في سياق بحثنا، هل تضمن النّصوص المقرّرة لهاته الجرائم شروط عدالة النّص الجزائي بما يؤسّس لضمانات المتّهم الموضوعيّة، في هذا الجانب ؟ وهو ما سنتعرّض له من خلال ما يأتي من تحليل.

أ – جنح التّدمير والتّخريب والإتلاف

إن هاته الجنح، تجد أساسها ضمن منطوق الفصل 107 م.م.ع.ع والذي تعرض إلى أعمال الاتلاف والكسر والتعطيل لمتاع الجيش، حيث نص الفصل المذكور على ما يأتي:

“يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين كل عسكري يتعمد إتلاف او كسر أو تعطيل الأسلحة والأعتدة والأجهزة والألبسة والحيوانات وأي شيء من أشياء الجيش سواء كانت هاته الأشياء في حفظه أو في حفظ غيره”.

من خلال عبارات هذا النص نستشف الطبيعة العسكرية الصّرفة أو الخالصة لجريمة التدمير والتخرييب والإتلاف، بحيث أن يكون مرتكبها عسكري وبالتالي لا يعدو أن يكون المتهم في إطار هاته الجريمة سوى عسكريا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فموضوع الجريمة في حد ذاته أي بالأحرى العمل المكوّن للجريمة يتسلّط على متاع الجيش يعني كل ما من شأنه أن يكون ملكا تابعا للجيش دون سواه، إلى هذا الحد تتوفر شروط وضمانات ضرورية للمتهم في إطار هذا النص من حيث أساس التجريم، بحيث تم تحديد صفة مرتكب الفعل المجرّم، والجهة المتسلّط عليها الفعل بصفة دقيقة.

إلا أنّ اللّبس في هذا الصدد يكمن في تعداد المشرع للاشياء المتسلط عليها فعل الإتلاف والكسر والتعطيل بطريقة لم تؤدي مقصوده مما جعله يستدرك ويدرج عبارة “أو أي شيء من أشياء الجيش”، ومما يدعم هذا الطرح هو ذكر المشرع للحيوانات من حيث الأشياء المتسلط عليها فعل الإتلاف والكسر والتعطيل على ان الحيوانات لا تتلف ولا تكسر ولا تعطل، وإنما تقتل أو تتضرر من جراء الضرب والاعتداء أو تسرق، وهو ما يجرنا إلى الإقرار بعدم الوضوح والضبابية التي رافقت النّص في هذا الصدد وهو ما يستدعي مزيدا من الدقة حفاظا على ضمانات نص التجريم التي تصبّ في مصلحة المتهم انطلاقا من مبدأ عدالة النص.

ومن ناحية أخرى فإن ساوى المشرع في الجزاء بحيث أقر نفس العقاب لنفس الأفعال المجرمة وهي الكسر والتعطيل والإتلاف فإنّ هاته الأفعال لا تحدث بالضرورة نفس النتيجة ولا ترتب نفس الأضرار والآثار على الشيء المسلّطة عليه وبالتالي فإن المساواة بينها في الأساس وفي العقاب يعد إجحافا في حق المتهم.

بقي وجب أن نؤكد على الركن القصدي في هاته الجريمة وهو أن يكون الفاعل متعمّدا، مما يوجب عدم تجريم الأفعال المذكورة في النص، في غياب ركن التعمّد والذي يصعب إثباته.

أخيرا نشير إلى أن المشرع صلب ذات الفصل لم يرتّب الجزاء بناء على نتيجة الفعل أو الضرر اللاحق منه، بل جرّم الفعل في حدّ ذاته بمنأى عن نتيجته وآثاره وهو ما يزيد في تأكيد ضرب ضمانات أساس التّجريم من خلال النص المذكور بحيث أن الأفعال المشار إليها يمكن أن ترتّب آثارا وضررا كما يمكن أن لا ترتّب أي ضرر وأي أثر مع ثبوت القيام بها، وكان أحرى بالمشرع أن يفصل بين ذلك وذاك، ضمانا لقيام عدالة النص الجزائي وملائمة الجزاء للفعل المرتكب في إطار الجريمة العسكرية.

ب – جنح اختلاس متاع الجيش وبيعه ورهنه واستبداله

وردت هذه الجرائم المكونة لجنح، ضمن الفصل 100 م.م.ع.ع وفي فقرته الأولى تحديدا، وقد جاء الفصل المذكور بالقسم الرابع تحت عنوان “اختلاس متاع الجيش وإخفاؤه”، ضمن الباب الثالث من الكتاب الثاني لمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، وقد وقع تنقيح الفصل المذكور بموجب أحكام الفصل 8 من القانون عدد 23 لسنة 1789 والمؤرخ في 27 فيفري 1989.

ولقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 100 م.م.ع.ع على ما يأتي: “يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام كل عسكري يسرق أو يبيع أو يرهن أو يختلس أو يبدل عن سوء نية الأعتدة والأجهزة والألبسة والأسلحة والذخائر والحيوانات أو أي شيء من متاع الجيش التونسي أو جيش حليف”.

إن الإقرار بضرورة أن يكون مرتكب الأفعال المجرّمة أو أحدها صلب نص الفصل عسكريا يعتبر تحديدا ينمّ عن وضوح في هذا الصدد وبالتالي فإن التّجريم على أساس هذا النص لا يمكن أن يكون إلا في حق عسكري إقترف أحد تلك الأفعال المذكورة، بما أن المشرع تعرض إلى عبارة “كل عسكري” وهذا ما يؤول بنا إلى اعتبار أنه في صورة ما إذا كان المتهم مدنيا فإنه لا يعاقب على أساس أحكام هذا الفصل بل على أساس أحكام المجلة الجزائية، إلا أنه في صورة ما إذا كان الشريك مدنيا فلا شيء يمنع من إحالته[18] على المحكمة العسكرية من أجل المشاركة،

وهو ما ذهبت إليه المحكمة العسكرية الدائمة بتونس في حكمها الجناحي[19] عدد 26273 والمؤرخ في 19 نوفمبر 1981، وأيدتها في حكمها محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 28 أفريل 1982 تحت عدد 6777[20]، ولكن وجب أن نشير إلى أن إحالة الشريك المدني في هاته الجريمة على المحكمة لا يعني تطبيق أحكام الفصل 100 م.م.ع.ع فقرة أولى وإنما تطبق عليه أحكام المجلة الجزائية.

من ناحية أخرى نستشف من منطوق النص أن المشرع قد عدد الأفعال المجرمة والمكونة لهاته الجنحة، من سرقة وبيع ورهن واختلاس “وإبدال عن سوء نية”، وهذا ما يطرح تساؤلا بخصوص المساواة بين جميع هاته الأفعال والتي تختلف من حيث طبيعتها ومن حيث الآثار المترتّبة عنها، وبالتالي عدم التدقيق في ذلك مع إقرار نفس العقاب المقرّر وهو ما يمثّل تحديدا للضمانات ضمن هذا الإطار التّجريمي.

كما أن المشرع صلب ذات الفصل قد وسّع من مجال التجريم بتعداده للأشياء والأمتعة المسلط عليها الفعل المجرم، مع أننا نلحظ بصفة جلية اختلاف هاته الأمتعة من حيث طبيعتها وحجمها وأهميتها وحتى خطورتها، فهل راعى المشرع في هذا الصدد ضمانات المتهم من خلال إقرار عدالة نصية في أساس التجريم ؟ لا يبدو ذلك واضحا بما أننا لا يمكن أن نساوي بين اختلاس ذخيرة أو بيعها وبين اختلاس ألبسة[21] أو بيعها بحكم خطورة استعمالات الأولى، وبالتالي فإن إقرار نفس الوصف والعقوبة للحالات المذكورة سواء من حيث الأفعال المرتكبة أو من حيث موضوعها، يمثل تحديدا في نطاق الضمانات الموضوعية للمتهم المتعلقة بأساس التجريم الذي يجب أن يؤسس على نص عادل.

الفقرة الثّانية : جنح الاعتداء على المصالح المعنويّة للجيش

بالرّجوع إلى مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة، نلاحظ أنّ جنح الاعتداء على مصالح الجيش المعنويّة قد وردت متفرّقة، ويمكن حصرها في جنح المساس بسمعة الجيش ومعنويّاته ( أ ) وكذلك جنح انتحال الألبسة والأوسمة والشّارات ( ب ) إلى جانب جنح الانتماء والاشتراك في الأعمال السياسية ( ج ).

أ – جنح المساس بسمعة الجيش ومعنويّاته

لقد نظّم المشرع هاته الجنح صلب الفصل 91 م.م.ع.ع وذلك في فقرته الأولى والثانية، وما يلاحظ بالرجوع إلى نص الفصل المذكور هو تعدد صور المساس بسمعة الجيش أو الاعتداء المعنوي على الجيش والذي يصل إلى تحقير العلم وانتقاد أعمال القيادة العامة والمسّ بكرامة وسمعة ومعنويات الجيش وغيرها.

ما نلاحظه هنا هو توسّع المشرع في مجال التجريم، بحيث وردت عبارات النص مطلقة وفضفاضة وغير دقيقة، وبالتالي فلا يمكن حصر الأفعال التي تعتبر تعديا على معنويات الجيش ومساسا بسمعته أو تحقيره وهذا ما يؤكد ضرورة توخي الدقة والوضوح من طرف المشرع في صياغة هذه النصوص الجزائية، هذا إضافة إلى أن المشرع لم يقتصر على تجريم العسكري فقط بل حتى المدني كذلك، وهذا بذاته اتساع في نطاق مرتكب الفعل المجرّم.

ولقد أثارت محاكمة “أيوب المسعودي” المستشار السابق لرئيس الجمهورية في إطار القضية عدد 82740، أمام المحكمة العسكرية في 21 سبتمبر 2012، أثارت ضجّة كبرى في هذا الخصوص، وذلك بعد مقاضاته على أساس الفصل 91 م.م.ع.ع، بناء على الدعوى المقامة ضدّه من طرف قائد أركان الجيوش الثّلاث الفريق أوّل “رشيد عمار” وكذلك وزير الدّفاع الوطني “عبد الكريم الزّبيدي”، إثر تصريحات “المسعودي” التّي أدلى بها إلى وسيلة إعلامية، حيث قضت المحكمة الابتدائية العسكريّة الدائمة بتونس بإدانته وذلك بسجنه مدة أربعة أشهر وإسعافه بتأجيل التّنفيذ مع تخطئته بالدّينار الرّمزي، إلا أنّ محكمة الاستئناف أقرّت الحكم الابتدائي مع تعديل نصّه بأن رفّعت في العقاب إلى عام واحد مع الإسعاف بتأجيل التنفيذ، كما أقرّت في حقّه عقوبات تكميليّة، وهي حرمانه من مباشرة الوظيفة العموميّة ومن حمل السّلاح وكل الأوسمة الشرفية والرسمية.

وهو ما يطرح إشكالا يتعلق بمسألة ضمانات المتهم موضوعيا، سيما وأنّ نص الفصل 91 م.م.ع.ع، يطال المدنيين حتى في صورة مجرّد انتقاد أعمال القيادة العامة للجيش، والأخطر من ذلك تسليط مثل هاته العقوبات التكميلية. فهل أنّ نقدنا للتشريع الجزائي العسكري وقضائه، بخصوص موضوع بحثنا يمكن أن تقوم معه في حقنا جريمة الفصل 91 م.م.ع.ع ؟

ولئن أقرّ المشرع ضرورة توفّر ركن التعمّد في هاته الأفعال، فإن الركن المادي المتمثل في الأفعال في حد ذاتها والوسائل المعتمدة، لم يتميّز بالدقّة والوضوح مما يوسّع نطاق التّجريم، ولعل ورود الفقرتين الأولى والثانية بالنص المذكور بصيغة تحريرية وتأليفية تؤكّد مجانبتهما لطبيعة وخاصيّات النص الجزائي الذي يجب أن يكون مختصرا واضحا ودقيقا، وليس تحريريا وتأليفيا وفضفاضا بما يؤسس لضرب غير مباشر لجانب الضمانات في هذا المستوى.

ب – جنح انتحال الألبسة والأوسمة والشّارات

تعتبر جريمة انتحال الألبسة والأوسمة والشارات من قبيل الجرائم التي فيها مسّ وتعدّ على الجانب المعنوي للجيش، نظرا لما تمثله الأزياء والأوسمة والشارات العسكرية من رمزية في إطار الحياة العسكرية[22]. وقد تعرض المشرع لهاته الجرائم صلب الفصول 125 و126 و127 م.م.ع.ع والتي وردت ضمن القسم الحادي عشر تحت عنوان “انتحال الألبسة والأوسمة والشارات” وذلك بالباب الثالث من الكتاب الثاني. حيث أقر المشرع صلب الفصل 125 م.م.ع.ع والفصل 126 م.م.ع.ع ضرورة أن يكون مرتكب هاته الجرائم عسكري وأن يحمل ألبسة وأوسمة أو شارات لاحق له فيها أو بدون إذن وذلك بصفة علانية. إذ يجب أن يأذن له مسبقا بحمل شارات أجنبية وإن حملها في غياب الإذن يجرّم.

ويبقى الجدل قائما بخصوص صفة العلنية[23] وهي الركن الأساسي في هاته الجريمة.

أما صورة الفصل 127 م.م.ع.ع فتتجاوز العسكريين إلى “كل شخص”، بخصوص حمل شارات الهلال أو الصليب الأحمر أو ما شابهها، وقد أقر المشرع في هاته الصورة نفس العقوبة المقررة بالفصلين السابقين وهي السجن من شهرين إلى سنتين، وهو ما يطرح إشكالا بخصوص ضمانات ملائمة الجزاء للفعل المجرم، وهذا ما تطرحه صور التّجريم الواردة في خصوص جنح انتحال الألبسة والأوسمة والشارات.

ج – جنح الانتماء إلى الأحزاب السّياسية والاشتراك في أعمالها

لقد تعرض المشرع لهاته الجنح صلب أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وقد خصها بقسم كامل وهو القسم الثاني عشر من الباب الثالث ضمن الكتاب الثاني من المجلة، ونظمته الفصول من 128 إلى 131.

إنّ صلة هاته الجرائم بمصالح الجيش المعنوية تجد أساسها في ضرورة استقلالية المؤسسة العسكرية عن كل عمل ونشاط سياسي وهو ما تفرضه طبيعة الحياة العسكرية.

أما عن صفة مرتكب الفعل المجرّم فقد تم حصره في الفصلين 128 و129 م.م.ع.ع، في العسكريين دون سواهم، ولكن الملاحظ هنا هو اتّساع مجال التجريم في الفقرات أ – ب – ج من الفصل 128 م.م.ع.ع بحيث أن مجرد الاشتراك في اجتماع أو مظاهرة ذات هدف سياسي، تقوم معه الجريمة، وهذا يعتبر تعسّفا وإجحافا في حق المتهم، باعتبار أن العقوبة في حد ذاتها ممكن أن تصل إلى خمسة سنوات ولا تقل عن العامين وفق أحكام الفصل 129 م.م.ع.ع.

والملاحظ إضافة إلى ذلك هو عدم تحديد الأعمال السياسية ولا ماهيّة الأهداف السياسية وهو ما يطرح مشكلا قد يؤثر على العسكري الذي يواجه تهمة الانتماء أو الاشتراك في عمل سياسي.

أمّا بخصوص صورة الفصلين 130 و131 م.م.ع.ع فقد وسّع المشرع من صفة المرتكبين لهاته الجريمة لتتجاوز العسكريين إلى المدنيين الذين يحرّضون العسكري على الانتماء إلى عمل سياسي، أو إذا ما قبلوا عسكريا كعضو في تنظيم سياسي هم مؤسّسوه.

ولكنّ الإشكال المطروح هو أنّ المشرع يعتبر الجريمة قائمة حتّى في غياب أيّة نتيجة أو آثار لها وهو ما يجعل من النّص نصّا متشدّدا وبالتّالي من الواجب مراجعة هذا الخصوص بمزيد اعتماد الدقّة والوضوح في النصّ مع التّقليص من صبغته المتشدّدة ضمانا لمصلحة وحقوق المتّهم في هذا الإطار.

[1] محمود محمود مصطفى، الجرائم العسكرية في القانون المقارن، جزء أول وثاني، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971، ص.103.

[2] نوفل بوقديدة، جرائم الفرار من الجندية، التخلف وعدم تلبية الدعوة للخدمة العسكرية، رسالة لنيل شهادة ختم الدروس، المعهد الأعلى للقضاء، 1996 – 1997، ص. 39.

[3] لبنى عباسي، مرجع نظر المحاكم العسكرية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، 2009 – 2010، ص. 38.

[4] يراجع : قرار تعقيبي جزائي عدد 254 مؤرخ في 05 جويلية 1976، ن.م.ت، 1976، ق.ج، عدد 2223 لسنة 2002 مؤرخ في 23 جانفي 2002 المتعلق بضبط قواعد الانضباط العام.

[5] يراجع الحبيب تريمش، “القضاء العسكري التونسي”، دراسة تحليلية وتطبيقية لمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، شركة فنون الرسم والنشر والصحافة، تونس، 1993. ص 230 و ما بعدها .

[6] أنظر الحكم عدد 11083 المؤرخ في 06 مارس 1997، الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة بصفاقس.

[7] يراجع المقرر الوزاري حول قواعد الانضباط العام بالجيش

[8] كلثوم بن عطية بن هداج، الجريمة العسكرية، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، 2000-2001 ، ص. 81.

[9] أنظر الفصل 7 من المقرر الوزاري حول قواعد الانضباط العام بالجيش، مرجع سابق.

[10] محمود محمود مصطفى، مرجع سابق، عدد 82، ص. 148.

[11] راجع الفصل 18 فقرة ثالثة من التعليمات الوزارية حول الانضباط العام بالجيش.

[12] كلثوم عطية بن هداج، مرجع سابق، ص. 83.

[13] حكم عدد 117083 مؤرخ في 6 مارس 1997 صادر عن المحكمة العسكرية الدائمة بتونس (غير منشور).

[14] قواعد الانضباط العام، مرجع سابق.

[15] كلثوم بن عطية بن هداج، مرجع سابق، ص. 86.

[16] قرار تعقيبي جزائي عدد 9095 مؤرخ في 16 ماي 2001 (غير منشور).

[17] الحبيب تريمش، مرجع سابق، ص. 285 وما بعدها.

[18] كلثوم بن عطية بن هداج، مرج سابق، ص. 103.

[19] حكم جناحي صادر عن المحكمة العسكرية الدائمة بتونس عدد 26273 مؤرخ في 19 نوفمبر 1981 (غير منشور) وتفيد وقائعه “أن جنديا سرق ملابس عسكرية ووضعها في حقيبة وألقى بها خارج السور لصديقه وهو (مدني) الذي جاء لزيارته بعد أن اتفقا على أخذ تلك الحقيبة إلى مسقط رأسهما”. وقد أقرت المحكمة العسكرية الدائمة بتونس أن المشاركة في اختلاس متاع الجيش يعاقب عليها وفق الفصلين 32 من المجلة الجنائية و100 م.م.ع.ع وإن كان الشريك غير عسكري.

[20] قرار تعقيبي جزائي عدد 6777 مؤرخ في 28 أفريل 1982 (غير منشور).

[21] قرار تعقيبي صادر عن المحكمة العسكرية الابتدائية بتونس بتاريخ 30 ماي 1984 قضت فيه المحكمة بالسجن 3 أشهر على عسكري باع معطفا عسكريا واستبدله بآخر (غير منشور) والثاني بتاريخ 13 جوان 1985 قضت فيه المحكمة بالسجن شهرين على عسكري قام برهن معطفه (غير منشور).

[22] BACCOUCHE (N), Répression disciplinaire et répression pénale des agents publics en droit tunisien, thèse de doctorat d’Etat, faculté de droit et des sciences politiques et économiques de Tunis, 1986, p. 173 et 174.

[23] يراجع حكم جناحي صادر عن المحكمة العسكرية الدائمة بتونس تحت عدد 1459 بتاريخ 9 جانفي 1963 (غير منشور).