التنظيم القضائي الجديد و إكمال المشروع

عودا على التنظيم القضائي الجديد فلا شك أن هذا التنظيم من أهم وأبرز الإصلاحات في البيئة القضائية في المملكة, وقد أشرت إلى عناصر هذا التطوير في مقال سابق, إلا أنه لا بد من القول إنه لتمام هذا المشروع الضخم فقد تبقى بعض التطويرات المهمة, ومنها: ما يتطلب إحداثا وتشريعا “مثل: المحاكم أو الدوائر العقارية ومدونة للمعاملات المالية والعقوبات وغيرها من الأنظمة الموضوعية”, أو: تعديلا كالأنظمة الإجرائية, “المرافعات والإجراءات الجزائية والتحكيم وغيرها – والجهة المعنية تقوم على هذا في الوقت الحالي-” أو: إلغاءً كبعض الأنظمة القديمة والمتعارضة مع الأنظمة المعمول بها “مثل: تركيز المسؤوليات ونظام المحكمة التجارية وإدراج ما تبقى منهما بعد إعادة صياغته في الأنظمة ذات العلاقة, كما أن هناك من الأوضاع والأحكام والإجراءات في الجهات القضائية ما يلزم إلغاؤه لتسببه في عدم كفاءة العمل القضائي, ومن ذلك: إسناد الكثير من الأعمال القضائية للقضاة.
وباستعراض بعض الأعمال الإدارية التي يقوم بها القضاة في الجهات القضائية ومحاولة التعرف على نسبة ما تشغله هذه الأعمال اتضح أنها نسبة كبيرة جدا استنادا إلى عدم تعلقها بالعمل القضائي وإمكانية أن يقوم بها غيرهم, فالأنظمة تجعل القاضي مسؤولا عن جميع المعاملات والقضايا الواردة إلى المحكمة والصادرة منها, وعن جميع موظفي المحكمة ولا يصدر أي أمر من أحد منهم إلا بعد إطلاعه وأمره, وهو المعني بمراقبة أعمال جميع الموظفين المذكورين وهو المسؤول عن تطبيق التعليمات والنظم المبلغة للمحكمة, وإمعانا في تركيز المسؤولية فقد أسندت إليه إحالة الصكوك إلى المسجل عن طريق رئيس الكتاب لتسجيلها, والأمر على المسجل بالشرح على هوامش السجلات والصكوك بما تقتضيه المعاملات الصادرة لديه, وحفظ الختم الرسمي العائد للمحكمة الشرعية الذي يختم به في الصكوك, والتوقيع على العبارات التي تحرر في أول السجلات وآخرها بعدد صفحاتها ووثائقها بعد التحقق من ذلك و الختم بختم المحكمة على صفحات سجلاتها وضبطها فوق رقم الصفحات, والختم على جميع الهوامش التي تقع في السجل, بل ذهب المنظم إلى أبعد من هذا حيث ورد في المادة السابعة من نظام المرافعات الشرعية – مع حداثته – تكليف القاضي بتولي تحرير المحضر في حال لم يكن هناك كاتب, وعلى هذا فإن وقتا طويلا من أوقات القضاة يصرف لغير الأعمال القضائية المباشرة مما يؤثر سلبا في السرعة في الإنجاز والجودة في العمل, ويحتم إيجاد وظيفة يكون صاحبها المسؤول الأول عن الأعمال الإدارية والمعني بإدارة مكتب القاضي “أمين السر” أو “مدير المكتب” أو “رئيس كتاب الضبط” كما هي تسميته في النظام في المملكة.
وقد أخذت بعض النظم القضائية بتوجهات متطورة بهذا الخصوص أدت في بعض الأحيان إلى إسناد بعض الأعمال القضائية إلى غير القضاة وفقا لأنظمة وإجراءات محددة, ففي الولايات المتحدة الأمريكية يوجد ما يسمى بـ:” الموظف القانوني” و الذي يقوم بإعداد البحوث القانونية, والمذكرات الخاصة بالدعوى فيلخص الوقائع والمسائل ويقدم تحليلاته ويحرر مسودات الحيثيات, وبعضهم قد يكون له دور في اللقاءات التي تسبق المحاكمة وفي التحقيقات القضائية.