اجمع الفقه الإجرائي(1). على أن هناك مناطاً واحداً يجمع ما بين الواقع والقانون ،إلا وهو “ منطقة التكييف ” والتي تتمتع بحساسية قانونية شديدة حيث يظهر فيها جوهر القضاء ومن خلالها تنبثق النتائج القانونية الصحيحة أو الخاطئة(2). فطبيعة عمل القاضي مزدوجة منه ما يعتبر عملا قانونيا يخضع لمقتضيات معينة يجب توفرها لكي ينتج الآثار القانونية، ومنه ما يعتبر عملاً تقديرياً مضمونه ما يقوم به القاضي من مجهود ذهني لبيان إرادة القانون في الحالة المعروضة أمامه (3). وهذا بالضبط هو عمل التكييف0 ومن هنا فالخطأ الذي يبنى عليه الطعن يتخذ أحد صورتين(4). خطأ في الأجراء، وخطأ في التقدير0 وترتيباً على ما تقدم فمناط الطعن في الأحكام هو الخطأ في التكييف القانوني للدعوى سواءً كان منصبا على مسألة إجرائية أو غير إجرائية، أو خطأ في تكييف الواقع أو في تطبيق القانون وبعكسه إذا كان التكييف صحيحاً قانوناً فأن الطعن على الحكم سيكون مصيره عدم القبول0 والتكييف باختصار عملية ذهنية ومعنوية ، تعتمد على معطيات موضوعية تتكون من شقين الأول تتركز في مجموع الوقائع البحتة والتي تشكل ميزاناً مطروحاً على القاضي ، والثاني يتكون من القاعدة القانونية وأعمال المقارنة بينهما على أساس مقارنة مفترض القاعدة مع وقائع النزاع وصولاً إلى تطبقهما ومن ثم أعمال أثر القاعدة على النزاع كله لاحقاً0فعملية المطابقة تسمى التكيف (5).

وبالتالي فهو لا يعتبر من مسائل الواقع ، حيث لا سلطان للخصوم عليه ، والذين يعتبرون مع التحفظ ساد فيما يتعلق بمجال ما يطرحونه من وقائع النزاع(6). فهم غير مكلفين بتكيف وقائعه، وإذا حصل ذلك فالقاضي غير ملزم به، فهو مجرد تزيد من عندهم ، وذلك استناداً لمبدأ وقاعدة لاتينية قديمة ” أن القاضي يعلم القانون وهو ملتزم بأعماله وإلا عد منكراً للعدالة “وبالتالي فأن التكييف لا يعد من القانون فهو مجرد أعمال ذهن القاضي في ضوء النظام القانوني القائم ؛وهو اتجاه القضاء العراقي فقد جاء في أحد أحكام التمييز ما نصه “ أن التناقض المبطل للدعوى إنما يرد على الكلام لا على الأوصاف القانونية التي ليست ملكاً للخصوم بل هي من واجبات القاضي ومن حقه إلا يأخذ بتكييف المدعي ولا بتكييف المدعي عليه والعبرة في تكييف الدعوى ليست بما يصفه بها الخصوم بل بما تتبينه المحكمة من وقائع الدعوى وإنزال حكم القانون عليها ” (7).

وهذا ما نؤيده وتبرره لجمهور الفقه (8). الذين اعتبروا التكييف من مسائل القانون وذلك إلى مقدار الصلة الوثيقة بين التكييف والقانون بما يخضعه لرقابة محكمة الطعن وبالتالي فقد خلط الفقه ، حسبما نعتقد بين، وسيلة الشيء بالشيء نفسه0 ويذهب الفقه (9). إلى القول بأن الطعن الصائب هو ما ركز على منطقة ” التكييف ” في الحكم لأنه حزامه الرابط إذا ما فك تشتت الحكم وأنهار وصار أشلاءً ، أما إذا كان الحزام متيناً أداة وفناً صعب على الطعن أن يوهنه ومن هنا فقد هيئ المشرع للخصم أداةً قانونيه مجردة “ الطعن ” تعتبر أداة قانونية تعمل من أجل تفتيت عقدة التكييف التي يقوم عليها الحكم القضائي0 لذا فنجاح الخصم أو فشله للوصول إلى لب الحكم أو قلبه يعتمد بالدرجة الأولى على مهارة التصويب من المحامي الذي يفترض فيه تمكنه من عمله وفنه في الوصول إلى ما أراده مبكراً (10). متبعاً خطة قانونية منظمة غير عشوائية يعتمد الفن القانوني بها على نظرية التكييف القانوني، فمما لاشك فيه أننا في دائرة قانونية بحتة وذلك لأننا نهاجم حكماً قضائياً يتمتع بالحجية صادر من محكمة الموضوع، وذلك بطعن قانوني عد من رجل قانوني يمثل محامي الخصم لا الخصم نفسه لان الحكم وقد أصدره قاضٍ متمرس يستأهل لطعنه أن يكون الممسك بحربة الطعن رجل قانون لا يسيء استخدامها ويكون ذاك أمام محكمة الطعن تمثل إرادة المشرع القانونية، لتضع الحكم المطعون فيه تجاه الطعن وتعمل أحكامها فيه .

وينتج من ذلك أحد الفرضين:

الأول : هو استقرار التكييف القانوني في الدعاوى المتمثلة والمتشابهة والمتجسدة في أسباب الحكم المطعون فيه وذلك عندما تتأكد محكمة الطعن أن الحكم قد بني على أسباب مكيفة تكيفاً صحيحاً مبنياً على قواعد قانونية متينة فتعلن المحكمة رفضَ طعن فيصر الحكم حائزاً لقوة الأمر المقضي به

وبالفرض الثاني : انهيار التكييف القانوني بعد أن وجدت المحكمة أن الطعن المدعم والمجهز تجهيزاً قانونيا قد أصاب الحكم في مقتل تداع بسببه الحكم أمام الطعن ورغم أن الحكم أسس بمعرفة القضاء المتخصص وان الطعن أسس بمعرفة الدفاع المتمكن، ومع هذا ونظرا لدقة التصويب وقوته المبنية على أخطاء الحكم تعلن محكمة الطعن وفاة الحكم ونعيه فيزول وينهار ويعمل على محي آثاره .

__________________

– انظر محمد جابر الدوري – دور المحامي في الوصول إلى الحكم العادل – بحث منشور في مجلة القضاء العراقية – العدد 1-4 السنة 52 لعام 1997 ص 10،كيوفندا – مبادئ – مصدر سابق-ص895، كيوفندا-نظم- مصدر سابق-ج2-ص 512 بند 378،كوستا – مصدر سابق-ص339-بند200، زانز وكي -المرجع السابق-ج2ص176، كالمنديره-النقض المدني – مصدر سابق-ص172بند8 مشار إليهم في فتحي والي– الوسيط – المرجع السابق – هامش – ص 713 0

2 – انظر محمد محمود إبراهيم- المرجع نفسه – ص 176 0

3 – انظر فتحي والي-البطلان-المرجع السابق – ص 760 بند 377 0

4 – انظر ما سبق ذكره في أثناء بحث أسباب الطعن في الفصل الثاني المبحث الثاني من هذه الرسالة 0

5 -انظر نبيل إسماعيل-النظرية-المرجع السابق-ص 147،وانظر كذلك

Martin:lefatetle droit- op.cit-no.2765 motulsky:realisation…op.cit.p 60

6 – -Roger perrot:iinfluence de latechnique…-op.citp- .12

عبد الحميد الشواربي–طرق-المرجع السابق-ص405، ضياء شيت خطاب- فن القضاء- مصدر سابق-ص59، حامد فهمي ومحمد حامد-الطعن- مصدر سابق-ص164، محمد محمود إبراهيم-التكييف-المرجع السابق-ص11،عبد الرزاق عبد الوهاب-الطعن- مصدر سابق- ص109، وهو اتجاه القضاء العراقي انظر القرار رقم460/ هيئة موسعة1980في31/ 1/1981منشور في مجلة الاحكام العدلية-العدد الرابع-السنة12لعام1981ص82-84 0

7- انظر القرار رقم 2604/حقوقية /966والمؤرخ في 1/2/1967-منشور في مجلة القضاء العراقية العدد3 لعام1975الرقم 251 ،وانظر كذلك القرار رقم643/ هيئة عامة/1967في11/11/1967- منشور في مجلة العدالة العراقية-العدد2-3 السنة الرابعة عام 1978 – ص 448 0

8- القرار1193/ حقوقية/1968 في 18 / 9/ 1969 منشور في المرجع نفسه – ص 447

9-انظر احمد أبو ألوفا–الاحكام- مصدر سابق– ص 640، محمد محمود إبراهيم – التكييف – المرجع السابق – ص 190 0

0-انظر المادة 87 من قانون المحاماة المصري رقم61لسنة1968المعدل التي تنص ” لا يجوز تقديم التقرير بالطعن أمام محكمة النقض 000 إلا من المحامين المقررين لديها 000″ وهو ما تؤكده المادة 253 م0م0مصري حيث تنص ” 000 موقعة من محامي مقبول لديها 000″ 0

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .