التعويض هو وسيلة القضاء إلى إزالة الضرر أو جبره أو التخفيف منه. وهو الجزاء العام عن قيام المسؤولية المدنية(1).وقد تأكد هذا المبدأ في العديد من النظم القانونية التي أقرت التعويض عن الأضرار الناشئة عن المساس بالحق في الحياة الخاصة للإنسان وسرية مراسلاته، فقد نص الدستور المصري لعام 1971م في الفقرة الأخيرة من المادة (57) منه على (أن تكفل الدولة التعويض العادل لمن وقع عليه اعتداء على حريته الشخصية أو حرمة حياته الخاصة …). والواضح من النص أن الدستور المصري أستخدم تعبير الدولة ولم يستخدم تعبير القانون مما يعني أن الدولة ذاتها كشخص معنوي عام تكفل تعويض المواطنين عما يقع من اعتداء عليهم، حتى ولو كان مرتكب الجريمة فرد عادياً(2). وكذلك نصت المادة (50) من القانون المدني المصري على أنه (لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر) وبهذا النص يكون المشرع المصري قد ربط بين فكرتي التعويض والضرر، ومؤدى ذلك أن طلب التعويض لا يكون بمجرد الاعتداء على حق من الحقوق الشخصية بل يجب أن ينتج ضرراً جراء هذا الاعتداء(3).

أما القضاء الفرنسي فلم يشترط تحقق الضرر فعلاً في حالة الاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد ومنها سرية المراسلات، بل أعطى المعتدى عليه الحق في التعويض دون أن يكون قد تم إثبات الضرر حيث أنه متى ما كان هنالك مساس بإحدى الحقوق الشخصية فإن ذلك يستلزم بالضرورة وجود ضرر(4). وكذلك أستقر القضاء الأمريكي على أن المدعي يستحق التعويض لمجرد تسجيل محادثاته التلفونية ودون حاجة إلى إثبات أن نشر هذه التسجيلات قد أدى إلى إلحاق الضرر بالمعتدى عليه، فالحقوق الشخصية لا تعني التعويض عن الضرر وإنما تعني كرامة الإنسان، فالاعتداء على مثل هذه الحقوق من شأنه أن ينتقص من قدر الفرد ويعوق تطور شخصه وازدهاره، كما أن الحماية المدنية لا تكون فعالة إلا إذا أستحق الشخص تعويضاً لمجرد الاعتداء دون حاجة لإثبات الضرر أو مقداره(5). وتأخذ بعض التشريعات مثل التشريع المصري بمبدأ تناسب مقدار الضرر مع مقدار التعويض فالضرر الذي يقع على الفرد يختلف مداه من حالة إلى أخرى، ولهذا فإن مقدار الضرر غالباً ما يستخدم كمعيار لتقدير قيمة التعويض وهذا هو ما عناه المشرع المصري من ربط فكرة الضرر بالتعويض. على أن الضرر الناشئ عن الاعتداء على الحقوق الشخصية والحق في الحياة الخاصة قد يكون ضرراً أدبياً كما قد يكون ضراً مادياً(6). يتمثل في إلحاق الخسارة بالمعتدى عليه أو تفويت كسب عليه ويتم تقدير التعويض في هذه الحالات على أسس متعددة، منها الاعتبارات الشخصية وسلوك المعتدى عليه عند الاعتداء حيث ينخفض مقدار التعويض إذا كان المجني عليه قد شجع بسلوكه الاعتداء على أحد حقوقه الخاصة، ومنها قيمة الضرر الذي أصاب الشخص بحيث يكون التعويض في النهاية متناسباً وقيمة الضرر(7).

على أن هنالك بعض التشريعات لم تأخذ بفكرة تناسب قيمة التعويض مع الضرر الذي أصاب المعتدى عليه، بل أخذ بفكرة التعويض الجزائي أو الانتقامي مثل تشريع ولاية كبيك في كندا، إذ نصت المادة 49 من ميثاق حقوق وحريات الأفراد على أنه في حالة الاعتداء العمدي على حق من الحقوق التي يحميها الميثاق ومن بينها حقوق الإنسان في حياته الخاصة، فإن المحكمة يجوز لها أن تحكم على المعتدي بتعويضات جزائية أو انتقامية ويقصد بها ألا يكون التعويض بقدر الضرر وإنما يزيد عنه للتهوين من وقع الإساءة التي لحقت بالمتضرر وحتى يكون ردعاً للمعتدي من تكرار هذا الفعل. ويرى الفقهاء في ولاية كبيك أن كلما كان مبلغ التعويض ضئيلاً كلما كان ذلك دافعاً للاعتداء على الحقوق الخاصة للأفراد ، فقانون المسؤولية المدنية لا يستهدف فقط تعويض المضرور وإنما يستهدف فرض احترام القواعد الأساسية اللازمة لحياة المجتمع وصيانة حقوق أفراده، وقد انتقدت وجهة النظر هذه باعتبار أن المضرور يحصل على أكثر مما يستحق(8). ولا بد من التنويه أن الحق المالي في التعويض مستقل عن حق الشخصية ذاته، لأن مصدره العمل غير المشروع وهو الاعتداء الذي وقع على حقوق الشخصية(9).

أما في العراق، فإنه بالرغم من عدم تطرق القانون المدني إلى الحق في سرية المراسلات، إلا أنه يمكن تقرير التعويض عن الأضرار التي تنتج من المساس بهذا الحق وفق القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية، فالأضرار التي تصيب الإنسان نتيجة الاعتداء الحاصل على حرمة المراسلات قد تكون مادية أو أدبية، مما يستوجب التعويض عنها طبقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية. والى ذلك أشارت المادة 205/1 من القانون المدني العراقي بنصها على أن يتناول حق التعويض الضرر الأدبي، كذلك فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه أو شرفه أو سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي يجعل المعتدي مسؤولاً عن التعويض. ويذهب بعض الفقه إلى القول بإمكانية إرجاع الضرر الأدبي إلى عدة حالات، ومن بينها الضرر الأدبي الذي يصيب الشخص من مجرد الاعتداء على حق ثابت له(10). والتعويض عن الضرر الذي يلحق بالمتضرر يجب أن يكون نقدياً من حيث المبدأ، وهذا ما نصت عليه المادة 209/2 من القانون المدني العراقي والمادة (136) من قانون الموجبات والعقود اللبناني والمادة (171/2) من القانون المدني المصري، ولكن ذلك لا يمنع أن يكون التعويض غير نقدي، وأساس ذلك فكرة تعويض الألم عن طريق القيام بعمل معين للمتضرر مثل نشر الحكم في حالة الاعتداء على الكرامة والاعتبار(11).

____________________________

[1]- د. منذر الفضل ، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني ، دراسة مقارنة ، الجزء الأول ، مصادر الالتزام ، الطبعة الأولى ، 1991م ، ص371 .

2- د. أحمد فتحي سرور ، الضمانات الدستورية للحرية الشخصية في الخصومة الجنائية ، مجلة مصر المعاصرة ، العدد 348 ، السنة 63 ، أبريل 1972م ، ص161 ؛ أنظر د. أدوار غالي الذهبي ، عدم تقادم الدعويين الجنائية والمدنية في جرائم التعدي على الحرية الشخصية وحرية الحياة الخاصة ، منشور في المجلة الجنائية القومية ، العدد الأول ، مارس 1985م ، المجلد الثامن والعشرون ، ص74

3- حسن السمني ، شرعية الأدلة المستمدة من الوسائل العلمية ، مرجع سابق ، 1983 ، ص1056

4- حسن السمني ، المرجع السابق ، ص1057 الحاشية .

5- حسن السمني ، المرجع السابق ، ص1057،1058 الحاشية .

6- لمزيد من التفصيل راجع : د. حسن ذنون، المبسوط في المسؤولية المدنية ، الجزء الأول ، الضرر ، شركة التايمس للطبع والنشر المساهمة ، 1991م ،ص289 وما بعدها

7- حسن السمني ، المرجع السابق ، ص1059 ؛ أنظر أيضاً :- د. سليمان مرقس، شرح القانون المدني في الالتزامات، الجزء الثاني، المطبعة العالمية، القاهرة، 1964م، ص602،603.

8- حسن السمني ، المرجع السابق ، ص1060،1061الحاشية .

9- د. عبد المنعم فرج الصده ، أصول القانون ، مرجع سابق ، ص327 ؛ أنظر ، د. أنور سلطان ، المبادئ القانونية العملية ، دار النهضة العربية ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1983م ، ص187 .

0[1]- د. عبد الرازق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، مصادر الالتزام، الجزء الأول، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1952م، ص864،865.

1[1]- د. سعدون العامري ، التعويض في المسؤولية التقصيرية ، منشورات مركز البحوث القانونية ، بغداد ، 1981م ، ص152 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .