التعليمات التنفيذية و التدرج التشريعي

مقال حول: التعليمات التنفيذية و التدرج التشريعي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

يشتكي الكثير من المواطنين , ظاهرة التعليمات التنفيذية التي تفرغ التشريعات والقوانين مما استهدفه المشرّع فيها من تلبية احتياجات المواطنين وتسهيل أمورهم والابتعاد بهم عن الروتين والبيروقراطية الادارية، وخلق بيئة تشريعية تساعد في عملية الاصلاح والتنمية والرقي بالمجتمع إلى أفضل المستويات الحضارية. فما هو المقصود بالتعليمات التنفيذية وما هي الضوابط التي ينبغي أن تلتزم بها، وما هي السبل للتحقق من تقيدها بالهدف المراد منها؟

تعتبر التشريعات الفرعية أو اللوائح أو التعليمات التنفيذية قرارات إدارية، لأنها تصدر من حيث الشكل عن السلطات الادارية في الدولة في حدود اختصاصاتها المحددة في القانون، ولذلك فهي تخضع ـ شأنها في ذلك شأن القرارات الفرديةـ لرقابة السلطة القضائية لضمان اتفاقها وأحكام القانون. وهي قرارات تنظيمية لأنها تتضمن من الناحية الموضوعية قواعد عامة ومجردة تنطبق على جميع الأفراد أو على طائفة منهم دون تحديد أو تعيين لشخص المخاطب، وذلك على عكس القرارات الفردية التي تخاطب فرداً أو أفراداً محددين بذواتهم، وإن كانت التعليمات التنفيذية تتفق مع القانون في أن كلاهما يُمليان قواعد عامة ومجردة، إلا أنه يلاحظ أن التعليمات التنفيذية تختلف عن القانون في النواحي التالية:

أولاً: إن اللائحة أو التعليمات التنفيذية تصدر عن السلطة التنفيذية، أما القانون فيصدر عن السلطة التشريعية، ويترتب على ذلك أن اللائحة تكون في مرتبة أدنى من القانون؛ ذلك أن القانون يصدر عن السلطة التشريعية التي تقوم بعمل القوانين التي تسري على السلطات الحكومية كلها، ومن بينها السلطة التنفيذية التي تهيمن على عمل اللوائح، ومن ثم تقع اللوائح في المرتبة التالية للقانون من حيث التدرج التشريعي؛

ثانياً: مادام القانون أعلى من اللائحة أو التعليمات التنفيذية، فإن هذه الأخيرة تكون خاضعة للقانون؛ فلا يجوز تبعاً لذلك أن تتضمن التعليمات التنفيذية حكماً مخالفاً للقانون أو معدلاً أو لاغياً له، وذلك على عكس القانون الذي يستطيع أن يلغي اللائحة أو يعدلها؛

ثالثاً: إن المشرّع يستطيع كمبدأ عام أن يصدر ما يشاء من القواعد القانونية، ويفرض ما يشاء من القيود على الأفراد طالما كان ذلك في حدود أحكام الدستور. أما السلطة التنفيذية فإن حقها في وضع اللوائح يكون محدداً بنصوص الدستور والقانون، إذ لايجوز للتعليمات التنفيذية أن تتصدى بالتشريع في الموضوعات المحجوزة للمشرّع طبقاً لأحكام الدستور.

ويترتب على الفروق السابقة بين التعليمات التنفيذية والقانون أنه لا يجوز للائحة ـ تطبيقاً لمبدأ المشروعية ـ أن تخالف أحكام القانون؛ فإذا ما خرجت السلطة التنفيذية بهذه التعليمات على مقتضى أحكام القانون، عدّت غير مشروعة لمخالفتها مبدأ المشروعية. كما يترتب على اتسام القواعد والأحكام التي تتضمنها التعليمات التنفيذية بسمة العموم والتجريد، دخولها في نطاق الأعمال الشريعية؛ وتكون بمثابة القواعد الواجبة النفاذ في صدد ما صدرت بشأنه، ويستتبع ذلك أنه ما لم تعدل التعليمات التنفيذية أو تلغى بلائحة أخرى من ذات السلطة التي أصدرتها أو من سلطة أعلى منها، فإنها تظل قائمة، ويتعين على الجهات الادارية أن تلتزم بها فتطبق أحكامها على كل من توافرت فيهم شروط تطبيقها؛ فإذا خرجت الإدارة عن هذا المبدأ واكتفت بتطبيقها على البعض دون البعض الآخر، عُدّ ذلك خروجاً منها على مبدأ المشروعية، وكان قرارها الصادر بالامتناع عن تطبيقها مشوباً بالبطلان وجديراً بالإلغاء.

على أنه لا يترتب على إصدار اللوائح من جانب السلطة التنفيذية الإبقاء عليها بغير تعديل؛ فهي تستطيع تعديلها أو إلغائها أو سحبها طالما اقتضت دواعي المصلحة العامة ذلك، ودون أن يكون للأفراد الاحتجاج بوجود حق مكتسب لهم في استمرار العمل بها، إلا إذا طبقت تطبيقاً فردياً عليهم وأصبح لكل منهم حق ذاتي في ظلها؛ أي قبل تعديلها أو إلغائها؛ ففي هذه الحالات يكون لهم فقط حق الاحتجاج بحقوقهم المكتسبة.

وإذا كانت القاعدة أو الأصل هو وجوب سريان التعليمات التنفيذية بأثر مباشر، أي فور صدورها، فلا يكون سريانها بأثر رجعي إلا إذا نص القانون على انسحابها على الماضي، وقرر لها أثراً رجعياً؛ فإن الإدارة تكون خالفت مبدأ المشروعية إذا أصدرت لائحة وجعلت لها أثراً رجعياً دون مقتضى من نصوص التشريع. وعلى هذا استقر اجتهاد المحكمة الادارية العليا في سورية من أن:

“المواطن الذي يكتسب مركزاً قانونياً في ضوء الأنظمة النافذة يبقى له هذا الحق ولا يجوز المساس به في ضوء الأنظمة المستجدة”؛ القرار رقم 287 في الطعن رقم 531 لسنة 1984. والاجتهاد القضائي الذي يشير إلى:

“إن القرار الوزاري 1933 تاريخ 19/9/1961 المتضمن تحديد تعويض المسؤولية للموظفين الماليين لبلديات الدرجة الأولى والثانية إنما صدر في صيغة قواعد تنظيمية عامة في مجال النشاط الوظيفي للبلديات؛

ـ إذا تكشف عدم سلامة القواعد التنظيمية فليس أمام الإدارة سوى إلغاء هذه القواعد أو تعديلها بما ينسجم مع التطبيق القانوني السليم.

ـ ما صرف خلال الوجود القانوني للقرار السابق الملغى يدخل في نطاق الحقوق المكتسبة لأصحاب العلاقة”؛ القرار رقم 275 في الطعن رقم 104 لسنة 1984.

بالمحصلة، إن خضوع التعليمات التنفيذية للرقابة القضائية يمثل ضمانة حقيقية للأفراد تجاه السلطة التنفيذية؛ فهو يمثل صمام الأمان ضد تعسف إساءة استعمال السلطة إذا ما عنَّ للإدارة الاعتداء على حقوق وحريات الأفراد أو النيل منها، أو عند ممارسة الامتيازات التي خوّلها القانون، وما تتمتع به من قوة جبرية تستطيع بمقتضاها تنفيذ هذه اللوائح، خاصة أن الحاجة إلى هذه الرقابة تبدو أكثر إلحاحاً كلما ترسخ انتقال الدولة من مفهوم الدولة الحارسة إلى مفهوم الدولة التدخلية، وتدخلها في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية. وهنا تبرز أهمية مبدأ المشروعية وسيادة القانون، ويكون مجال تطبيقه أكثر اتساعاً عما هو مقرر في الدولة الحارسة، ويتطلب الأمر إلزام الإدارة بحكم القانون فيما تتخذه من تصرفات إيجابية كانت أو سلبية.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.