للتعرف على الأموال العامة يلزم أولا دراسة ظهور فكرة المال العام ثم التطرق لبيان تمييز الأموال العامة عن الأموال الخاصة.

اولا : ظهور فكرة الأموال العامة :

ظهرت فكرة الأموال العامة أول مرة في ظل الدولة الرومانية .حيث تم تقسيم الأشياء إلي أشياء داخلة في التعامل وخارجة عن دائرة التعامل ، ومنها ما هو مخصص للمنفعة العامة لكل الأفراد ، ومنها ما هو مخصص للجماعات العامة (1). ثم انتقلت هذه الفكرة إلى فرنسا حيث صدر القانون المدني الفرنسي سنة 1804 الذي أطلق مصطلح الدومين العام لأول مره على أموال الدولة دون أن يميز بين الأموال العامة والأموال الخاصة – واستمر الوضع على ذلك حتى بدأ الفقه بالمناداة بالتفريق بين المال العام والمال الخاص ، وكان أول من نادى بهذه التفرقة الفقيه الفرنسيproudhon برودون (2).وقد طبق القضاء الفرنسى هذا التمييز في العديد من أحكامه ، ثم صدرت بعض التشريعات التي تميز بين المال العام والمال الخاص ، ومن أول هذه التشريعات التشريع الصادر في 26 يونيو 1851 بخصوص الملكية العقارية في الجزائر. وقد ظهرت فكرة المال العام في مصر بعد صدور القانون المدني المختلط في 28 يونيو 1875 في حين تولى المشرع العراقي تحديد المقصود بالأموال العامة بنص المادة 71 من القانون المدني فقد ورد في ألفقره الأولى منها( تعد أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للاشخاص المعنوية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون.)وتظهر أهمية التمييز بين هذين النوعين من الأموال في أن الأموال العامة لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم – فالأموال العامة تخضع لنظام قانوني متميز عن النظام القانوني الذي تخضع له الأموال الخاصة للإدارة وهو نظام القانون العام. تنص الفقرة الثانية من المادة 71 ( وهذه الاموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.)

ثانيا : المعيار المميز للأموال العامة :

بما أن الدولة والأشخاص المعنوية العامة الأخرى تملك نوعين مختلفين من الأموال وهما : الأموال العامة وتسمى بالدومين العام – والأموال الخاصة وتسمى بالدومين الخاص ، ويخضع كل نوع منها لنظام قانوني مختلف . لذلك كان لابد من البحث عن معيار يميز الأموال العامة عن الأموال الخاصة. وكان للفقه الفرنسي الدور الأبرز في هذا المجال. حيث ظهرت فيه اتجاهات عدة الأول يأخذ بطبيعة المال أما الثاني فيبحث في تخصيصه للمرفق العام وأخيرا الاتجاه الذي يأخذ بتخصيص المال للمنفعة العامة .

أولاً: معيار طبيعة المال :

يقوم هذا المعيار على أساس أن الأموال العامة تلك التي لا تصلح بطبيعتها لتكون مملوكة ملكية خاصة وتكون مخصصة للاستعمال المباشر للجمهور ومثال ذلك الطرق العامة والميادين والحدائق العامة. وهذا المعيار محل نقد من حيث انه يضيق من مفهوم المال العام فيشترط أن يكون المال العام عقاراً وليس منقولاً كما انه يحصر مفهوم المال العام في ذلك المال الذي يستعمله الجمهور بشكل مباشر و لا يخفى أن الكثير من المباني الحكومية لا يستعملها الجمهور بشكل مباشر ولا خلاف في إنها أموالا عامة. ومن جانب آخر قصر أنصار هذا المعيار مفهوم المال العام على المال غير القابل للتملك من قبل الأفراد، وهذا منتقد من حيث أن قابلية المال العام للتملك لا ترجع لطبيعته الخاصة، وإنما هي نتيجة لإضفاء صفة المال العام عليه ، كما أن الكثير من الأموال المعتبرة أموالا عامة تقبل الملكية الفردية كالطرق و القنوات المائية التي ينشأها الأفراد في أملاكهم الخاصة (3).

ثانياً: معيار تخصيص المال للمرفق العام :

يتجه أنصار هذا المعيار وهم من مدرسة المرفق العام إلى أن المال العام هو المال المخصص لخدمة مرفق عام. وهذا الاتجاه منتقد من حيث انه ضيق من ناحية وواسع من ناحية أخرى ، فهو ضيق لأنه يخرج من دائرة الأموال العامة تلك الأموال المخصصة للاستعمال المباشر للجمهور كالطرق والميادين والحدائق العامة لا لشيء إلا لأنها غير موضوعة لخدمة مرفق عام .في حين يكون هذا المعيار واسعاً من حيث انه يعترف بصفة الأموال العامه لجميع الأموال المخصصة لخدمة المرافق العامة على اختلاف أنواعها إدارية أم اقتصادية وسواء أكان المال مهماً أم تافه القيمة. ولتفادى هذه الانتقادات سعى أنصار هذا المعيار إلى تحديده من خلال اشتراط امرين حتى يكون المال عاماً .

الأول أن يكون المرفق مرفقاً عاماً جوهرياً . والثاني أن يكون المال المخصص لهذا المرفق قد اعد أعدادا خاصاً لخدمة هذا المرفق وله الدور الرئيسي في سير المرفق وأدارته.

وبناءً على ذلك تم استبعاد المنقولات المستخدمة في المرافق العامة من نطاق الأموال العامة . وكذلك المباني الحكومية والمدارس والثكنات العسكرية لأنها غير معدة أعدادا خاصاً لخدمة المرفق. ولاشك أن هذه المحاولة لبيان المقصود بالأموال العامة فشلت أيضا لأنها لا تستند إلى معيار منضبط يحدد متى يمكن اعتباره مرفقاً عاماً جوهرياً ، ومتى نكون أمام مال مخصص لخدمة مرفق عام وله دور رئيس في إدارته(4).لذلك سرعان ما هجر هذا المعيار واتجه الفقه نحو معيار التخصيص للمنفعة العامة.

ثالثاً: معيار تخصيص المال للمنفعة العامة :

نتيجة للانتقادات الموجهة للمعيارين السابقين- اتجه الفقه نحو الأخذ بمعيار أخر هو معيار تخصيص المال للمنفعة العامة. ومقتضاه أن المال يكون عاماً طالما تم تخصيصه لتحقيق النفع العام. قد اختلف الفقه في الطريق الذي يتم فيه تخصيص المال للنفع العام ، فقد ذهب العميد ” Hauriou إلي ضرورة أن يكون تخصيص المال للمنفعة العامة بقرار من الإدارة – في حين أضافWaline إلي ذلك أن المال العام يجب أن يكون ضرورياً ولازماً لتسيير المرفق العام وتحقيقه المصلحة العامة ولا يمكن الاستغناء عنه أو الاستعاضة عنه بسهولة(5). وأيا كانت طريقة التخصيص فقد استقر رأى الفقه والقضاء على أن المال العام هو ذلك المال المملوك لإحدى الجهات الإدارية والمخصص للمنفعة العامة.

رابعاً: معيار المال العام في القانون العراقي :

بينت المادة 71 من القانون المدني الاردني(1 –تعد أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون.2- وهذه الاموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.)

وبمقتضى ذلك يجب لاعتبار المال عاماً توافر شرطين.

الأول: أن يكون المال مملوكاً للدولة أو لإحدى الأشخاص المعنوية العامة.

الثاني: أن يتم تخصيص المال للمنفعة العامة ، ويتم التخصيص للمنفعة العامة

بحسب النص المشار إليه بأحد الأساليب التالية :

بالفعل : ويتم ذلك بان يكون المال متاحاً للانتفاع به مباشرة للجمهور دون أن تتدخل السلطات في ذلك بقانون أو قرار ، كأن يقوم الأفراد بالانتفاع بالطرق العامة والشواطئ والحدائق ، وفق ما يمكن تسميتها بالأموال العامة بطبيعتها

التخصيص بقانون: ويظهر هذا التخصيص في إصدار الدولة قانونا يتضمن تخصيص المال للنفع العام، كما هو الحال في الانتفاع عن طريق المرافق العامة المختلفة. كمرفق النقل والاتصالات وغيرها. ومن ثم لا يمكن اعتبار الأموال اللمملوكة للأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة أموالا عامة ولو كانت مخصصة للمنفعة العامة ، وكذلك الحال بالنسبة للأموال المملوكة لملتزم المرافق العامة فرداً أو شركة خاصة (6). وأخيرا فان الأموال العامة تزول بذات الطريقة التي نشأت بها أي بالفعل أو بنص القانون أو الانظمه.

______________________________________________

1 – د.ممدوح مصطفى – القانون الروماني – دار المعارف – 1959 – ص269.

2- د.سليمان محمد الطماوى – الوجيز في القانون الإداري – المصدر السابق – 581 .

3- ينظر في تفصيل ذلك

1.د- عبد الغنى بسيونى – القانون الإداري – المصدر السابق – ص 584

2.د.محمد رفعت عبد الوهاب والدكتور حسين عثمان- مبادئ القانون الإداري المصدر السابق ص 444.

3.د. محمد مختار عثمان – المبادئ والأحكام القانونية للإدارة الشعبية بالجماهيرية – المصدر السابق ص356.

4 – ينظر في شان الانتقادات الموجهة لهذا المعيار.

د.مصطفى أبو زيد فهمي – الوجيز في القانون الإداري – المصدر السابق ص 580.

د. عبد الغنى بسيونى – القانون الإداري – المصدر السابق – ص 587 .

د. محمود عاطف البنا – مبادئ القانون الإداري في الأموال العامة والوظيفة العامة – دار الفكر – ص 14.

5- Waline- Droit administratife –op – cit p- 432

-Duguit – Traite de ، droit constitutionnel ، 1930 ، p-350.

6- د. محمد عبد الله الحراري – المصدر السابق ص 111

المؤلف : مازن ليلو راضي
الكتاب أو المصدر : القانون الاداري

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .