نصت الفقرة الأولى من المادة (750) من القانون المدني العراقي بأن (على المؤجر اصلاح وترميم ما حدث من خلل في المأجور أدى إلى اخلال في المنفعة المقصود منه). ولا شك بأن سبب ايراد مثل هذا النص يتجلى في ضرورة أن تحقق للمستأجر غايته في الانتفاع المقصود من المأجور سواء كانت هذه الغاية متفق عليها أو إنها تنسجم مع ما أعد له المأجور وفقاً لطبيعته. إن موقف القانون المدني العراقي يأتي متفقاً مع اتجاه القوانين المعاصرة التي سارت بنفس هذا الاتجاه وتأثر القانون المدني العراقي بها(1). والمقصود بالإصلاحات والترميمات التي يلتزم المؤجر بها (الترميمات الضرورية) للانتفاع بالمأجور سواء كانت لازمة لحفظه من الهلاك أم لا. ومثال الاصلاحات الضرورية اللازمة لحفظ العين من الهلاك. تقوية أساسات منزل مهدد بالانهيار لضعف أساساته، أو ترميم تصدع حدث في جدران المنزل أو سقفه. وهذه الترميمات تتميز بطابع الاستعمال لضرورتها لحفظ العين من الهلاك، ولهذا السبب فإن القيام بها ليس التزاماً على المؤجر حسب، بل حق له أيضاً، لا يجوز للمستأجر أن يمنعه من مباشرته(2).

والنوع الثاني من الاصلاحات الضرورية هو ما يكون لازما لحفظ العين من الهلاك، ولكن للانتفاع بها على الوجه المقصود من العقد، مثال ذلك القيام بالأعمال اللازمة لتجصيص الأسطح أو القيام بإصلاح المصعد أو السلم(3). أما الترميمات الطفيفة (التأجيرية) فإنه تقع على عاتق المستأجر ما دام العرف يقضي بذلك. وهذ الترميمات تأتي عادة أما جراء اهمال المستأجر أو بسبب الاستعمال المألوف للمأجور، مثال ذلك اصلاح زجاج النوافذ وحنفيات المياه والأقفال التي أصابها العطب. وللقضاء دور واسع في تقرير طبيعة هذه الترميمات وهل أنه ضرورية أم انها تأجيريه وعلى القاضي أن يراعي في كل ذلك عرف الجهة الذي يختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر. ولا يعتبر حكم المادة (750) مدني عراقي من النظام العام إذ يجوز الاتفاق على خلافها، حث يجوز للمتعاقدين الخروج على العرف فيما يقضي به فيتفقا على أن تكون بعض هذه الترميمات أو كلها على المستأجر لا على المؤجر أو على أن يعفي المؤجر منها. وإذا امتنع المؤجر عن القيام بالإصلاحات والترميمات الضرورية فإن للمستأجر المطالبة بفسخ العقد أو القيام بالترميم بنفسه وعلى حساب المؤجر بعد أخذ أذن المحكمة بذلك(4).

وقد نصت المادة (658) من القانون المدني المصري على أنه (يجوز للمستأجر في حالة الترميمات المستعجلة والبسيطة أن يقوم بنفسه بإجرائها دون حاجة إلى اذن القاضي). وهذا تطبيق من تطبيقات القواعد العامة الواردة بشأن التنفيذ العيني، ويمكن الأخذ بحكمه عندنا مع عدم وجود نص صريح خاص بهذه الحالة اكتفاء بنص الفقرة (2) من المادة (250) من القانون المدني العراقي(5). أما بالنسبة لهلاك العين المؤجرة فقد عالجته المادة (751) من القانون المدين العراقي. والهلاك قد يكون كلياً، وبحسب الفقرة الأولى من المادة (751) إذا هلكت العين المؤجرة هلاكاً كلياً، فإن تنفيذ التزامات المؤجر، وكلها تتعلق بالعين المؤجرة وتهدف إلى تمكين المستأجر من الانتفاع بها يصبح مستحيلاً، فتنقضي هذه الالتزامات وتنقضي الالتزامات المقابلة، وينفسخ العقد من تلقاء نفسه وهذا محض تطبيق للقواعد العامة(6).

أما الهلاك الجزئي فقد نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (751) مدني عراقي بقولها: (أما أصبح (أي المأجور) في حالة لا يصلح معها للانتفاع الذي أجر من أجله أو نقص هذا الانتفاع نقصاً كثيراً ولم يكن للمستأجر يد في شيء من ذلك جاز له إذا لم يقم المؤجر في ميعاد مناسب بإعادة المأجور إلى الحالة التي كان عليها، أن يطلب أما انقاص الأجرة أو فسخ الاجارة)). ويبدو من هذا النص أن المشرع العراقي لا يجيز في حالة الهلاك الجزئي اجبار المؤجر على اجراء التجديد بل يترك له الخيار في بذلك، لأن التجديد غالباً ما تكون نفقاته باهضة، بخلاف الترميم فإن نفقاته تكون معتدلة ولذلك يلتزم به المؤجر. والأمثلة على الهلاك الجزئي واختلال الانتفاع كثيرة، من ذلك انهدام حائط أو سقف في المنز المؤجر، أو جفاف ترعة كانت تروي منها الأرض المؤجرة ولكن ينبغي ألا يكون الهلاك الجزئي جسيماً حتى يأخذ شكل الهلاك الكلي، ومن ذلك ما قضيت به محكمة النقض الفرنسية، من أن المباني وإن كانت لم تنهدم لكلها، فإنها بسبب قدمها أصبحت في حالة يرثى لها، ولم تعد تسمح لا باستغلال فإنها بسبب قدمها أصبحت في الأرض، ولا بسكن العمال، فإن الهلاك يعتبر كلياً وينفسخ العقد(7).

وفي جميع الأحوال يجوز للمستأجر أن يطالب المؤجر بالتعويض عما أصابه من ضرر إلا إذا كان الهلاك راجعاً إلى سبب لا يد للمؤجر فيه. أما إذا كان الهلاك بسبب فعل المستأجر أو فعل أحد ممن يسأل عنهم، فإن للمؤجر الحق في أن يطالبه بالتعويض طبقاً للقواعد العامة في المسؤولية العقدية(8). لاحظنا بأن الترميمات أو الاصلاحات الضرورية قد تكون الغاية منها اكمال الانتفاع بالمأجور بعد أن أدى التلف الذي أصابه في أحداث خلل أو نقص في هذه المنفعة، وقد تكون الغاية منها حفظ المأجور من الهلاك. وقد عالجت المادة (752) مدني عراقي حق المؤجر في اجراء الترميمات الضرورية لحفظ المأجور بالقول: ((1ـ إذا احتاج المأجور لعمارة ضرورية لصيانته فليس للمستأجر أن يمنع المؤجر عن اجرائها فإن ترتب على ذلك ما يضر بالسكن أو يخل بالمنفعة أن يمنع المؤجر عن اجرائها فإن ترتب على ذلك ما يضر بالسكن أو يخل بالمنفعة جاز للمستأجر أن يطلب فسخ الايجار أو انقاص الاجرة.

2ـ ومع ذلك إذا بقي المستأجر في المأجور إلى أن تمت الترميمات سقط حقه في طلب الفسخ)).

ويبدو من النص بأن هذا النوع من الترميمات أو الاصلاحات يثبت حق اجرائها للمؤجر ولو لم يطلب منه المستأجر ذلك، بل ولو عارض المستأجر في القيام بها، لأن هذه الترميمات كما أسلفنا لازمة لحفظ العين المؤجرة مثال ذلك تشقق الجدران في المنزل المؤجر مما يهدده بالسقوط.

وتتوسع المحاكم في تفسير اصطلاح الترميمات، فهي لا تسمح للمؤجر بإجراء الترميمات بالمعنى الدقيق، وهي التي تتضمن القيام بعمل ايجابي في العين فحسب، بل انها تسمح له كذلك بأن يمنع عن العين الأشياء التي تهدد سلامتها، كان يطلب من دائرة اسالة الماء وقف سيره في الأنابيب الموجودة في المنزل المؤجر إذا كان هذا ضرورياً لحفظ العين. غير أن القانون وإن كان قد أعطى المؤجر حق اجراء الترميمات اللازمة لصيانة العين وحفظها من الهلاك، فهو أعطى المستأجر الحق في أنه إذا ترتب على القيام بالترميمات ما أضر بانتفاعه بالمأجور جاز له أن يطلب أما فسخ الايجار أو انقاص الأجرة بمقدار ما ينقص من الانتفاع. ولكن حق المستأجر في الفسخ يسقط ببقائه في المأجور غلى وقت اتمام الترميمات التي اجراها المؤجر، ويستطيع أن يطالب بانقاص الاجرة بما يوازي نقص المنفعة(9).

___________________

1- انظر المادة 566 مدني مصري، موجبات وعقود لبناني.

2- د. تناغو ـ ص137.

3- نفس المصدر ـ ص137، 138.

4- المادة (750)، ف2 مدني عراقي.

5- التي تقول ((2ـ ويجوز في حالة الاستعجال أن ينفذ الدائن الالتزام على نفقة المدين بلا اذن من المحكمة.) د. العامري ـ ص243، د. الصراف ص365.

6- د. تناغو ـ ص141.

7- د. تناغو ص141، 142.

8- قارن الفقرة الثالثة من المادة (751) مدني عراقي د. العامري ـ ص254.

9- د. الصراف ـ ص370.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .