الاتجاهات القانونية لجرائم الشبكات الإلكترونية

الجريمة المنظمة وجرائم الشبكات الالكترونية
الترابطات، والاتجاهات، والاستجابات

بقلم فيل وليامز
أستاذ دراسات الأمن الدولي، جامعة بتسبرغ
2001-2002 باحث زائر، مركز خبرات أمن الإنترنت في جامعة ميلون كارنيجي.

بدأت الآن حكومات ومؤسسات تجارية عديدة، كما بدأ الكثير من الناس حول العالم إدراك كيفية الاستخدام الأفضل لأحدث تكنولوجيات المعلوماتية. لكن جماعات الجريمة المنظمة اكتشفت أيضاً استخدام هذه التكنولوجيات بصفتها فرص للاستغلال وتحقيق أرباح غير مشروعة.
————————————————-

ان القدرات والفرص التي تؤمنها شبكة الإنترنت طورت العديد من النشاطات التجارية المشروعة من خلال زيادة سرعة وسهولة ومجالات إجراء المعاملات إضافة الى تخفيض الكثير من النفقات. واكتشف المجرمون أيضاً أن شبكة الإنترنت تستطيع أن تؤمن فرصاً جديدة وفوائد متضاعفة للأعمال غير المشروعة. فالجانب المظلم من الإنترنت لا يشمل فقط الاحتيال والسرقة، ونشر المواد الإباحية، وشبكات المنحرفين جنسياً ممن يستهدفون الأحداث، بل أيضاً منظمات الاتجار بالمخدرات والمنظمات الإجرامية التي تُركز على استغلال ما توفره الشبكات الإلكترونية من تسهيلات وفرص أكثر مما تركز على تعطيل عمل الشبكات كما يفعل الآخرون المهتمون بهذا الأمر.

في عالم الشبكات الإلكترونية، كما في العالم الحقيقي، يقوم بمعظم الأعمال الإجرامية أفراد أو مجموعات صغيرة؛ وقد يكون أفضل ما توصف به هذه الأعمال بأنها جرائم غير منظمة. رغم ذلك، هناك أدلة متزايدة على أن مجموعات الجريمة المنظمة تستغل الفرص الجديدة التي توفرها شبكة الإنترنت. لن تصبح الجريمة المنظمة مترادفة و مساوية للجريمة التي تُرتكب من خلال الشبكات الإلكترونية. فمعظم مجموعات الجريمة المنظمة ستواصل العمل في العالم الحقيقي بدلاً من عالم الشبكات الإلكترونية، ومعظم الجرائم التي تقع في هذا المجال الأخير يرتكبها أفراد لا منظمات إجرامية. مع ذلك، من المحتمل أن يزداد مقدار التداخل بين الظاهرتين بدرجة كبيرة خلال السنوات القليلة القادمة.

الجريمة المنظمة وجرائم الشبكات الإلكترونية

تتناول الجريمة المنظمة في الأساس السعي للإفادة المادية، أو تحقيق الأرباح، من خلال مواصلة العمل بوسائل جرمية. ولذا، كما تستعين الشركات العادية بشبكة الإنترنت بحثاً عن فرص جديدة لتحقيق الأرباح، كذلك تفعل المنظمات الإجرامية. والمنظمات الإجرامية ليست اللاعبات الوحيدات في أسواق الأعمال غير المشروعة، ولكنها تكون في أحيان كثيرة أهم اللاعبين، على الأقل بسبب تمتعها بقدرة أكبر على المنافسة التي يوفرها لها تمكّنها من التهديد بأعمال العنف. بالإضافة إلى ذلك، تميل المنظمات الإجرامية إلى مهارة كبيرة في اكتشاف واستغلال فرص القيام بأعمال ومشاريع جديدة غير مشروعة. في هذا السياق توفر الإنترنت والنمو المتواصل للتجارة الإلكترونية مجالات هائلة جديدة لتحقيق أرباح غير مشروعة.

خلال السنوات القليلة الماضية، ازدادت حنكة ومهارة مجموعات الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. فمثلاً، اتبعت المنظمات الكولومبية لتجارة المخدرات الممارسات التي تقوم بها الشركات العادية لتنويع الأسواق والمنتجات، واستغلت أسواقاً جديدة في أوروبا الغربية ودول الاتحاد السوفياتي السابق. وأخذت المنظمات الإجرامية وتجار المخدرات تزيد من توظيف اختصاصيين ماليين لإدارة شؤون غسل الأموال. أضاف هذا العمل طبقة إضافية عازلة حول عملية غسل الأموال، بينما يتم استخدام خبراء قانونيين وماليين عارفين بخفايا المعاملات المالية لتوفير ملاذات آمنة في أماكن ومؤسسات تعمل بطريقة الأوف شور. وبالمثل، لا تحتاج الجريمة المنظمة إلى تطوير خبرة فنية في مجال الإنترنت. فبإمكانها أن تستخدم أشخاصاً من الخبراء في عمل الشبكة واستغلال مكامن الضعف فيها لتنفيذ المهمات الموكلة إليهم بفعالية وكفاءة، إما من خلال منحهم مكافآت سخية أو من خلال تهديدهم بما لا تحمد عقباه إذا لم يفعلوا، أو من خلال مزيج من الأمرين معاً.

تكون عادة لمجموعات الجريمة المنظمة قاعدة عمل في الدول الضعيفة التي تؤمن ملاذاً آمناً تستطيع من خلاله ممارسة عملياتها العابرة للأوطان. وفي الواقع، يوفر هذا الأمر قدراً إضافياً من الحماية من تطبيق القانون، ويمكّن تلك المجموعات من ممارسة نشاطاتها بأقل قدر من المخاطر. وتتلاءم الصفات المتأصلة للانترنت كشبكة تتخطى حدود البلدان مع هذا النمط من النشاط الإجرامي ومع الجهد الساعي إلى تحقيق أقصى الأرباح ضمن درجة مقبولة من المخاطر. ففي العالم الافتراضي، أي في عالم الشبكات الإلكترونية، لا توجد أي حدود؛ ويشكل ذلك مزية تجعل النشاط الإجرامي عملاً جذاباً للغاية. عندما تحاول السلطات المختصة مراقبة هذا العالم الافتراضي تبدو أمامها حدود البلدان ومناطق الصلاحيات واسعة جداً — ما يجعل التحقيق في الجرم بطيئاً جداً في أحسن الأحوال، أو مستحيلاً في أسوأ الأحوال.

تؤمن الإنترنت فرصًا للقيام بمختلف أشكال السرقات، أكانت من المصارف الموصولة بالشبكة أو من الممتلكات الفكرية، ولكنها تؤمن أيضاً وسائل جديدة لارتكاب جرائم قديمة كالاحتيال، وتوفر مكامن ضعف جديدة تتعلق بالاتصالات والمعلومات ما يتيح أهدافاً جذابة لجريمة الابتزاز، والجريمة التي كانت دائما السلعة الرئيسية لمنظمات المافيا.

كون شبكة الإنترنت شبكة يمكن استخدامها من دون معرفة المستخدم يجعل منها قناة مثالية وجهازاً مثالياً لتنفيذ العديد من نشاطات الجريمة المنظمة. ومفهوم عالم الجريمة السري يعني أنه تسود هذا العالم الضبابية او نقص الشفافية. فالسرية تشكّل عادة جزءاً رئيسياً من استراتيجية الجريمة المنظمة، وشبكة الإنترنت توفر فرصا ممتازة للمحافظة على هذه السرية. فبالإمكان إخفاء الأعمال وراء حجاب من الإغفال قد يتراوح مداه من استعمال معايير علم التحكم الإلكتروني إلى جهود متطورة لإخفاء المسار التي تتبعه المعاملات عبر الإنترنت لتصل إلى مقصدها.

تختار الجريمة المنظمة دائما صناعات أو قطاعات معيّنة كأهداف للتغلغل وممارسة نفوذها غير المشروع عبرها. في الماضي شملت هذه الصناعات جمع النفايات في مدينة نيويورك، وشركات البناء، والشركات الإنشائية، وشركات التخلص من النفايات السامة في إيطاليا، والمصارف، وصناعات الالومنيوم في روسيا. من وجهة نظر جماعات الجريمة المنظمة، توفر الإنترنت، كما يوفر نمو التجارة الإلكترونية، مجموعة جديدة من الأهداف للتغلغل وممارسة النفوذ، وهو احتمال يشير إلى وجوب ان تكون تكنولوجيا الإنترنت وشركات خدمات الإنترنت حذرة بصورة خاصة حول الشركاء المحتملين والداعمين الماليين لها.

باختصار، إن الترابط بين الجريمة المنظمة وشبكة الإنترنت ليس طبيعياً فقط، ولكنه ترابط من المرجح له ان يزدهر وان يتطور إلى حد أبعد في المستقبل. فشبكة الإنترنت تؤمن الاقنية والأهداف في نفس الوقت للجريمة، وتُمكن من استغلال هذه الأقنية والأهداف لتحقيق أرباح كبيرة بأقل قدر ممكن من المخاطر. وجماعات الجريمة المنظمة لا تريد أكثر من ذلك. ولهذا السبب فمن الأهمية بمكان تحديد بعض الطرق التي تتداخل فيها الجريمة المنظمة حالياً مع الجريمة التي تُرتكب من خلال الشبكات الإلكترونية.

الاتجاهات الرئيسية في الجريمة المنظمة وجرائم الشبكات الالكترونية

تستخدم مجموعات الجريمة المنظمة شبكة الإنترنت للقيام بأعمال رئيسية من الاحتيال والسرقة. ولعّل أبرز مثال على ذلك – رغم عدم نجاحه – ما حصل في شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2000 مع بنك صقلية. فقد ابتكرت مجموعة من حوالي 20 شخصاً، بعضهم يرتبط بعائلات المافيا، بمساعدة شخص من داخل البنك، نسخة رقمية طبق الأصل لنظام وصل البنك بشبكة الإنترنت. بعد ذلك قررت المجموعة استعمال هذه النسخة الرقمية المطابقة للأصل لتحويل مسار حوالي 400 مليون دولار كان الاتحاد الأوروبي قد خصصها لتمويل مشاريع إقليمية في صقلية. كان من المقرر غسل الأموال عبر مؤسسات مالية مختلفة منها بنك الفاتيكان وبنوك في سويسرا والبرتغال. أحبطت الخطة عندما باح بالسر شخص من المجموعة إلى السلطات الرسمية. رغم ذلك، كشفت هذه المحاولة الفاشلة بصورة واضحة للغاية ان الجريمة المنظمة تجد فرصاً ضخمة لها لتحقيق أرباح نابعة من نمو العمل المصرفي الإلكتروني والتجارة الإلكترونية.

في الواقع، إن تنوع الجريمة المنظمة وممارستها لأشكال مختلفة من الجرائم بواسطة شبكة الإنترنت مرتبط في صورة وثيقة باتجاه ثان آخد بالبروز، هو تورط الجريمة المنظمة في ما كان يُصنّف بأنه جرائم مالية. تصنف نشاطات العصابات الإجرامية في الولايات المتحدة والمنظمات الإجرامية الروسية العاملة في وول ستريت (السوق المالية في نيويورك) ضمن هذه الفئة. خلال أواخر التسعينات حدثت حالات عديدة لتلاعب المنظمات الإجرامية باسهم شركات الرساميل الصغيرة، باللجوء إلى الأساليب الكلاسيكية. من “النفخ والتنفيس”، (حيث يُرفع سعر السهم الى مستويات هائلة ثم يتم التخلص منه بسرعة فيهبط بشدة). وفي حين ان العديد من هذه العمليات كان يتم تم من خلال الإكراه او السيطرة على شركات الوساطة المالية، فقد استعملت شبكة الإنترنت أيضاً لتوزيع المعلومات التي كان من شأنها التضخيم المصطنع لاسعار الأسهم وكان من بين الذين اشتركوا في هذه العمليات الإجرامية أعضاء من عائلات الإجرام المعروفة مثل بونانو، وجينوفيزي، وكولومبو، بالإضافة إلى أعضاء مهاجرين روس من مجموعة الجريمة المنظمة بور. ومع ابتعاد المنظمات الإجرامية عن نشاطات الإكراه التقليدية وازدياد تركيزها على فُرص ارتكاب الجرائم المالية سوف تسود بدرجة اكبر النشاطات المرتبطة بالإنترنت. وبما ان الخداع في أسعار اسهم الشركات المرتبط بالإنترنت يولد خسارات تقدر بعشرة آلاف مليون دولار في السنة للمستثمرين، فهو يوفر مجالاً واسعاً لأرباح الجريمة المنظمة.

لا يعني هذا القول ان الجريمة المنظمة سوف تغير طبيعتها. ان استعدادها المتأصّل لاستخدام القوة والترهيب مناسب تماماً لتطوير خطط الابتزاز المحنكة عبر الإنترنت التي تهدد بعرقلة وصول المعلومات والتشويش على أنظمة الاتصالات واتلاف البيانات. يشكل نمو الابتزاز عبر الإنترنت توجهاً مهماً ثالثاً. فعلى الرغم من سوء تنفيذ او فشل بعض خطط الابتزاز، لكنها تبقى قابلة للتنفيذ دون ذكر أسماء أو بصورة مغفلة بحيث تبقى أخطارها محدودة بينما يكون مردودها من الأرباح مرتفع جداً. والواقع أنه قد يكون هذا النوع من الإجرام غير معروف بشكل كافٍ. لكن من المتوقع توسعه بدرجة كبيرة مع تحول الجريمة المنظمة بحماس إلى استغلال مكامن الضعف الجديدة التي تأتي مع الاعتماد المتزايد على الأنظمة الموصولة بشبكة الإنترنت.

يتمثل الاتجاه الرابع بالاستخدام الإجرامي الواضح لأدوات كانت أصلاً لا تشكل الاّ نوعاً من الإزعاج. وربما كان اشهر مثال لهذا الاتجاه ما حدث في أواخر عام 2000 عندما استعمل نوع من الفيروس الذي عًرف باسم “بقة الحب” في محاولة للوصول إلى كلمات السر للحسابات في يونيون بنك أوف سويتزرلاند، وفي ما لا يقل عن مصرفين آخرين في الولايات المتحدة. ومع ان القصة لم تلق اهتماماً يذكر، ولم يعرف بالضبط من كانوا فاعلوها، فهي تعطي مصداقية أكبر للنظرية القائلة بان الجريمة المنظمة تطور علاقات مع معتدين صغار مهرة في تقنيات الكمبيوتر. والاتجاه الخامس الذي يمكن ان نتوقع حصوله هو ما يمكن تسميته ـتبديل مناطق الصلاحيات القانونية”. لا شك ان الجرائم المتعلقة بالشبكات الإلكترونية – عندما ترتبط بالجريمة المنظمة – سوف تنطلق من مناطق لا يوجد فيها إلا القليل، ان وجد، من القوانين الموجهة لمحاربة الجرائم التي ترتكب عبر الشبكات الإلكترونية و/أو المناطق التي لا تملك قدرات تذكر على تطبيق القوانين المضادة للجرائم التي ترتكب عبر الشبكات الإلكترونية. كان هذا أحد الدروس التي قدمها فيروس بقة الحب. ومع ان الفيروس انتشر في العالم اجمع وكلف المؤسسات التجارية آلاف الملايين من الدولارات، فعندما تمكن مخبرو مكتب التحقيقات الفيدرالي من تحديد هوية مرتكب العمل، وكان طالباً في الفليبين، اكتشفوا أيضاً أنه ليس هناك من قانون يمكن من خلاله محاكمة المرتكب. بعد ذلك، عمدت دولة الفليبين إلى إصدار قوانين تحرّم الجرائم التي تُرتكب عبر الشبكات الإلكترونية، وتبعتها في هذا السياق دول أخرى. مع ذلك، لا زالت توجد ثغرات تشريعية تسمح للمجرمين والمعتدين على الشبكات الإلكترونية بالعمل دون خوف من العقاب. وبالفعل، من الممكن ان تسعى بعض التشريعات بصورة متزايدة إلى استغلال موقف متسامح لجذب الاستثمارات من خلال إنشاء ملاذات آمنة للمعلومات (على غرار الملاذات الآمنة الضريبية وتشريعات السرية المصرفية) تجعل من الصعب على المسؤولين عن تطبيق القوانين تتبع مسار المعلومات، وتوفير عمليات تجارية عبر الإنترنت يمكن ان تعمل من خلالها مؤسسات تجارية غير مشروعة في ظل حد أدنى من تدخل السلطات.

الاتجاه السادس هو الاحتمال المتزايد باستعمال الإنترنت لغسل الأموال. فمع تحول الإنترنت إلى الوسيلة التي يتم عبرها إجراء المزيد من العمليات التجارية الدولية، فمن المحتمل ان تزداد أكثر فرص غسل الأموال باتباع اسلوب إصدار الفواتير الزائدة او الناقصة عن الأسعار الحقيقية. توفر مزادات السلع التي تتم بواسطة الإنترنت فرصاً مماثلة لنقل الأموال من خلال عمليات شراء قانونية ظاهرياً ولكن بدفع ثمن يفوق بكثير الثمن الحقيقي للسلع المشتراة. كما تجعل المراهنات التي تتم عبر الشبكة من الممكن نقل الأموال إلى مراكز مالية تعمل بطريقة الأوف شور في دول منطقة البحر الكاريبي على الأخص. بالإضافة الى ذلك، ومع انتشار تحويل الأموال بواسطة البريد الإلكتروني والقيام بالأعمال المصرفية إلكترونياً من المتوقع ان تزداد أيضاً فرص إخفاء تحركات نتائج الجرائم باستعمال مجموعة متزايدة من المعاملات المالية غير القانونية.

يتناول الاتجاه السابع نمو الاتصالات عبر الشبكة بين معتدين على شبكات الكمبيوتر من ذوي المهارة التقنية، أو صغار المجرمين، وبين جماعات الجريمة المنظمة. في ايلول/سبتمبر 1999 مثلاً، حُكم على عضوين من جماعة تعمل انطلاقاً من الولايات المتحدة، عرفت باسم “أساتذة الهاتف”، بالسجن لاختراقهم شبكات أنظمة الكمبيوتر لشركات الاتصالات اللاسلكية MCI وSPRINT وAT&T وEQUIFAX . وقد تمكن أحد هؤلاء، كالفين كانتريل، من الحصول على آلاف من بطاقات إجراء المخابرات الهاتفية من شركة SPRING وبيعها من شخص كندي أعاد تمريرها إلى الولايات المتحدة حيث باعها من شخص آخر في سويسرا. وفي النهاية وصلت تلك البطاقات إلى أيدي مجموعات الجريمة المنظمة في إيطاليا. من المحتمل جداً ان تتعمق الاتصالات بين هذين النوعين من المجموعات الإجرامية وان تتوسع أعمالهما. علاوة على ذلك فأن مجموعات الجريمة المنظمة تستخدم، بالطبع، شبكة الإنترنت للاتصالات (تكون مرمّزة عادة) لإغراض أخرى عندما ترى انها مفيدة ومربحة. وبالفعل، وقد أثبتت جماعات الجريمة المنظمة أنها مرنة وقابلة للتكيّف في طرق استغلالها للفرص التي يوفرها عالم الشبكات الإلكترونية، كما تستغل أي فرصة أخرى لنشاطها غير القانوني. ان لذلك مفاعيل بعيدة المدى تتطلب من الحكومة رداً استراتيجياً، يكون متعدد المستويات، ومتعدد الأطراف، وبطبيعته عابر لحدود الأوطان.

الاستجابات للترابط بين الجريمة المنظمة وجرائم الشبكات الإلكترونية

تتطلب مواجهة التشابك المتنامي بين الجريمة المنظمة والجريمة التي ترتكب عبر الشبكات الإلكترونية استراتيجية شاملة بالفعل. هناك سوابق ونماذج لهذه الاستراتيجية قد تكون مفيدة جداً، وتتيح التوازن بين متطلبات تطبيق القوانين والأمن القومي وبين اعتبارات أخرى مثل الخصوصية الشخصية. ان المبادئ الرئيسية التي وجّهت ردّ المجتمع الدولي على الجريمة المنظمة العابرة للحدود وعمليات غسل الأموال يمكن ان تشكل أحد النماذج الجيدة.

حاول فريق العمل المالي (FATF)، وهو فريق عمل شكلته مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع (G-7) وضع قواعد قياسية ومعايير للحكومات والمؤسسات المالية لاتباعها في سن القوانين والأنظمة ووضع آليات لتطبيق القوانين المالية على مستوى البلدان. ورغم وجود إمكانية لانتقاد فريق العمل على بعض ما قام به، لكنه أطلق في عام 2000 حملة فعالة بعنوان “تسمية وتعيير” بحيث أعلنت قائمة بأسماء 15 دولة “غير متعاونة” لعدم كفاية جهودها في مكافحة غسل الأموال. في بعض الحالات كانت النتائج ملحوظة وأدت إلى تطبيق برامج اكثر تشددا ضد غسل الأموال والى تحقيق شفافية أكبر في النشاطات المالية. وفي حين كانت حملة فريق العمل المالي تتويجاً لجهد دام عشر سنوات، فإنها توفر نهجاً يمكن اتباعه بصورة مفيدة من قبل المجتمع الدولي في مسعاه لمحاربة جرائم الشبكات الإلكترونية. كانت معاهدة المجلس الأوروبي حول جرائم الشبكات الإلكترونية، التي أيدتها الولايات المتحدة بقوة، أول خطوة رئيسية في هذا الاتجاه؛ ويمكن اعتبارها بداية لعملية وضع القواعد والمعايير التي يُتوقع من البلدان المعنية أن تتبعها في نهاية الامر في جهودها التشريعية والتنظيمية وتطبيق القوانين.

يستند نهج هذه المعاهدة إلى اعتراف أساسي بضرورة قيام انسجام بين قوانين الدول المعنية. في السنوات الأخيرة تم تحقيق التعاون الدولي في تطبيق القوانين من خلال سلسلة من معاهدات تسليم المجرمين والمساعدة القانونية المتبادلة (MLAT) التي تمكن الحكومات من تبادل المعلومات والأدلة. وبغية وضع هذه المعاهدات قيد التنفيذ يفترض عادة وجود ما يُعرف بازدواج العمل الإجرامي (أي ان تكون السلطات القضائية لكلا الدولتين تعتبر ذلك العمل عملاً جرمياً). بكلمات أخرى، يتم تسهيل التعاون الدولي بدرجة كبيرة من خلال التلاقي على ما يمكن اعتباره عملا إجرامياً بموجب تشريعات مختلف البلدان المعنية. بالإضافة إلى ذلك، وكما بيّن ارنستو سافونا، رئيس مركز أبحاث الجريمة الدولية في مدينة ترينتو في إيطاليا، فان فرض قوانين مماثلة في مختلف الدول يزيد المخاطر التي تواجه المنظمات الإجرامية ويتجه اكثر نحو معادلة هذه المخاطر في مختلف الدول المعنية. وفي الواقع، كلما كانت القوانين أكثر شمولاً كلما قلت الملاذات الآمنة التي يستطيع المعتدون على الشبكات الإلكترونية الخاضعين لسيطرة الجريمة المنظمة (او الذين يعملون لحسابهم الخاص) العمل انطلاقاً منها بأمان.

ان الانسجام ضروري بالنسبة إلى القوانين الأساسية كما بالنسبة إلى القوانين الإجرائية. على كافة الدول ان تُعيد تقييم ومراجعة قواعد الإثبات، والتفتيش، والقاء القبض، والتنصت الإلكتروني، وما شابه ذلك لتشمل المعلومات الرقمية، وأنظمة الكمبيوتر الحديثة، وأنظمة الاتصالات الحديثة، والطبيعة العالمية لشبكة الإنترنت. أما التنسيق الأكبر للقوانين الإجرائية فيمكن أن يُسهّل التعاون في التحقيقات التي تشمل سلطات قطاعية متعددة.

بالإضافة إلى القوانين الملائمة، من المهم أيضاً ان تطور الحكومات وأجهزة تطبيق القانون قدراتها على تطبيق هذه القوانين. يحتاج ذلك إلى تطوير الخبرات في مجال الجريمة التي ترتكب عبر الشبكات الإلكترونية وتحقيق مشاركة فعالة للمعلومات بين الدوائر داخل الدولة المعنية وبين مختلف الدول. يُضاف إلى ذلك ضرورة تخطّي هذه المشاركة الأجهزة التقليدية لتطبيق القوانين بحيث تشمل أجهزة الأمن القومي وأجهزة الاستخبارات. كما ان من الأمور الأساسية تشكيل وحدات متخصصة في تطبيق القانون للتعامل مع المسائل المتعلقة بهذا النوع من الجرائم على مستوى البلد المعني. بإمكان هذه الوحدات أيضاً ان توفر أيضاً أساساً للتعاون الدولي الرسمي وغير الرسمي المستند إلى شبكات ثقة بين مسؤولي تطبيق القوانين في مختلف البلدان. ويمكن للتعاون في قضية معيّنة أو التعاون في لجان مشتركة مؤلفة من ممثلي عدد من الدول أن يكون مفيداً جداً. وهناك قضايا كان فيها التعاون الدولي فعالاً للغاية. وبالفعل يمكن ان يولد التعاون الناجح تعاوناً مماثلاً في أماكن أخرى ويحقق المزيد من النجاحات.

ان الجزء المهم الأخر من استراتيجية محاربة هذه الجريمة هو المشاركة بين الحكومات والقطاع الخاص، وبالأخص في قطاع تكنولوجيا المعلومات. ومجدداً هناك سوابق لهذه المشاركة. خلال السنوات الماضية وضعت شركات النفط الرئيسية، رغم كونها تتنافس بقوة بينها، ترتيبات للمشاركة في المعلومات، وعملت عن كثب مع هيئات تطبيق القوانين للحد من تغلغل جماعات الجريمة المنظمة والشركات الإجرامية في عملياتها. ليس من السهل دائما تحقيق هذا التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، لكن من الواضح ان قدراً من الثقة المتبادلة يمكنه أن يُحدث أثراً. بغية توسيع مدى التعاون، يجب ان تمارس أجهزة تطبيق القانون حرصاً كبيراً وسرية كبيرة لعدم كشف مكامن ضعف الشركات، في حين يجب ان تكون الشركات بحد ذاتها راغبة في الابلاغ عن اي نشاطات إجرامية تستهدف أنظمتها الخاصة بالمعلومات والاتصالات.

حتى ولو تم تحقيق تقدم كبير في كافة هذه المجالات، ستواصل الجريمة المنظمة والجريمة التي تتم عبر الشبكات الإلكترونية ازدهارها. ولكن إذا تم اتخاذ خطوات في هذه الاتجاهات، يمكن أن يكون هناك احتمال لإمكانية احتواء هذه الجريمة ضمن حدود مقبولة، وإنها لن تقوّض الثقة بالتجارة الالكترونية، وإنها لن تزيد من إثراء مجموعات الجريمة المنظمة بدرجة تمكنها من زيادة إفساد الحكومات وتهديدها، وألا تكون الجريمة المنظمة هي الرابح الكبير من نمو شبكة الإنترنت.

البروفوسور وليامز هو أستاذ في كلية الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية في جامعة بتسبرغ. وهو أيضاً محرر مجلة الجريمة المنظمة العابرة للحدود على الانترنت . يمكن الحصول على معلومات إضافية حول أمن الانترنت على على موقع: http://www.cert.org/.