بحث قانوني حول الإنهاء الإداري للقرارات التنظيمية و الفردية المولدة للحقوق

بسم الله الرحمن الرحيم

جامعة اليرموك
كلية الحقوق
قسم القانون العام
مســاق القــــــرار الاداري
الإنهاء الإداري للقرارات التنظيمية والفردية المولدة للحقوق
إعداد
نسيم بني عامر
2009840012
ماجستير قانون اداري
إشـــــــــــــــــــراف الأستاذ الدكتور
خالد الزبيدي
الفصل الدراسي الأول
2010/ 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمه :

تعد القرارات الاداريه من أهم مظاهر ألامتيازات التي تتمتع بها الســلطة الإدارية والتي تستمدها من القانون العام وأيضا وسيلتها المفضلة فـي القيام بوظائفهـا المتعددة والمتجددة في الوقت الحاضر لما تحققه مـن سرعه وفاعليه في العمل الإداري, وامكانيه البت من جانبها وحدها في أمر مـن الأمور, دون حاجه إلي الحصول علي رضــا ذوي الشأن,أو حتى معاونتهم وذلك بإنشاء حقوق للإفراد أو التزامات عليهم, هذا بالاضــافه إلي قدره الاداره علي تنفيذها تنفيذا مباشرا وبالقوة الجبرية.
يمكن تعريف القرار الإداري بأنه (( إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانـون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطه عامــه, بمقتضي القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان جائزا وممكنا قانونا ابتغاء تحقيق مصلحه عامه)).
أن القانون الإداري يعترف للاداره العــامة, بســلطة تقديريه أو بقدر مـن حرية التصرف في مباشره معظم اختصاصاتها ومسئوليتها القانونية – باعتبارها الامينه عـلي المصلحة العامة – مثل هذه السلطة أو هـذا القدر من حرية التصرف يعد بمثابة الشرط الأول لحياة وبقاء كـل أداره, خاصة بعد تعاظم الـدور الذي أصبحت تضطلع به الاداره العامة في الوقت الراهن, نتيجة تشعب وتداخل مجالات ومسئوليات الدولة الحديثة وتطبيقا من المشرع لهذه السلطة التقديرية التي منحها للاداره , فقد أعطاها الحق في سحب بعض ما تصدره مـن القرارات , إذا كانت هذه القرارات غـير مشروعه قانونا أو كانت قرارات غـير ملائمة ابتغاء للصالح العام وحسن سير المرافق العامـة , وللتخفيف من عـلي عاتق القضاء ,الذي يسهر علـي رقابه مشروعيه القـرارات الاداريه بالإلغاء والتعويض , فمنح الاداره سلطه سحب قراراتها ليقلل بذلك من حالات اللجوء للقضاء من اجل الطعن في هذه القرارات .
ولذلك فانه يجوز للجهة الاداريه سحب القرارات الاداريه المعيبة بعيب عدم المشروعية, وذلك مثل القرارات الاداريه التي لا تولد حقوقا أو لاعتبارات عـــدم الملائمة,أما بالنسبة للقرارات الاداريه المشروعة هل يجوز للجهة الاداريه مصدره القرار ان تســحب هذا القرار المشروع,استقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي ونظيره المصري عـلي انه لا يجوز سحب القرار الإداري السليم , إلا وفقا للحدود المقررة في القانون في هذا الشأن, وهذه القاعدة مبنية علي أسـاس عدم رجعيه القرارات الإدارية. وعلى هذا الاساس فانني اثرت ان اكتب في بحثي هذا حول مدى حق الادارة في سحب قراراتها الادارية التنظيمية والفردية التي تولد حقا” .

خطة البحث
في هذا البحث سأعمل على تقسيمه الى مبحثين في الأول منهما سأبين مدى حق الادارة في سحب والغاء القرارات التنظيمية والثاني سأبحث ايضا” حول مدى جواز سحب القرارات الفردية السليمة التي تولد حقا” وسأقسم كل مبحث منهما الى مطلبين .

المبحث الأول
انهاء القرارات التنظيميه

التعريف بالقرارات التنظيميه وماهيتها وانواع القرارات التنظيميه سيكون مدار بحثنا في هذا المبحث من خلال مطلبين الاول سافرده للحديث عن المقصود بالقرارات التنظيميه والتعريف بها وانواعها وفي المطلب الثاني عن سحب القرارات التنظيميه والغاءها .

المطلب الاول
المقصود بالقرارات التنظيمية وانواعها

اولا :- المقصود بالقرارات التنظيمية (اللوائح) :

الاصل ان السلطة التشريعية وفقا” لمبدأ الفصل بين السلطات هي صاحبة الاختصاص باصدار القوانين الا ان التطبيق العملي اقتضى التخفيف من هذا المبدأ بمنح السلطة التنفيذيه صلاحية وضع قواعد عامة مجردة وموضوعية وملزمة تسري على جميع الافراد الذين تتوافر فيهم الشروط اللازمه لتطبيق هذه القواعد وتسمى هذه القواعد بالأنظمة أو اللوائح او القرارات التنظيميه ، وهذ الانظمة تأتي بالمرتبة الثالثة من حيث التدرج التشريعي بعد الدستور والقانون العادي ولذلك فان على واضعي هذه الانظمة التقيد من حيث اجراءات وضعها ومضمونها باحكام القواعد القانونية التي تعلوها مرتبه فاذا خالفتها عدت غير مشروعه لخروجها على مبدأ المشروعية وتصبح محلا” للطعن فيها امام المحاكم المختصة بالالغاء بموجب دعوى الالغاء (1) .
والانظمة تعد وفقا” للتدرج الموضوعي أسمى وأعلى مرتبة من القرارات الفرديه واحترام القرار الفردي للنظام يعتبر مبدأ عاما” لا يجوز الخروج عنه .
ويجب ان نلاحظ ايضا” بان الانظمة ليست في مرتبة واحدة فالقرار التنظيمي الصادر من وزير لا يملك الخروج عن قرار تنظيمي صادر من مجلس الوزراء، اما في حالة اتحاد مصدر القرار واتحاد طبيعة القرارين التنظيميين فتسري قواعد التفسير التقليدية من حيث ان الخاص يقيد العام والاحدث ينسخ ما سبقه(2) .

وقد حدد المشرع الاردني في الدستور أمورا” أباح تنظيمها بانظمه تصدر عن السلطة التنفيذية حيث نصت المادة 31من الدسنور الاردني على ان ( الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويامر بوضع الانظمه الازمه لتنفيذها بشرط ان لا تتضمن ما يخالف احكامها ) (1) . ونصت المادة 120منه على ان( التقسيمات الاداريه في المملكة الاردنيه الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسماؤها ومنهاج ادارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بانظمه يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك ) كما نصت المادة 114 منه على ان (مجلس الوزراء بموافقه الملك ان يضع انظمه من اجل مراقبة تخصيص وانفاق الاموال العامه وتنظيم مستودعات الحكومه ..) وبذلك يتبين ان الدستور هو الذي ينظم الموضوعات التي يتطلب تنظيمها بقانون من قبل السلطة التشريعية او بنظام من قبل السلطة التنفيذية وهذا ما اكدته محكمة العدل العليا بقولها ( ان اغتصاب السلطة يتم عندما يصدر القرار من السلطة هي من شأن سلطة اخرى كان تتولى السلطة التنفيذية عملا من اعمال السلطة التشريعية او تتولى السلطة التشريعية عملا من اعمال السلطة التنفيذية …) (2).

ثانيا” :- انواع الانظمة

1- الانظمه التنفيذيه :

وهي قواعد قانونية تصدر عن السلطة التنفيذيه وفقا لاحكام الدستور سندا لنص المادة 31 من الدستور الاردني ويكون مجالها تنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية حيث تقتصر مهمتها على تنفيذ هذه القوانين وتتقيد بحلولها ولا يجوز لها مخالفتها فهي تستهدف تفاصيل القانون التي لا يمكن ان يضمها نص القانون حتى يسهل تطبيقة وهي تصدر بشكل قواعد عامه مجرده ويشترط لمشروعيتها ان لا يكون من شانها تعديل او تعطيل القانون الذي تضعه موضع التنفيذ او غيره من القوانين او الاعفاء من تنفيذ هذه القوانين كما يشترط لمشروعيتها ان تكون الاحكام الواردة فيها لازمة لتنفيذ القانون وان يكون الهدف من النظام التنفيذي هو ضمان تنفيذ القانون وبذلك فانه يستوجب مطابقة هذا النظام لذاك القانون فاذا كان حكم النظام التنفيذي غير مفيد في تطبيق القانون اعتبر غير مشروع حتى لو لم يكن هناك مخالفة لأي نص تشريعي وهذا يلزم السلطة التنفيذية التي تصدر النظام احترام القانون (3).

2- الانظمه المستقلة :

وهي انظمه خاصة بانشاء وترتيب المصالح او المرافق العامه والانظمه الخاصة بالضبط الاداري ولم ينص الدستور الاردني صراحة على اختصاص السلطة التنفيذية باصدار مثل هذا النوع من الانظمه الا ان هذه الانظمه يمكن ان تجد سندها في المادة 120 من الدستور وهذا ما ايده المجلس العالي لتفسير الدستور حيث قرر قراره رقم 3 لسنة 1956 المنشور في العدد رقم 1257 من الجريدة الرسمية بتاريخ 16\1\1956 حيث قرر ( ان التشريع في الاردن قد يصدر (بنظام مستقل ) تصدرة السلطة التنفيذيه ومقتضى المادة 120 من الدستور كتشريع اصيل لا تنفيذا لقانون قائم (1).

ومن امثلة الانظمه المستقلة :

أنظمة الضبط الإداري وانظمه المرافق العامة

أ- انظمة الضبط الاداري :وهي الانظمه التي تنظم ممارسة الحريات العامه للافراد بهدف المحافظة على النظام العام بعناصره الاربعه : الامن العام , الصحة العامة , السكينه العامه , والاداب العامه , ويجب ان يكون هدفها المحافظة على النظام العام فاذا صدرت الانظمه الضبطيه مستهدفة غرضا اخر فانها تعد غير مشروعه وهي تتمتع بقوة الانظمه وفقا للقواعد العامه المتصله بتحديد القوه الالزامية للأعمال والقواعد القانونيه وهو الذي جعل المشرع الدستوري في بعض الدول ينص صراحة على اختصاص السلطة التنفيذية باصدارها مثل المشرع المصري الذي نص في المادة 145 من الدستور المصري المعدل لعام 1980 : يصدر رئيس الجمهورية لوائح الضبط ….حيث يعتبر مثل هذا النص سندا دستوريا لهذه الانظمه .

ب – انظمه المرافق العامه وهي الانظمه التي تضعها السلطة التنفيذية بقصد انشاء وترتيب سير المرافق العامه وسير العمل في المصالح والادارات الحكومية العامه وفي الاردن وطبقا لاحكام الدستور فان هذه الانظمه تشمل الانظمه الخاصة بالتقسيمات الاداريه وبالادارات المحلية وتشكيلات دوائر الحكومة وتنظيم الوظيفة العامة والاشغال الوظيفية واللوازم وغيرها …. وهي تعد عملا اداريا من حيث طبيعتها القانونيه .
وانشاء المرافق العامه هو امر اختياري للسلطة التنفيذية فهو يدخل في مجال سلطتها التقديرية .(2)

3- الانظمه التفويضية:

وهي مظهر من مظاهر التعاون ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فهي قواعد قانونية عامه ومجردة تصدر عن السلطة التنفيذيه بموجب تصريح من البرلمان لتحل محله والقيام بالتشريع في بعض مسائل يحددها لها وقد نصت بعض الدساتير على هذا النوع من الانظمه مثل الدستور المصري الذي نص صراحة على جواز التفويض التشريعي بان منح رئيس الجمهورية صلاحية اصدار قرارات لها قوة القانون عند الضرورة وفي الاحوال الاستثنائية وبناء على تفويض من مجلس الشعب لأغلبية ثلثي الاعضاء . اما في الاردن فلم ينص المشرع الاردني صراحة على التفويض التشريعي في الدستور وان بعض الفقهاء يرى ان المشرع الدستوري الاردني لم يكن بحاجة للنص على التفويض التشريعي لا حالات الضرورة او الحالات الاستثنائية التي تبرر التفويض التشريعي تم تغطيتها بنصوص اخرى لمواجهة تلك الحالات وذلك بموجب المواد 94 و124 و125 من الدستور الاردني (1).

4- انظمه الضرورة :

ان غالبية الدساتير تنص على تخويل السلطة التنفيذية اصدار انظمة ادارية في حالات الضرورة لمواجهة حالات الطوارىء وحالات الاستعجال والحرب ودفع اية اخطار من الممكن ان تتعرض لها الدولة . وفي الاردن نجد سندا لهذه الانظمه في المادة 94 من الدستور وهي التي تسمى لدينا بالقوانين المؤقته وقد قيدها المشرع بعدة قيود وضوابط على اصدارها (2).

والمشرع الاردني اطلق على هذا النوع اصطلاح القوانين المؤقته الامر الذي يفهم منه ان هذه القواعد القانونيه تكتسب طبيعة القانون العادي ويترتب على اضفاء الصفة القانونيه على انظمة الضروره اكتساب الحصانه القضائية التي تتمتع بها القوانين اذ لا يجوز الطعن ضدها بالالغاء امام القاضي الاداري في حين ان اتصافها بصفة الانظمه يجعلها خاضعة للرقابة القانونيه على مشروعيتها . (3)

المطلب الثاني
سحب القرارات التنظيمية وإلغاءها

اولا” :- سحب القرارات التنظيمية

حاولت في المطلب السابق ان اسلط الضوء على ماهية القرارات التنظيمية وأنواعها وطريقة وظروف اصدارها وصاحب الاختصاص في اصدار هذه الانظمة والمواضيع التي تعالجها الا انه وفي النهاية لا بد لهذه الانظمة من الزوال والانتهاء وهنالك عدة طرق لانتهاء هذه الانظمة الا انني سابحث في سحب القرارات التنظيمية من قبل الجهة التي اصدرتها ومدى جواز ذلك في حال صدورها سليمة ومشروعة .
فالأصل العام انه من غير الجائز سحب القرارات الإدارية السليمة تنظيمية كانت ام فردية ويرجع عدم جواز سحب القرار التنظيمي السليم الى احترام مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية (1).
فان سحب القرار الإداري يعني وقف نفاذ آثاره بالنسبة للماضي والمستقبل وهذا يترتب علية زوال كل آثار القرار بأثر رجعي ويجعل كافة القرارات التي صدرت في الماضي تفقد سندها فتتساقط بالتبعية فالحكمة من عدم جواز سحب الإدارة لقرارها المشروع والسليم والمتفق مع أحكام القانون ترجع إلى كون السحب أصلا وسيلة من وسائل إنهاء القرارات الإدارية وهذه الوسيلة تقررت لتصحيح ما اكتنف القرار من عيوب وأخطاء قانونية أو مادية متعلقة بالمشروعية وبالتالي لا يسوغ السماح بسحب القرار عند خلوه من الأخطاء وإلا اعتبر القرار الإداري الساحب نفسه مخالفا للقانون (2) .

اما بالنسبة للوائح التنظيمية فانها كما ذكرنا تضع قواعد عامه مجردة وتتوجة الى الاشخاص بمراكزهم وليست بذواتهم و تسري بالنسبة للمستقبل ولا تنسحب الى الماضي ويتولد عن هذه القرارات مراكز قانونية عامه موضوعية ولذلك فان الافراد لا يجوز لهم التمسك بتطبيق هذه اللوائح او تلك كونها لا تولد حقوقا ولا مراكز ذاتية شخصية . فذهب جانب من الفقة الى جواز سحب القرارات التنظيمية في أي وقت لانها لا تولد حقوقا مكتسبة ذاتية او مراكز شخصية وهذا يعني باثر رجعي ومن هنا سنتناول موقف الفقه من سحب القرارات التنظيمية :

1- : موقف الفقة والقضاء الفرنسي :
القرارات الادارية المشروعة لا يجيز مجلس الدولة الفرنسي سحبها باثر رجعي وانما اجاز حق الغاءها بالنسبة للمستقبل وذلك لان اللائحة لا يشوبها عيب بل صدرت سليمه فايقاف مفعولها يكون الى المستقبل اما اللوائح المعيبة فيرى مجلس الدولة في حكمه في قضية بونارد بتاريخ 14/11/58 الى تقرير حق الادارة في سحب اللوائح المعيبة واهدار اثارها باثر رجعي وقيد سلطة الادارة بالسحب بالمواعيد المقررة للطعن بالإلغاء القضائي فاذا لم ينقضي ميعاد الطعن القضائي فللادارة حق سحب اللائحة اما اذا انقضت تلك المواعيد فانه يمتنع على جهة الادارة سحبها فاذا انقضت تلك المدد تتحصن اللائحة المعيبة وتعامل كاللوائح السليمه بالنسبة للمستقبل وفيها قضى المجلس بمنع الادارة من المساس باللوائح التي ترتب حقوقا” وسحبها باثر رجعي اما فيما يتعلق باللوائح السليمه التي لا ترتب حقوق فللادارة حق الغاءها بالنسبة للمستقبل وليس باثر رجعي (1) .

2- : موقف الفقة والقضاء المصري :
قضت المحكمة الادارية العليا في مصر بتاريخ 27/1/53 انه اذا لم يكن القرار الإداري فرديا قصد به شخص المدعية بل هو قرار لائحي عام فانه يسري على الكافة والعلاقة التي تربط الموظف بالإدارة , علاقة لائحية لا تعاقدية , للإدارة حق سحب القرار اللائحي العام في أي وقت حسب ما تقتضيه المصلحة العامة .
لقد انتقد الفقه القضاء الاداري المصري على جواز سحب القرارات التنظيمية باثر رجعي كون هذه اللوائح وان كانت تتضمن قواعد عامه انما وضعت لتطبق على المستقبل وفي ذلك يقول العميد سليمان الطماوي باستحالة سحب اللوائح التنظيمية السليمه بمنع الغائها باثر رجعي وان من حق الاداره استبدالها او تعديلها او الغاؤها يكون مقصورا بالنسبة للمستقبل لا الى الماضي (2). ويقول ان القرار الاداري التنظيمي لا يخرج عن فرضين:
الفرض الاول : ان تكون اللائحة قد طبقت تطبيقا فرديا ويكون الافراد قد استمدوا حقوقا شخصية منها فهنا لا يجوز المساس بها ولا يمكن سحب هذه اللائحة السليمة لان ذلك يعني اعدامها باثر رجعي من تاريخ صدورها ومن ثم وجوب اعدام القرارات الفردية التي صدرت تطبيقا لها وهذا ما لا يجوز .
الفرض الثاني : ان لا تكون اللائحة قد طبقت ويكون اثرها مقصورا على انشاء مراكز قانونية عامه لم يستفد منها الأفراد وحينذ يكون من غير المفهوم إلغاؤها باثر رجعي كونها غير مطبقة ولا تظهر فائدة الرجعية بالنسبة للمستقبل .لذلك فهو ينظم الى من يقول باستحالة سحب القرارات التنظيمية السليمه أي بمنع الغاؤها باثر رجعي ويكون حق الاداره في تعديل اللائحة السليمة وإلغاؤها واستبدالها مقصور على المستقبل (3).

ويرى الدكتور حسني دوريش في هذا الصدد انه يجب اقتصار السحب على القررات الفرديه المعيبه اما اصطلاح الالغاء فيكون على القرارات التنظيمية السليمة والمعيبه والتي تحصنت بفوات مدد الطعن او السحب المقرره قانونا اما اذا طبقت اللائحة المعيبه تطبيقا” فرديا” وترتبت عليها حقوق ومزايا للافراد فهنا فلجهة الادارة حق سحبها خلال مدة الطعن القضائي ، فاذا انقضت تلك المدد دون طعن فانها تتحصن ويمتنع على جهة الادارة سحبها اما اذا لم يترتب على اللائحة مراكز قانونية ذاتيه ففي هذه الحالة يكون الغاؤها بالنسبة للمستقبل اذ لا يظهر اثر سحب الالغاء بالنسبة للماضي وهذا السحب يكون بمثابة اعدام للائحة التنظيمية للمستقبل . (1)

3- موقف محكمة العدل العليا
ترى محكمة العدل العليا ان للإدارة وفي كل وقت ان تعدل القرارات التنظيمية او تلغها او تستبدل بها غيرها حسبما تقتضيه المصلحة العامة دون ان يكون في تصرفها في هذه الحالة محلا” للطعن من قبل الأفراد. ولكن اذا اكتسب الفرد مركزا” قانونيا” جراء تطبيق قواعد تنظيمية معينة فانه لا يجوز المساس به في ظل قواعد تنظيمية جديدة الا بقانون ينص صراحة على سريانها بأثر رجعي . وذلك لان المراكز التنظيمية العامة التي تولدها القوانين والأنظمة لا تعدو ان تكون مراكز مؤقتة وقابلة للتغيير والتعديل في كل وقت وفقا” لمقتضيات الصالح العام ، وبالتالي ليس لفرد لم يكتسب مركزا” ذاتيا” في ظل تنظيم جديد ان يتمسك بالتنظيم القديم . ومن تطبيقات محكمة العدل العليا في هذا الشأن قولها ان علاقة الموظف بالدولة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين والأنظمة الصادرة بهذا الشأن ، وان تعديل هذه العلاقة والتغيير فيها بحسب الظروف هو إجراء عام متى كانت المصلحة العامة تقضي ذلك ، وعلى الموظف ان يؤدي واجبات وظيفته على النحو الذي تحدده القوانين والانظمه ، وكل ما للموظف هو ان يحتفظ بالمركز القانوني من حيث الدرجة والراتب (2) .
وفي حكم اخر لها تقول فيه ( ان سريان نظام الخدمة المدنية رقم (1) لسنة 1988 الذي الغى النظام رقم (23) لسنة 1966 على موظفي مؤسسة الموانئ يتفق والحقوق الممنوحة للمشرع تجاه الجهاز الوظيفي في الدولة سندا” للمادة (120) من الدستور ، اذ ان العلاقة التنظيمية التي تربط الموظف في الدولة وتحكمها القاعدة القانونية السارية تمكن المشرع تعديل هذه القاعدة وتسري بأثر مباشر ولا يستطيع الموظف التذرع بحق مكتسب في نظام سابق ، وبإلغاء ذلك تسري أحكام النظام الجديد ، والقول بخلاف ذلك يناقض مبدأ العلاقة التنظيمية ويقف حائلا” امام تطور الأوضاع الوظيفية (3).

ثانيا” :- الغاء القرارات التنظيمية

يقصد بالالغاء الاداري هو وضع حد لاثار القرار الاداري مستقبلا” فيقصد بالالغاء وقف القرارات عن انتاج اثارها القانونية للمستقبل فقط دون المساس بالاثار القانونية التي رتبتها في الماضي ويتميز الالغاء بانصراف اثاره القانونية نحو المستقبل وليس للماضي والاحتفاظ بالاثار التي رتبتها في الماضي وبهذا يختلف الغاء القرارات عن سحبها الذي يؤدي الى اختفائها بأثر رجعي ومن تاريخ اصدارها فيسحب القرار من تاريخ اصداره وتعالج جميع الاثار التي رتبتها في الماضي (1) .
اما بالنسبة للقرارات التنظيمية فان من المقرر قانونا” ان لجهة الادارة حق الغاء او تعديل تصرفاتها في أي وقت بما يتفق ومقتضيات المصلحة العامه وينبغي للقرارات التنظيمية ان تتفق مع الظروف والمتغيرات الجديده ، وهذا هو ما استقر عليه الفقه الفرنسي وان لجهة الادارة ان تتدخل لاجراء المواءمة بين الظروف والاوضاع الجديده وتلك القرارات ، ولذوي الشأن حق الطعن في الغاء الادارة لقراراتها التنظيمية ولمجلس الدولة الغاؤها اذا انعدمت الاسباب التي استوجبت الالغاء وتعتبر في هذه الحالة انها معيبة بعيب تجاوز السلطة ، وسند الفقه الفرنسي باعطاء هذا الحق للادارة بالغاء قراراتها التنظيمية السليمه بالنسبة للمستقبل الى انها لا تولد حقوق مكتسبة لاحد ، كما لا يجوز لاحد الادعاء بوجود مصلحة في بقاء التنظيم القديم قائما” . (2)
واما بالنسبة للفقه المصري فيقول الدكتور ثروت بدوي انه اذا ما طبقت اللائحة تطبيقا فردياً وتولد لاحد الافراد حقا او مزيه فانه يمتنع عن السلطة الادارية المختصة التعرض لها بالسحب والالغاء وهذا المركز لا يجوز المساس به الا بموجب نص قانوني ينص فيه على سريانه باثر رجعي فالقيد الذي يحكم الالغاء هو مبدأ عدم جواز المساس بالمراكز الفردية المكتسبه بمعنى ان الالغاء جائز طالما انه لا يتعارض مع مبدأ عدم جواز المساس بالمراكز الفردية المكتسبة وانه لن ينشىء حقوقاً على هذا الأساس تكون القرارات التنظيمية قابلة للإلغاء دائما لأنها لا تنشئ حقوقا فيمكن تعديلها أو إلغاؤها في أي وقت (3).
اما موقف الفقة والقضاء الاردني , فقداجاز للادارة ان تلغي القرار التنظيمي المشروع دون التقيد باية مدة وذلك لان القرارات التنظيمية تضع قواعد تنظيميه لا يمكن ان تكون مؤبدة بل تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير طبقا لمقتضيات المصلحة العامه ولا حرج على الادارة في ذلك ما دام الغاء هذه القرارات لا يرتب اثره الا بالنسبة للمستقبل ولا يمس بالحقوق التي نشأت في ظل تطبيقة في الماضي (4).

وهو ما استقرت عليه محكمة العدل العليا في العديد من قراراتها حيث جاء في احد احكامها تاكيدا على ذلك المبدا وهو حق الادارة في الغاء قراراتها الاداريه دون المساس بالحقوق المكتسبة للافراد وهو ما ورد في نص قراراها رقم 123/92 الذي اوردناه في ما مضى من هذا البحث (1) وبهذا فانه يجوز للادارة وفي أي وقت الغاء قراراتها التنظيميه تنفيذيه كانت او مستقلة مثل قرارات انشاء وتنظيم المرافق العامه والضبط الاداري .

ثالثا” :- الضوابط الشكليه لانهاء القرارات التنظيمية

1- قاعدة الاختصاص وتقابل الشكليات
ما يتعلق بقاعدة الاختصاص هو ان يصدر الغاء اللائحة من السلطة التي اصدرت اللائحة او من سلطة اعلى وهذه القاعدة ينص عليها في قانون او لائحة التي تحكم قاعدة تقابل الاختصاص .
اما قاعدة تقابل الشكليات فالمعنى المقصود منها هو تقابل الاجراءات ومراعاة قواعد الشكل والاجراءات عند الغاء اللائحة وذلك كون القانون او اللائحة يحدد الاجراءات الواجب اتباعها عند الغاء اللائحة وهو ما قضى به مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 24/1\1968 حيث قضى ( بان للادارة سلطة الغاء او تعديل اللوائح الادارية دائما وفي أي وقت وبأداة قانونية مماثله ) (2). وفي ذلك يقول العميد سليمان طماوي ( اذا كانت السلطة التي اصدرت اللائحة تملك تعديلها في أي وقت فلا يتاتى لها ذلك الا باجراء عام اما الخروج عن اللائحة في التطبيقات الفردية فهو غير مشروع الا اذا كانت اللائحة نفسها او القاعدة التنظيمية بصفة عامه ايا كان شكلها تجيز ذلك بشرط احترام الشروط المقررة في حالة الاستثناء (3). وقاعدة الاشكال والاجراءات فيها الكثير من الاراء الفقهية لا مجال لبحثها الا انه نرى ان الادارة غير ملزمة باتباع نفس الاشكال والاجراءات التي اتبعتها في اصدار اللائحة التنظيمية المراد الغاؤها وانما يكفي مراعاة ما نص علية القانون من اجراءات .
ومن قرارات محكمة العدل العليا في هذا المجال انها اعتمدت قاعدت تقابل الشكليات في الغاء القرارات الاداريه حيث جاء في احدى قراراتها انه :
(من المبادئ العامة في القانون الإداري وعملاً بقاعدة تقابل الأشكال تقضي بأن من يملك
صلاحية تعيين الموظف يملك صلاحية إنهاء خدماته عندما لا يحدد المشرع صاحب الصلاحية في الإنهاء.
* اذا كان المدير العام لمؤسسة الضمان الاجتماعي هو الجهة المختصة بتعيين أمثال المستدعيين
عملاً بنص المادة 11/ب من نظام موظفي المؤسسة باعتبارهما موظفين غير مصنفين ، فإنه هو الجهة المختصة بانهاء خدماتهما .
* اذا كان القرار المطعون فيه المتضمن انهاء خدمات المستدعيين صدر عن مجلس ادارة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي وليس عن المدير العام ، فإنه يكون صادراً عن جهة غير مختصة بإصداره .

2- صور الغاء القرارات التنظيمه :
يتخذ الغاء القرارات التنظيمية احدى حالتين او صورتين وهما : الالغاء الصريح , والالغاء الضمني :

أ- الالغاء الصريح : وهو ان يصدر قرار اخر بالغاء القرار الاول وهو افصاح الادارة عن ارادتها صراحة في الغاء القرار الاداري والعمل باللائحة الجديدة من تاريخ نشرها .

ب – الالغاء الضمني : وهو ان تصدر اللائحة الجديدة وتحل محل الاحكام القديمه دون تصريح من الادارة عن نيتها بالغاء اللائحة القديمه وبذلك تطبق الاحكام الجديدة في حال وجود تعارض فتلغى النصوص القديمة ضمنيا” والقضاء الفرنسي اخذ بالالغاء الضمني حيث قضى بان الالغاء الضمني يظهر نتيجة تعارض بين النظام القانوني الجديد والنظام القانوني القديم فيلغى النظام القديم ضمنيا (4). والغاء اللائحة قد يكون صريحا” او ضمنيا” وقد يكون كاملا” بالغاء القرارا التنظيمي كله او جزيئيا” بان ينصب الالغاء على جزء من القرار مع ترك الاجزاء الاخرى سليمه .

المبحث الثاني

في هذا المبحث سنتناول في البحث في سحب القرارات الفرديه السليمه التي تولد حقا” وطرق الغاؤها في مطلبين ففي الاول منها سيكون البحث في سحب القرار الاداري الفردي السليم الذي يولد حقا” اما المطلب الثاني فسيكون البحث في الغاء تلك القرارات .

المطلب الاول
انهاء القرارات الفردية السليمه المولدة للحقوق

في هذا المبحث سنتناول القرارات الفردية السليمه التي تولد حقوقا” من حيث سبحبها والغاءها في مطلبين الاول منها في السحب والثاني في الالغاء لهذا النوع من القرارات .

اولا” :- القرار الفردي الذي يولد حقا” وضوابط سحبه
القاعدة التي يسير عليها مجلس الدولة الفرنسي , انـــه لا يجوز سحب او إلغاء قرار فردي سليم , متي أنشاء حقــا مكتسبا لفرد من الأفراد , إلا وفقا للأوضاع التـــي يقررها القانون , ذلك أن المراكز الخاصة التــي تنشا عن تلك القرارات الفردية , تطبيقا لقواعد تنظيمية سليمة لا يمكن المساس بها أو تعديلها إلا برضا من نشأت لصالحهم , لهذا فان القرارات اللائحية لا يمكن أن تنال من القرارات والمراكز الفردية , لان لكل منها حياته المستقلة . لهذا يقرر الفقهاء أن احترام المراكز الخاصة من الأسس التي تقوم عليها الدولة القانونية كالمشروعية سواء بسواء.(1)
ويرى البعض ان القرارات الادارية هي بطبيعتها قابلة للالغاء والسحب باستثناء حالتين :
اذا حرم التشريع الغاءها .
اذا كان الالغاء يتعارض مع المراكز التي يجب حمايتها طبقا” للقواعد العامة التي يقررها القضاء الاداري .
ولكن يجب تحـديد مدي انطباق هذه القاعدة المسلم بها في موضوعين, هما القرار الفردي الذي يولد حقا, ومــدي جمود أو حصانة هذه القرارات الفردية التي تولد حقا, وسوف نتناول هذين الموضوعين فيما يلي.
ان معظم القرارات الفردية سواء كانت شخصية (ذاتية) أو شرطية يتولد عنها(بالمعني الواسع) حقــوق للأفراد , وبالتــالي لا يمكن إلغاؤها . ولا يخرج مــــن هذا القبيل إلا أنواع خاصة مـــن القرارات مثل القرارات الولائية, وهـي التي تخول الفرد مجــرد رخصة أو تسـامح والقرارات الوقتية, وهــــي التي لا تنشئ إلا وضعا مؤقتا وكذلك ما جري عليه العمل باستمرار فـي أحكام مجلس الدولة المصري, من أن قيد الموظف علي درجة اعلي لا يعدو أن يكون إجراءا تمهيديا للترقية يجوز العدول عنه ولا يكسب حقا (2)

ثانيا” :- الاستثناءات على قاعدة عدم جواز سحب القرار الإداري الفردي الذي يولد حقا”

أولا ” :- القرارات الولائية :
وهي القرارات التي تخول الفرد مجرد رخصة او تسامح مثل منح احد الموظفين إجازة مرضية في غير الحالات التي يحتم فيها القانون منح هذه الاجازه والا اعتبرت حقا” . والقرار الولائي لا يترتب عليه أي اثر قانوني فانه يجوز سحبه لانه لا يعد الا منحة ما لم تكن الاجازه حتميه بحكم القانون الذي يحولها الى حقاً ولا يجوز بالتالي سحبها ويعرف البعض القرار الولائي بانه مجرد جميل او معروف ومن أمثلته سماح عميد احدى الكليات لاحد الطلبة المنتسبين بالاستماع الى المحاضرات مع ان وضعه كطالب منتسب لا يخوله هذا الحق فان من حق العميد ان يلغي ذلك القرار في أي وقت ولا يستطيع الطالب الاحتجاج به بان يدعي بانه اكتسب حقا بذلك القرار . والقضاء الفرنسي اكد على ان القرارات الولائية لا تنشىء حقوقا او مزايا بل تنشىء وضعا وقتيا ولجهة الادارة سحبها في أي وقت (1).

ثانيا”:- القرارات الوقتية :- وهي التي لا تنشئ الا وضعا” وقتيا” ويتبين ذلك من خلال نص القرار صراحة أو من طبيعته وكونه لا يمكن ان يولد الا اثرا” وقتيا” يستطاع وضع حد له في أي وقت ، ومثال ذلك قرار بإباحة اشغال طريق عام ، والقرار الصادر بندب موظف لعمل من الاعمال ، فانه يجوز الغاء الندب في أي وقت . ومنها ايضا” القرارات الصادره من احدى الهيئات الادارية اللامركزية التي تكون قراراتها بحاجة للتصديق فان لها الرجوع بقراراتها قبل رفعه للتصديق عليه من الجهة المركزيه . ومن هذا القبيل ما جرى عليه مجلس الدولة المصري من ان قيد الموظف على درجة اعلى لا يعدو ان يكون اجراء تمهيدي للترقية يجوز العدول عنه ولا يكسب حقا” (2). ولذلك فان القرارات الوقتية لا تعطي للافراد حقا مكتسبا في التمسك باستمراره لانهم يعلمون او من الواجب عليهم ان يوقنوا بانه وضع مؤقت منذ نشأته ومن امثلته ايضا القرارات الصادرة لمنح التراخيص حيث انها قرارات مؤقته بطبيعتها واستمرارها مرهون بمقتضيات الصالح العام (3).

ثالثا” :- سحب قرارات فصل الموظفين
إن جزاء الفصل مــن الخدمة الذي توقعه الاداره علي الموظف, يعتبر مـن أكثر الجزاءات شـــدة علي الإطلاق , لذلك فلا تلجا إليه الاداره إلا إذا اقترف الموظف خطأ علي قدر كبير من الجسامة يبرر تطبيق هذا الجزاء علية لأنة يضع نهاية لحياته الوظيفية.
فالقرارات الاداريه السليمة القاعدة مستقره علي انــه لا يجوز سحبها ولكن فيما يتعلق بمسالة فصل الموظفين من الخدمة فهل تنطبق عليها هذه النظرية أم أن هناك استثناءات , وان كــان هناك استثناءات ترد عليها فما هــي الاعتبارات التي أدت إلي هذه الاستثناءات وما هو موقف القضاء الفرنسي والمصري في هذا الشأن كل هذه الأسئلة سوف نجيب عليها إن شاء الله من خلال الفقرات التالية.
باستقراء الأحكام المختلفة للقضاء الفرنسي والمصري, نجد أنها قـد استثنت قرارات فصل الموظفين من تطبيق القواعد العامة للسحب عليها, حيث قررت انه يجوز سحب قرارات فصل الموظفين سواء كانت تلك القرارات سليمة أم معيبة, ولكن كانت هناك بالتأكيد بعض التحفظات من قبل تلك الأحكام.

*موقف القضاء والفقه الفرنسي:
القاعدة مستقره في فرنسا, علـي انه يجوز سحب القرارات الصادرة بفصل الموظفين سواء كانت هذه القرارات سليمة أم معيبة ودون التقيد بميعاد, وقد رد الفقه والقضاء هذا الاستثناء إلي اعتبارات العدالة والشفقة بالموظف المفصول, أي قيامها علي اعتبارات إنسانية بحته.
وقد قيد قضاء مجلس الدولة الفرنسي سحب قرار الفصل السليم, بالا تكون الاداره قد عينت في وظيفة المفصول موظف آخر تعيينا سليما وذلك لان معني السحب فـي هذه الحالة فصل الموظف المعين بطريقة قانونية وبأداة مشروعة , ولما فـي ذلك من اضطراب وإخلال بحسن سير المرفق العام.(1)

*موقف القضاء المصري:
باستقراء أحكام القضاء الإداري المصري , نجد انه ساير قضاء مجلس الدولة الفرنسي, حيث استقر علي أن قرار الفصل ســـواء اعتبر صحيح أو غــير صحيح فسحبة جائز علي أي الحالتين, لأنه إذا اعتبر مخالفا للقانون فلا خلاف في جواز سحبه , أما إذا كان القرار سليما ومطابقا للقانون فسحبه جائز استثناءا, ولو أن السحب لا يتم أعمالا لسلطه تقديريه إلا انه من الجائز أعاده النظر في قرارات فصل الموظفين وسحبها لاعتبارات تتعلق بالعدالة, لان المفروض أن تنقطع صله الموظف بالوظيفة بمجرد فصله وانه يجب لإعادته إلي الخدمة صدور قرار جديد بالتعين, وذلك قد يحدث خلال فتره الفصل أن تتغير شروط الصلاحية للتعين, وقـد يغدو أمر التعين مستحيلا, أو قد يوثر الفصل تأثيرا سيئا فـي مـده خدمه الموظف أو في اقدميته , ومن جهة أخري قد تتغير الجهة التي تختص بالتعيين فتصبح غير تلك التي فصلت الموظف , وقد لا يكون لديها الاستعداد لإصلاح الاذي الذي أصاب الموظف بفصله أو غير ذلك من اعتبارات العدالة التي توجب علاج هذه النتائج الضارة.

ومـن القواعد التي قررها القضاء الإداري المصري في هذا الشأن ان محكمة القضاء الاداري المصريه اجازت سحب قرارات فصل الموظفين واشترطت ان تكون خلال ميعاد الطعن الا ان قضاء مجلس الدوله في احكامه الحديثة اكد على جواز سحب قرارات فصل الموظفين السليمة والمعيبه خلال الميعاد او بعد الميعاد سليمه كانت او معيبه . (2)

اما اهم الفرضيات التي تثور من خلال البحث في قرارات فصل الموظفين فانه يجب التمييز بين ثلاثة اوضاع :

1- صدور القرار سليما”
إذا كان قرار فصل الموظف سليما من الناحية القانونية, وان عقوبة الفصل متناسبة مع مـا أتاه الموظف المفصول أي ليس فيها غلو أو ظلم من جانب الإدارة, ففي هذه الحالة يجب أن يكون هذا القرار حصينا مـن السحب (أي لا يجوز للجهة الاداريه سحبة تحت أي مسمي كان) وذلك حفاظا علي مبـدأ المشروعية واحتراما للقانون وحتى يكون ذلك الجزاء زجرا لمن وقع عليه وعبره لغيره من الموظفين.

2- صدور القرار معيبا”
أما إذا صدر القرار وقد شابة عيب من عيوب عدم المشروعية, أو كانت العقوبة المطبقة مغالي فيها من قبل الاداره ولا تتناسب مع ما أتاه الموظف من خطاء, ففي هذه الحالة يحق للجهة الاداريه سحب قرار الفصل, وفي أي وقت حتى لا نضر بالموظف ,لان في سحب ذلك القرار احتراما لمبدأ المشروعية أيضا.

3- صدور القرار معيبا ولكن هناك من عين مكان الموظف المفصول
فـي هذا الفرض نواجه مشكله علي قدر مـن الاهميه , فقد يحدث أن تقوم الاداره بعد فصـل الموظف أن تقوم بتعين أخر مكانه ففي هـــــذه الحالة نكون أمـا اعتبارين متناقضين, وكلا منهم علي قدر كبير من الاهميه, الأول هو أحقيه الموظف المفصول في العودة إلي وظيفته, والثاني هو ضرورة الحفاظ علي حقوق الموظف الجديد, ولحل هذه المشكلة فانه يجب التوفيق بيــن تلك الاعتبارات المختلفة, فلا يجـــب أن نضر بالموظف الجديد وما اكتسبه من مركز, بالاضافه إلي الحفاظ علي حقوق ذلك الموظف الذي الغي قرار فصله, وذلك يمكن أن يحدث بأحدي طريقتين :
الأولي: إذا كانت الاداره تملك وظائف خاليه في نفس مركز الوظيفة السابقة للموظف المعاد إلي عمله فعلي الاداره أن تقوم بتعينه فيها .
الثانيه : إذا كانت الاداره تملك وظيفة خاليه وغير مناسبة للموظف المعاد ولكنها قد تكون مناسبة للموظف الجديد فعلي الاداره تبديل الوظيفتين بينهما (1).

رابعا”:- القرارات التأديبيه
القاعدة الـــتي سادت القضاء الفرنســي مؤداهــا أن القرارات التأديبية لا تولد حقوقا أو مزايـــا للغير ويحق لجهة الإدارة سحبها فــــي أي وقت وهـــذا ما أشار إليه مجلس الدولة الفرنسي فـــي حكمة الصادر في 23/7/1974 حيث قضي بان القرارات التأديبية لا تنشئ حقوقا أو مزايا للغير ويجوز للاداره سحبها في أي وقت وهــــذا يعني أن القرارات التي قد يترتب عليه مزايــا أو أوضاع قانونية يجــــب أن ينطبق عـليها القواعد المقررة بخصوص سحب القرارات الإدارية .
وبذلك يكون القضاء الفرنسي قـــد فــرق بين حالتين , حالة القرارات التأديبية المنشئة حقوقا للغير والقرارات الــتي لا يتولد عنها حقوقا للغير, فالقرارات التي مـــن النوع الأول هــــــــي الــتي ينطبق عليها القواعد العامة, والــــتي تقتضي بأنه يمتنع علي جهة الاداره سحبها إذا كانت ســليمة, وإذا كانت معيبة فــــــلا يجـــوز ســحبها إلا فـــي خلال المواعيد المقررة للســحب قانونا (2)

1- موقف القضاء الاداري المصري :
اما بالنسبة للقضاء الإداري المصري , فيتبين عـــدم الاستقرار علي مبدأ معين في شأن سحب القرارات التأديبية ففي الرأي الصادر مــن القسم الاستشاري للفتوى رقـم 173 لسـنه 1955 نجــدة يقرر” إن مشروعيه سـحب القرارات التاديبيه التي تصدر من وكلاء الوزارات ورؤساء المصالح تقوم أسـاسـا علي تمكين جهة الاداره مـــــن تصحيح خطا وقعت فيـــه, ويقتضي ذلك أن يكون القرار المراد ســحبه قــــد صـدر مخالفا للقانون , أما إذا قام الجزاء التأديبي عــلي أســباب صحيحة مسـتوفيا شرائطه القانونية , فانه يمتنع علي جهة الاداره أن تنال منه سواء بالسحب أو الإلغاء أو التعديل لانتفاء العلة الـتي شـــرعت مــــن اجـلها قواعد الســـحب والتظلم , وذلك احتـراما للقرار, واســـتقرارا للأوضـاع وتحقيقا للمصلحة العامة الــــتي تتطلب أن يكون الجزاء التأديبي زجــــرا لمن وقع علــيه , وعبره لغيره من الموظفين”.(2)
وفــــي هذا المعني نجد الحكم الصادر مـــن محكمة القضاء الإداري في 29يونيو1968
يقرر إن مشروعية سحب القرارات التأديبية , تقوم أساسا علـي تمكين الجهة الاداريه مـــن تصحيح خطأ وقعت فيـه ويقتضي ذلك أن يكون القرار المراد سحبه قد صدر مخالفا للقانون أما إذا قام الجزاء علــي سبب صحيح مستوفيا شرائطه القانونية فانه يمتنع علــي الجهة الإدارية سحبه لتوقيع جزاء اشد منه “.
ومما سبق يتضح إن القضاء, فرق بين القرارات السليمة والقرارات المعيبة مقررا أنه فــي الحالة الأولي لا يجوز ســحب القرار لصـدوره مطابقا للقانون, أما فـــي الحالة الثانية نجدة يعطي الحق للجهة الإدارية في سحب القرار ودون التقيد بالمدة .
فـي حين نجد الرأي رقم 416 لسنه 1957 الصادر من القسم الاستشاري للفتوى يسلك مسلكا أخر وذلك حين يقول” لما كان الأصل في القرارات التأديبية أنها لا تنشئ مـــزايا أو مراكز أو أوضاعا بالنسبة للإفراد فـــانه يجوز سحبها في أي وقت دون التقيد بميعاد معين إلا إذا ترتب علي هذه القرارات فـــي حالات استثنائية نادرة ميزة أو مركز لأحد الإفراد فـلا يجوز سحب القرار التأديبي إلا خلال ميعاد رفع دعوي الإلغاء “(3)
بالإضافة إلــــي أن هنــــاك أحكام تجمع بين المبادئ السابقة ففي حكم لمحكمة القضاء الإداري صادر فــــي 10/4/1955 يقرر”إن القرارات الفردية لا تنشئ مزايا أو مراكز أو أوضاعا قانونية بالنسبة للغير, يكون مـــن حق الجهة الاداريه سحبها فــــي أي وقت, لان القيود التي تفرض علي جهة الاداره في سحب القرارات الفردية إنما تكون فـي حالة ما إذا أنشأت هــذه
القرارات مزايا أو أوضاعا أو مراكز قانونية لمصلحة فرد من الإفراد لا يكون مــن المناسب حرمانه منها, ولا شبهة فــي إن القرار الصادر بتوقيع جزاء علي موظف لم تتعلق به مصلحة
_________________________________________________

لأحـــد الإفراد كما انه لم تتولد عنه لجهة الاداره مركز ذاتي يمتنع عليها بوجوده سحبه إذا رأت عـــــدم مشروعيته ورأت مـــــن المصلحة عـدم إقرار ما وقع علي الموظف مـــــن ظلم, إذ ليس بسائغ القول بان جهة الاداره ترتب لــها مركز ذاتي علي عقوبة وقعت بغير سبب قانوني, ومــــن ثم يجوز للاداره سحبها في أي وقت ودون التقيد بميعاد”(1)
فهذا الحكم كما هو واضح, يتفق مع مبادئ القانون ومجريات الأمور لأنة تناول فـي أول الأمر التفرقة فيما بين القرارات التي تولــــد حقوقا وتلك التي لا تولـــد حقوقا ثـم فرق بين القرارات السليمة والقرارات المعيبة حين ذكر عبارة ( إذا رأت عــــدم مشروعيته ) وكلمة (ظلم) مقررا بذلك التفرقة في السحب بين مجموعة من القرارات :
عدم جواز سحب القرارات السليمة التي يتولد عنها حقوق للغير
ضرورة التقيد بالميعاد المحدد للسحب إذا كان القرار معيب وتولد عنه حقوق للغير
جواز سحب القرارات المعيبة التي لا يتولد عنها حقوق للغير دون التقيد بميعاد .

ومن وجهة نظري فانا اتفق مـع هـــذا الحكم الأخير, واري ضرورة أن يأخذ القضاء بما قرره ذلك الحكم من تفرقة, لان ذلك يودي إلي حسن تطبيق القانون وتحقيق الصالح العام.

2- موقف محكمة العدل العليا
اجازت محكمة العدل العليا للادارة سحب قراراتها التاديبيه الصادرة عنها وتعديلها حسب ما ورد في احكامها بقولها ( … وعليه فان العقوبة التي فرضها المجلس التاديبي على المستدعين تتناسب والفعل المقترف بالاضافة الى ان مجلس العمداء قام بتخفيض العقوبات التي ارتات تخفيضها عن بعض المستدعين ورد اعتراض بعضهم وتصديق العقوبة التي اقرها المجلس التاديبي) (2).
_______________________________________________________

ثالثا” :- مدي جمود أو حصانة القرارات الفردية التي تولد حقا

ان من المبادئ الراسخة في مجال سحب القرارات الإدارية, مبدأ ضرورة استقرار الأوضاع والمراكز القانونية للأفراد ولكن هذا لا يعني أن تكون حصانة القرارات الفرديـة والمراكز الخاصة مطلقه , لـــهذا فان المقصود بحصانه هــــذه القرارات والمراكز الفردية , انه لا يمكن المساس بها إلا عــــــن طريق قرار فردي مضاد, والذي يصدر وفقا للإجراءات التي نص عليها القانون, وفي الحالات التي سمح بها . (1)

فالطرق المعتاد لنهاية القرار الإداري السليم , هو طريق الإلغـاء أي الانتهاء بالنسبة للمستقبل فقــط . ويمكن حصـر الحالات التي يمكن للاداره العامــــة فيها أن تقوم بإلغــــاء القرارات الاداريه الفردية في ثلاث حالات :
1-عدم نشوء حقوق مكتسبه للإفراد نتيجة لصدور القرار الإداري
2-القرارات الاداريه ذات الطابع المؤقت بطبيعتها أو بنص القانون
3-إصدار قرار إداري مضاد في الحدود وبالشروط التي رسمها القانون(2)

وأمـا بالنسبة للقرارات التنظيمية, فقـد أعطي القانون للاداره الحق فــي تعديل أو إلغاء قراراتها التنظيمية فـــي أي وقــت, ودون التقيد بمعاد وهـــذه القاعدة مســتقره لدي الفقه والقضاء , وذلك نظرا لطبيعة هذه القرارات.
____________________________________________
وقد اقرت محكمة العدل العليا مبدأ حصانة القرارات الفرديه وعدم جواز سحبها او الغاؤها بعد مضي المدة القانونية للطعن فيها حيث جاء في احدى قراراتها انه ( ان المستقر عليه في الفقه والقضاء الإداريين انه لا يجوز سحب او الغاء القرار الاداري
الباطل اذا اكسب حقا للغير الا في اثناء مدة الطعن ، بمعنى ان القرار الباطل يتحصن من الطعن
بعد مضي المدة وهي في هذه الدعوى ستون يوما عملا بالمادة (12) من قانون محكمة العدل العليا .
* بما ان المستدعي ضده قرر تعيين المستدعية معلمة في وزارة التربية والتعليم وخصصها للمديرية العامة للتربية والتعليم في محافظة البلقاء ، حيث تقرر تعيينها معلمة في مدرسة دير علا
الثانوية للبنات وباشرت عملها بتاريخ 3/ 11/ 1999 فان قرار المستدعى ضده الصادر بتاريخ 9/ 5/2000 ( أي بعد اكثر من ستة اشهر على تاريخ مباشرتها العمل ) والمتضمن الغاء قرار تعيينها الذي تحصن بمضي المدة اكسبها حقا في التعيين يكون مخالفا للقانون ومستوجب الالغاء ) (1) .
وفي قرار اخر لها جاء فيه (بما ان قرار صرف العلاوة للمستدعين وان بني على عيب كما اسلفنا ( عيب عدم الاختصاص البسيط ) فانه قد رتب حقا مكتسبا للمستدعي ولا يجوز المساس بالحقوق المكتسبة طالما ان الادارة لم تسحب هذا القرار ضمن مدة الطعن وبالتالي فان القرار المشكو منه الذي قضى بالغاء علاوة خطورة الاشعاع للمستدعين يكون مخالفا للقانون ويستوجب الالغاء (2)

المطلب الثاني
الغاء القرارات الفرديه

الاصل العام كما بينا في هذا البحث انه لا يجوز للادارة الغاء قراراتها الفردية السليمه وذلك لتعلق حقوق اصحاب الشأن بالمراكز القانونيه التي اكسبتهم اياها تلك القرارات الا انه وخروجا” عن الاصل العام فانه بوسع الادارة الغاء القرار الاداري الفردي السليم في بعض الحالات وهي :

1- الالغاء لموافقة صاحب المصلحة

الاصل ان هدف الادارة من اصدار القرارات الاداريه هو تحقيق الصالح العام الا ان هناك من القرارات الادارية ما يكون دافع الادارة في اصدارها بشكل اساسي هو مصلحة من صدر بشأنه القرار كما هو الحال بالنسبة للقرارات المتعلقة بمنح التراخيص والقرارات الصادره بالتعيين بالوظائف العامه . وعليه فانه يجوز للادارة ان تقوم بالغاء تلك القرارات استنادا” الى موافقة صاحب الشأن المستفيد من هذا القرار على الغائه حيث لم يعد القرار محققا” لمصلحته وقد تكون موافقه المستفيد من القرار على الغائه صريحة او ضمنيه مثل العزوف عن تولي الوظيفه للشخص المعين فاذا لم ينفذ مباشرته لوظيفته فان للادارة الحق في ان تلغي القرار (1).

2- الالغاء لمخالفة المستفيد لالتزاماته :-

بعض من القرارات الاداريه تلقي على عاتق المستفيد به التزامات يتعين عليه الالتزام بها واحترام تلك الالتزامات ومثال ذلك القرار الصادر بقبول طالب في كلية الشرطه حيث يلقى عليه التزاما بعدم الزواج طيلة فترة الدراسة والتدريب . ومن تطبيقات محكمة العدل العليا ما جاء باحد قراراتها انه (تتمتع هيئة تنظيم قطاع النقل العام ، بشخصية إعتبارية ذات إستقلال مالي وإداري ولها حق
التقاضي حسب أحكام المادة الثالثة من قانون النقل العام للركاب المؤقت رقم 48 لسنة 2001
الساري المفعول بتاريخ صدور القرار المطعون فيه .
* نصت الماده 5/د من قانون النقل العام للركاب المؤقت رقم 48 لسنة 2001 على ان تتولى الهيئة
في سبيل تحقيق أهدافها منح التراخيص والتصاريح وإلغاء أي منها في حال مخالفة أحكام هذا
القانون أو الأنظمة الصادرة بالإستناد إليــه (2) .
_______________________________________________________

3- الالغاء لتبدل ظروف اصدار القرار :-
فالقرار الاداري يستند الى وقائع ماديه او قانونيه تبرر اصداره وهو ما يعرف بركن السبب في القرار الاداري ، وتغير الظروف الماديه التي صدر في كنفها القرار يعطي للادارة الحق في الغائه ، حيث لم يعد لاستمراره مبررا” حتى لو لم ينص على ذلك مضمون القرار (1)

4- الغاء القرار الاداري لدواعي الصالح العام :-
يجوز للادارة الغاء قراراتها الفردية السليمه اذا ما كان في استمرار تنفيذ تلك القرارات ما يتعارض مع مقتضيات الصالح العام فاذا اصبح هذا التنفيذ متعارضا” مع المصلحة العامه يصبح من الواجب على الادارة الغاء هذا القرار حتى ولو ادى ذلك للمساس بالحقوق الفرديه المكتسبه لان القاعدة المسلم بها انه عند التعارض ما بين الصالح العام والصالح الخاص يتعين التضحية بالاخير في سبيل الصالح العام على ان يتم ذلك وفق ضوابط خاصه .
وقد ذهب بعض الفقه في هذا الشأن ان الغاء القرارات لدواعي المصلحة العامه بان فكرة المصلحة العامه فكرة فضفاضه ولذلك يجب ان لا يترك امر تقديرها بصفة عامه للادارة والا لاهدرت استقرار القرارات السليمه ومن ثم فان الإدارة لا تستطيع ان تلغي قرارا” اداريا” سليما” قبل نهايته الطبيعيه بقصد تحقيق الصالح العام المجرد ، بل يجب ان يكون الثالح العام في هذه الحاله مخصصا” ، فالتصريح الصادر لاحد الاشخاص ببيع نوع معين من الادويه يجوز الغاؤه ، ولكن يجب ان يكون المقصود من ذلك هو المحافظة على الصحة العامه ، اذا ثبت ان هذا الدواء خطر ، والترقية التي منحت لاحد الموظفين يجوز الغاؤها ولكن بشرط ان يكون الدافع الى ذلك هو تأمين النظام في الوظيفة العامه لارتكاب الموظف ما من شأنه ان يخل بهذا النظام ، والاذن الصادر لجماعة من الجماعات بعقد اجتماع عام يجوز الغاؤه اذا جدت دواعي تنذر بان الاجتماع قد يكون من شأنه تهديد النظام العام . واعتبر الفقه بان هذه الملاحظة في غاية الاهميه لان الغرض المخصص لاصدار القرار يستتبع ويحتوي نظاما” خاصا” لاصدار القرار المضاد الذي تنتهي به اثار القرار الاول ويحتوي على ضمانات لا وجود لها فيما لو جعلنا مطلق المصلحة العامه سببا” كافيا” لالغاء القرار الاداري الفردي السليم (2) .

5- الغاء القرار الاداري لتغير التشريع عقب اصداره
اذا صدر تشريع جديد عقب اصدار القرار الفردي وتضمن هذا التشريع ما يشير الى سريانه باثر رجعي هنا تلغى القرارات الصادره في ظل التشريع القديم ويحل محلها قرارات تصدر استنادا” الى التشريع الجديد .
_________________________________________________

6- الالغاء استنادا” الى نص تشريعي :-
في بعض الحالات الخاصة قد يعطي المشرع للادارة الحق في الغاء القرارات الادارية الفرديه وليس فقط للمستقبل بل باثر رجعي ، وقد يعطيها المشرع تلك الرخصة صراحة بالنص عليها في التشريع وقد يكون ذلك ضمنيا” كما لو كانت مباشرة الإدارة لاختصاص اوكله اليها المشرع من شأنه الغاء كافة القرارات الاداريه الصادرة في السابق ، فاعادة تخطيط حي من الاحياء يقتضي اعادة النظر في جميع القرارات السابقه والمتضمنه تراخيص بالبناء او بفتح المحال العامه . (1)
وحق الإدارة في الغاء قراراتها بالطرق التي اوردناها والتي تشكل سندا” للاداره في الغاء القرارات الاداريه الفرديه لا يمنع الافراد من حق التعويض ان كان له مقتضى .
وتخضع ممارسة صلاحية الغاء القرارات الادارية لذات القواعد التي تحكم ممارسة صلاحية سحب القرارات الاداريه . (2)
اما موقف محكمة العدل العليا بهذا الشأن فقد عبرت عنه في قرارها رقم 411/1994والذي تقول فيه ان :
(* القاعدة العامة في القضاء الاداري لا تجيز الغاء او سحب القرارات الادارية الفردية التي
ترتب حقوقا ومراكز قانونية للافراد الا في حالات محددة بينها الفقه والقضاء وهي رضاء صاحب المصلحة وعدم احترام المستفيد من القرار للالتزامات المفروضة عليه بمقتضى ذلك القرار وتغيير الظروف المادية التي صدر القرار على اساسها وصدور تشريع جديد يؤثر على الحقوق المادية التي صدر القرار على اساسها وصدور تشريع جديد يؤثر على الحقوق الشخصية والمراكز القانونية بنصوص صريحة ذات اثر رجعي لمقتضيات الصالح العام وقيام دواع من المصلحة العامة تقتضي الغاء القرار السليم للحفاظ على الصحة العامة او الامن العام او الاقتصاد الوطني وغيرها من المصالح العامة وعليه فعدم قيام سبب من هذه الاسباب يستدعي الغاء قرار المجلس البلدي بتعديل اوضاع الموظفين المستدعين تحقيقا للمصلحة العامة فيكون قرار لجنة البلدية بالغاء قرار المجلس البلدي مخالفا للقوانين والانظمة مستوجبا الالغاء )(3) .
ومن قرارات محكمة العدل العليا بخصوص صحة الغاء القرارات الفرديه ما جاء بقرارها رقم 422/2002تاريخ 31/12/2002والذي جاء فيه انه ( تعتبر الشركة المستدعية عن ممارسة أعمالها من تاريخ صدور قرار هيئتها العامة باجتماعها غير العادي بتصفيتها تصفية اختيارية ، وعليه فان قرار مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية ، القاضي بإلغاء الترخيص الممنوح للشركة المستدعية ، متفق وأحكام المادة (38/هـ) من قانون الأوراق المالية ولا يشوبه أي عيب من العيوب التي نعتها المستدعية) (4).

الخاتمــــــــــــه

تناولنا فـي هذا البحث سحب القرارات التنظيميه والقرارات الفردية السليمة التي تولد حقا” , وذلك مـن خلال دراسـة وتحليل أراء الفقهاء وأحكام محكمة القضاء الإداري والمحكمة الاداريه العليا ومحكمة العدل العليا , وذلك من اجل إبراز أهمية ذلك الموضوع في مجال القانون العام.
فقسمنا هذا البحث الى مبحثين في الاول منها افردناه للحديث عن القرارات التنظيميه فعملنا على تعريفها وانواعها والسلطة المختصه باصدارها وبينا ان القرارات التنظيميه تنقسم الى اربعة انواع وهي الانظمة المستقله والتنفيذيه والتفويضية وانظمة الضرورة هذا في المطلب الاول وفي المطلب الثاني تحدثنا فيه عن سحب هذه القرارات وبينا موقف كلا من الفقه والقضاء الفرنسي والمصري وموقف محكمة العدل العليا وفي الفرع الثاني تحثنا عن الغاء القرارات التنظيميه مبينا” فيه قاعدة تقابل الاختصاص والشكليات وصور الغاء القرارات التنظيميه كل هذا في المبحث الاول واما المبحث الثاني فكان متخصصا” في سحب والغاء القرارات الفردية السليمه كل منها في مطلب مستقل ففي المطلب الاول بينا سحب القرارات الاداريه الفرديه السليمه وخصصنا البحث في القرارات التي تولد حقا”من خلال بيان انوعها من قرارات ولائيه ووقتيه وقررات فصل الموظفين والقرارات التاديبه وبينا رأي الفقه والقضاء في مدى جواز سحبها وخاصه القرارات المتعلقة بفصل الموظفين نظرا” للاعتبارات الانسانيه
وإن الفقـه والقضاء فــي كلا من مصر وفرنسا, مستقر علي انه لا يجوز للاداره سحب قراراتها المشروعة, وان هـذه القاعدة مبنية علي قاعدة أخري مؤداها عـدم رجعية القرارات الاداريه,
وفي المطلب الثاني من المبحث الثاني تحدثنا فيه عن الغاء القرارا الفردي السليم وبينا حالاته وهي الالغاء لموافقة صاحب المصلحة ، الالغاء لمخالفة المستفيد لالتزاماته ،الالغاء لتبدل ظروف اصدار القرار، الغاء القرار الاداري لدواعي الصالح العام ، الغاء القرار الاداري لتغير التشريع عقب اصداره واخيرا” الالغاء استنادا” الى نص تشريعي مع بيان موقف محكمة العدل العليا بهذا الشأن .
وأخيرا أود أن أقـوم بسـرد النتائج المترتبة علي سـحب القرارات الاداريه التنظيمية والفردية السليمه والتي استخلصنها من بحثنا هذا وهي كالأتي :
اولا : انه يجوز للادارة سحب قراراتها التنظيمية والغاؤها في أي وقت كونها لا تولد حقوقا” للافراد
ثانيا: يترتب على سحب والغاء القرارات الاداريه التنظيميه انه لا تمس المراكز القانونيه والحقوق المكتسبه التي تولدت للافراد وفقا” للقرار الفردي المسحوب او الملغي الصادر وفقا” للقرارات التنظيميه القديمه .
ثالثا: يجوز للادارة الغاء قراراتها الفردية السليمه اذا ما كان في استمرار تنفيذ تلك القرارات ما يتعارض مع مقتضيات الصالح العام فاذا اصبح هذا التنفيذ متعارضا” مع المصلحة العامه يصبح من الواجب على الادارة الغاء هذا القرار حتى ولو ادى ذلك للمساس بالحقوق الفرديه المكتسبه .
انتهى بحمد الله

المصادر والمراجع

اولا” :- الكتب
1- د. احمد حافظ نجم ، القانون الاداري دراسة مقارنه ونشاط الادارة العامه ، الجزء الثاني ، اساليب الاداره العامه ووسائلها وامتيازاتها ، الطبعة الاولى ، 1981
2- د. ثروت بدوي ، تدرج القواعد القانونية ومبدأ المشروعية ، 1970
3- د. حسني درويش عبد الحميد , نهاية القرار الإداري عن غير طريق القضاء , دار الفكر العربي , 1981
4- د. سليمان الطماوي , مبادئ القانون الاداري , دراسة مقارنه , دار الفكر العربي, الطبعه السادسة 1964
5- د. سليمان الطماوي , النظريه العامه للقرارات الادارية , دار الفكر العربي ، الطبعة الرابعة1976
6- د. سليمان الطماوي الوجيز في القانون الإداري ، 1974، بدون ناشر ، بدون مكان نشر
7- د. سامي جمال الدين , الرقابة القضائيه على اعمال الادارة اللائحية , رسالة دكتوراة , الاسكندرية ,1981.
8- د. عبدالعزيز عبد المنعم خليفة , القرارات الادارية في الفقة وقضاء مجلس الدولة , دار الفكر الجامعي , الاسكندرية, 2007.
9- د . علي خطار شطناوي ، القانون الاداري الاردني ، الكتاب الثاني ، عمان ، دار وائل للنشر ، 2009
10- د. محمود حافظ , القضاء الإداري في الأردن 1987 .
11- د. نواف كنعان ، القضاء الاداري ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2009

12 د. نواف كنعان , القانون الاداري , الكتاب الثاني , دار الثقافة , الطبعة الاولى , الاصدار الخامس , 2007.

المحاضرات
د. خالد الزبيدي , مقتبس من محاضراته لطلبة ماجستير القانون الاداري , جامعة اليرموك , بتاريخ 2/11/2010 .

القوانين
الدستور الاردني لسنة 1952 .

القرارت القضائيه

1- عدل عليا , قرار رقم 63 /97
2- عدل عليا رقم 183/ 2000
3- عدل عليا رقم 123/92
4- عدل عليا رقم 411/1994
5- عدل عليا رقم 422/2002
6- عدل عليا رقم 161/2002
7- عدل عليا رقم 301 /2000
8- عدل عليا رقم 104/2000
9- عدل عليا رقم 531/1998
المواقع الالكترونيه

موقع مركز عداله

المجلات والدوريات

مجلة نقابة المحامين
المجلة القضائية

الفهرس
الموضوع الصفحه
المبحث الاول
القرارات التنظيميه
المطلب الاول
المقصود بالقرارات التنظيمية (اللوائح) 3
الانظمه التنفيذيه 4
الانظمة المستقله 5
انظمة الضبط الاداري 5
انظمة المرافق العامه 5
الانظمه التفويضية 6
انظمة الضرورة 6 المطلب الثاني
سحب القرارات التنظيمية وإلغاؤها
سحب القرارات التنظيميه 7
موقف الفقه والقضاء الفرنسي 8
موقف الفقه والقضاء المصري 8
موقف محكمة العدل العليا 9
الغاء القرارات التنظيمية 10
قاعدة الاختصاص وتقابل الشكليات 11
صور الغاء القرارات التنظيميه 11
المبحث الثاني
المطلب الاول
سحب القرارات الاداريه الفردية السليمه
القرار الفردي الذي يولد حقا 12
القرارات الولائية 13
القرارات الوقتيه 13
قرارات فصل الموظفين 13
القرارات التأديبيه 15
مدي جمود أو حصانة القرارات الفردية التي تولد حقا 17 المطلب الثاني
الغاء القرارات الفرديه
الالغاء لموافقة صاحب المصلحة 18
الالغاء لمخالفة المستفيد لالتزاماته 18
الالغاء لتبدل ظروف اصدار القرار 18
الغاء القرار الاداري لدواعي الصالح العام 19
الغاء القرار الاداري لتغير التشريع عقب اصداره 19
الالغاء استنادا” الى نص تشريعي 19