الإطار القانوني لهيئة موظفي كتابة الضبط بالمغرب

لا يختلف اثنان من المتعاملين مع العدالة في أهمية كتابة الضبط في تسير جميع دواليب المحاكم، فهي المحرك الأساسي لجميع الإجراءات التي تتولى الهيئة القضائية اتخاذها منذ فتح الملف إلى حين تنفيذه وبلوغ صاحب الخصومة القضائية غابته من رفع دعواه.

وهي من هذا المنطلق تسهر على استقبال جميع الوافدين عليها من متقاضين ومحامين ومفوضين قضائيين وخبراء وضباط الشرطة القضائية وعدول…وما يستتبع ذلك من تسجيل وتوثيق لطلباتهم في محررات وسجلات رسمية، وجهاز كتابة الضبط بهذه الصفة يعتبر همزة وصل بين الوافد والهيئة القضائية، بل إنه العمود الفقري الذي ترتكز عليه كل عملية قضائية.

لذلك، فإننا ارتأينا أن ننشر سلسلة من المقالات نتولى من خلالها تبيان الإطار القانوني والدور البارز لهذا الجهاز في الإدارة القضائية، والذي لطالما عانى من حيف المسؤولين بوزارة العدل سواء على مستوى المادي أو على المستوى المعنوي، هذا الحيف الذي ما فتئت بعض الهيئات التمثيلية وعلى رأسها النقابة الديمقراطية للعدل تلفت نظر هؤلاء المسؤولين إليه، وكذلك إلى الوضعية المتأزمة التي آلت إليها أوضاع العاملين به، في غياب نظام أساسي يحدد الحقوق والواجبات، ويرسم اختصاصات كل صنف من أصنافه، ويقر بتعويضات منصفة وعادلة عن المهام التي يتولى القيام بها.

وعليه، سنخصص المقال الأول من هذه السلسلة إلى الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط، والمقال الثاني لدور كتابة الضبط وموقعها من ميثاق الإصلاح القضائي المرتقب، نحدد في المقال الثالث التصورات والاقتراحات لبلوغ هذه الهيئة الاستقرار الوظيفي والمادي والاستقلالية المنشودة.

– أولا : الإطار القانوني :

باستقرائنا للإطار القانوني الذي ينظم هيئة كتابة الضبط لدى المحاكم المغربية، وهو المرسوم الملكي رقم 1.181.66 الصادر بتاريخ 2 فبراير 1967 والمعتبر بمثابة نظام أساسي خاص بموظفي المحاكم، نجده قد اقتصر على تحديد مختلف أسلاك هذه الهيئة وطرق تعيينها، دون تحديد واضح لمهام هذه الأسلاك ودون تحديد لحقوقها وواجباتها، فإذا كانت النظم الأساسية لكل تنظيم أو هيئة وظيفية معينة تسن في الغالب لتكشف عن خصوصيات القطاع الذي تنظمه وتخرج به من الشريعة العامة وهو قانون الوظيفة العمومية رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958، فإن هذا المرسوم جاء فارغ المحتوى، واكتفي فقط بتحديد الأصناف، وعموما يمكن أن نلاحظ عليه ما يلي:

1 – استقلاليـة الهيئة :

لم ينص هذا المرسوم على استقلالية هيئة كتابة الضبط، تلك الاستقلالية التي تجعله طرفا محايدا في العملية القضائية، فكاتب الضبط هو صلة الوصل بين الهيئة القضائية والوافدين على المحكمة بمفهومهم الواسع، كما أنه الساهر على حسن تطبيق الإجراءات المتخذة من طرف رئيس الهيئة إذا ما كان الملف رائجا بالجلسة أو من طرف القاضي المقرر إذا أخذ الملف مجرى مسطرة القاضي المقرر، وهو شاهد الإثبات على كل ما راج خلال الجلسة، وهو بتلك الصفة يشهد على المتخاصمين ومحاميهم ويسجل حضورهم والتماساتهم، ويشهد على قبولها أو رفضها من طرف الهيئة القضائية، وهو وكيل الحسابات ومأمور التنفيذ الموكول إليه مهمة التنفيذ، وذلك بعد رفع الهيئة القضائية يدها عن القضية بإصدار حكم باث أو قابل للطعن حسب الأحوال،وهو سنديك التصفية في مسطرة صعوبات المقاولة.

ولا يمكن الطعن في المحضر الذي يحرره باعتباره محضرا رسميا إلا بالزور، وإننا لنأسف في حالات نجد فيها كاتب الضبط ينتظر من رئيس الهيئة أن يملي عليه كل ما يروج بالجلسة، ولعل مرد ذلك عدم الوعي بالاستقلالية ونقص التكوين الذي تتحمل فيهما وزارة العدل القسط الوافر من المسؤولية بسبب عدم التكوين.

2 – تحديد المهام والاختصاصات :

لم يحدد هذا المرسوم مهام كل صنف من الأصناف التي تولى تقسيمها، بحسب طبيعة وجسامة مختلف أعمال كتابة الضبط، فسلك المعاونين وسلك الأعوان لا يمكنهم بطبيعة تكوينهم تحمل أعباء سنديك التسوية أو التصفية القضائية وسلك المحررين والمنتدبين القضائيين لا يمكنهم بطبيعة تأهيلهم العلمي القيام بمهام لا ترقى إلى كفائتهم العلمية، ولعل هذا التداخل في المهام والاختصاصات هو ما ساعد على عدم ضبط سير الأشغال بكتابة الضبط، وفتح باب السلطة التقديرية للمسؤولين الإداريين والقضائيين بالمحاكم من أجل إدخال اعتبارات شخصية وسلطوية في تقسيم المهام وإسنادها بحسب مدى تقرب كل موظف إلى المسؤول، وليس استنادا إلى معايير موضوعية وكفاءة علمية ومهنية مطابقة لطبيعة المهام.

إن كل إصلاح لجهاز كتابة الضبط يجب أن يمر أولا عبر قناة تحديد المسؤوليات لكل سلك من أسلاكه، حتى لا يقع تداخل الاختصاص، وبالتالي إسناد مهام قد تفرض على الموظف المعني حيادا سلبيا أو لامبالاة أو إهمال في القيام بواجبه الوظيفي، أو قبوله عن مضض بهذه المهام خوفا من الوسائل التأديبية، مما يولد لديه ضغط نفسيا لا يساعده على القيام بها في ظروف ملائمة، ولا يساهم ختاما في إنضاج جهاز كتابة الضبط.

3 – طريقة الالتحاق بأسلاك الهيئة :

عدم نص هذا المرسوم على طريقة ولوج المتبارين الناجحين في المباريات المتعلقة بكل سلك من أسلاك كتابة الضبط إلى الوظائف المسندة إليهم، وهو بذلك يزكي الطرح الواقعي حيث غالبا ما تسند مهمة التكوين إلى الاحتكاك اليومي بالإجراءات المسطرية مع ما قد يطرحه ذلك من المساس بحقوق المتقاضين لقلة المعرفة بالإجراءات والتكوين، ونؤيد وبقوة في هذا الإطار الطرح الذي نادت به النقابة الديمقراطية للعدل بإنشاء مدرسة وطنية لكتابة الضبط على غرار المعاهد المحدثة بباقي الوزارات من أجل التكوين واستكمال التكوين.

4 – إقرار تعويضات منصفة وعادلة :

خلو هذا المرسوم من كل تعويض، وكل حافز مادي أو معنوي، وهكذا فإنه يخرج عن القاعدة العامة التي تطبع كل النظم الخاصة، والتي تنص في غالبيتها على مجموعة من الامتيازات الخاصة وعلى تعويضات حسب المهام المنوطة بالهيئة التي تنظمها، فصناديق مختلف محاكم المملكة تضخ إلى الخزينة العامة أموالا طائلة تجعلها تتصدر الوزارات المنعشة لميزانية الدولة، والتي تستخلص من الرسوم القضائية والغرامات والضمانات الشخصية والودائع، ومع ذلك فأجور موظفي قطاع العدل تعتبر من أزهد أجور موظفي القطاع العام (45% من أجور الموظفين لا يرقى إلى مبلغ 2000 درهم).

ومحاولة من وزارة العدل في الولاية التشريعية السابقة لذر الرماد على العيون، تم إصدار مرسوم رقم 560 المتعلق بالتعويض عن التوثيق لفائدة الأسلاك المنصوص عليها في مرسوم 1967، غير أن هذا المرسوم بدوره خلق حيفا واضحا، فهو رغم هزالته لم يشمل التقنين والموظفين الإداريين وفئة المهندسين، على اعتبار أن لكل شريحة من هذه الشرائح نظامها الخاص، وهو ما زاد من سخط هذه الفئات إلى درجة اعتبرت نفسها غير تابعة لكتابة الضبط إلا فيما يخض المهام والمسؤوليات فقط.

ولا زالت هذه الفئات تنتظر بشغف كبير صدور المرسوم الخاص بالنظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط من أجل إدماجها تحت لواء أسلاكه واستفادتها من تعويضات مرسوم 560.

وفي محاولة من وزارة العدل لتهدئة الأوضاع المتشنجة التي عرفتها علاقتها بموظفيها الممثلين بالنقابة الديمقراطية للعدل خلال الفترة الأخيرة وإلى حدود بداية شهر أبريل التزمت الوزارة في شخص وزيرها المرحوم محمد بوزوبع على إعادة النظر في صرف التعويضات المتعلقة بالحساب الخاص، والتي كان يستفيد منها مجموعة خاصة من الموظفين غالبا ما كانت تتدخل في اختيارهم اعتبارات شخصية ومصلحية صرفة، وذلك بإقرار نظام تعويضات يصرف على مدى ستة أشهر، غير أن المرسوم المتعلق به لا زال لم ير النور، لذلك فأنظار مختلف شرائح كتابة الضبط تتطلع وبشغف كبير إلى كل مجلس حكومي تعقده الحكومة أملا في أن يرى مرسومها النور في أقرب الآجال.

5 – اختصاصات رئيس مصلحة كتابة الضبط :

عدم تحديد هذا المرسوم لاختصاصات رئيس كتابة الضبط، بالرغم من كونه تبعا للمنشور الصادر بتاريخ 22/5/1979 يعين من ضمن أطر أسلاك موظفي هيئة كتابة الضبط المرتبين في سلك المنتدبين القضائيين والمدرجين في السلم العاشر أو المنتدبين القضائيين الإقليمين المدرجين في السلم الحادي عشر بالنسبة لمحاكم الاستئناف والمحكمتين الابتدائيتين بالرباط والدار البيضاء.

ومعلوم أن رئيس كتابة الضبط تسند إليه مهام إدارية ومهام مالية، فمن الناحية الإدارية فهو المسؤول عن التدبير والتسيير الإداري للموظفين العاملين تحت إشرافه، وإن كان من الناحية القانونية والعملية يتقاسم هذا الاختصاص مع رئيس المحكمة الذي أسند إليه الفصل 17 و19 من ظهير 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي مهمة الإشراف على القضاة والموظفين العاملين تحت دائرة نفوذه.

ولعل ما دفع المسؤولين عن وزارة العدل إلى إسناد مهمة الإشراف والتسيير الإداري للموظفين بكل محكمة إلى رئيس كتابة الضبط بمقتضى المنشور الصادر بتاريخ 22/5/1979 ليس رغبة منهم في توسيع صلاحياته في التسيير والتأطير بل خوفا منهم على انصراف رؤساء المحاكم عن مهمتهم الأساسية والتي تكتسي صبغة قضائية أكثر منها إدارية (المساطر الاستعجالية، الأوامر المنية على طلب،صعوبة التنفيذ…).

ومن الناحية المالية فرئيس كتابة الضبط يعتبر مسؤولا شخصيا وماليا عن المحافظة على القيم والأموال المكلف برعايتها، وعن حسابات الصندوق.

وهو بالمقابل لا يتوفر على الضمانات القانونية والوظيفية لحمايته في حالة وجود أي خلل بالحسابات المودعة بصندوق المحكمة أو نقص أو خصاص يترتب بذمته.

إن الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط يجب أن يبنى أولا وقبل كل شيء على معطيات ميدانية وعملية تأخذ بعين الاعتبار المهام المسندة لكل صنف من أصنافها ومراعية لخصوصيتها ومقرة باستقلاليتها ومحفزة لنشاطها الوظيفي بتعويضات منصفة يكون مرجعها التوجهات الملكية لخطاب 29 يناير 2003.

وبهذا نكون في هذا المقال المتواضع قد سلطنا الضوء وبكل إيجاز عن الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط، على أننا سنواصل سلسلتنا بالحديث عن دورها ووضعيتها كفاعل في إنجاح ميثاق الإصلاح القضائي في مقال ثان، ثم نطرح في مقال ثالث تصورنا المتواضع للطرق الكفيلة بإنصافها وإعطائها المكانة اللائقة بها داخل الجسد المهني.