بواسطة باحث قانوني
محاماة نت – الإختلاس في القانون السوري

نص قانون العقوبات السوري على :

المادة 349 : كل موظف اختلس ما وكل إليه أمر إدارته أو جبايته أو صيانته بحكم الوظيفة من نقود أو أشياء أخرى للدولة أو لأحد الناس عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة أقلها قيمة ما يجب رده.
المادة 350 : إذا وقع الاختلاس بدس كتابات غير صحيحة في الفواتير أو الدفاتر أو بتحريف أو إتلاف الحسابات والأوراق أو غيرها من الصكوك. وعلى صورة عامة بأية حيلة ترمي إلى منع اكتشاف الاختلاس قضي بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة فضلاً عن الغرامة التي تفرضها المادة السابقة.
أما قانون العقوبات الاقتصادية فنص في المادة العاشرة منه على : ” أ – يعاقب بالحبس من ستة أشهر على سنتين من تسبب بإلحاق الضرر بالأموال العامة نتيجة عدم المحافظة عليها أو إهماله لها .
ب – يعاقب بالأشغال الشاقة من خمس إلى خمسة عشر سنة من سرق أو اختلس الأموال العامة أو أساء الإئتمانعليها ” .
أولا – الجريمة الاقتصادية : تعتبر جريمة اختلاس المال العام من الجرائم الاقتصادية التي تترك أثرا سلبيا على اقتصاد الوطن بأكمله وقد خص المشرع السوي الجرائم الاقتصادية بقانون عقوبات خاص بها وهو قانون العقوبات الاقتصادية وباعتبار أن جريمة اختلاس الأموال العامة من الجرائم الاقتصادية لذلك كان لا لنا من معرفة هذه الجرائم فما هي الجريمة الاقتصادية ؟
الجريمة الاقتصادية وفقا لقانون العقوبات الاقتصادي وكما حددت نطاقها المادة الثالثة منه حيث نصت : ” يشمل قانون العقوبات الاقتصادي مجموعة النصوص التي تطال جميع الأعمال التي من شأنها إلحاق الضرر بالأموال العامة وبعمليات إنتاج وتوزيع وتداول واستهلاك السلع والخدمات وتهدف إلى حماية الأموال العام والاقتصاد القومي والسياسة الاقتصادية كالتشريعات المتعلقة بالتموين والتخطيط والتدريب والتصنيع ودعم الصناعة والائتمان والتأمين والنقل والتجارة والشركات والجمعيات التعاونية والضرائب وحماية الثروة الحيوانية والمائية والمعدنية ” . ونلاحظ من هذا التعريف انه لا بد من توفر نشاط جرمي متمثل بارتكاب فعل أو الامتناع عن ارتكاب فعل وجب القيام به بمقتضى عقد أو التزام أو واجب حيث يؤدي ذلك إلى وقوع جريمة تلحق الضرر بالمال العام والمشرع الاقتصادي لم يشترط توفر النية السيئة لدى الفاعل في جميع الجرائم الواردة في قانون العقوبات الاقتصادية ولا سيما في تلك الأفعال المرتكبة نتيجة قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة واعتبرها ضحية الوصف وعاقب على ارتكابها بالحبس .وقد جاء النص على جريمة الاختلاس كجريمة اقتصادية في الفقرة / ب / من المادة 10 من قانون العقوبات الاقتصادية حيث نصت على : “يعاقب بالأشغال الشاقة من خمس إلى خمسة عشر سنة من سرق أو اختلس الأموال العامة أو أساء الائتمان بها ” وهنا لا بد من التطرق إلى تعريف بعض المصطلحات الضرورية التي تعتبر مدخلا ضروريا لفهم جريمة اختلاس المال العام

تعريف جريمة اختلاس الأموال العامة : عرفت جريمة اختلاس الأموال العامة على أنها ” قيام الموظف العمومي بإدخال أموال منقولة أو أشياء أخرى وجدت في حيازته بحكم وظيفته في ذمته دون وجه حق ” وعلى هذا تبدو خطورة هذه الجريمة من خلال أمرين :

الأمر الأول : وقوعها من قبل موظف عام يمثل السلطة العامة والدولة هو الشخص الذي يفترض فيه النزاهة والشرف والأخلاق فإذا به يتنصل من جميع هذه الاعتبارات تاركا العنان لجشعه وطمعه يمعنان فتكا بالمال العام .

والأمر الثاني : هو وقوع هذه الجريمة على المال العام وعلى المال الخاص الذي يودع لدى الجهات العامة مما يضعف الثقة بالدولة وبقدرتها على حفظ المال العام وبالتالي يفقدها هيبتها واحترامها . لذلك سنناقش أركان جريمة اختلاس المال العام

أولا – الركن المفترض : وهو يتعلق بصفة الموظف العام حيث يمكن تصنيف الجرائم التي يرتكبها الموظف العامفي زمرتين :

1- الجرائم التي يتم ارتكابها من قبل الموظف العام أو من في حكمه فقط وهي في مجملها تسيء للوظيفة العامة وما تتطلبه من نزاهة وكفاءة وتحمل للمسؤولية فهذه الجرائم تعتبر فيها صفة الموظف العام ركنا من أركان الجريمة فيها كاختلاس الأموال العامة والرشوة .

2- الجرائم التي تعتبر فيها صفة الموظف العام بمثابة ظرف مشدد للعقوبة كجرائم التزوير والتهريب .

أما تحديد صفة الموظف العام فهي تختلف بين القانون الجزائي والقانون الإداري :

أ – في القانون الجزائي : حيث لم يأخذ القانون الجزائي بالفكرة الإدارية للموظف العام وذلك خشية عدم امتداد الملاحقة الجزائية إلى أشخاص يؤدون أعمالا ذات أهمية عامة لذلك فمن الضروري ضمان نزاهتهم وبالعودة إلى نص المادة 340 من قانون العقوبات العام نجد أن المشرع عرف الموظف العام في باب الجرائم الواقعة على الإدارة العامة ” يعد موظفا بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف بالسلك الإداري والقضائي وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في إدارة عامة ” أما الفقرة جـ من المادة الأولى من قانون العقوبات الاقتصادية فنصت على أنه ” يعتبر موظف إضافة إلى ما هو منصوص عليه في المادة 340 من قانون العقوبات العام جميع العاملين في الدولة ووفقا لما هو منصوص عليهفي الفقرة آ من المادة الأولى من قانون العقوبات الاقتصادية ” والفقرة ” آ ” من المادة الأولى تقول : ” يقصد بالدولة في معرض تطبيق هذا المرسوم الوزارات والإدارات والهيئات العامة والبلديات والمؤسسات البلدية والوحدات الإدارية والمؤسسات والشركات والمنشآت العامة وجميع جهات القطاع العام والمشترك والمصالح العامة وإداراتها سواء كان طابعها إداريا أو اقتصاديا ” أي أن جميع العاملين من الجهات المذكورة وفق هذه الفقرة يعتبرون موظفين عامين كما انه بالعودة إلى المادة 340 عقوبات نجد أنها تطال كل العاملين في الوزارات والهيئات العامة والبلديات فمصطلح ” الإدارة العامة ” هو مصطلح قانوني واسع يمتد ليشمل كل جهة رسمية ذات شخصية معنوية عامة أو مرتبطة بشخصية معنوية عامة وفي اجتهاد لمحكمة النقض السورية نجد ” أن الموظف المقصود في الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة وبينها جريمة الاختلاس كل من يعمل في الدولة أو الإدارات العامة مهما كان القانون الذي يسري على تعيينه وحقوقه ” وعلى هذا يطال النص القانوني أي شخص يعهد إليه بعمل دائم في خدمة الدولة أو مرفق عام أو مصلحة عامة بغض النظر عن تسميته سواء أكانت موظفا عاما أو مستخدما أو عاملا وسواء أكان ما يتقاضاه مرتبا شهريا أو أجرا يوميا وقد أكدت محكمة النقض السوريةفي اجتهاد لها ” أن المستخدم يدخل في مفهوم الموظف المقصود في قانون العقوبات ويلاحق بجرم الاختلاس إذا توافرت بقية أركانه ” أما بالنسبة للعاملين في الجمعيات التعاونية والمنظمات الشعبية والنقابية فبالرغم من عدم ورود النص عليهم صراحة في المادة 340 عقوبات عام إلا أنه وبالعودة إلى نص الفقرة ” ب ” من المادة العاشرة من قانون العقوبات الاقتصادية والتي تنص على : “يعاقب بالأشغال الشاقة من خمس إلى خمسة عشر سنة من سرق أو اختلس الأموال العامة أو أساء الائتمان بها ” فيمكننا من خلالها إدراج من يقوم باختلاس المال العام التي تعود للجمعيات أو النقابات ضمن جرم اختلاس الأموال العامة وبالتالي يمكن إخضاعها لقانون العقوبات الاقتصادية ، وفي اجتهاد للهيئة العامة لمحكمة النقض السورية ” أن جريمة اختلاس أموال النقابة التي تعتبر بمقتضى أحكام المادة الثانية من قانون العقوبات الاقتصادي هي من الأموال العامة وتعتبر جنائية الوصف عملا بأحكام الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون المذكور ” نقض سوري – القرار 841 تاريخ 10 – 12 – 1968

ب – في القانون الإداري : عرف القانون الإداري الموظف بأنه : الشخص الذي يعهد إليه بشكل قانوني بأداء عمل في صورة الاعتبار والانتظام في مرفق عام تديره الدولة أو احد الأشخاص المعنوية العامة إدارة مباشرة ” ومن هذا التعريف نجد انه يجب توافر ثلاث شروط لإعتبار العامل لدى السلطة الإدارية موظفا وهي :

1 – الخدمة في مرفق عام : المرفق العام هو النشاط الذي تقوم به منظمة إدارية أو هيئة خاضعة للإدارة العامة وتكون غايتها إشباع الحاجات التي تقتضيها المصلحة العامة لذلك يشترط لإعتبار الفرد موظفا عاما أن يقوم بالعمل في مرفق عام تديره هذه السلطة الإدارية .

2- التعيين : فالشخص لا يمكن اعتباره موظفا عاما إلا إذا كان التحاقه بها ضمن الشروط المقررة لشغلها .

3- استمرارية الوظيفة : أي يجب ألا تكون الخدمة أو العمل الذي يقوم به الموظف عارضا بل يجب أن تكون الوظيفة دائمة وداخلة في نظام المرفق العام ومرتبة في سلمه الوظيفي .

وعلى هذا فإن الأخذ بالمفهوم الإداري للموظف العام لا يتناسب مع طبيعة القانون الجزائي الذي يجب أن يتسم بالوضوح والشمول والدقة في أحكامه .

ثانيا – الركن المادي : يقوم فعل الاختلاس على تصرف الموظف بالشيء محل الاختلاس تصرف المالك حيث يتحقق فعل الاختلاس في كل سلوك يكشف على نحو قطعي عن نية الموظف في تغيير حيازته الناقصة للمال العام إلى حيازة كاملة وبالتالي لا يتوافر فعل الاختلاس في حق الموظف إذا كان الشيء المعهود إليه حيازته قد خرج منه نتيجة قوة قاهرة كالحريق مثلا كما انه ليس بالضرورة لتحقق فعل الاختلاس أن يتخذ فعل الاختلاس صورة معينة بل قد يأخذ أشكال شتى منها عرض المال محل الاختلاس للرهن أو البيع أو إيداعه في مصرف لحسابه لكن من اللازم أن يكون المال المختلس هو مالا منقولا “والمنقول هو كل شيء مادي يمكن نقله من مكان لآخر ولو أدى ذلك إلى تلفه ” وعليه يمكن أن يكون المال محل الاختلاس هو نقودا أو سندات يستوي في ذلك أن يكون المال محل الاختلاس مملوكا للحكومة أو مالا خاصا شريطة أن يوضع تحت سلطة الدولة وتحت سلطة الموظف بحكم وظيفته كأن يعمد الموظف في المصرف إلى سرقة النقود المسلمة إليه من أحد الأفراد لإيداعها في المصرف .

ثالثا – الركن المعنوي : تعتبر جريمة اختلاس الأموال العامة من الجرائم القصدية التي لا بد من توفر النية الجرمية فيها حيث يجب أن تنصرف إرادة وعلم الموظف إلى تحقيق عناصر جريمة الاختلاس وتملك المال المختلس دون أن تؤثر على ذلك وجود نية لدى الموظف برد قيمة المال المختلس فيما بعد كما لو أراد المال للدخول بتجارة ما على أن يعيد المال المختلس من عائدات الربح أو أنه اختلس المال العام لدفع تكاليف عمل جراحي لنفسه أو لأحد أقاربه لأن القانون لا يعتد بالباعث على الاختلاس سواء أكان نبيلا أم دنيئا فيتحقق جرم الاختلاس مجرد توافر عناصره