الاثر القانوني الناتج عن تناقض الاحكام الجنائية على الدعوى المدنية

اذا ما تبين ان هناك تناقضا واقع لا محالة بين حكم جنائي وحكم جنائي اخر سبقه او اعقبه بأن قضى احدهما ما اثبته الاخر او خالف ما قرره بقضاء صار فيهما باتا وكان لازما وضروريا للفصل في موضوع الدعوى المدنية المطروحة على المحكمة المدنية ، فإن هذا التناقض من شأنه ان يستطيل ولا مناص الى الحكم الذي تصدره المحكمة المدنية في هذه الحالة اذا ما التزمت بقاعدة حجية الاحكام الجنائية ، اذ يستحيل عليها ان تجمع بين ما قام عليه كل من الحكمين على خلاف الاخر وإلا تكون قد جمعت بين الشيء وضده مما يجعل اسباب حكمها متهاترة متساقطة يهدر بعضها بعضا بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله ، كما ان اخذ المحكمة بحجية احد الحكمين دون الاخر يفضي الى تناقض حكمها مع الحكم الاخر الذي اعرضت عنه واهدار لحجيته وهو ما ينطوي على مخالفة الحجية المتعلقة بالنظام العام ، مما لا يجوز ، اذ متى كانت العلة في تقرير حجية الاحكام الجنائية بالنسبة الى الدعوى المدنية المتعلقة موضوعها بها هي تفادي التعارض الذي تغياه المشرع على الوجه الذي تقدم ذكره فإن العلة تكون منتفية اذا ما شاب التناقض حكمين جنائيين فصلا لازما وضروريا للحكم في الدعوى المدنية ، وبانتفاء هذه العلة مع خلو نصوص القانون من حكم يتبعه القاضي في هذه الحالة فليس امامه من سبيل الا ان يلتجئ الى ما يؤدي اليه النظر والاجتهاد وذلك استمدادا من مبادئ الشريعة الاسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع بنص المادة الثانية من الدستور والمرجع الاصيل للقاضي عند غياب النص وعدم وجود العرف حسبما يقضي بذلك نص المادة الاولى من القانون المدني ، ووفقا لمبادئ الشريعة الاسلامية فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة يجب على القاضي ان يرجع فيه الى الكتاب والسنة فإن لم يجد فيهما لقضائه حكما كان له ان يجتهد رايه . وبناء على ما تقدم فإن النظر السديد يهدي الى القول ، بانه اذا ما وقع تناقض بين حكمين جنائيين فلا تنعقد لهما على السواء حجية مانعة بما مقتضاه الا يعتد القاضي المدني بحجيتهما معا وأن يسترد كامل حريته ومطلق سلطانه عند الفصل في موضوع الدعوى المدنية دون ان يتقيد في تقدير الادلة وتكوين عقيدته فيها بما قام عليه قضاء الحكمين الجنائيين المتناقضين لأن من شأن ما لابسهما من تناقض ان تضحى قاعدة حجية الاحكام في هذه الحالة عديمة الجدوى حابطة الاثر قانونا ، واذ لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له فلا جناح على القاضي ان اعرض وناى بجانبه عن حجية لا فائدة منها .
( الطعن رقم 7403 لسنة 61 ق جلسة 1/11/1992 لم ينشر )