بحث و دراسة حول الاثار القانونية لعدم دستورية الاتفاق الجنائي

عدم دستورية الاتفاق الجنائي بين الاثار القانونية والمشاكل العملية
فريق العمل بالمركز

وحدة المساعدة القانونية و العمل الميداني
إيهاب سلام مدير الوحدة
عادل مكي عاطف حافظ
عصام عبد العزيز هاتى مدحت
دعاء عباس انتصار السعيد
المحامون
وحدة الشئون الإدارية
أميرة حمدي مديرة الوحدة
هناء هاشم محمد حمدي
حمدي حمدي حنان زارع
اشرف حسن
مدير عام المركز
محمــــــد زارع
المحامي

عدم دستورية الاتفاق الجنائي
بين الاثار القانونية والمشاكل العملية
إعداد وتحرير : فريق العمل بالمركز
بالتعاون مع الأستاذ / محمد صلاح إبراهيم القفص
المحامى بالنقض ونقيب المحامين بالغربية ” سابقا ”
الطبعة الأولي : يونية 2001
رقم الإيداع : 9416 /2001
الناشر : مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء

تقــــــديم

في ضوء اهتمام مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء بكل ما يتعلق بالسجناء وبالسجون وكل ما يتعلق بذلك من قوانين وإجراءات وقضايا كان اهتمام المركز البالغ بالحكم الأخير الذي أصدرته المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات لما يمثله هذا الحكم من تصحيح لوضع شاذ طالما نادى بتصويبه العديد من الفقهاء القانونيين ومنذ زمن بعيد .
ولكل ما سبق ولأهمية هذا الحكم كان حرص المركز على المبادرة بتناوله من خلال هذا الكتاب وحتى يجعله في متناول يد الجميع من محاميين وباحثين قانونيين وكل مهتم بهذا الموضوع وفى سبيل إنجاز هذا الكتاب كان لزاما على المركز أن يتوجه أولا إلى الأستاذ / محمد صلاح إبراهيم القفص المحامى بالنقض ونقيب المحامين بالغربية ” سابقا ” والذي اخذ على عاتقة القيام باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية المادة المذكورة وبذل من الجهد والعناية ما لا يمكن إغفالهما أو تجهلهما بأي حال من الأحوال فأمدنا بما لدية من أوراق خاصة بطعنه هذا موضحا ما قام به من إجراءات وكيف تسنى له الدفع بعدم الدستورية فضلا عن وجه نظرة القانونية في هذا الحكم ، كل هذا ما نراه خبرة وتجربة لا يجب تجاهلها أو حجبها .
هذا وقد حرص المركز أن يضمن داخل هذا الكتاب بعض الأراء القانونية سواء المؤيدة لهذا الحكم أو غير المؤيدة له .
ولا يفوتنا بصدد تقديم هذا الكتاب إلى أن نشيد ونفتخر بقضائنا المصري الذي طالما يثبت اليوم بعد اليوم انه الحصن الحصين والدرع الواقي لكل الحريات والحقوق .
واخيرا فالمركز استكمالا لدورة في تحقيق اكبر قدر ممكن من الاستفادة من هذا الحكم فهو يدعو كل من يرغب في أن يدلى برأيه في هذا الشان سواء في تناول الحكم في حد ذاته أو في تناول أثاره القانونية والعملية في أن يبادر بمد المركز بما لدية من أراء وحتى يتسنى لنا تنقيح هذا الكتاب في الطبعات التالية .
مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء

تمهـــــــــيد:

لا شك أن الحق في المحاكمة المنصفة – قد كفله الدستور بما نص عليه في مادته السابعة والستين – من أن المتهم بري حتي تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، ويستمد هذا الحق أصله من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقرر أن لكل شخص حقا متكاملا ومتكافئا مع غيره في محاكمة علنيه ومنصفه تقوم عليها محكمة مستقلة . ولكل منهم الحق في أن تفرض براءته إلي أن تثبت إدانته في محاكمة علنية ومنصفة توفر له العمل فيها الضمانات الضرورية لدفاعه – وليس ذلك إلا ترديداً لقاعدة استقرار العمل علي تطبيقها في الدول الديمقراطية وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تتصل بتشكيل المحكمة وقواعد تنظيمها وطبيعية القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها من الناحية العملية – فإن إدانة المتهم بالجريمة تعرضه لأخطر القيود علي حريته الشخصية وأكثرها تهديدا لحقه في الحياة ، مما لا سبيل إلي توقيه إلا علي ضوء ضمانات فعلية توازن بين حق الفرد في الحرية من ناحية وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخري .

وإذا كانت المحكمة الدستورية العليا قد أرست العديد من المبادئ الدستورية المتعلقة ببعض أحكام القوانين العقابية – والتي تتعلق بضمان الحرية الشخصية ، والحق في المحاكمة المنصفة ، وافتراض براءة الإنسان .
فإن قضاء هذه المحكمة بإبطال نص جنائي يؤدي إلي اعتبار أحكام الإدانة ، الصادرة استناداً إليه ، كأن لم تكن ، وهو ما يعني سقوطها بكل أثارها ، ولو صار الطعن فيها ممتنعاً لتفارقها قوة الأمر المقضي التي قارنتها ، وهو ما يؤكد الرجعية الكاملة التي أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية .

من هنا ، تأتي الأهمية القصوى لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 2/6/2001 ، والذي أكد عدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات ، والتي تقضي بـ ” يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة ما أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها . ويعتبر الاتفاق جنائياُ سواء أكان الغرض منه جائزا أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه .
وكل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيله للوصول إلي الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه بالسجن فإذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيله للوصول إلي الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس . وكل من حرص علي اتفاق جنائي من هذا القبيل أو تداخل في إدارة حركته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولي المنصوص عنها في الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية . ومع ذلك إذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة .
ويعفي من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بأخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي ، وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع آيه جناية أو جنحة ، وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة ، فإذا حصل الاخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الاخبار فعلا إلي ضبط الأخرى ” .

ولهذه الأهمية ، فإن مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء يورد في هذه الدراسة الموجزة أهم مقدمات ووقائع صدور ذلك الحكم ، وما نتج عنه من خلاف فقهي يمس مضمونه ومحتواه ، ويمتد إلي أثاره ونتائجه من الناحية التطبيقية والعملية ، وذلك حرصا من المركز على تناول كل ما يعلى من شأن حرية المواطن ويلغى قيوده ، وذلك عن طريق مجموعة أبحاث تتناول بالدراسة كل ما من شأنه المساهمة في رفعة شأن هذه الدولة عندما تسلك سبل الديموقراطية الحقة للزود عن حرية الوطن والمواطن دون تعسف أو استبداد .

المبحث الأول
مقدمات ووقائع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 114 لسنة 21″ دستورية”

بتاريخ9/3/1999، دفع الأستاذ/ محمد صلاح إبراهيم القفص المحامى بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات، وذلك أمام محكمة جنايات طنطا في الجناية رقم 15097/ زفتي، والمتهم فيها السيد/السعيد عيد طه(متهم ثان) لإحرازه بدون ترخيص سلاحا، واتفاقه مع آخر( المتهم الأول)على ارتكاب جنحة سرقة مرتبطة بجناية ارتكبها الأخير، حيث قررت تلك المحكمة تأجيل نظر الدعوى لرفع دعوى بعدم دستورية المادة48 من قانون العقوبات أمام المحكمة الدستورية العليا وتقديم ما يفيد ذلك على وجه رسمي .
وبتاريخ 22 / 6 / 1999 أقيمت الدعوى الدستورية الماثلة بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا وطلب في ختامها الحكم ” بعدم دستورية نص المادة48 من قانون العقوبات مع إلزام المدعي عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة .وقد أسس الأستاذ /محمد صلاح إبراهيم القفص المحامى ذلك الدفع، وبين أسانيده في تلك الصحيفة على النحو التالي:

الموضوع
قدمت النيابة العامة السعيد عيد طه نور في القضية المنوه عنها بوصف أنه وأخر اتفقا جنائيا على ارتكاب الجنحة المرتبطة بالجنائية موضوع التهمة الثانية بان اتحدت أرادتهما على ارتكابها وأحيلت الدعوى أمام محكمة جنايات طنطا ودفع الطاعن بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات وبجلسة 10/6/1999 قررت المحكمة جدية الدفع وأجلت الدعوة لجلسة 1/8/1999 لتقديم ما يدل على الطعن بعدم الدستورية

أسباب الطعن
لما كانت النيابة العامة تطالب بتطبيق نص المادة 48 من قانون العقوبات وانزال العقوبة المنصوص عليها في المادة على المتهم فقد دفع الدفاع بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات وتأجل نظر الدعوى لجلسة 9/6/1999 لكتابة مذكرة في الدفع .
نصت المادة 48 من قانون العقوبات يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فاكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما أو على الأعمال المجهزة والمسهلة لارتكابها ويعتبر الاتفاق جنائيا سواء أكان الغرض منه جائزا أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه وكل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه بالسجن فإذا كان من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس .
وتطبيقا لنص تلك المادة قضت محكمة النقض لا يشترط لتكوين جريمة الاتفاق المنصوص عليها في المادة 48 من قانون العقوبات اكثر من اتحاد إرادة شخصين أو اكثر على ارتكاب جناية أو جنحة سواء كانت معينة أو غير معينة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها سواء وقعت الجريمة المقصودة من الاتفاق أو لم تقع () .
كما قضت محكمة النقض أن حكم المادة 48 عقوبات يتناول كل اتفاق على إيه جناية أو جنحة مهما كانت نوعها أو الغرض منها وهذا يلزم عنه انه إذا لم ترتكب الجريمة تنفيذا للاتفاق فانه ينبغي العقاب على الاتفاق ذاته() .

ولما كانت المادة المشار إليها لم تحدد جريمة بأركانها وخاصة الركن المادي والمعروف أن الركن المادي هو سلوك أو نشاط خارجي يصدر عن الإنسان و هذا الركن لازم لان القانون
مجموعة من القواعد تنظم سلوك الناس على نحو معين كي تستقيم لهم الحياة وهو في سبيل ذلك يحظر عليهم أفعالا معينة ويفرض عليهم أفعالا أخرى ولا يمكن ان تسند لشخص جريمة إلا إذا خالف الحظر أو الأمر فسلك على خلاف ما نهي عنه أمر به() . فالركن المادي جوهره السلوك فلا يمكن لجريمة أن تقع بغير فعل أو ترك لان المشرع لا يعاقب على النوايا المجردة وذلك لسبب بسيط هوان أوامر القانون ونواهيه لا تنتهك بمجرد الرغبة في التمرد عليها وانما تنتهك فحسب حين يسلك الشخص مسلكا يخالف ما يأمره به القانون و ما ينهاه عنه ().
فالتفكير في الجريمة لا عقاب عليه ولو خلص الجاني بعد التفكير في الجريمة إلى العزم والتصميم ولا يراجع امتناع العقاب الى صعوبة الإثبات فقد يجهر الشخص بما اعتزم علية أو يشهد على عزمه شاهد وانما يمتنع العقاب أساسا لان الجريمة لا تقوم بالنية وحدها فأوامر القانون ونواهيه لا تنتهك بالنوايا المجردة وانما تنتهك بالأفعال التي تصدر عن إرادة آثمة واذا كان التصميم على ارتكاب الجريمة غير كاف لقيامها فانه في الوقت نفسه لا يعد شروعا فيها لان الشروع في أمر يقتضي بالضرورة نشاطا يتجاوز مجرد التصميم عليه وعلى الرغم من أن هذا الحكم بديهة مسلمة فقد حرص المشرع على تأكيده درءا لأي شبهه فنص في المادة 45 على انه لا يعد شروعا في الجناية او الجنحة مجرد العزم على ارتكابها () .

وحيث ان المادة 48 من قانون العقوبات لم تحدد أركانها يعاقب من يرتكبها وانما أوردت على نوايا وارادات لم تظهر للوجود وانما من خفايا الصدور كما جاءت بعبارات مرسلة غير محددة فقد أوردت عقابا للاتفاق على ارتكاب جريمة معينة او غير معينة كما حددت عقابا على الأعمال المجهزة أو المسهلة لها .

تعارض نص المادة 48 من قانون العقوبات مع نص المادة 66 من الدستور فقد نصت المادة الأخيرة عن انه لا جريمة الا بناء على قانون ولا عقابا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون
الذي ينص عليهما وقد حكمت المحكمة الدستورية فى يناير سنة 1993 فى القضية رقم 3 لسنة 10ف دستورية بعدم دستورية نص المادة (5) من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945.وجاءت بأسباب الحكم .. “حيث ان الدستور فى اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتنفيذ بمناهجها التقدمية نص المادة 66منه على انه لا جريمة الا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي نص عليهما وكان الدستور قد حدد بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً ماديا لا قوام لها بغيرة يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي مفصحا بذلك على أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه محورها الأفعال ذاتها فى علاقتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية إذ هى مناط التأثيم وعلته وهي التى يتصور إثباتها ونفيها وهي التى يتم التميز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقيمها وتقدير العقوبة المناسبة لها بل أن مجال القصد الجنائي فان المحكمة لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعا وواضحا لكنها تحبيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية ولا يتصور بالأتي وفقا لاحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه ولزم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية وليس النوايا يضمرها الإنسان في أعماق ذاته تعتبر واقعة فى منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مأخوذا عليه قانونيا إذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها وثم التعبير عنها خارجيا مأخوذا عليه قانونيا فإذا كان الأمر غير متعلق أحدثتها إرادة مرتكبها وتم التعبير عنها خارجيا فى صورة مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة……” .

وقد أكدت المحكمة الدستورية تعديد من أحكامها حيث جاء نصوص الدستور تعتد بالأفعال وحدها باعتبارها مناط التأثيم وعلتهم وذلك على أساس أنها دون غيرها هي التي يجوز إثباتها أو نفيها وهى التي يتصور أن تكون محل تقدير محكمة الموضوع وان تكون عقيدتها بالبناء عليها وانه بعدم قيام الجريمة على فعل معين يتم التجهيل بماهية الأفعال التي يتعين على المخططين بقانون العقوبات توقيها وتجنبها انه لا يجوز في آية حال ان تكون مصائر الناس معلقة على غير أفعالهم إلى أن الأفعال هي التي يعبر عنها الجاني عن أرادته الواعية الجازمة متوصلا بها إلى بلغ النتيجة الإجرامية التي يبتغيها() . كما جاء لاسباب حكم أخر انه لا يتصور وفقا لاحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم و النتائج التي أحدثها بعيد عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه ولزم ذلك إن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية وليس النوايا التى يدمرها الإنسان فى أعماق ذاته تعتبر واقعة فى منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مأخوذا عليه قانونيا فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها وتم التعبير عنها خارجيا فى صورة مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة ()
وقد حددت المحكمة الدستورية ضوابط صياغة النصوص الجنائية فأوجبت أن تصاغ تلك النصوص في حدود ضيقة و بأنه لا يجوز ان يكون أمر التجريم فرضا و هو ما يتحقق في كل حال يكون النص العقابي محملا بأقصى من معني مرهقا بأغلال تعدد تأويلاته مرنا متراميا علي ضوء الصيغة التي أفرع إليها() .

و حيث أن المادة / 48 من قانون العقوبات جاء صياغتها محملا بأقصى من معنى مرهقا بأغلال تعدد تأويلا تاركا تحديد الأعمال المجهزة و المسهلة للجريمة لاجتهادات و تأويلات غير واردة في النص كما فردت عقابا في غير ما جريمة و في غياب الركن المادي للجريمة و عاقبت على نوايا وأفكار إلى الوجود مما يصيبها بعيب عدم دستورية لتعارضها مع نص المادة 66 من الدستور ولما كان المتهم له مصلحة مباشرة فى الطعن بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات حيث قدم إلى المحكمة جنايات طنطا وطلبت النيابة العامة معاقبته بتلك المادة .
وبناء عليه
نلتمس بعد تحضير الدعوة تحديد جلسة للحكم بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات مع إلزام المدعي عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة .

وبجلسة 2/1/2000 قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة انتهت فيها إلي طلب الحكم برفض الدعوي استنادا إلي نص الطعين قد حدد أركان جريمة الاتفاق الجنائي فتطلب أن يكون ثمة اتفاق بين شخصين أو أكثر ويستوجب ذلك أن يكون كل منهم أهلا لحمل المسئولية الجنائية أو يتبقى بعد استبعاد من ليس أهلا اثنان علي الأقل ، وليس شرطا في قيام الجريمة معرفة جميع المتهمين أو أن يتم الاتفاق كتابة ، ويجب أن ينصب علي ارتكاب جناية أو جنحة ، ويشترط كذلك أن يتوافر القصد الجنائي بأن يكون الجاني فيها عالما بأن المراد من الاتفاق هو ارتكاب جناية أو جنحة ، وحدد النص الطعين عقوبة هذه الجريمة مفرقا بين حالة الاتفاق علي ارتكاب جناية أو عدة جنايات أو اتخذها وسيلة للوصول إلي الغرض المقصود فتحددت عقوبتها بالسجن من 3-15 سنة ، أما إذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب جنحة أو عدة جنح أو اتخذها وسيلة للوصول إلي الغرض منه فعقوبة الجريمة هي الحبس من 24 ساعة إلي 3 سنوات ، وشدد العقوبة لتكون الأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولي وبالسجن في الحالة الثانية لمن حرض علي اتفاق جنائي أو تدخل في إدارة حركته وذلك علي اعتبار أن هؤلاء هم الذين يغررون بضعيفي الإرادة ويدفعونهم إلي الجريمة ، وأعفي النص من العقاب من يبادر من الجناة بالأخبار بوجود الاتفاق الجنائي ويشترط للإعفاء بعد إجراء بحث أو تفتيش أن يؤدي هذا الإخبار فعلا إلي ضبط الجناة .

وقد خلصت مذكرة هيئة قضايا الدولة من ذلك إلى أن جريمة الاتفاق الجنائي طبقا للنص الطعين محددة الأركان تتوافر لها كافة العناصر التي تطلبها المادة 66 من الدستور ، وجاءت صياغة النص المطعون فيه دقيقة واضحة مبينه الركنين المادي والمعنوي لها فبين النص الطعين الأفعال التي جرمها المشرع تحديدا لماهيتها كما نص علي العقوبة المستحقة لمرتكب الجريمة ورتبت المذكرة علي أن المطاعن التي ذكرها المدعي لا أساس لها بما يتعين معه رفض الدعوى .

وبعد تحضير هذه الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها، جاءت نتيجته على النحو الآتي:
نخلص – مما تقدم جميعه – الى ان النص الطعين وهو من النصوص الجنائية التي يحكم دستوريتها – كما استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا – مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها لا تزاحمها في تطبيقها سواها من القواعد القانونية – ان هذا النص قد جرم حاله الاتفاق على ارتكاب جناية أو جنحة على أساس انه تكمن فيها خطورة إجرامية يتعين مواجهتها ، وكان هذا التجريم دون ان يشترط فعلا يأتيه المجرم ففقدت الجريمة – كما صورها النص الطعين – لركنها المادي ، كما وأنها – من وجه آخر – تشكل عقابا على مالا سيطرة الجاني عليه إذا انه لا يسيطر على التقاء إرادة آخر بإرادته وهو ما تقع به وتتم جريمة الاتفاق الجنائي ، الأمر الذي يشكل مخالفة لنص المادة 66 من الدستور .
ومن ناحية أخرى – أشرنا الى ان النص الطعين من شانه التمييز بين من كانت أرادته تتجه لارتكاب الجريمة ومن صادفت أرادته هذه إرادة غيره وإلتقيتا على ارتكاب جناية أو جنحة ، ورغم انه في الحالتين كل ما أتاه الشخص هو اتجاه أرادته لارتكاب جريمة أو مصادفة التقائها بإرادة أخري مستقلة عنها فهو أمر لا علاقة له به – فانه في الحالة الأولى لا جريمة وفي الحالة الثانية تقع جريمة الاتفاق الجنائي وهذا يعد تمييزا غير قائم على أسس موضوعية ومخالفة لمبدأ المساواة ويشكل مخالفة لنص المادتين 40 ، 66 من الدستور .
ومن ناحية ثالثة فان مقتضى النص الطعين هو حجب التعبير عن الرأي وتداول الأفكار خشية ان يصادف الفكر المعبر عنه قبولا لدي غيره فتقع جريمة الاتفاق الجنائي ، وهذا يشكل قيدا غير مبرر على حرية التعبير ، سيما وان من شان تبادل الأفكار وظهور مختلف الآراء الوصول الى الحقيقة فيقوم الفكر الشاذ وتهتدي النفس الجانحة . وخلصنا – من ثم – كما اشرنا تفصيلا ، الى ان النص الطعين يخالف نص المادة 41 ، 47 من الدستور .ومن ناحية رابعة – كما اشرنا – فان العقوبة التي نص عليها النص الطعين جزاء لجريمة الاتفاق الجنائي تعد بمقارنتها بعقوبة الجريمة المتفق عليها التي يشترط لتوقيعها فضلا عن اتجاه الارادة الى ارتكابها ، اتيان أفعال تؤدي الى النتيجة الإجرامية عقوبة غير مناسبة تنطوي على قسوة وغلو وحتى في حاله النزول بعقوبة جريمة الاتفاق الجنائي لتكون عقوبة الجريمة المتفق عليها ( إذا كانت أخف ) فان ذلك يشكل إهدار للغرض من العقوبة إذ يضحي الجاني – وفقا للنص الطعين – في مواجهة عقوبة واحدة سواء أتي الجريمة المتفق عليها أو لم يأتها ، فلا يتحقق الردع ( بصورتيه ) وتتأذي العدالة ، وعلى هذا فان النص الطعين يخالف نصوص المواد 41 ، 65 ، 66 ، 67 من الدستور .
ولذلك
نري الحكم بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنه 1953 ، مع الزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .
وبتاريخ السبت الموافق 2يونية سنة 2001 الموافق العاشر من ربيع الأول سنة 1422هـ ، صدر حكم المحكمة الدستورية في هذه الدعوى، وقد جاء منطوقه على النحو الآتي:
“حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات، و ألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة “().
وإذا كان هذا الحكم الهام قد فتح باب الجدل والنقاش بشأن أسانيده وفلسفته القانونية، فقد امتد ذلك الجدل الى ما يتصل بالآثار والنتائج المترتبة عليه من الناحية العملية والتطبيقية، وهو ما نفرد له المبحث التالي :

المبحث الثاني
الآثار المترتبة على هذا الحكم في ضؤ الآراء الفقهية المختلفة

لقد انقسم الفقه الذي تناول هذا الحكم بالبحث والدراسة الى فريقين، فأما الفريق الأول فقد عارض وانتقد ذلك الحكم، على عكس الفريق الثاني الذي أيده وأكد على أهميته، وفيما يلي عرض لأهم تلك الآراء :

أولا: رأى الفريق المعارض لهذا الحكم
1- رأى الدكتورة فوزية عبد الستار ،أستاذة القانون الدستوري‏ ورئيسة اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقا.
أكدت الدكتورة فوزية عبد الستار ، مخالفتها لما انتهى إليه هذا الحكم وقد أسست ذلك بقولها‏:(‏)
” .. تعتبر المادة‏(48)‏ من قانون العقوبات من أهم المواد التي تسهم في الحد من الظاهرة الإجرامية ومواجهة الحلقة الأولي في سلسلة الجرائم التي يقدم عليها بعض الجناة دون رادع من خلق أو دين‏.وكانت هذه المادة مثل خط الدفاع الأول‏,‏ والذي يواجه المجرم عند ارتكاب جريمته الأولي قبل أن يتجاوز بإجرامه إلي جريمة أخري تكون هدفا لسلوكه أو وسيلة لبلوغ هدف معين مشروع أو غير مشروع‏,‏ وتقوم جريمة الاتفاق الجنائي علي ركنين واضحين‏:‏ المادي والمعنوي‏ فالأول هو السلوك الإجرامي وهو يتمثل في الاتفاق الذي يتم بين شخصين أو أكثر إذا كان منصبا علي موضوع معين هو ارتكاب جناية أو جنحة أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها‏,‏ أما الثاني فهو الإرادة الآثمة‏,‏ أي القصد الجنائي‏,‏ وهو اتجاه الإرادة إلي الاتفاق بحقيقته‏.وتستطرد الدكتورة فوزية عبد الستار بقولها‏:‏ من المسلم به أن الجريمة لا تقوم بغير سلوك إجرامي‏,‏ وأن القانون لا يعاقب علي مجرد النيات‏,‏ وجريمة الاتفاق الجنائي يكون فيها السلوك الإجرامي واضحا ومحددا‏,‏ وهو يتمثل في تعبير كل من الجناة عن إرادته الآثمة سواء اتخذ هذا التعبير صورة القول أو الكتابة أو الإشارة إذا كانت واضحة في تحديد اتجاه الإرادة.

والتعبير عن الإرادة له أهمية كبيرة‏,‏ ويعتد به المشرع في كثير من الحالات في المجال الجنائي هو صورة للسلوك الإجرامي في جريمة القذف والسب وإفشاء الأسرار والبلاغ الكاذب‏,‏ وفي المجال المدني يتم به العقد الذي يتولد عنه العديد من الالتزام وفي مجال الأحوال الشخصية يقوم عقد الزواج علي تعبير يصدر عن كل من العاقدين عن إرادته في صورة الإيجاب والقبول‏,‏ ومن ثم فالركن المادي في جريمة الاتفاق الجنائي قائم وواضح ومحدد وتؤكد أن خطة المشرع في تجريم الاتفاق الجنائي ليست غريبة علي التشريع الجنائي‏,‏ ذلك أن المشرع يعاقب علي الاتفاق كوسيلة من وسائل الاشتراك اذا وقعت الجريمة بناء عليه كذلك يعاقب علي مجرد الاتفاق علي ارتكاب جريمة معينة المادة‏ 6 من قانون العقوبات وأما القول بأن الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكاب الجريمة التي قد تكون موضوعا للاتفاق غير محددة‏,‏ فهو أمر لا ينال من التحديد القانوني للجريمة إطلاقا لان هذه الأعمال ليست هي الركن المادي للجريمة‏,‏ وإنما هي موضوع الجريمة‏,‏ ومن المستحيل علي المشرع أن يحدد موضوع كل جريمة تحديدا دقيقا أو علي سبيل الحصر‏,‏ وإنما يترك ذلك للفقه‏,‏ ومن أمثلة ذلك‏,‏ أن المادة‏40‏ من قانون العقوبات تعتبر شريكا من ساعد الفاعل في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكاب أو في المادة ‏234 ‏ يعاقب القاتل بعقوبة أشد إذا كان القصد من القتل التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها.

وإذا كانت جريمة الاتفاق الجنائي تقوم علي ركنين مادي‏,‏ ومعنوي وتوقع العقوبة علي مرتكب هذه الجريمة فإن العقوبة هنا تكون شخصية لأنها توقع علي مرتكب الفعل دون غيره والمادة‏41‏ من الدستور تحمي الحرية الشخصية ومنها حرية التعبير‏,‏ ولكن المشرع الدستوري أجاز فى ذات المادة تقييد هذه الحرية الشخصية إذا اقتضت ذلك صيانة أمن المجتمع ولاشك أنه من دواعي صيانة أمن المجتمع تجريم الاتفاق علي ارتكاب الجرائم‏,‏ فالمشرع الدستوري لا يحمي حرية الإجرام .

إذا كان المشرع لا يعاقب ـ في مجال الشروع ـ علي مجرد العزم علي ارتكاب الجريمة فإن هذا يختلف تماما عن العقاب علي الاتفاق الجنائي لأن العزم مجرد إرادة أو رغبة استقرت في ذهن الجاني‏,‏ ولم تخرج إلي حيز الوجود أما الاتفاق فهو كما سبق تعبير شخصي عن رغبته في ارتكاب الجريمة‏,‏ والتقاء هذا التعبير مع تعبير مماثل لغيره‏,‏ مما يعتبر انعقادا لإرادتين أو أكثر وليس مجرد رغبة داخلية .
ان عقوبة الاتفاق الجنائي متناسبة مع جسامة الجريمة‏,‏ لأن المشرع جعل عقوبة الاتفاق علي ارتكاب الجنايات هي السجن‏,‏ بينما هناك جنايات عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو السجن‏,‏ فالمشرع قرر للاتفاق الجنائي أدني عقوبات الجنايات وللقاضي وفقا لسلطته التقديرية أن يهبط إلي الحد الأدنى لهذه العقوبة‏,‏ وهو ثلاث سنوات‏,‏ بل ان للقاضي بمقتضى المادة‏17‏ من قانون العقوبات أن يهبط بعقوبة السجن المقررة للاتفاق الجنائي إلي الحبس الذي لايقل عن ثلاثة أشهر‏,‏ فإذا نزل إلي هذه الدرجة جاز له يأمر بوقف تنفيذ العقوبة‏,‏ كذلك جعل المشرع عقوبة الاتفاق الجنائي علي ارتكاب الجنح هي الحبس‏,‏ وهذه العقوبة حدها الادني‏24‏ ساعة‏,‏ فكيف يقال بعد ذلك ان العقوبة غير متناسبة مع الجريمة.
وتتساءل الدكتورة فوزية عبد الستار كيف نهون من شأن الاتفاق الجنائي علي ارتكاب الجرائم مع أن هذا الاتفاق يعبر عن خطورة إجرامية ويمثل حلقة من حلقات العدوان علي الحقوق التي يحميها قانون العقوبات بل ويحميها الدستور كحق الحياة والحرية والملكية وحرمة الحياة الخاصة‏” .

2- رأى السيد المستشار /عبد السميع شرف الدين رئيس محكمة أمن الدولة العليا‏.()
يرى المستشار عبد السميع شرف الدين ” ..أن هناك خطورة بإلغاء نص كان يحال به من يرتكبون ويخططون لجرائم تمس أمن الدولة في الداخل أو الخارج‏,‏ ومثل هذه المادة كانت لها أهمية لمساعدة الجهات المختلفة في مواجهة الجرائم التي تضر بمصلحة البلاد‏,‏ وربما يفلت كثيرون ممن كان يطولهم نص تلك المادة‏,‏ فالذين يخططون لا يظهرون علي السطح والأدوات المستخدمة في التنفيذ لمثل هذه الجرائم والمتهمون تتم محاكمتهم طبقا للاتفاق الجنائي‏,‏ والمحكمة رأت أن من يفكر في ارتكاب جريمة غير مؤثم مادام ظلت الفكرة في وجدانه‏,‏ وتكون الجريمة الأشد عند الاتفاق علي تنفيذ الجريمة الجنائية‏,‏ لكن هناك إعفاء لمن يبلغ الأجهزة المعنية ويقود لضبط المتهمين مثلما حدث في محاولة للسطو علي أحد البنوك بالقاهرة قبل عدة سنوات‏,‏ عندما حضر أحد المخططين كل التفاصيل الخاصة بالاتفاق ,‏ وتسرب من زملائه وأبلغ عنهم وأحبطت الجريمة‏,‏ وتوجد نصوص في الباب الأول من قانون العقوبات تعوض هذه المادة في مواجهة الجرائم المتعلقة بأمن الدولة ويوجد نص علي الاتفاق الجنائي‏,‏ إلا أن المادة‏(48)‏ كانت اشمل .

لابد من تصحيح الأوضاع لكل من حكم عليه بسبب هذه المادة ويتم إخراج المتهمين من السجون‏,‏ لأن من يحكم عليه في جريمة‏,‏ فالوضع الطبيعي أن النص قد سقط مع نشره في الجريدة الرسمية إذا كانت العقوبة الموقعة بموجب هذه المادة فقط وتلك مسألة نادرة الحدوث‏.. أن المحاكم ستصادفها بعض المشكلات من الناحية العملية مع تطبيق هذا الحكم خاصة في الجرائم المضرة بأمن البلاد‏.

ثانيا: رأى الفقه المؤيد لهذا الحكم
1- رأى الأستاذ سامح عاشور – المحامى ونقيب المحامين . (الوفد في 20/6/2001 )
يلقي نقيب المحامين الضوء علي تاريخ وضع المادة 48 من قانون العقوبات ويقول أن المادة 48 نشأت بشكل استثنائي وفي ظروف استحدثت بعد حادث مقتل رئيس مجلس النظارة في عام 1910 حينما قدم المتهم ومعه عدد من المتهمين فقرر قاضي الإحالة إحالة واحد فقط عن المتهمين وترك الباقي لعدم وجود أركان للجريمة رغم اتفاقهم جميعا علي ارتكاب الجريمة . . ومن هنا اضطر المشرع إلي إضافة المادة رقم 47 مكرر التي تعد اصل المادة 48 لمعاقبة كل من اتفق أو حرض علي الجريمة . . وطبعا هذا المناخ الذي وضعت فيه المادة مناخ استثنائي قام لمعالجة استثنائية وهو الذي أدخلنا في دائرة اللا أمان في تحديد الركن المادي وحساب المتهمين علي نوايا الآخرين .
ويضيف نقيب المحامين أن المحكمة الدستورية رأت إلغاء هذه المادة لانه لا يصح أن يكون هناك نص عقابي علي غير ركن مادي واضح ومحدد ولا جريمة بغير فعل أو ترك فعل ، وبالتالي فانه من الصعب ضبط الركن المادي الأمر الذي اضطر المحكمة إلي إلغاء هذه المادة بما يتفق مع المشروعية والتوجه إلي حماية حقوق الناس بأمور محدده وقائمة علي وجود حقيقي .
وعن تأثير الحكم علي إجراءات التقاضي داخل المحاكم يري نقيب المحامين أن الحكم سوف يحدث لخبطة في أوامر الإحالة التي صدرت وسيعاد النظر فيها وما سيترتب علي ذلك من فك جميع التهم وسوف تظهر بعض المشاكل في المواد المشتركة مع هذه المادة .
2- رأى الدكتور محمد الميرغنى أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس
(الوفد في 20/6/2001 )
وعن جانب الدستوري للحكم يوضح الدكتور محمد الميرغنى بأنه يترتب عليه عدم دستورية النص ويصبح معه منعدما بأثر رجعى وتترتب عليه براءة المتهمين والإفراج عنهم فورا طبقا لما استقر عليه القانون بأنه لاعقوبة ألا بنص .
3- رأى الأستاذ/ رجائي عطية- المحامى ( الأهرام في 17/6/2001 )
يرى الأستاذ/ رجائي عطية- المحامى “..أن الحكم يمثل صفحة مجيدة من صفحات المحكمة الدستورية العليا‏,‏ لأنه حسم خلافا قديما بعد أن وجهت انتقادات كثيرة علي مدي عشرات السنين لنص المادة‏48‏ والتي تقابلها تقريبا المادة‏47‏ مكنون العقوبات الأهلي . والتي كانت تدخل في جرائم الخطر وتمثل شذوذا غير مقبول عن سياسة المشرع في التجريم والعقاب‏,‏ وكانت حجتها فيما روي الحكم سابقة قديمة عام‏1910,‏ واستند الحكم بعدم دستورية هذه المادة علي المواد‏41‏ـ‏66‏ ـ‏67‏ من الدستور‏,‏ فالقوانين لا تعاقب إلا علي الأفعال‏.‏ ولا تعاقب علي النيات‏,‏ والقول بغير ذلك يعرض المجتمع للخطر‏,‏ فالمصلحة الظاهرة أن يعدل المفكر عن تفكيره اتقاء للعقاب فإذا عرف أن العقاب سوف يطوله‏.‏ سينتقل إلي حيز التنفيذ ، فكأننا نحثه علي ألا يعدل علي ما فكر فيه‏.‏ والقانون الحالي لا يعاقب علي الشروع وهي تالية للتفكير‏.‏ وتدخل فيما يسمي البدء في التنفيذ‏,‏ إلا إذا خاب أثر الفعل‏,‏ بمعني أن العقاب لا يطول من يشرع في التنفيذ برغم تجاوز التفكير‏,‏ ومن يشرع ويعدل عدولا اختياري في التنفيذ فالقانون يعفيه من المسئولية ولا يلحق بالتجريم تشجيعا من المشرع علي العدول عن الجرائم‏.
أن النص كان محل انتقاد وتسليم بالعيب والرؤية كانت بضرورة التزام النيابة العامة بعدم استخدام هذه المادة في القيد للجرائم إلا في الأحوال الجسيمة‏,‏ وهذا لم يحدث‏.‏ بل أفرطت النيابة في استخدام النص‏.‏ لذا جاء الحكم بلسما لأهل القانون لعدالته وبني علي عدة أسباب‏ :
– أن القانون لا يعاقب إلا علي الأفعال‏,‏ ولا يعاقب علي النيات‏,‏ مادامت لم تتبلور إلي أفعال‏,‏ وهو المستفاد من نص المادة ‏66 ‏من الدستور‏.‏لأن القاعدة الدستورية تشترط في التجريم أن ينصرف الى فعل .
– ‏ من مبادئ الدستور المتطلب فيه‏,‏ أن تكون درجة اليقين أساسا لتنظيم أحكام القانون في المسائل الجنائية‏,‏ وتكون الأفعال محددة بصورة قاطعة لا يشوبها لا إبهام ولا تجهيل ولا غموض ولا تعميم واتساع فضفاض في تحديد المعني‏,‏ لأن القول بغير ذلك يحرم المخطئ يكونوا علي بينة سلفا بما هو مباح من الأفعال وما هو محظور‏.
– انه لم يشترط تعريفا خاصا للاتفاق الجنائي‏,‏ يتحقق به معني من معاني الفعل‏,‏ فلم يشترط لقيام الجريمة أن يكون الاتفاق بين عدد أكثر من اثنين‏,‏ وأن يكون علي قدر من التنظيم .
– ‏ ينطوي علي ما يسمي عدم تناسب وشرعية الجزاء مع ما أسهمه النص والانحدار مع السياسة التشريعية التي يعاقب في حالة الاتفاق الجنائي بعقوبة السجن بين‏3‏ و‏15‏ سنة‏,‏ وعلي الاتفاق في الجنح بالحبس من‏24‏ ساعة إلي‏3‏ سنوات‏,‏ وبالتالي للمحكمة أن تقضي في الجناية والاتفاق عليها والحبس حتي‏3‏ سنوات في الاتفاق علي الجنحة‏,‏ ويوجد من نصوص الجنايات والجنح عقوبات أقل من‏15‏ سنة في الجناية وثلاث في الجنحة‏,‏ فهو معيب وخطير أن يعاقب الشخص بعقوبة أغلظ مما يتعرض له إذا ما نفذ الجريمة فعلا .
إن الحكم يرفع نص المادة من القانون يوم نشره في الوقائع المصرية‏,‏ ويترتب علي ذلك آثار بعيدة منها أن قضي بإدانته بعقوبة واجبة التنفيذ وكان الحكم باتا‏,‏ وطبقا للقانون يؤخذ بالأصلح‏,‏ وإذ غير معاقب عليه لابد من احترام المشرع ويوجب وقف العقاب فورا‏,‏ احتراما لقاعدة القانون الأصلح‏,‏ وإقرارا من المجتمع بأنه لا يجوز معاقبة إنسان استنادا إلي نص قضت المحكمة بعدم دستوريته‏,‏ ووقف المساءلة‏,‏ ويسري بأثر فوري علي ما هو منظور أمام المحاكم‏ سواء أقيم فيها الاتهام كليا أو جزئيا علي نص تلك المادة‏,‏ لكن يتم التساؤل عن التهم الأخرى في حالة توجيهها للمتهم‏,‏ وعلي النيابة أن توقف التنفيذ فورا في الدعاوى التي حكم فيها‏,‏ بموجب هذه المادة فقط‏..‏ ومثل هذا الحكم تصحيح واجب منذ سنوات” .

4- رأى الأستاذ/ محمد صلاح إبراهيم القفص-نقيب المحاميين بمحافظة الغربية “سابقا”.
يرى الأستاذ/ محمد صلاح إبراهيم القفص المحامى – والذي قدم الطعن بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات – ” .. أن المادة 49 فقرة 3- 4 من قانون المحكمة الدستورية العليا قد نصت علي الأثر الرجعي المطلق عند تنفيذ الحكم الصادر بعدم دستورية نص جنائي و ذلك بقولها ” يترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم تكن و يقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام فور النطق به لأجراء مقتضاه () و قد اتسم نص المادة 49 المشار إليه بالشمول و الإحاطة و جاءت صياغة النص شاملة لكافة النصوص الجنائية التي تطبقه في المجال الجنائي و لا يقتصر علي النص العقابي فقط فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي فأن جميع الأحكام التي صدرت بالإدانة إلى ذلك النص تعتبر كأن لم تكن حتى و لو كانت أحكام باتة () فالمستقر عليه أن الحكم بعدم دستورية نص جنائي لا يطبق من اليوم التالي لنشر الحكم و يترتب علي الحكم اعتبار الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إليه كأن لم تكن ولتوضيح هذا الأثر على الدعاوى التي فى مرحلة التحقيق و الدعاوى التي أعلن التحقيق و أعلنت للمتهم و الدعاوى المنظورة أمام المحاكم و الأحكام التي صدرت بالا دانه علي النص المقضي بعدم دستوريته .
أولا – الدعاوى التي في مرحله التحقيق و التي لم يسفر تحقيقها إلا على ما كان يجرمه نص المادة 48 من قانون العقوبات من اتفاق ارادات او اتحاد نوايا يقرر حفظها او صدور قرار بألاوجه لاقامتها و ذلك استنادا الى نص المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية و يستند القرار الي عدم و جود جريمة . أما إذا تم تكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة المختصة فلا تملك النيابة اتخاذ أي أجراء حيث ينعقد الاختصاص للمحكمة المحال أليها الدعوى و ارجح أن يكون قرار المحكمة استبعاد القضية من الرول حيث انه لا يجوز للمحكمة أن تنظر الدعوى .
أما الحالة الهامة و هي صدور حكم بالإدانة طبقا لنص المادة 48 من قانون العقوبات فهناك رأي للدكتور عبد العزيز سلمان يشير الي أن النص ورد علي اعتبار أن الإحكام الجنائية الصادرة بالإدانة استنادا إلى نص قضى بعدم دستوريته و الواقع أن هذه الإحكام و أن كانت تعتبر كان لم تكن من الناحية القانونية فانه من الناحية العملية لا يتم . فإذا صدر حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص جنائي فانه يسري بأثر رجعي مطلق علي جميع الأحكام القضائية الصادرة بالإدانة استنادا الي ذلك النص المقضي بعد دستوريته فلابد ان يكون الحكم الجنائي صادر بالإدانة يستوي بذلك إن يكون صادرا بعقوبة مقيدة للحرية او سالبة لها او بعقوبة مالية سواء كانت غرامة او تعويضات او رد مبالغ و لابد أيضا ان يكون هذا الحكم قد صدر مستندا الي النص وحده او الي مجموعة من النصوص من بينها النص الغير دستوري فان الحكم الصادر بعدم الدستورية يمتد إليه الأثر الرجعي في هذه الحالة ويطبقه بصفة مطلقه حتى و لو كانت الأحكام الصادر بالإدانة أحكام باتة و في هذا انحياز كامل للحرية الشخصية و الشرعية ذلك أن الأحكام الجنائية تمس بطريقة مباشرة الحرية الشخصية للمواطن و هي اعز ما يحرص عليه فإذا اتضح ان النص الذي طبق عليه كان غير دستوري فالعدالة تقتضي أن يغلب جانب الحرية علي جانب حجية الأحكام الجنائية و في هذا أعمال كامل بمبدأ الشرعية و مع هذا الرأي الدكتور عبد العزيز سلمان صـ 227 .

الا أن سيادته يبدي رأى محل نظر يقول فيه الواقع أن هذه الأحكام و أن كانت تعتبر كأن لم تكن من الناحية العملية لا يتم ذلك بطريقة آلية و إنما لابد من تقديم التماس إعادة نظر وفقا لقانون الإجراءات الجنائية لان إعادة المحاكمة هي التي سوف تسمح ببيان ما إذا كانت الإدانة قد استندت فقط إلى النص المحكوم بعدم دستوريته آم لا و يأخذ علي هذا الرأي الآتي :
أولا : يعتبر الحكم كان لم يكن سواء صدر مستندا إلى النص المقضي بعدم دستوريته و حده أو إلى مجموعة من النصوص من بينها النص الغير دستوري فان الحكم بعدم الدستورية يمتد إليه.
ثانيا : ورد النص علي اعتبار الأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة استناد إلى نص قضي بعدم دستوريته كان لم تكن يعنى سقوطها بكل أثارها و لو صار الطعن فيها ممتنعا لتفارقها قوة إلأمر المقضي التي قارنتها و هي رجعية كاملة أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لاحكامها الصادرة بأبطال النصوص العقابية وهي رجعية و لا قيد عليها و لا عاصم منها بل يكون أثرها جارف لكل عائق علي كلا منها ولو كان حكما باتا ().
ثالثا : بصدور الحكم بعدم دستورية نص استند إليه حكم الإدانة لم يصبح لهذا الحكم مقومات السند التنفيذي و يزول أثرها التنفيذي و يتعين إخلاء سبيل المنفذ عليه بمقتضاه .
رابعا : نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا في شان الحكم الصادر بالإدانة استنادا الي نص قضي بعدم دستوريته واضح الدلالة بصريح لفظه ان الحكم يعتبر كان لم يكن بدون سلوك طريق التماس إعادة النظر طالما لم يوجب النص ذلك فلا يجوز سلوك طريق لم ينص عليه المشرع .
خامسا : استند الرأي إلى الفقرة الخامسة من نص المادة رقم 441 إجراءات جنائية و قد نصت المادة علي انه إذا حدثت أو ظهرت بعد الحكم وقائع أو إذا قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن هذه الوقائع أو الأوراق ثبوت براءة المحكوم عليه و لم يخول النص الحكم باعتبار الحكم كان لم يكن و إنما يقضي بالبراءة و هو ما يتعارض مع نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا
سادسا : نصت المادة 443 من قانون الإجراءات الجنائية انه في حالة الفقرة الخامسة من المادة 441 الإجراءات الجنائية يكون حق إعادة النظر للنائب العام وحده سواء من طلقاء نفسه أو بناء علي طلب أو بناء أصحاب الشأن و إذا رأى له محلا يرفقه مع التحقيقات التي يكون قد رأى لزومها إلى لجنة مشكلة من أحد مستشاري محكمة النقض و اثنان من محكمة الاستئناف تعين كلا منهم الجمعية العامة بالمحكمة التابع لها و يجب أن يبين في الطلب الواقعة التي يستند عليها وتفصل اللجنة في الطلب بعد الاطلاع علي الأوراق واستبعاد ما تراه في التحقيق و تأمر بإحالته إلى محكمة النقض إذا رأت قبوله ولا يقبل الطعن بأي وجه في القرار الصادر من النائب العام أو في الآمر الصادر في اللجنة المشار إليها بقبول الطلب أو عدم قبوله ومعني ذلك أن يظل المحكوم علية مقيداً الحرية لهذه لا يعرف مداها منفذاً لحكم اعتبر كان لم يكن بقوة القانون ويظل الحكم يجرى بشأنه تحقيقات ثم تعرض هذه التحقيقات على محكمة النقض مما يؤدي إلى الانتقاص من حرية المحكوم عليه وقد تنقضي العقوبة التي لم يصبح لها سنداً للقانون .

الرأي الراجح : تمشيا مع حكمه نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا في شأن الحكم الصادر بعدم دستورية نص المستند إليه الحكم في ادانه محكوم عليه وحرص علي حريات المحكوم عليه و استنادا إلى صريح لفظ المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية وواضح دلالته و عدم اشتراط سلوك أي طريق للطعن علي حكم اصبح كان لم يكن فيجب ان يراجع السيد الأستاذ / النائب العام جميع ألاحكام التي صدرت بالإدانة استنادا الى نص المادة 48 من قانون العقوبات ولو كان الحكم استند الى مواد أخرى من بينها المادة المشار إليها ويأمر سيادته بإخلاء سبيل المحكوم عليهم وذلك لان السلطة المنوط بها التنفيذ العقابي هي النيابة العامة وقد نص قانون الإجراءات الجنائية في المادة 462 على ان تبادر النيابة العامة الى تنفيذ الحكم الواجبة التنفيذ الصادرة في الدعوى الجنائية و التنفيذ العقابي يتحدد في جوهره ومضمونه بالسند التنفيذى الذي يبين نوع العقوبة وكمها وهذا السند التنفيذي يتمثل في الحكم أو القرار المشمول بالقوة التنفيذية ( ).

وترتيبا على هذا النظر يجب إخلاء سبيل كلا من حكم عليه بحكم إدانة مستندا الى نص المادة 48 من قانون العقوبات حتى اصبح السند التنفيذي كأن لم يكن. ولما كانت النيابة العامة هي سلطة تنفيذ الأحكام واصبح السند التنفيذي كأن لم يكن ولم يعد منه شئ باقيا فيتعين إخلاء سبيل المحكوم عليه فوراً حيث أن حبسهم دون سند قانوني يعتبر افتئاتا علي حرياتهم والتي هي من مقومات الشخصية الأساسية ” .

وختاما.. لهذا الجدل الفقهي الذي يثرى الحياة التشريعية لدى المهتمين بالعمل القانوني والقضائي في مصر بشأن القوانين والتشريعات التي تمس مباشرة الحياة الاجتماعية في هذا الدولة، فان مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء لا يسعه سوى أن يهيب برجال الفقه والقضاء وحماة الحرية من المحاميين الشرفاء أن تكون الحريات العامة للمواطنين دائما نصب أعينهم، حتى لا يخرج القانون عن مبادئ الدستور ويشكل عدوانا على الحرية الشخصية، وخروجا على مبدأ التجريم والعقاب، ومبدأ خضوع الدولة للقانون.

الملاحق

1- تقرير هيئة مفوضي الدولة
2- حكم الحكمة الدستورية العليا في الدعوى

1- تقرير هيئة مفوضي الدولة

بسم الله الرحمن الرحيم

المحكمة الدستورية العليا
هيئة المفوضين
دار القضاء العالي بالقاهرة

تقرير هيئة المفوضين
في الدعوي رقم 114 لسنة 21 قضائية ” دستورية ”
المقامة من
السيد / السعيد عيد طه نور
ضد
1 – السيد / رئيس الجمهورية
2 – السيد / وزير العدل
3 – السيد / رئيس مجلس الوزراء
4 – السيد / النائب العام
2000
سوسن ، سلوي ، توفيق ، سحر ، هشام

أولا : الوقائع

بتاريخ 22 / 6 / 1999 أقيمت الدعوي الدستورية الماثلة بإيداع صحفيتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا وطلب في ختامها الحكم ” بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات مع إلزام المدعي عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة .
وقال المدعي شرحا لدعواه إن النيابة العامة اتهمته وأخر في الدعوى الموضوعية بأنهما قد اتفقا جنائيا علي ارتكاب الجنحة المرتبطة بالجناية موضوع التهمة الثانية وطالبت بتطبيق نص المادة 48 من قانون العقوبات عليه .
واشار المدعي إلي النص الطعين لم يتضمن تحديدا قاطعا للجريمة موضوعه خاصة فيما يتعلق بالمركز المادي ، وأكتفي في إنزال العقاب بمجرد النوايا التي لم تظهر للوجود ، وأضاف أن هذا النص جاء محملا بأكثر من معني فتتعدد تأويلاته ، وأغفل بيان المقصود من الأعمال المجهزة والمسهلة للجريمة بما أخضعها لمختلف الاجتهادات والتأويلات ، ,خلص من ذلك إلي مخالفة النص الطعين لنص المادة 66 من الدستور .
وأودع المدعي رفق صحفية الدعوي صورة رسمية من محضر جلسة محكمة جنايات طنطا في الجناية رقم 15097 لسنة 1998 زفتي برقم 1032 كلي ، وتوكيل خاص رقم 1273 . أ لسنة 1999 توثيق زفتي الصادر في 12/6/1999 وبتاريخ 15/7/1999 أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة انتهت فيها إلي طلب الحكم برفض الدعوى .
تداولت الدعوي بجلسات التحضير أمام هيئة المفوضين علي النحو الثابت بمحاضر تلك الجلسات وبتاريخ 6/11/1999 ورد ملف الدعوى الموضوعية .
وبجلسة 2/1/2000 قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة انتهت فيها إلي طلب الحكم برفض الدعوي استنادا إلي النص الطعين قد حدد أركان جريمة الاتفاق الجنائي فتطلب أن يكون ثمة اتفاق بين شخصين أو أكثر ويستوجب ذلك أن يكون كل منهم أهلا لحمل المسئولية الجنائية أو يتبقى بعد استبعاد من ليس أهلا اثنان علي الأقل ، وليس شرطا في قيام الجريمة معرفة جميع المتهمين أو أن يتم الاتفاق كتابة ، ويجب أن ينصب الاتفاق علي ارتكاب جناية أو جنحة ، ويشترط كذلك أن يتوافر القصد الجنائي بأن يكون الجاني فيها عالما بأن المراد من الاتفاق هو ارتكاب جناية أو جنحة ، وحدد النص الطعين عقوبة هذه الجريمة مفرقا بين حالة الاتفاق علي ارتكاب جناية أو عدة جنايات أو اتخذها وسيلة للوصول إلي الغرض المقصود فتحددت عقوبتها بالسجن من 3-15 سنة ، أما إذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب جنحة أو عدة جنح أو اتخذها وسيلة للوصول إلي الغرض منه فعقوبة الجريمة هي الحبس من 24 ساعة إلي 3 سنوات ، وشدد العقوبة لتكون الأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولي وبالسجن في الحالة الثانية بالنسبة لمن حرض علي اتفاق جنائي أو تدخل في إدارة حركته وذلك علي اعتبار أن هؤلاء هم الذين يغررون بضعيفي الإرادة ويدفعونهم إلي الجريمة ، وأعفي النص من العقاب من يبادر من الجناة بالأخبار بوجود الاتفاق الجنائي ويشترط للإعفاء بعد إجراء بحث أو تفتيش أن يؤدي هذا الإخبار فعلا إلي ضبط الجناة . وخلصت المذكرة من ذلك إلي أن جريمة الاتفاق الجنائي طبقا للنص الطعين محددة الأركان تتوافر لها كافة العناصر التي تطلبتها المادة 66 من الدستور ، وجاءت صياغة النص المطعون فيه دقيقة واضحة مبينه الركنين المادي والمعنوي لها فبين النص الطعين الأفعال التي جرمها المشرع تحديدا لماهيتها كما نص علي العقوبة المستحقة لمرتكب الجريمة ورتبت المذكرة علي ذلك أن المطاعن التي ذكرها المدعي لا أساس لها بما يتعين معه رفض الدعوى .
ثانيا : الرأي

أولا : قبول الدعوي الماثلة

من حيث إنه – عن شكل – فإن الدعوي الماثلة قد أقيمت اثر دفع أبداه المدعي أمام محكمة الدعوى الموضوعية التي قدرت جديته وضربت له ميعادا لا يجاوز ثلاثة أشهر لإقامة دعواه الدستورية فأقامها خلال هذا الميعاد ، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا وفقا للإجراءات التي رسمها قانون المحكمة الدستورية العليا واستوفت الدعوي سائر الشروط والأوضاع الشكلية المقررة قانوناً .
ومن حيث إنه – عن المصلحة – ولما كان شرط المصلحة شرطا لازماً لقبول الدعوى الدستورية وقوامه أن يكون ثمة انعكاس للحكم في الدعوى الدستورية علي الدعوي الموضوعية بأن يوثر الحكم في الأولي علي الحكم في الثانية ، وكان الثابت من ملف الدعوى الموضوعية أن المدعي كان قد قدم إلي المحاكمة الجنائية كمتهم ثان في الجناية رقم 15097 لسنة 1998 ج زفتي والمقيدة برقم 1032 كلي طنطا أمام محكمة جنايات طنطا ” لانهما في 15/6/1999 بدائرة مركز زفتي محافظة الغربية ” قد اتفقا جنائيا علي ارتكاب الجنحة المرتبطة في الجناية () موضوع التهمة الثانية بان اتحدت أرادتاهما علي ارتكابها ” وقد وجهت للمتهم الأول أنه ” قتل عبد العظيم حسين شمس الدين ” بان قذفه علي سرير نومه وجثم فوقه وكم فاه وانفه قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وكان ذلك بقصد تسهيل جنحة هي لأنه في الزمان والمكان سالفي الذكر سرق النقود والأشياء المبينة وصفا وقيمة بالتحقيقات والمملوكة للمجني عليه وكان ذلك ليلا بطريق التصور من مكان مسكون الأمر المنطبق عليه الفقرات أولا وثانيا ورابعا من المادة 317/ عقوبات ” كما وجهت للمتهم الثاني ( المدعي ) في الدعوى الدستورية الماثلة أنه أحرز بغير ترخيص سلاح ابيض ” خنجر ” وطلبت النيابة العامة عقابهما بالمواد المشار اليها بتقرير الاتهام ومن بينها نص المادة 48/1،2،3 من قانون العقوبات المطعون بعدم دستوريته .
ومن ثم فأن الحكم في دستورية النص الطعين يؤثر لزوما في الدعوي الموضوعية وبالتالي فان مصلحة المدعي تكون ثابتة في الدعوى الدستورية الأمر الذي نري معه قبول الدعوى الدستورية الماثلة .

ثانيا : عن مدي دستورية النص الطعين
تقديم وتقسيم
وإذا خلصنا – فيما سبق إلي قبول الدعوي الدستورية الماثلة فأننا نعرض الرأي في موضوع الدعوي الماثلة ونتولي فيما يلي بحث مدي دستورية النص الطعين وذلك في خمسة أقسام :
أولها : نتولى فيه شرح النص الطعين وما يقضي به وذلك في ضوء ما أستقر عليه الفقه والفقهاء .
وثانيها : نخصصه لمدي إتفاق النص الطعين وأحكام المادة 66 من الدستور .
وثالثها : نعرض فيه لمدي اتفاق النص الطعين واحكام المادتين 40 ، 66 من الدستور .
ورابعها : نتناول فيه مسألة مدي إتفاق النص الطعين ، والحرية الشخصية وحرية التعبير .
وفي خامسها : نتعرض لمدي اتفاق العقوبة كما وضعها النص الطعين ومبادئ الدستور .

أولا : النص الطعين وما يقضي به حكمه
تنص المادة 48 من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1953 علي أن ” يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة ما أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها . ويعتبر الاتفاق جنائياُ سواء أكان الغرض منه جائزا أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه .
وكل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيله للوصول إلي الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه بالسجن فإذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيله للوصول إلي الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس . وكل من حرص علي اتفاق جنائي من هذا القبيل أو تداخل في إدارة حركته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولي المنصوص عنها في الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية .
ومع ذلك إذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة
ويعفي من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بأخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي ، وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أيه جناية أو جنحة ، وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة ، فإذا حصل الاخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الاخبار فعلا إلي ضبط الجناة الأخرى ” .
ويبين من النص المشار إليه أن المشرع قد جرم به الاتفاق علي ارتكاب جناية أو جنحة أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها وقبل التعرض لمضمون النص المشار إليه وما يقضي به حكمه فإننا نعرض لتاريخ وتطور التشريع فيما يتعلق به .
يرتد تاريخ النص إلي سنة 1910 () إذا قتل رئيس مجلس النظار ، فقدمت النيابة إلي قاضي الإحالة تسعة من المتهمين ، الأول بتهمة القتل العمد والباقين بتهمة الاشتراك في الجريمة المذكورة طبقا للمواد 40،43،194 ( 230 من القانون الحالي ) بحجة أنهم أعضاء مع المتهم الأول في جمعية من مبادئها استعمال القوة في الوصول إلي أغراضها ، وبذلك يكونون قد اتفقوا علي استعمال القوة تنفيذ تلك الأغراض ، وان الجريمة التي ارتكبها المتهم الأول هي نتيجة محتملة لهذا الاتفاق . فأحال القاضي المتهم الأول إلي محكمة الجنايات ، ,قررت ب النسبة للباقين بعدم وجود وجه لاقامة الدعوي ، استنادا إلي أنه لا يمكن اعتبارهم شركاء في القتل لأن الفقرة الثانية من المادة 40 تستلزم أن يقع الاتفاق علي جريمة معينة ، ولم يثبت أنهم اتفقوا علي القتل بالذات ، ولا يصح الانتقال إلي المادة 43 إلا إذا اعتبر الشخص شريكا ولا يوجد نص في القانون يعاقب علي الاتفاق الجنائي في حد ذاته حتي يعاقب المتهمون الثمانية علي تكوينهم الجمعية السياسية ، ولو كان من مبادئها استعمال القوة( ) وعلي اثر هذا تقدمت الحكومة بمشروع المادة 47 مكررة من قانون العقوبات الأهلي وجاء بالمذكرة الإيضاحية بمشروع هذه المادة ما يلي : ( أظهرت الحوادث عدم موافقة فقدان كل نص تعاقب بمقتضاه الجمعيات أو الاتفاقات المقصود بها ارتكاب الجنايات أو الجنح . . . وقد لاحظت الحكومة في وضعها نصوص مشروع القانون المرافق بهذه المذكرة أن لا تمس حرية الاجتماعات ولكنها أرادت أن تضرب علي يد الاجتماعات أو الاتفاقات التي يكون العبث بالأنفس أو الأموال أو الهيئة الاجتماعية غرضا من أغراضها أو وسيله من وسائل تحقيق الغرض المذكور كذلك لم ترد الحكومة أن تقدم مشروعا قاصرا علي بعض الجنايات والجنح ، بل أن نص المادة 47 مكرره يمتاز بكونه يشمل عصابات الأشقياء وقطاع الطرق ، وهي الأن لا عقاب عليها آلا في أحوال الاشتراك والشروع ، كما يشمل الجمعيات التي لها صبغة سياسية ولكنها تتخذ القوة من وسائل تحقيق أمل من الأمال الاجتماعية . ويكون الاتفاق جنائيا سواء كانت تلك الجناية أو الجنايات أو الجنحة أو الجنح معينة أم لا كما لو أشير إلي استعمال القوة أو العنف أن المفرقعات أو الأسلحة وهكذا كوسائل للوصول إلي غرض جائز أم لا ، ولو كانت ملاحظة ذلك تبعية أو معلقة علي أمر أخر , ويستمد نص المادة 47 مكرره المذكورة علي الأخص من قوانين الأمم الفرنسوية والإيطالية والبلجيكية وهي الأمم التي يوجد بين نظامها القضائي وبين هذا النظام شبه كبير ) (18) .

1 – اركان جريمة الاتفاق الجنائي
وتقوم جريمة الاتفاق الجنائي – كما وضعها النص الطعين – علي الأركان آلاتية :
أولا وجود اتفاق بين شخصين أو أكثر( ):
الاتفاق كما ورد بالنص الطعين يعني أتحاذ الجناة علي أمر معين أو التقاء إرادتهم أو البقاء أو تفاهمهم عليه وقد استقر قضاء محكمة النقض علي أنه ” لا يشترط لتكون جريمة الاتفاق الجنائي أكثر من اتحاد اراده شخصين أو أكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة سواء كانت معينة أو غير معينة أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها ، سواء وقعت الجريمة المقصودة بالاتفاق أو لم تقع () كما استقر قضاء محكمة النقض علي أن قانون العقوبات قد عرف الاتفاق الجنائي في المادة 48 منه في قوله يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة ما أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها ، فهذه الجريمة علي هو ما واضح من مفهوم هذا النص لا يمكن أن تتكون إلا باتحاد ألا رادات علي ما نهي النص عنه بحيث إذا كان أحد أصحابها جاداً في الاتفاق والأخر غير جاد فلا يصح أن يقال بأن اتفاقا جنائيا قد تم بينهما لعدم اتحاد ارداتيهما علي شئ في الحقيقة وواقع الأمر() .
وبديهي كما استقر الفقه و القضاء ( ) ان كلا من الشخصين يجب ان يكون اهلا لحمل المسئولية الجنائية فلا يعد اتفاقا جنائيا الاتفاق الذى يتم بين شخص آهل واخر مجنون أو صغير غير مميز أما اذا بقى شخصان بعد استبعاد من ليس اهلا فان كلا منهما يكون مسئولا عن الاتفاق واذا كان المتفقان اثنين وبادر احدهما إلي الاخبار بوجود الاتفاق وبمن اشترك معه فيه ، فان هذا لا يترتب عليه اكثر من إعفائه وحده من العقاب ، وليس من شانه ان يؤثر فى قيام الجريمة ذاتها ومعاقبة زميله المبلغ عنه () وكذلك لا يؤثر في قيام الجريمة عدم معرفة جميع الفاعلين ، فيكفى لتطبيق المادة 48 ان يثبت لدى المحكمة ان المتهم اتحد مع غيره على ارتكاب جناية او جنحة ولو بقي هذا الغير مجهولا().
وجدير بالذكر أن محكمة النقض في بعض أحكامها القديمة قد ذهبت إلي أن جريمة الاتفاق الجنائي لا تنطبق علي حالة الاتحاد في الإرادة الذي يحدث عفويا أو بمجرد الصدفة وسببت رأيها بأن المادة 47 مكرراً ( المقابلة لنص المادة 48 المطعون فيه ) لم تلغ صراحة ولا ضمنا المادة 40 فقرة ثانية وبناء عليه فان القانون المصري ينص علي وجود نوعين من الاتفاق المعاقب عليه وإذا كانت المادة 47 مكرراً لم تعرف صراحة نوع الاتفاق الخاص الذي نصت عليه فإنه يمكن الاسترشاد بالفكرة التي حملت المشرع علي وضع قانون سنة 1910 والتقرير بأن هذه المادة تفترض وجود إتفاق منظم ولو كان في مبدأ تكوينه فقط وأن يكون مستمرا ولو لمدة من الزمن علي الأقل ().. وعموما فقد كان هذا القضاء محلا للنقد() وعدلت عنه فيما بعد محكمة النقض واستقرت علي أنه يكفي وفقا للنص الطعين مجرد الاتفاق علي ارتكاب جناية أو جنحة ().

ثانيا : أن يكون محل الاتفاق هو ارتكاب جناية أو جنحة ما أو الاعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها .
يبين من نص المادة 48 من قانون العقوبات ( النص الطعين ) أن المشرع شرط أن يكون موضوع الاتفاق هو ارتكاب جناية أو جنحة أو أن يكون موضوعه منصبا علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها ، وعلي ذلك فجريمة الاتفاق الجنائي لا تكون وارده إذا كان محل الاتفاق مخالفة أو مخالفات ويكفي بصريح الاتفاق علي جناية واحدة أو جنحة واحدة مهما كان نوعها والغرض منها ، فأية جناية أو جنحة مهما ضؤلت صالحة لأن يكون الاتفاق عليها جنائيا .

وقد استقر قضاء محكمة النقض علي أن القانون يعاقب علي الاتفاق الجنائي علي ارتكاب جناية أو جنحة سواء أكانت معينة أم غير معينية () كما لو أشير إلي استعمال العنف لتحقيق الغرض الذي يرمي إليه المتفقون ، أو كان موضوع الاتفاق ارتكاب جرائم سرقة ضد أشخاص غير محددين مقدما ، ولكن يشترط ألا يحول عدم تعيين الجرائم دون تحديد ما إذا كانت جنايات أو جنح أو مخالفات فللتفرقة بين الجنايات والجنح من ناحية والمخالفات من ناحية أخري أهمية بالغة في تحديد عقوبة الاتفاق ().
وغني عن البيان أن وقوع الجريمة موضوع الاتفاق أمر منبت الصلة بقيام جريمة الاتفاق الجنائي وقضت محكمة النقض في هذا الخصوص بأن سوء تنفيذ الاتفاق الجنائي وتعثره لسبب ما هو أمر لاحق علي قيام الاتفاق الجنائي وليس ركنا من أركانه أو شرطاً لانعقاده () .
ونص المادة 48 غير مقصور علي الاتفاق الذي يكون الغرض منه ارتكاب جناية أو جنحة ، بل يتناول أيضا الاتفاق الذي لا يكون له من غرض سوي تحضير هذه الجناية أو الجنحة أو تسهيل ارتكابها ، بل يكفي أن يحصل الاتفاق علي التحضير دون أن يتم هذا التحضير بالفعل . وهذه الصورة تفترض أن المتفقين علي تحضير الجريمة لم يتفقوا علي ارتكابها ، مثال ذلك أن يتفق شخص مع بعض الغلمان علي أن يعلمهم طريقة النشل أو وسيلة تسهيله أو يتفق الجناة علي صنع قنابل توطئه لارتكاب جرائم متفق عليها فيما بعد ويندر بطبيعة الحال أن يكون هناك اتفاق علي التحضير لا ينطوي في ذات الوقت علي اتفاق علي ارتكاب الجريمة بل يغلب أن يكون الاتفاق علي التحضير تاليا للاتفاق علي ارتكاب الجريمة ، وعندئذ لا يكون اتفاقا جديدا بل استمرار للاتفاق الأول() .

ثالثا : الركن المعنوي للاتفاق الجنائي
جريمة الاتفاق الجنائي جريمة عمدية بما يتعين معه أن يتوافر لقيامها القصد الجنائي لدي الجناة وللقصد الجنائي عنصران : أولهما العلم ويتعين أن ينصرف إلي موضوع الاتفاق فيجب أن يشمل ماهية الفعل أو الأفعال المتفق عليها وما لها من خصائص يعتمد عليها الشارع في إسباغ الصفة الإجرامية عليها وثانيهما الإدارة : ويتعين أن تتجه إلي الدخول في الاتفاق ، أي أن المتفق يريد أن يصير طرفا في الاتفاق وأن يقوم بالدور المعهود به إليه فإذا لم تتجه الإرادة علي هذا النحو فكان المتفق غير جاد يريد مجرد استطلاع أمر أعضاء الاتفاق أو كان هازلا يريد العبث بهم فلا يتوافر القصد الجنائي لدية () .
وإذا انتهينا فيما سبق من توضيح جريمة الاتفاق الجنائي وبيان أركانها فإننا نعرض فيما يلي لبعض المسائل المترتبة علي جريمة الاتفاق الجنائي كما وضعها المشرع طبقا للنص الطعين .

1 – يترتب علي أن تمام جريمة الاتفاق الجنائي شرطه انعقاد ارادات الجناة علي ارتكاب جناية أو جنحة علي المحو المشار إليه . . . . أن عدول المتفقين عن تنفيذ الجرائم المتفق عليها لا يحول دون العقاب علي جريمة الاتفاق الجنائي إذا لا يمس هذا العدول الركن المادي لها الذي توافرت جميع عناصره ().

2- أن الدعوة إلي الاتفاق التي لم يصادفها قبول ولا تتم بهما الجريمة – طبقا للرأي السائد في الفقه – ولا تعتبر شروعا ، إذا ان الاتفاق الجنائي حالة نفسية تتم بتلاقي الإرادات ولا تحتمل بداية ونهاية فهو لا يقع إلا كاملا ولا يحتمل بدء في التنفيذ ، ويضيفون إلي ذلك أن الشارع لا يعتبر الدعوة إلي الاتفاق الجنائي شروعا ولكن يعاقب عليه كجريمة قائمة بذاتها وهو ما نصت عليه المادة 97 من قانون العقوبات ، وبينما يري جانب من الفقه أو أن الدعوة إلي الاتفاق الجنائي تعتبر بدء في التنفيذ وفقا للمذهب الشخصي فإذا توافر القصد الجنائي ولم يتم الاتفاق الجنائي لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها فالعقاب علي الشروع متعين إذا كان الاتفاق جناية بحسبانه لا يتطلب للعقاب عليه نصا خاصا () .

3 – جريمة الاتفاق الجنائي جريمة مستمرة إذا أن الجريمة المستمرة التي يستغرق ارتكابها وقتا طويلا نسبيا ، والاتفاق الجنائي كما استقر الفقه والقضاء يقوم في جوهرة علي اجتماع جوهرة علي اجتماع إرادات المتفقين علي الأجرام ، وهذه الحالة تستغرق في الغالب وقتا طويلا إذا يظل هذا الاجتماع منعقدا حتي يستنفذ غرضه فترتكب الجرائم المتفق عليها أو يعدل المتفقون عنه () . وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض إذ جري علي أن الاتفاق الجنائي جريمة مستمرة تظل قائمة مادام الاتفاق قائما ومدة سقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية بها لا تبتدئ إلا من وقت انتهاء الاتفاق سواء باقتراب الجريمة أو الجرائم المتفق علي ارتكابها أو بعدول المتفقين عما اتفقوا عليه () .

4 – الفرق بين الاتفاق كوسيلة اشتراك والاتفاق الجنائي كجريمة يتضح من واقع الدور القانوني لكل منها ، فالغاية من التجريم ليست واحدة إذ يجرم المشرع الاتفاق الجنائي كوسيلة اشتراك لأنة يريد تحديد المسئولية عن جريمة ارتكبت فعلاً ولكنه يجرم الاتفاق في ذاته لأنه يلمس فيه خطورة ذاتية علي المجتمع ويتفرغ عن ذلك القول بأن الصفة غير المشروعة للاتفاق كوسيلة اشتراك مستمدة من جريمة الفاعل ولكن هذه الصفة أصيلة في الاتفاق الجنائي .
والنتيجة التي تترتب علي ذلك أنه لا عقاب علي المتفق باعتباره شريكاً الا إذا ثبت ارتكابه جريمة وتوافر علاقة السببية بينها وبين الاتفاق ولكن العقاب يوقع علي المتفق باعتباره فاعلاً لجريمة الاتفاق الجنائي دون توقف علي ارتكاب جريمة أخري بناء عليه . وهذا الخلاف يستتبع فروقا بين النوعين من حيث شروط تجريم كل منهما : فالاتفاق كوسيلة اشتراك شرطه أن تكون محله جريمة معينة ولكن يستوي بالنسبة للاتفاق الجنائي أن يكون محله جريمة معينة أو غير معينة ، كما يستوي في الاتفاق كوسيلة اشتراك أن يكون محله جناية أو جنحة أو مخالفة ، أما الاتفاق الجنائي فيشترط أن تكون محلة جناية أو جنحة . وهذان الفارقان يفسرهما اختلاف الدور القانوني لنوعي الاتفاق : فالاتفاق كوسيلة اشتراك يهدف إلي تحديد المسئول عن جريمة ارتكبت ، وكون الجريمة قد ارتكبت فعلاُ يفترض أنها معينة ، أما الاتفاق الجنائي فلا يشترط فيه ذلك لأن الشارع قرر أنه ينطوي علي الخطورة ولو كان محله جرائم غير معينة واستبعاد المخالفات من نطاق الاتفاق الجنائي دون الاتفاق كوسيلة اشتراك يفسره أن المخالفات تنشأ المسئولية الجنائية عنها فاذا كان هدف الاتفاق كوسيلة اشتراك تحديد من يحملون هذه المسئولية تعين الاعتراف له بهذا الدور بالنسبة للمخالفات ، أما الاتفاق الجنائي فخطورته الذاتية تقتضي أن تكون محله جرائم خطيرة وليست المخالفات كذلك ()

2- عقوبة جريمة الاتفاق الجنائي : ()
وقد حدد النص الطعين إلي جانب أركان جريمة الاتفاق الجنائي ، عقوبتها وقد ميز المشرع في هذا المقام بين وضعين : الأول : إذا كان موضوعه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلي الغرض المقصود منه والثاني ، إذا كان موضوعه ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيله إلي غرضه . وفرق بعد ذلك بالنسبة لكل وضع بين المحرضين علي الاتفاق أو المتداخلين في إدارة حركته وبين أعضائه العاديين وعلي أساس من هذه القواعد نستطيع التمييز بين حالات أربع ولكل حالة عقوبتها :
1 – إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة إلي غرضه ، فعقوبة المحرضين عليه أو المتدخلين في إدارة حركته هي الأشغال الشاقة المؤقتة .
2 – إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة إلي غرضه ، فعقوبة أعضائه العاديين هي السجن .
3 – إذا كان الموضوع الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلي غرضه ، فعقوبة المحرضين عليه أو المتدخلين في إدارة حركته هي السجن .
4 – إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلي غرضه ، فعقوبة أعضائه العاديين هي الحبس وعله هذه القواعد هي تفاوت خطورة الاتفاق والمتهم به : فإذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب جنايات أو اتخذها للوصول إلي غرضه فهو أخطر مما إذا كانت الجنح موضوعه أو وسيلته ومن كان محرضا علي الاتفاق أو متدخلا في إدارة حركته فدورة فيه أخطر من دور العضو العادي ، إذا هو صاحب فكرته أو الداعي إليه أو الموجه لنشاطه .
وقد أورد المشرع تحفظا علي القواعد السابقة مقتضاه أنه في حالة إذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب جناية أو جنحة معينة ، وما شأن هذا التحفظ تخفيف العقاب فنص علي انه إذا لم يكن الغرض من الاتفاق الا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة ” . ومن شأن هذا التحفظ الهبوط بعقوبة الاتفاق الجنائي إلي العقوبة المقررة للجريمة المتفق عليها وغني عن البيان أن محل تطبيق هذا التحفظ أن تكون عقوبة هذه الجريمة أخف من عقوبة الاتفاق الجنائي/ أما إذا كانت أشد فعقوبة الاتفاق هي الواجبة التوقيع فهدف الشارع من هذا التحفظ – كما تقدم – هو تخفيف عقوبة الاتفاق لا تشديدها ، ويستفيد من هذا التخفيف المحرضون علي الاتفاق والمتدخلون في إدارة حركته كما يستفيد منه الأعضاء العاديون إذ لم يقرر القانون تفرقة بين الفريقين ويعني هذا التحفظ أن القواعد السابقة التي يقررها القانون في شأن توزيع العقاب علي المتفقين يقتصر نطاقها علي حالة ما إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب جنايات أو جنح متعددة أو كان موضوعه جناية أو جنحة غير معينة وعله هذا التحفظ أنه من الشذوذ أن تكون عقوبة الاتفاق الجنائي أشد من عقوبة الجريمة المتفق عليها ، ولتفادي هذا الشذوذ وحد الشارع بينهما في صورة جعل عقوبة الجريمة المتفق عليها حداً لا تجاوزه عقوبة الاتفاق الجنائي والعلة في قصر نطاق هذا التحفظ علي حالة ما إذا كان موضوع الاتفاق جريمة معينة أنه حينما تتعدد الجرائم المتفق يغدو الاتفاق في ذاته خطراً بحيث لا يكون ثمة شذوذ في أن تجاوز عقوبته إحدى هذه الجرائم .
ويثور التساؤل عن عقوبة التي توقع علي المتفقين في حالة ارتكاب الجريمة المتفق عليها فقد ذهب رأي إلي أن ارتكاب هذه الجريمة ينهي حالة الاتفاق ويستنفدها فلا تكون محل لتوقيع عقوبة الاتفاق وانما توقع عقوبة هذه الجريمة وحدها والحجة في ذلك أن الشارع قد استهدف بجريمة الاتفاق الجنائي أن يوقع العقاب حيث لا تكفل القواعد العامة في المساهمة الجنائية توقيعه ، فإذا ارتكبت الجريمة المتفق عليها وأصبح العقاب متعينا طبقا القواعد العامة فلا محل للاتفاق الجنائي هذا الرأي يتسق مع العلة في تجريم الاتفاق الجنائي ، إذا لا جدال في أن الشارع قد أراد به حماية المجتمع بتوقع العقاب حيث لا تكفل القواعد العامة ذلك ولكنه لا يتفق مع خطة القانون : فقواعد تعدد الجرائم والعقوبات سابقة ، وليس من السائغ مخالفة هذه القواعد دون سند من نصوص القانون ، وبالإضافة إلي ذلك فان المادة 48 من قانون العقوبات تدخض هذا الرأي فهي تقرر إعفاء المتفق من عقوبة الاتفاق إذا أبلغ السلطات العامة عن الاتفاق والمشتركين فيه قبل ارتكاب أيه جناية أو جنحة مما يعني أنه إذا ارتكبت جناية أو جنحة فلا محل لتمتعه بالإعفاء أي أن عقوبة الاتفاق توقع عليه علي الرغم من ارتكاب الجريمة المتفق عليها . الرأي الصحيح هو تطبيق القواعد العامة المتعلقة بتعدد الجرائم والعقوبات ، وذلك أنه قد ارتكبت جريمتان . جريمة الاتفاق الجنائي والجريمة المتفق عليها وتجمع بينهما وحدة الغرض وبينهما ارتباط لا يقبل التجزئة فتوقع العقوبة المقررة لاشدهما ( المادة 32 من قانون العقوبات الفقرة الثانية ) . وتطبيق هذا الرأي يقتضي أن تحدد عقوبة الاتفاق الجنائي وفقا للقواعد السابقة وعقوبة الجريمة المتفق عليها ثم توقع أشدهما () . واذا وقف تنفيذ الجريمة المتفق عليها عند مرحلة الشروع فالمقارنة تجري بين عقوبة الاتفاق الجنائي وعقوبة الشروع في الجريمة المتفق عليها لاختيار أشدهما وتوقيعها وحدها() . ويفترض هذا الرأي أن الجاني مسئول عن الجريمتين .
ولا تثير المسئولية عن الاتفاق الجنائي صعوبة ، إذ طرف فيه ، أما المسئولية عن الجريمة المتفق عليها أو الشروع فيها فتفترض أحد وضعين أما أنه قد ارتكابها كفاعل لها ، وأما أنه شريك فيها طبقا لقواعد المساهمة الجنائية فإن كان فاعلا فلا صعوبة لها ، أما إذ سئل عنها كشريك فمن المتعين أن يكون موضوع الاتفاق جريمة أو جرائم معينة ، وبذلك تستبعد حالة من كان طرفاً في اتفاق موضوعه جرائم غير معينة ولم يرتكب احداها كفاعل لها ، اذ لا يسأل كشريك عما يرتكبه عضو أخر في الاتفاق ، ويعني ذلك أن تقتصر مسئوليته علي الاتفاق الجنائي () .

ونص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 48 علي حالتين لامتناع العقاب : أولاهما الإخبار قبل البحث والتفتيش وتفترض هذه الحالة أن الاخبار كان سابقا علي ارتكاب أية جناية أو جنحة ( ) وانه كان سابقا كذلك علي البحث والتفتيش () . ولا يعني القانون بالبحث والتفتيش التحقيق القضائي وانما يريد به أي صادر عن السلطة العامة ( ) . ويفترض القانون اتجاه البحث إلي الكشف عن الاتفاق الجنائي والمشتركين فيه ، أما إذا كان من أجل جريمة أخري فهو لا يحول دون أن ينتج الإخبار أثره ( ) .ويكتفي الشارع بمجرد الاخبار عن الاتفاق الجنائي والمشتركين فيه فلا يشترط أن يوصل إلي ضبط الجناة . ولكن يشترط أن يكون صادقا مفصلا ، فاذا كان مضللا متضمنا معلومات غير صحيحة أو كان مجملا () بحيث أغفل الكشف عن بعد المشتركين في الاتفاق الذين يعرفهم المخبر فلا محل لامتناع العقاب أما إذا كان يجهلهم فلا يحول إغفالهم في الاخبار دون امتناع العقاب .
وثانيهما الأخبار بعد البحث والتفتيش () تفترض هذه الحالة أن امر الاتفاق لم يعد مجهولا للسلطات العامة التي اتخذت بالفعل إجراءات البحث والتفتيش ولذلك لا يكون لمجرد الأخبار بالاتفاق والمشتركين فيه قيمة ، إذ لن يكشف للسلطات ما كان خافيا عليها من أجل ذلك يشترط القانون أن يوصل إلي ضبط الجناة الأخرين . وتتطلب هذه الحالة سبق الأخبار علي ارتكاب أية جناية أو جنحة . وعله امتناع العقاب ( في المرحلة الأولي ) هي تشجيع المتفقين علي الانسحاب من الاتفاق وكشف أمره للسلطات العامة وهي بعد ذلك ( في الحالة الثانية ) تمكين هذه السلطات من الحيلولة دون ارتكاب الجرائم المتفق عليها () .

ثانيا النص الطعين ونص المادة 66 من الدستور
تنص المادة 66 من الدستور علي ان ” العقوبة شخصية .
ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون ولا توقع إلا بحكم قضائي ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون ”

وأستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا علي أن الدستور خول السلطة التشريعية في مجال تنظيمها للحقوق – وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة أن تحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي تقرها أركان كل جريمة دون أن يفرض عليها طرائق بذاتها لضبطها تعريفا بها ودون إخلال أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها فلا يشوبها الغموض أو تتداخل معها أفعال غير مشروعه يحميها الدستور وكان من المقرر أن القوانين الجنائية لا تتناول إلا صور النشاط المحددة معالمها الواضحة حدودها والتي يمكن ربطها بمضمار اجتماعية وكان القانون الجنائي معنيا بالأفعال الخارجية التي تناقض المصلحة المقصودة بالحماية أو التي يمكن أن تضر بها ، وكان الركن المادي لكل جريمة يعكس التعبير الخارجي عن إرداة مرتكبها باعتبارها إرادة واعية مختارة يسيطر الفاعل من خلالها علي ظروف مادية معينة ابتغاء بلوغ نتيجة إجرامية تتمثل في الاعتداء علي الحق الذي يحميه القانون وكانت إرادة إتيان الأفعال محل التنظيم التشريعي الماثل مع العلم بالوقائع التي تعطيها دلالتها الإجرامية هي التي يتوافر بها القصد الجنائي العام ( ) .

كما استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا علي ان الدستور ” – في اتجاهه التي ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها – علي أن النص في المادة 66 منه علي انه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون ، ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها ” دالا بذلك علي أن لكل جريمة ركنا ماديا لا قوام لها بغيره يتمثل أساساً في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي ، مفصحا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ علي ارتكابه إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا ذلك أن العلاقة التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه علي المخاطبين بأحكامه محورها الأفعال ذاتها في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية إذ هي مناط التأثيم وعلته التي يتصور إثباتها ونفيها وهي التي يتم التميز علي ضوئها بين الجرائم وبعضها البعض وهي التي تديرها محكمة الموضوع علي حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها ، بل أنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي فان المحكمة لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعا ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها ومن ثم نعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن ارداة واعية ولا يتصور بالتالي وفقا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل علي توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحداثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – ليس النوايا التي يضمرها الانسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مؤاخذا عليه قانونا فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال إرادة مرتكبها ، وتم التعبير عنها خارجيا في صورة مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة ( ) . () .
وقد استقر الفقه علي ان لكل جريمة ركنا ماديا ( ) وهو ماديتها ، أي ما يدخل في كيانها وتكون له طبيعة مادية فتلمسه الحواس ويتكون الركن المادي من عناصر ثلاثة الفعل والنتيجة وعلاقة السببية بينهما أما الفعل ( ) . فقد تنازعت الفقه في تحديد ماهية الفعل نظريتان النظرية السببية والنظرية الغائبة . وتعرف النظرية السببية الفعل بأنه سبب النتيجة الإجرامية ، وتري أن له بدوره سببا ، هو إدارة مرتكبه ويضم كيان الفعل علي هذا النحو عنصرين : الحركة العضوية وأصلها الإرادي ، وتري هذه النظرية أن دور الإرادة يقتصر علي تحديد أصل الحركة العضوية واثبات خضوعها لسيطرة من صدرت عنه ، وعلي هذا النحو فإن الفعل لا يضم من بين عناصره الاتجاه الإرادي ، أي لا يفترض البحث في كيفية اتجاه الإرادة وما اتجهت إليه ، إذ يتعلق ذلك بالركن المعنوي للجريمة . أما النظرية الغائبه فتعرف الفعل بأنه نشاط غائي ، أي اتجاه إرادي إلي غاية معينة عبر عنه صاحبة بسلوك خارجي ، ويفترض الفعل بذلك تحديد الفاعل غاية معينة ووسيلة إلي بلوغها وتوقعه النتائج الثانوية المرتبطة بهذه الوسيلة ، ثم تنفيذه خطته في عالم الماديات بإتيانه السلوك الذي تتمثل فيه الوسيلة الي تحقيق غايته . وقد استندت هذه النظرية إلي نقدها التحليل السببي لماهية الفعل ، فعابت عليه أنه يتجاهل مدلوله الحقيقي ، إذ ما يميز السلوك الإنساني عن الوقائع الطبيعية أن الإنسان يستهدف بتصرفاته غاية معينة يتجه إلي تحقيقها ، فالفعل وسيلة ومن غير المتصور اختيار الوسيلة دون نظر إلي الغاية المستهدفة بها .ويري أنصار هذه النظرية أن التحليل الغائي للفعل هو الذي يتفق مع طبيعته الأفعال الإنسانية ، إذ من أهم خصائص الإنسان قدرته علي توقيع النتائج التي تترتب علي سلوكه ، وقدرته تبعاً لذلك علي تحديد غايات وأهداف يتجه إليها ، ومن ثم كان أهم ما يختص به الفعل هو اتجاه الواعي إلي غاية معينة . وتخلص النظرية الغائبه بذلك إلي اعتباره اتجاه الإرادة إلي النتيجة الإجرامية – باعتبار غايتها – جوهر فكرة الفعل . وقد انتقدت هذه النظرية بأنها تقود إلي الخلط بين الركنين المادي والمعنوي للجريمة ، إذ أن الاتجاه الإرادي إلي النتيجة هو القصد الجنائي وانتقدت كذلك بأنها تؤدي إلي إنكار فكرة الجريمة غير العمدية ، إذ الاتجاه الإرادي إلي نتيجة إجرامية مناقض لها ، وهي مع ذلك لا تقوم بغير فعل .

ويري د . محمود نجيب حسني – بحق – أن التحديد الصحيح لماهية الفعل يقتضي تعريفه بأنه ” سلوك إرادي” واعتباره قائما على عنصرين : الإرادة والسلوك والإرادة قوة نفسية مدركة تصدر عن تصور لغايات معينة ووسائل ملازمة لبلوغها ، ومن طبيعة هذه القوة أنها مسيطرة علي ما يصدر عن صاحبها من سلوك ودور الإرادة في الفعل مزدوج فهي سبب الفعل فلا قيام للفعل ما لم يكن صادرا عن إرادة ، أما دورها الثاني فهو السيطرة علي الفعل ويعني ذلك أن اتجاه الإرادة إلي ماديات الفعل علي تعددها وتنوعها هو عنصر في الفعل ، وعلي الخلاف من ذلك فأن اتجاه الإرادة إلي النتيجة الإجرامية ، وهي متميزة عن الفعل من حيث الكيان المادي ، هذا الاتجاه ليس عنصرا في الفعل ، وهو في تعبيرا أخر نقول : أن الاتجاه الإرادي إلي الغاية ليس عنصرا في الفعل والعنصر الثاني للفعل هو السلوك ، و هو كل ما يصدر عن الإنسان من تصرف وتعبير السلوك يتسع للمسلك الإيجابي كما يتسع للمسلك السلبي ، فكل منهما صورة للفعل ، وهما يشتركان في العنصر الإرادي ، إذ للإرادة فيهما ذات الدور ، ثم أن الاختلاف بينهما من الناحية المادية ليس مطلقا ، وهذه الاشتراك يبرر الجمع بينهما في نظرية عامة للفعل .
والفعل يشمل : السلوك الإيجابي وهو حركة عضوية إرادية أي يقوم الفعل – في هذه الحالة علي كيان مادي محسوس يتمثل في صدور حركات من الجاني ، ومعظم جرائم قانون العقوبات يتمثل فيها النشاط الإجرامي (الفعل ) في سلوك إيجابي . ويشمل الفعل أيضا السلوك السلبي أو الامتناع وهو أحجام الجاني عن اتيان فعل إيجابي معين كان يتحتم عليه قانونا إتيانه ويتضح من ذلك أن الامتناع ليس عدما أو فراغا فهو ولئن كان من الناحية المادية ظاهرة سلبية إلا أنه من الموجهة القانونية ظاهرة إيجابية .
ومن اشكال الفعل أن يكون متكونا من مجرد عمل واحد وتقع به الجريمة البسيطة كما قد يكون الفعل – كما حدده القانون – مكونا عدة أعمال وهو ما يطلق عليه الجريمة المركبة ، وتنقسم الجريمة المركبة إلي ثلاثة أنواع هي أولها : الجريمة المركبة بالمعني الدقيق هي التي تتكون من عدة أفعال مادية ذات طبيعة مختلفة لا يصلح كل منها لقيام الجريمة منفردا ومثالها جريمة جناية القتل المرتبطة بجناية أخري ، والقتل المرتبط بجنحة والخطف المقترن بالاغتصاب () .
وثانيها : الجريمة المتكررة ( المتتابعة ) تقع من عدة أفعال يكفي كل منها علي حدة لقيام جريمة مستقلة و لكن يجمعها وحدة المشروع الإجرامي الذي يفترض وحدة الجناة و تصميم علي القيام بمشروع إجرامي واحد علي عدة مرات كما يجمع تلك الأفعال وحدة المصالح المحمية المعتدي عليها ، هو ما لا يتم إلا بمخالفة نص تجريم واحد .
أما جريمة الاعتياد تتكون من عدة أفعال – اعتبرها القانون متماثلة – و يقوم بها الجاني معبرا عن اعتياده و من أمثلة هذه الجرائم جريمة الاعتياد علي الإقراض بالربا الفاحش ( المادة 339 عقوبات ) و الاعتياد علي ممارسة الفجور و الدعارة .
ويتحقق الاعتياد بتكرار الأفعال التي ينهي عنها القانون وبهذا التكرار يتوافر لدي الجاني استعداد علي ارتكاب نفس الفعل مرة أخري ويتطلب القانون بالإضافة إلي الحالة الخطرة التي تتوافر لدي الجاني أن ينبني هذا الاعتياد علي عناصر موضوعية تستفاد من سلوك الجاني .

واستنادا إلي فترة استمرار النشاط الإجرامي تنقسم الجريمة إلي نوعين : جرائم وقتية وهي التي تتم فيها الجريمة في لحظة واحدة ولا يستمر بعدها النشاط الإجرامي ، أما النوع الثاني فهو الجريمة المستمرة ويكون النشاط الإجرامي فيها قابلا للاستمرار رغم تمام الجريمة أما النتيجة : ( ) فأنة يقصد بها الأثر المترتب علي السلوك – وهو ما يقصده المشرع بالعقاب – وللنتيجة مدلولان : أولها أنها قد تفهم النتيجة علي أنها حقيقة مادية ، وتتحقق النتيجة بكل تغيير يحدث في العالم الخارجي كأثر للنشاط الإجرامي وهذا التغيير أما أن يمس أحد الأشخاص أو أحد الأشياء مثال ذلك القتل والجرح والضرب ، والنتيجة المادية ليست عنصرا من عناصر الركن المادي لجميع الجرائم ويفرق الفقه بين نوعين من الجرائم : الأول هو الجرائم المادية ويلزم حتى تقع أن تتحقق النتيجة المادية ، أما النوع الثاني فهو الجرائم الشكلية أو جرائم النشاط المحض وهي تتم كاملة دون نتيجة مادية – بمعناها المتقدم أما المدلول الثاني للنتيجة فهو يتناولها كحقيقة قانونية ، والنتيجة القانونية – وفقا لهذا الفهم – هي الاعتداء علي المصلحة التي يحميها قانون العقوبات وهي عنصر لازم في كل جريمة سواء أكانت مادية أو شكلية باعتبار أن النتيجة القانونية هي النموذج الذي وضعه المشرع ويتعين أن تتطابق معه النتيجة المادية في الجرائم المادية والنشاط الإجرامي في الجرائم الشكلية ويقسم الفقه النتائج القانونية من حيث الضرر الذي تحدثه إلي نوعين جرائم الضرر وجرائم الخطر وجرائم الضرر تفترض سلوكا إجراميا ترتبت عليه أثار يتمثل فيها العدوان الفعلي المحال علي حق يحميه القانون أما الجريمة الخطر فأثار السلوك الإجرامي فيها تمثل عدوانا محتملا علي الحق ، والخطر حالة واقعية ينشأ بها احتمال حدوث اعتداء ينال الحقوق .وثالث عناصر الركن المادي في الجريمة هو ” علاقة السببية ” وهي الصلة التي تربط ما بين الفعل والنتيجة وتثبت أن ارتكب الفعل هو الذي أدي إلي حدوث النتيجة وبذلك فهي التي تربط بين عنصري الركن المادي فتقيم بذلك وحدته وكيانه وعلي أساس البحث فيها قد تسند النتيجة إلي الفعل فتقوم المسئولية الجنائية أو قد تستبعد إذا كان لا يوجد ارتباط بين النتيجة والفعل ( ) لما كان ذلك ، وكانت جريمة الاتفاق الجنائي – طبقاً لما سلف بيانه – هي من جرائم الحالة فحالة الاتفاق الجنائي التي يصبح عليها المتفقون بمجرد اتحاد إرادتهم علي ارتكاب جناية أو جنحة . محل التجريم وفقاً للنص الطعين ويغلب أن تستمر تلك الجريمة باستمرار حالة الاتفاق ولا تنتهي الجريمة إلا بزوال تلك الحالة وذلك بارتكاب الجريمة أو الجرائم المتفق عليها أو بالعدول عن الاتفاق () وقد قضت محكمة النقض بأن جريمة الاتفاق الجنائي هي في الأصل جريمة مستمرة لأن الفعل المعاقب عليه ليس هو وقوع الاتفاق الذي يحدث عرضاً أو بطريق الصدفة ، بل هو حالة الاتفاق يعني تلك الحالة التي تدوم منذ وقوع الاتفاق إلي أن يتم القصد المراد منه ( ) . وبالتالي فهذه الجريمة – طبقا للنص الطعين لا يشترط فيها اتيان فعل معين أو الامتناع عن عمل ما يرتبط بعلاقة سببية والنتيجة الإجرامية . الأمر الذي يشكل مخالفة النص المادة 66 من الدستور .

وغني عن البيان أن لا يصح تصوير اتحاد الإرادات وفقا للنص الطعين بأنة يشكل الركن المادي للجريمة و فضلا عما تقدم ، فهذا التصوير غير السليم ويناقضه أن اتحادات الإرادات في مكوناته يقوم علي ثمة أرادتين علي الأقل اتحدتا والإرادة – طبقا لما هو مستقر عليه في فقه القانون الجنائي – نشاط نفسي إلي تحقيق غرض عن طريق وسيلة معينة ، فالإرادة ظاهرة نفسية وهي قوة يستعين بها الإنسان للتأثير علي ما يحيط من أشخاص وأشياء وهي المحرك لأنواع من السلوك ذات طبيعة مادية تحدث في العالم الخارجي من الأثار المادية ما يشبع به الإنسان حاجاته المتعددة ، والإرادة نشاط نفسي يصدر عن وعي أدراك فيفترض علما بالغرض المستهدف وبالوسيلة التي يستعان بها لبلوغ هذا الغرض ( ) وهي ، من ثم – وبغير أدني شك – مسألة معنوية بحتة ، واتحاد اثنين وأكثر منها – بالتالي – يشكل اتحاد لمسائل معنوية لا ينتج عنها شيئا ماديا ملموسا يخالفها في الطبيعة ولا يمكن من ثم تصويرها بأنها تشكل الركن المادي للجريمة موضوع النص الطعين .

ومن ناحية أخري فإن الفعل المعتبر باعتباره عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة () ( إلي جوار النتيجة وعلاقة السببية بينهما ) – له مدلول متسع – كما أشرنا – يشمل السلوك الإيجابي وهو يتمثل في حركة عضوية إرادية بمعني أنه ينطوي علي عنصرين : أولهما الحركة العضوية وهي كل ما يصدر عن الإنسان من تصرف ولهذه الحركة أهميتها إذ بغيرها لا يكون للفعل الإيجابي ماديات فلا يتصور أن يترتب عليه نتيجة إجرامية أو أن يحدث عن طريقه مساس بالحقوق التي يحميها القانون ، وثانيهما الصفة الإرادية وللإرادة في كيان الفعل الإيجابي دوران فهي سبب الحركة العضوية بحسبانها هي قوة نفسية مدركة تدفع أعضاء الجسم إلي الحركة أما دورها الثاني فهو أن الإرادة تسيطر علي أجزاء الحركة العضوية وتوجهها علي نحو معين ()ويشمل الفعل أيضا الامتناع وهو يتمثل في أحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان الشارع ينتظره منه في ظروف معينة لوجود واجب قانوني عليه يلزمه بهذا الفعل وكان في استطاعه الممتنع إرادته ويقتضي ذلك أن تكون الإرداة مصدره وأن تسيطر الإرادة علي الامتناع في كل مراحله ( ) وقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا ( ) علي أن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها . وهي بعد عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها . بما مؤداه أن الشخص لا يبرز غير سوء عمله وأن جريره الجريمة لا يؤخذ بها إلا جناتها ولا ينال عقابها إلا من قارفها وأن ” شخصية العقوبة ” وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يعد قانونا مسئولا عن ارتكابها ومن ثم يفترض شخصية العقوبة – التي كلفها الدستور بنص المادة 66 – شخصية المسئولية الجنائية يؤكد تلازمهما . وذلك أن الشخص لا يكون مسئولا عن الجريمة ، ولا يفترض عليه عقوبتها ، إلا باعتباره فاعلا لها أو شريكا فيها . واذا كان ما تقدم يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق ، ويعكس بعض صورها الاكثر تقدما ، إلا أن ذلك لم يكن غريبا عن العقيدة الإسلامية ، بل بلورتها قيمها العليا إذ يقول تعالي في محكم أياته ( قل لا تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل عما تعملون ” فليس للإنسان إلا ما سعي ، وما الجزاء الأوفي إلا صنو عمله وكان وليد ارداته الحرة ، ناجما عنها . ”
وتطبيقا لما تقدم فإنه لما كانت الجريمة طبقا للنص الطعين تفترض لوقوعها أكثر من جانى واحد تتحد ارداته مع إرادة أخر علي النحو السالف بيانه ( ) وارادة أيهما تكون نابعة من نفس صاحبها وما يعتمل داخلها من بواعث وغايات ( ) وتكون مستقلة تماما عن إرادة الأخر فلا سيطرة لأيهما علي إرادة الأخر ولا سلطان له عليها ، ولو كان الأمر غير ذلك لما وقعت الجريمة إذ طبقا للنص الطعين لو كانت أحد المتفقين مسيطرة علي إرادة أخر بان كان ( الأخير ) مجنونا أو صغيرا أو مكرها لما تحققت شروط التجريم بل أنه لو كان محرضا أو محركا لما وقعت الجريمة في صورتها العادية ولكن في صورة مشددة – حسبما سلف بيانه – وبالتالي فان عقاب هذا أو ذاك عن هذه الجريمة – فضلا عن كونه ، كما أشرنا ، عقاب لغير فعل مادي – يعد عقابا له علي ما لا سيطرة له عليه يشكل ذلك مخالفة لمبدأي شخصية العقوبة وشخصية الجريمة ومخالفة – من ثم – لنص المادة 66 من الدستور .

ثالثا النص الطعين والمادتين 66 و 40 من الدستور
من حيث أن المحكمة الدستورية العليا قد استقرت علي أن ” مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق لا يعني أن تعامل فئاتهم – علي ما بينها من تباين في مراكزها القانونية – معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ علي معارضة صور التمييز جميعها ذلك أن من بينها ما يستند إلي أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي علي مخالفة لنص المادة المشار إليها بما مؤاده أن التمييز المهني عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميا ، واساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها اطار للمصلحة العامة التي يسعي المشرع إلي تحقيقها من وراء هذا التنظيم فإذا كان النص المطعون عليه – بما انطوي عليه من تميز – مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطة بها أو اعتباره مدخلا إليها فان التمييز يكون تحكميا وغير مستند بالتالي إلي أسس موضوعية ومن ثم مجافيا لنص المادة (40) من الدستور .
ون حيث انه متي كان نص المادة (45) من قانون العقوبات يقضي بأن الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها .

ولا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم علي ارتكاب ولا الأعمال التحضيرية لذلك ” .
ويبين من هذا النص أن مجرد إرادة الشخص ارتكاب فعل غير مشروع دون أن يرتكبه أمر لا جريمة فيه إذ لا يتدخل القانون بالعقاب علي مرحلتين من مراحل الجريمة الأولي هي التفكير فيها والتصميم عليها والثانية هي الأعمال التحضيرية لها .
ومرحلة التفكير في الجريمة والتصميم عليها هي مرحلة نفسية مستترة في النفس الأصل أنه لاعقاب عليها لأنها لا تعدو أن تكون مجرد خواطر لم تظهر في العالم الخارجي في شكل فعل أو امتناع ومعروف أن القانون لا يعتد إلا بالإرادة التي عبر عنها في شكل فعل مادي أو بامتناع وإذا كان التصميم علي ارتكاب الجريمة غير كاف لقيامها فانه غير كاف لقيامها فانه في الوقت نفسه لا يعد شروعا فيها لإن الشروع في أمر يقتضي بالضرورة نشاطا يتجاوز مجرد التصميم عليه وعلي الرغم من أن هذا الحكم بديهية مسلمة فقد حرص علي تأكيده درءا لأي شبه ( ) فنص في المادة 45 عقوبات في فقرتها الثانية علي انه لا يعد شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم علي ارتكابها ” .
إما المرحلة الثانية للجريمة والتي لا عقاب عليها فهي مرحلة الأعمال التحضيرية ، وهي الأعمال التي يتهيأ بها الجاني لتنفيذ الجريمة كأعداد السلاح للقتل وآلات كسر الأبواب أو المفاتيح المصطنعة للسرقة وهي مرحلة تتوسط التفكير في الجريمة وتنفيذها فهي وإن كانت مظهرا خارجيا ماديا للتصميم علي الجريمة فهي لا تدخل في تنفيذها ولا تربطها بها إلا رابطة فكرية في ذهن الجاني ومن اجل ذلك لا يعاقب عليها القانون من حيث علاقتها بالجريمة التي وقعت هذه الأعمال تحضيرا لها فهي لا تدخل في معني الشروع المعاقب علية (بالفقرة الثانية من المادة 45 من قانون العقوبات ) والعلة في ذلك أنها أعمال مبهمة لا تدل بذاتها علي إتجاة إجرامي فالسلاح وقد يعد للقتل ، وقد يكون لغرض أخر مشروع كالصيد أو الدفاع عن النفس وحتي إذا ثبت التصميم علي الجريمة وتعين الغرض من العمل التحضيري فالقانون لا يعاقب عليه لاحتمال نكوص الجاني عن تنفيذ ما كان مقدما عليه إذ لا يزال المدى أمامه متسعا لذلك ومن حسن السياسة إلا يعجله قانون بالعقاب وهو في هذه المرحلة له مجال في العدول وإلا لدفعه إلي التمادي في الجريمة مادام وقد وقع تحت طائلة العقاب فعلا () وأذ أن النص الطعين قد جرم اتحاد أردأت البعض [ أثنين أو أكثر] علي ارتكاب جناية أو جنحة علي النحو الوارد تفصيلا فيما سبق – وموقف أي من الجناة يقف عند حد انعقاد ارداته علي ارتكاب تلك الجريمة أو الجنحة – كما سلف البيان – وذلك علي أساس أن ذلك يشكل خطورة يتعين مواجهتها بالتجريم وكان هذا هو ذات ما قرر المشرع نفسه أنه لا جريمة فيه وفقا لنص المادة ( 45 ) من قانون العقوبات دون أية إضافة تجعل المركز القانوني في الحالين مختلفا سوي أنه في خالة النص الطعين يكون قد صادفت إرداة الجاني إرادة أخر اتحدت معها في شأن ارتكاب جناية أو جنحة وهو أمر لا دخل له فيه ولا علاقة له به فلا يمكن التعويل عليه للقول بأن من شأنه وجود خطورة إجرامية تستأهل التجريم وبالتالي فإن النص الطعين يكون قد فرق بين أصحاب المراكز القانونية الواحدة مقيما تمييزا تحكميا لا يستند إلي أسس موضوعية مستمدة من أغراض التنظيم العقابي الذي جاء به ومخالفا – من ثم لنص المادتين 40 ، 60 من الدستور .

رابعا : النص الطعين والحرية الشخصية وحرية التعبير :
من حيث أن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد استقر علي ان الدستور حرص علي أن يفرض علي السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما أرتاه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة علي اختلافها ، كي لا تقتحم إحداهم المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية ، أو تتداخل معها ، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة ، مطلبا أساسيا تأكيدا لقيمتها الاجتماعية ، وتقديرا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها ، ولردع كل محاولة للعدوان عليها ( ).
وقد نص الدستور في المادة 47 علي أن (حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأية ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني .
وقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا () علي أن ضمان الدستور – بنص المادة 47 منه – لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو التصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير ، وقد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها . وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها ، ولا تكون لها من فائدة وبها يكون الأفراد أحرار لا يهيبون موقفا ، ولا يترددون وجلا ، ولا ينتصفون لغير الحق طريقا ” .
” وما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير ، وهو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إلية غير مقيد بالحدود الإقليمية علي اختلافها ، ولا منحصر في مصادرة بذواتها تعد من قنواتها ، بل قصد أن تترامى آفاقها ، وأن تتعدد مواردها وأدواتها ، وأن تنفتح مسالكها ، وتفيض منابعها [ Free trade in ideas][ Marketplace Of ideas ] لا يحول دون ذلك قيد يكون عاصفا بها ، مقتحما دروبها ، ذلك أن لحرية التعبير أهدافاً لا تريم عنها ، ولا يتصور أن تسعي لسواها ، هي أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليا ، فلا يداخل الباطل بعض عناصرها ولا يعتريها بهتان ينال من محتواها . ولا يتصور أن يتم إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض وقوفاً علي ما يكون منها أو صائبا منطويا علي مخاطر واضحة أو محققه لمصلحة مبتغاة ذلك أن الدستور لا يرمي من وراء ضمان حرية التعبير ، ان تكون مدخلا إلي توافق عام بل تغيا بصونها أن يكون لتعدد الآراء Plurality of Opinions وإرسائها علي قاعدة من حيدة المعلومات neutrality OF information ليكون ضوء الحقيقة منارا لكل عمل ، ومحددا لكل اتجاه .
وان حرية التعبير التي تؤمنها المادة 47 من الدستور ، أبلغ ما تكون أثرا في مجال اتصالها بالشئون العامة ، وعرض أوضاعها تبيانا لنواحي التقصير فيها ، وتقويما لاعوجاجها ، وكان حق الفرد في التعبير عن الآراء التي يريد إعلانها ، ليس معلقا علي صحتها ، ولا مرتبطا بتمشيها مع الاتجاه العام في بيئة بذاتها ، ولا بالفائدة العملية التي يمكن أن تنتجها . وانما أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها علي مظاهر الحياة في أعماق منابتها ، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها علي العقل العام Public mind فلا تكون معاييرها مرجعا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ، ولا عائقا دون تدفقها .

ومن المقرر كذلك أن حرية التعبير ، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها ، لا يجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارستها ، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة علي نشرها ، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها. بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ، فلا يتهامسون بها نجيا ، بل يطرحونها عزما – ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبا . فالحقائق لا يجوز إخفاؤها ومن غير المصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير . كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة 47 من الدستور ، لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التي يؤمنون بها بل كذلك الرسائل التي يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء في مجال عرضها أو نشرها ، ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها . ولعل اكثر ما يهدد حرية التعبير أن يكون الإيمان بها شكليا أو سلبيا بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولا بتبعاتها ، وألا يفرض أحد علي غيرة صمتا ولو بقوة القانون Enforced silence ” .
ومتي كان ما تقدم ، تعيم القول بأن حرية التعبير التي كفلها الدستور ، وهي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي ، لا يقوم إلا بها . ولا يعدو الإخلال بها أن يكون إنكاراً لحقيقة أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن ادواتها ، وان وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها ، فلا يعطل مضمونها أحد ، ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها والحق في التجمع ، بما يقوم علية من انضمام عدد من الأشخاص إلي بعضهم لتبادل وجهات النظر في شأن المسائل التي تعنيهم من الحقوق التي كفلتها المادتان 54 ، 55 من الدستور وذلك سواء نظرنا إليه باعتباره حقا مستقلا عن غيره من الحقوق أم علي تقدير أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا لأنهم قنواتها محققا من خلالها أهدافها .
وهذا الحق – وسواء كان حقا أصيلا أم تابعا –أكثر ما يكون اتصلا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما أقدم أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاها معينا ، تجمعا منظما Ordered assemblage يحتويهم ، يوظفون فيه خبراتهم ، ويطرحون آمالهم ، ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها علي ما يعتمل في نفوسهم ، وصورة حيه لشكل من أشكال التفكير الجماعي Collective thinking إذ كان ذلك تكوين بنيان كل تجمع – وسواء كان الغرض منه سياسياً أو نقابيا أو مهنيا – لا يعدو أن عملا اختياريا لا يساق الداخلون فيه سوقا ، ولا يمنعون من الخروج منه قهرا وهو في محتواه لا يتمحض عن مجرد الاجتماع بين الأشخاص متباعدين ينعزلون عن بعضهم البعض .
بل يرمي بالوسائل السلمية إلي أن يكون إطارا يضمهم ويعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم ومن ثم كان هذا الحق متداخلا مع حرية التعبير ومكونا لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكلفها القانون واقعا عند البعض في نطاق الحدود التي يفرضها صون خواص حياتهم وأعماق حرمتها بما يحول دون اقتحام أغوارها أو تعقبها لغير مصلحة جوهرية لها معينها لازما اقتضاء ولو لم يرد بشأنه نص في الدستور كافلا للحقوق التي أحصاها ضماناتها محققا فعالياتها ، ٍسابقا علي وجود الدساتير ذاتها ، مرتبطا بالمدينة في مختلف مراحل تطويرها كامنا في النفس البشرية تدعو إلية فطرتها وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها ”
” بل أن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض ، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض ، ويعطل تدفق الحقائق التي تصل باتخاذ القرار ، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التي يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع ذلك أن الانعزال عن الآخرين يؤول إلي استعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها ، ولو كان أفقها ضيقا Narrowness أو كان عمقها أو تخربها Onn- Sidness باديا .
كذلك فإن هدم حرية الاجتماع ، إنما يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام الحكم يكون مستنداً إلي الإرادة الشعبية ولا تكون الديمقراطية فيه بديلا مؤقتا ، أو إجماعا زائفا ، أو تصالحا مرحليا لتهدئه الخواطر بل شكلا مثاليا لتنظيم العمل الحكومي وإرساء قواعده . ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون ، وفي الحدود التي تتسامح فيها النظم الديمقراطية وترتضيها القيم التي تدعو إليها ” .

لما كان ذلك وكان مؤدي ما انطوي عليه نص التجريم الطعين من عقاب علي مجرد الإرادة وهي بعد مجرد أمر معنوي لم يتم تفعيلها في أي شكل مادي أن تكبت الأفكار ، ويعاق الحوار الحر المفتوح ويؤدي الي تعتيم الحقيقة فلا يستبان صحة الفكر المعتقد أو فساده فيظل للجانح فكرة الشاذ ، لا يملك طرحة للمناقشة خشية أن يلقي من الغير قبولا يخضعه لنص التجريم ويوقعه تحت طائلة النص الطعين فيحول ذلك دونه وفرصه أن يعدل عن فكرة ويصححه في ضوء الحقيقة التي قد تظهر له في الحوار فتستوي نفسه ويبرأ من الشر الذي يلبسه ويكون تقويمه وبذلك يشكل النص الطعين بما انطوي عليه واستهدفه – حسبما يبين من المذكرة الإيضاحية لاصل هذا النص – عدوانا غير مبرر علي حرية التعبير لاسيما وأن التجريم حالة الإتفاق الجنائي تفتقد أهم أغراض التجريم () الأ وهو الردع الخاص وتقويم الشخص الجانح وإعادته إلي الطريق القويم .

خامساً : مدي اتفاق العقوبة وفقا للنص الطعين والدستور :
أستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا ( ) – كما أشرنا – عل أن ” القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض وكذلك علي صعيد علاقاتهم بمجتمعاتهم ، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذه العقوبة أداه لتقويم مالا يجوز التسامح فيه اجتماعيا من مظاهر سلوكهم . وشرط ذلك أن يكون الجزاء الجنائي حائلا دون الولوغ في الإجرام ، ملبيا ضرورة أن يتهيأ المذنبون لحياة أفضل مستلهما أوضاع الجناة وخصائص جرائمهم وظروفها ، ونائيا بعقابهم عن أن يكون غلوا أو تفريطا بما يفقد فعالية القواعد التي تدار العدالة الجنائية علي ضوئها . ويتعين بالتالي أن يكون الجزاء الجنائي محيطا بهذه العوامل جميعا ، وان يصاغ علي هديها ، فلا يتحدد بالنظر إلي واحد منها دون غيره ” .

وأستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا( ) أيضا – علي أن مبدأ خضوع الدولة للقانون محدد علي ضوء مفهوم ديمقراطي – مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية ، مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية وضمانه أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصته المتكاملة ، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية بالنظر إلي مكوناتها وخصائصها ، ومن بينها ألا تكون العقوبة مهينه في ذاتها ، أو كاشفة عن قسوتها ، أو منطوية علي تقيد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونية السليمة ، أو متضمنة معاقبة الشخص أكثر من مرة علي فعل واحد DoublIe Jeopard ولا يجوز من ثم ، أن يتعرض الشخص لخطر ملاحقته باتهام جنائي أكثر من مره عن الجريمة عينها ، ولا تعيد بكل سلطاتها ومواردها محاولتها إدانته عن جريمة تدعي ارتكابه لها – لو من خلال خطورة إجرامية تعتبرها جريمة في ذاتها ، وتلحقها بها – لأنها إذ تفعل ، فإنما تبقيه قلقا مضطربا ، مهدداً بنزواتها ، تمد إليه بأسها حين تريد ، ليغدو محاطا بألوان من المعاناة لا قبل له بها ، مبدداً لموارده في غير مقتض ، متعثر الخطي بل إن إدانته – ولو كان برئيا – تظل أكثر احتمالا ، كلما كان الاتهام الجنائي متتابعا عن الجريمة ذاتها
كما استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا ( ) (2) علي أن لكل جزاء جنائي أثر مباشرا يرتد إلي طبيعته ، يتمثل في حرمان الشخص من حقه في الحياة أو من حريته أو من ملكه ، وكان منطقيا بالتالي ، أن تقيم الدول المتحضرة تشريعاتها الجزائية وفق أسس ثابتة ، وتكفل بذاتها انتهاج الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها الموضوعية أو الإجرائية ، لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية ، تقمعها أو تقيدها بالمخالفة للقيم التي تؤمن بها الدول الديمقراطية في ارتباطها بالمقاييس المعاصرة لمفهوم الجزاء ومن خلال ما يعكسها من مظاهر سلوكها علي اختلافها ،وكان لازما علي ضوء هذا الاتجاه ، أن تقرر الدساتير التقدمية القيود التي ارتأتها علي سلطة المشرع في مجال التجريم ، تعبيراً عن إيمانها بأن حقوق الإنسان وحرياته لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة تمليها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها ، واعترافا منها بأن استخدام العقوبة ، تشويه لأغراضها .واستقر كذلك قضاء المحكمة الدستورية العليا ( ) علي أن العقوبة التي يفرضها المشرع في شأن جريمة حدد أركانها ، تبلور مفهوما للعدالة يتحدد علي ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها ، والتي لا يندرج تحتها رغبة الجماعة أو حرصها علي إرواء تعطيشها للثأر والانتقام ، أو سعيها ليكون بطشها بالمتهم تكفيرا عما أتاه ، وإن أمكن القول إجمالا بأن ما يعتبر جزاء جنائيا ، لا يجوز أن يقل في مداه عما يكون لازما لحمل الفرد علي أن ينتهج طريقا سويا ، ولا تكون الجريمة مدخلا إليه ، ولا يكون ارتكابها في تقديره – اذا ما عقد العزم عليها – أكثر فائدة من تجنبها وسواء أكان هذا الجزاء مؤديا لتقويم من أصابهم ، أو كافلا ردع غيرهم ، أو مباعداً بين الجناة ومجتمعهم ، ليكون الآخرين أكثر أمنا وأطمئناناً ، أو كان كل ذلك جميعا ، فان كثيرين من الفقهاء يقارنون بين نوعين من الردع The Penal goal Of deterrence

أحدهما ردع عام ، ويتمثل في العقوبة التي يفرضها المشرع في شأن الأفعال التي أثمها ، محدداً عقوبتها ، ومتدرجا بوطأتها علي ضوء خطورتها ، ليحمل من خلال عبئها جناه محتملين Potential Offenders علي الإعراض عن إتيانها وانتباذها . وثانيهما ردع خاص يتحقق في شأن جريمة تم ارتكابها ونسبتها إلي شخص معين ، ليحدد قاض نطاق مسئولية عنها Offender level Of blameworthness ويقدر عقوبتها تفريدا لها عند الحكم بها The individualized consideration Of sentencing ضمانا لتناسبها مع الجريمة التي أتاها ، وكرد فعل لها A proportionate responsc to thecirme ومن ثم لا يتعلق هذا النوع من الردع باحتمال تحقيق خطورة إجرامية ، بل بأفعال تم ارتكابها تقوم بها خطورة فعلية .
ولا تعدو هذه الصورة من صور الردع ، أن تكون تعبيرا عن مفهوم الجزاء – من منظور اجتماعي – باعتباره عقابا منصفا قدره قاضي لشخص معين في شأن جريمة أتاها ، فلا يحدد عقوبتها جزافا ، بل من خلال علاقة منطقية تربطها مباشرة بمن ارتكابها ، لتقابل حدود مسئوليته جنائيا عنها ، وبقدرها ، بما يؤكد معقوليتها .
The heart Of the retibution rationale is that a crriminal sentence must be directly related to the personal culpability Of the criminal Offender

وإذا كان للعقوبة الجنائية – كما أكدت المحكمة الدستورية العليا- هدفا نهائيا هو حماية حقوق ومصالح المجتمع ويتحقق ذلك عن طريق أهداف هي أقرب لها ، ويعد تحقيقها هو الوسيلة إلي بلوغ الهدف ألا بعد وتكمن تلك الأهداف أو الأغراض في تحقيق الردع بنوعية العام والخاص وتحقيق العدالة ( ) أما تحقيق العدالة فانه ولما كانت الجريمة بوصفها عدوان علي العدالة كقيمة اجتماعية وعدوان – كذلك- علي الشعور بها فإن العقوبة تهدف إلي محو هذا العدوان في شقية بان تعيد للعدالة كقيمة اجتماعية اعتبارها وترضي الشعور بها الذي تألم ، أما الشق الأول فيقوم علي فكرة المقاصة الموضوعية باعتبارها الوسيلة إلي إعادة التوازن القانوني الذي أخلت بها الجريمة بما أنزلته من شر ، وهذا الشق يكفل صيانة قيمة أخلاقية يتعين أن تظل لها في المجتمع أهميتها ، وهو بالإضافة إلي ذلك يعيد إلي القانون هيبته وللسلطات المنوطة تنفيذه احترامها بعد أن أخلت الجريمة بهما معا . أما الشق الثاني من هذه الوظيفة فيكفل إرضاء شعور اجتماعي يتأذي بالجريمة ويتطلب الإشباع في صورة العقوبة وقد انتقد اعتبار العدالة غرضاً للعقوبة واستناداً إلي أن ذلك يبعث فترة الانتقام إلي الجانئ وبأنه استجابة لأفكار تسود لدي الرأي العام ولا تصلح كقواعد عملية لأنها سند علمي ولكن يرد علي هذا بان الفرق كبير بين الانتقام وهو شهوة غشوم وبين العدالة وهي قيمة اجتماعية سامية وبأنه ليس في الاستجابة لأفكار تسود لدي الرأي العام عيباً بل فإن العقوبة لا تؤدي وظيفتها ألا أذا توافقت مع قيمة وبغير ذلك تعتبر ظلما يثير شعور العطف علي من توقع عليه وتكون عاملا إجراميا مساعدا .

وقد كان للعدالة في تاريخ الفكر الجنائي دورها في تخفيف العقوبات وتوجيه الاهتمام بها إلي شخص المجرم ولها دورها في الوقت الحاضر كذلك فهي لا تتجرد من الأثر النفعي ، فارضاء شعور المجني عليه والمشاعر العامة يكفل استبعاد جانبا من العوامل الإجرامية وتمهد للردع العام فالعقوبة التي تؤثر في الإجرام الكامن هي التي يتقبلها الشخص المعتاد كجزاء عادل للجريمة وتمهد للردع الخاص في نواح ثلاث : أولها أنها تقود الاعتداد بالظروف الشخصية للمجرم وهو شرط لتحقيق هذا الردع ، وثانيها أنها وهي تستند إلي فكرة المسئولية تلقن المحكوم عليه الشعور بالمسئولية قبل المجتمع فيوجهه إلي السلوك الاجتماعي السليم وثالثها أنها بإرضائها المشاعر العامة تولد لدي المجتمع الاستعداد لتقبل المجرم بين صفوفه عندما تنقضي عقوبته فيتحقق بذلك تأهيله ( ).

ويراد بالردع العام إنذار الناس كافة – عن طريق التهديد بالعقاب – بسوء عاقبه الأجرام كي ينفرهم بذلك منه وتقوم فكرة الردع العام علي مواجهة الدوافع الإجرامية بأخرى مضادة للإجرام حتي تتوازن معها أو ترجح عليها فلا تتولد الجريمة ففي كل مجتمع إجرام كامن ينبع من الطبيعة البدائية للإنسان وقد يتطور هذا الاجرام الكامن متحولا إلي إجرام فعلي وهو ما تحول العقوبة دونه .
وقد انتقد الردع العام كغرض للعقوبة فقيل بأنه يميل بالعقوبات إلي القسوة إذ تزداد فاعلية التهديد بالعقوبة كلما ازدادت شدتها ، وقيل باصطدامه مع المنطق إذ لا يجوز أيلام إنسان من اجل التأثير علي غيره وهو لا شأن له به ، وقيل بأنه مشكوك في جدواه وذلك استشهادا بأن التهديد بالإعدام لم ينجح في الإقلال من الجرائم التي يعاقب عليها به وقيل لاثبات عدم جدواه بأنه لا يتصور بالنسبة لطوائف عديدة من المجرمين والجرائم : أما الأشخاص الذين لا يتصور بالنسبة لهم فمنهم الذين يسعون للعقوبة لمرض نفسي وضعاف العقول وشواذ الناس أو الذين يقدمون علي الجريمة في ثورة الانفعال أو هؤلاء الذين تفرض عليهم مجتمعاتهم الصغيرة قواعد سلوك تناقض القانون وترجح عليه في اعتقادهم ( كجرائم الثأر) . أما الجرائم التي لا يتصور الردع في شأنها فهي تلك التي لا تناقض القيم ولكن تستند إلي سياسية معينة في تنظيم المجتمع كجرائم النقد والضرائب والمرور وبالتالي فالنصوص الخاصة بها والتهديد بالعقاب المرتبط بها لا تكون معلومة كغيرها من الجرائم التي تمس القيم الأخلاقية سيما وأن عدد تلك الجرائم يتجه نحو التزايد والتكاثر في المجتمعات الحالية ، ويقولون في هذا الشأن أيضا بأن تحقيق الردع العام لا يرتبط بالتهديد بالعقاب ولكن بالتنفيذ المحقق السريع لهذا التهديد ، ويرد علي تلك الانتقادات بان هذه الانتقادات مبالغ فيها فالردع العام لا يقود إلي قسوة في العقوبات إذ أن العقوبة القاسية لا تحقق الردع العام إذ غالبا ما يتردد القضاء في النطق بها متلمسا أسباب البراءة منها فينشا الأمل في تفادي عقاب اتيان الجريمة أما القول بأنه لا يسوغ إيلام شخص من أجل التأثير علي غيره فهو مغالطة لأن استهداف هذا الغرض لا ينفي سند استحقاق الإيلام بإتيان الجريمة أما وجود طوائف من الناس لا يتصور الردع العام بالنسبة فهؤلاء أقلية لا تنفي أثر الردع العام في الشخص العادي أما الجرائم التي لا يتصور الردع العام بالنسبة لها فهي ليست أخطر الجرائم أو لا تمثل عددا كثيرا ويجد الردع العام مجاله بالنسبة للجرائم الأخطر التي يمثل عددها اغلب الجرائم ( ) .
ويعني الردع الخاص علاج الخطورة الإجرامية – الكامنة في شخص المجرم – علي المجتمع والاجتهاد في استئصالها . والردع الخاص طابع فردي اذ يتجه إلي شخص بالذات ليغير معالم شخصيته ويتحقق التآلف بينها وبين القيم الاجتماعية ، ويفترض الاعتداد بالظروف الفردية ويجتهد في الملاءمة بين أساليبه وهذه الظروف وبالتالي فان للردع الخاص صله وثيقة بالخطورة الإجرامية باعتبارها موضوع أساليبه ومحلها فإذا كانت الخطورة الإجرامية هي احتمال أقدام المجرم علي جريمة تاليه فان هدف الردع الخاص هو القضاء علي هذا الاحتمال .

و ثمرة الردع الخاص – المبتغاة – هي تأهيل المحكوم عليه بوضعه في مركز اجتماعي يقره القانون ، ويمده بالإمكانيات التي تتيح له شغل المركز و الوسائل التي تساعد علي بقائه فيه أي أن التأهيل يخلق لدي المحكوم عليه اعتيادا لسلوك الطريق المطابق للقانون ( ) .
وجدير بالذكر أن لكل غرض من الأغراض المشار إليها فيما سبق أهميته التي يتعذر معها إهداره سيما و انه – في الأصل لا تناقض في اجتماعها ، و لكن الصعوبة تكمن في تحقيق التناسق بينها .
و الأساس في عدم التناقض اجتماع كل الأغراض المشار إليها أن لكل منها مجاله فالمجال الاساسي للردع العام يكمن في وجود نص التجريم و العقاب مع التزام السلطة العامة بتطبيقه عند تحقق الوضع المبين فيه و يدعم ذلك بالتيقن من أن هذه السلطة لن تخل أو تتوانى قي هذا الالتزام ، و مجال العدالة هو في نطق القاضي بالعقوبة و تنفيذ حكمه ، أما مجال الردع الخاص فهو كيفية تنفيذ العقوبة المحكوم بها .
و عموما فأن الردع الخاص راجح علي الغرضين الآخرين : أما ترجيحه علي العدالة فلما له من دور نفعي ملموس يحقق للمجتمع مصلحة جوهرية في حين أن دور العدالة يقتصر علي توقير قيمة معنوية ، و ترجيحه علي الدرع يؤكده أن الردع الخاص يواجه خطورة فعلية حالة إذ موضوعه شخص أتى الجريمة فعلا أما الردع العام فيواجه خطورة احتمالية كامنة ( )
لما كان ذلك و كانت عقوبة جريمة الاتفاق الجنائي ( ) هي الأشغال الشاقة المؤقتة بالنسبة للمحرضين أو المتدخلين في إدارة حركته ، و تكون العقوبة هي السجن إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنايات أو كان موضوعه ارتكاب الجنح و كان من المحرضين عليه أو المتدخلين في إدارة حركته أما إذ كان موضوع الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة فالعقوبة في الحبس واذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة وعقوبتها أخف مما سبق فتوقع العقوبة التى نص علية القانون لتلك الجناية أو الجنحة وكما أشرنا فيما سبق ( ) فإن اذا ارتكبت الجريمة محل الاتفاق فان عقوبة تلك الجريمة هي التي ستكون واجبة التطبيق .
وبين ما تقدم ان المشرع فى النص الطعين اعتبر جريمة الاتفاق الجنائي جناية إذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب جناية اذ وضع لها عقوبة الأشغال الشاقة و السجن وكلاهما عقوبة مقررة للجنايات ، كما اعتبر المشروع تلك الجريمة جناية أيضا رغم ان موضوع الاتفق جنحة بالنسبة لمن يحرضون علية أو يديرون حركة مقررا لها عقوبة السجن و اعتبر الاتفاق على ارتكاب جنحة فى غير ذلك الحالة جنحة عقابها هو الحبس ، وهذه العقوبات يشوبها القسوة و الغلو اذ هي تأخذ نفس نوع الجريمة المتفق عليها وتعامل معاملتها فى مجال تقسيم الجرائم بل وتزيد عليها فى حالة التحريض او إدارة حركة الاتفاق الجنائي على ارتكاب جنحة وذلك على الرغم من ان مجرد الاتفاق الجنائي لا يتطلب وقوع الجريمة أو آتيان أي فعل من مادياتها – كما سلف البيان – وبالتالي فهي اقل خطورة وتهديدا للمجتمع من حالة وقوع الجريمة ذاتها وكان واجبا من ثم كفالة قدر من التناسب في
العقاب بحيث يكون العقاب على جريمة الاتفاق الجنائي أخف وطأة منه على آتيان الجريمة محل الاتفاق ( ) ولعل هذا النظر هو الذي دفع المشرع الى استعارة عقوبة الجريمة المتفق عليها لتكون هي العقوبة المقررة لجريمة الاتفاق عليها إذا كانت أخف ، ان يقر ضمنا فيه جسامة العقوبة على جريمة الاتفاق ويحاول بهذا النص التخفيف من غلوائها ورغم ذلك فان ما انتهجه المشرع في هذا المقام معيب في ذاته : إذ ان مؤداه ان الجاني لجريمة الاتفاق الجنائي متى كانت عقوبة الجريمة المتفق عليها أخف سيكون مصيره العقاب بعقوبة هذا الجريمة سواء أتاها أو لم يأتها وبالتالي ينعدم ما يمكن ان يردع الجاني عن إتمام الجريمة التي اتفق عليها فالعقاب الذي ينتظره واحد سواء اقبل عليها وأتمها او لم يقبل الأمر الذي يفقد العقاب على إتمام الجريمة المتفق عليها غرضه ويتحول تجريم الاتفاق الجنائي الى دافع لاتمام الجريمة المتفق عليها .
ومن ثم فان النص الطعين – بالإضافة الى مخالفته الدستور من النواحي المشار إليها- يكون من زاوية أخرى قد تجاوز سلطة المشرع فى مجال التجريم و العقاب بفرضه عقوبة على جريمة الاتفاق الجنائي لا تتناسب مع جسامة هذا الجريمة وسمتها القسوة والغلو من ناحية وخرج من ناحية أخرى – بأغراض العقوبة التي وضعها عن ان تحقق هدف التجريم ، الأمر الذي يشكل عدوانا غير مبرر على الحرية الشخصية وخروجا على مبادي التجريم و العقاب ، وكذا مبدا خضوع الدولة للقانون وعلى ذلك يتأكد عدم دستورية النص الطعين لمخالفته نصوص المواد 41، 65،66،67، من الدستور . ( )

* * *
ونخلص – مما تقدم جميعه – الى ان النص الطعين وهو من النصوص الجنائية التي يحكم دستوريتها – كما استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا – مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها لا تزاحمها في تطبيقها سواها من القواعد القانونية – ان هذا النص قد جرم حاله الاتفاق على ارتكاب جنائية أو جنحة على أساس انه تكمن فيها خطورة إجرامية يتعين مواجهتها ، وكان هذا التجريم دون ان يشترط فعلا يأتيه المجرم ففقدت الجريمة – كما صورها النص الطعين – لركنها المادي ، كما وأنها – من وجه آخر – تشكل عقابا على مالا سيطرة الجاني عليه إذا انه لا يسيطر على التقاء إرادة آخر بإرادته وهو ما تقع به وتتم جريمة الاتفاق الجنائي ، الأمر الذي يشكل مخالفة لنص المادة 66 من الدستور .
ومن ناحية أخرى – أشرنا الى ان النص الطعين من شانه التمييز بين من كانت أرادته تتجه لارتكاب الجريمة ومن صادفت أرادته هذه إرادة غيرة وإلتقيتا على ارتكاب جناية أو جنحة ، ورغم انه في الحالتين كل ما أتاه الشخص هو اتجاه أرادته لارتكاب جريمة أو مصادفة التقائها بإرادة أخري مستقلة عنها فهو أمر لا علاقة له به – فانه في الحالة الأولى لا جريمة وفي الحالة الثانية تقع جريمة الاتفاق الجنائي وهذا يعد تمييزا غير قائم على أسس موضوعية ومخالفة لمبدأ المساواة ويشكل مخالفة لنص المادتين 40 ، 66 من الدستور .
ومن ناحية ثالثة فان مقتضى النص الطعين هو حجب التعبير عن الرأي وتداول الأفكار خشية ان يصادف الفكر المعبر عنه قبولا لدي غيره فتقع جريمة الاتفاق الجنائي ، وهذا يشكل قيدا غير مبرر على حرية التعبير ، سيما وان من شان تبادل الأفكار وظهور مختلف الآراء الوصول الى الحقيقة فيقوم الفكر الشاذ وتهتدي النفس الجانحة . وخلصنا – من ثم – كما اشرنا تفصيلا ، الى ان النص الطعين يخالف نص المادة 41 ، 47 من الدستور .ومن ناحية رابعة – كما اشرنا – فان العقوبة التي نص عليها النص الطعين جزاء لجريمة الاتفاق الجنائي تعد بمقارنتها بعقوبة الجريمة المتفق عليها التي يشترط لتوقيعها فضلا عن اتجاه الارادة الى ارتكابها ، اتيان أفعال تؤدي الى النتيجة الإجرامية عقوبة غير مناسبة تنطوي على قسوة وغلو وحتى في حاله النزول بعقوبة جريمة الاتفاق الجنائي لتكون عقوبة الجريمة المتفق عليها ( اذا كانت أخف ) فان ذلك يشكل إهدار للغرض من العقوبة اذ يضحي الجاني – وفقا للنص الطعين – في مواجهة عقوبة واحدة سواء أتي الجريمة المتفق عليها او لم يأتها ، فلا يتحقق الردع ( بصورتيه ) وتتأذي العدالة ، وعلى هذا فان النص الطعين يخالف نصوص المواد 41 ، 65 ، 66 ، 67 من الدستور .

ولذلك
نري الحكم بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنه 1953 ، مع الزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .
المقرر
المستشار نجيب جمال الدين
” توقيع ”
انه في يوم 13/11/2000
يودع التقرير ملف القضية ، وتحال الى المحكمة .
رئيس هيئة المفوضين
المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق
” توقيع ”
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 2 يونيه سنة 2001 الموافق العاشر من ربيع الأول سنة 1422 هـ
برئاسة السيد المستشار / محمد ولي الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور .
وحضور السيد المستشار / محمد خيري طه عبد المطلب النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر أمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الأتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 114 لسنة 21 قضائية ” دستورية ”
المقامة من
السيد / السعيد عيد طه نور
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد وزير العدل
3-السيد رئيس مجلس الشعب
4- السيد النائب العام

الإجراءات

بتاريخ الثاني والعشرين من يونيو سنة 1999 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحفية الدعوي الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة من قانون العقوبات .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوي .
وبعد تحضير الدعوي ، وادعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوي علي الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع علي الأوراق ، المداولة .
حيث أن الوقائع – علي ما يبين من صحفية الدعوي وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة العامة أحالت المدعي إلي محكمة جنايات طنطا ، متهمة أياة بأنه – بدائرة مركز زفتي محافظة الغربية – أحرز بغير ترخيص سلاحا ، واتفق مع أخر علي ارتكاب جنحة سرقة مرتبطة بجناية ارتكباها الأخير ، وأثناء نظر الدعوي دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات ، فقدرت المحكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت له برفع الدعوي الدستورية فأقام الدعوي الماثلة .
وحيث أن المادة 48 من قانون العقوبات يجري نصها كالاتي :-
فقرة أولي يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة ما أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها ، ويعتبر الاتفاق جنائيا سواء أكان الغرض منه جائز أن لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه .
فقرة ثانية وكل من اشتراك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخذها وسيلة للوصول إلي الغرض من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلي الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس .
فقرة ثالثة وكل من حرض علي اتفاق جنائي من هذا القبيل أو تداخل في إدارة حركته يعاب بالأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولي المنصوص عليها في الفقرة عليها في الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية .
فقرة رابعة ” ومع ذلك إذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليها الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة .
فقرة خامسة ” ويعفي من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي ” بمن اشتركوا فيه قبل وقوع أيه جناية أو جنحة ،وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة ، فاذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يواصل الإخبار فعلا إلي ضبط الجناة الأخرين .
وحيث أن المدعي ينعى علي نص هذه المادة عدم بيانه للركن المادي للجريمة ، وذلك أن الركن المادي هو سلوك أو نشاط خارجي ، فلا جرينمة بغير فعل أو ترك ، ولا يجوز للمشرع الجنائي أن يعاقب علي مجرد الأفكار والنوايا ،باعتبار أن أوامر القانون ونواهيه لا تنتهك بالنية وحدها وأنما بالأفعال التي تصدر عن إدارة آثمة ؛ فضلا عن أن النص جاءت صياغته واسعة يمكن تحميلها بأكثر من معني وتتعدد تأويلاتها إذ ترك الأعمال المجهزة والمسهلة للجريمة لأجتهادات مختلفة مما يفقده خاصية البقين التي يجب توافرها في النصوص الجزائية .
وحيث أنه باستعراض التطور التاريخي للمادة 48 المشار إليها ، يبين أن المشرع المصري أدخل جريمة الاتفاق كجريمة الاتفاق الجنائي كجريمة قائمة بذاتها – تختلف عن الاتفاق كسيل من سبل المساهمة الجنائية – بالمادة 47 مكرره من قانون العقوبات الأهلي ، وكان ذلك بمناسبة اغتيال رئيس مجلس النظار سنة 1910 فقدمت النيابة العامة إلي قاضي الإحالة تسعة متهمين أولهم بتهمة القتل العمد مع يبق الأصرار والترصد ، والباقين بتهمة الاشتراك في القتل غير أن القاضي اقتصر علي تقديم الأول إلي محكمة الجنايات ورفض إحالة الباقين لعدم توافر اركان الجريمة قبلهم فتقدمت الحكومة إلي مجلس شوري القوانين بمشروع بإضافة نص المادة 47 مكررة إلي قانون العقوبات الأهلي – وهو يؤثم جريمة الاتفاق الجنائي المجرد علي ذات النحو الذي ورد بعد ذلك بالنص الطعين مع خلاف بسيط في الصياغة – غير أن المجلس عاض الموافقة علي المشرع مستندا إلي أن القانون المصري – كالقوانين الأخري – لا يعاقب علي شئ من الاعمال التي تتقدم الشروع في ارتكاب الجريمة كالتفكير والتصميم عليه واتفاق الفاعلين أو الفاعلين والشركاء علي كيفية ارتكابها ولا علي إتيان الأعمال المجهزة أو المحضرة لها . وعرج المجلس إلي المقارنة بين النص المقترح ونظيرة في القانون والمقارن موضحا أن القانون الفرنسي يشترط للتجريم وجود جمعية من البغاة أو اتفاق بين عدة اشخاص وان يكون غرض الجمعية أو الاتفاق تحضير أو ارتكاب جنايات علي الأشخاص والأموال . وأشار المجلس إلي أنه إذا كانت هناك حاجة للاستثناء من ذلك فيجب أن يكون بقدر الضرورة التي يتقضها حفظ النظام ، وانه لأجل أن تكون المادة 47 مكررة مقيسة بمقياس الضرورة النافعة فيجب ألا تشمل سوى الجمعيات التي يخشي منها علي ما يجب للموظفين العموميين أو السياسيين من الطمأنينة ، أو بعبارة أخري يجب أن لا يقصد منها إلا حماية نظام الحكومة ، فلا يشمل النص الأحوال الأخري كالاتفاقات الجنائية التي تقع بين شخصين أو أكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة تدخل في باب الجرائم العادية كجرائم السرقة أو الضرب أو التزوير أو غير ذلك من الجرائم الواقعة علي الأشخاص وعلي الأموال ؛ غير أن نظارة الحقانية رفضت اقتراح المجلس أذ رأته يثير صعوبات كبيرة في العمل ويفتقد الضمانات الفعالة ضد الاتفاقات التي تكون غايتها تحقيق المقاصد السياسية بطريق القوة ، وأضافت أن القانون الجديد لم يوضع إلا للأحوال التي جعل الأمن العام في خطر ، ولن يعمل به أصلا بما جعله مهددا للحرية الشخصية ، والمأمول أن لا تدعو الأحوال إلي تطبيق هذا القانون إلا في النادر كما في البلاد التي استقي منها . وصدر نص المادة 47 مكرره عقوبات أهلي معاقبا علي الاتفاق الجنائي ، بعد أن برر مستشار الحكومة استعمال المشرع لتعبير الاتفاق الجنائي بديلا عن كلمة assocination الواردة في القانون الفرنسي – والتي جاءت أيضا في النسخة الفرنسية لقانون العقوبات الأهلي – بأن اللفظ الأخير قد يفيد قدرا من التنظيم والاستمرار .

وحيث أن أحكام القضاء في شأن جريمة الاتفاق الجنائي – كجريمة قائمة بذاتها – اتجهت في البداية إلي وجوب قيام اتفاق منظم ولم في مبدأ تكوينه وأن يكون مستمرا ولو لمدة من الزمن ، واستند القضاء في ذلك إلي الاسترشاد بالفكرة التي حملت المشرع إلي تجريم الاتفاق الجنائي ، غير أنه عدل عن هذا الاتجاه فقضي بأن مجرد الاتفاق علي ارتكاب جناية أو جنحة كاف بذاته لتكوين جريمة الاتفاق الجنائي بلا حاجة إلي تنظيم ولا إلي استمرار ، وقد أشير في بداية هذا العدول إلي أن المادة 47 مكررة عقوبات أهلي هي في حقيقة الواقع من مشكلات القانون التي لا حل لها لأنها أتت بمبدأ يلقي الاضطراب الشديد في بعض أصول القانون الأساسية ، وأن عبارات التنظيم والاستمرار هي عبارات اضطرت المحاكم للقول بها من طغيان هذه المادة ، والظاهرة – من الأعمال التحضيرية للنص – أن مراد واضعية أن يكون بيد الحكومة أداه تستعملها عند الضرورة وفي الاحوال الخطرة استعمالا لا يكون في اتساع ميدانه وشموله محلا للتأويل من جهة القضاء التي تطبقه ، وان الاجدار معاودة النظر في ذلك النص بما يوائم بين الحفاظ علي النظام والأمن العام من جهة ويزيل اللبس والخلط من بينه والمبادئ الأخرى ، وإلي أن يتم ذلك فلا سبيل لتفادي إشكال هذا النص ومنع أضراره ، إلا ما حرصت عليه النيابة العامة من عدم طلب تطبيقه إلا في الاحوال الخطرة علي الأمن العام . وإذا كان المشرع قد عاد النظر مرتين في المادة سالفة الذكر سنتي 1933 ، 1937 إلا أنه ظل علي فكرته الأساسية فيها التي تقوم علي عقاب الاتفاق البسيط علي ارتكاب اية جناية أو جنحة ، ولو لم تقع أية جريمة نتيجة لذلك الاتفاق .

وحيث أن نص المادة 48 المشار إليها كان محل انتقاد اللجنة التي شكلت لوضع أخر مشروع حديث متكامل لقانون العقوبات – خلال الوحدة بين مصر وسوريا تحت إشراف مستشار رئيس الجمهورية للشئون القانونية أنذاك –برئاسة الاستاذ علي بدوي وزير العدل وعميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة الأسبق وعضوية كل من رئيس الدائرة الجنائية بمحكمة النقض والمستشار عادل يونس والدكتور علي راشد أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بجماعة عين شمس . . . وغيرهم ، حيث ورد بالمذكرة الإيضاحية للمشروع أنه قد أصلح من أحكام جريمة الاتفاق الجنائي التي تم وضع نصها في ظروف استثنائية والتي لم يكن لها نظير . . . وأعيدت أحكامها بحيث تتفق مع اتجاهات التشريع الحديث ؛ وأختتمت تلك المذكرة بأنه قد رؤى أنه من الأفضل أن يلحق بالنصوص المقترحة ما يتصل بها من تعليقات وإيضاحات مبررة لها أو مفسرة لأحكامها كترجمة مباشرة لأفكار من اشتركوا في صوغ أحكامه وقت مناقشتها مما لا يتوافر عادة في المذكرات الإيضاحية . . . فضلا عن ميزة تسهيل الوقوف علي مقاصد النصوص التي تم التوصل إليها بإجماع الآراء . . . وبذلك يكون المشروع خلاصة لأعمال لجان متعددة ومشاريع استغرق وضعها سنين طويلة الأمد ، روجعت علي ضوء القانون المقارن والفقه الحديث ونشاط المؤتمرات الدولية ليكون ذلك القانون مرآة لما بلغته الجمهورية من تطور مرموق في الميدان التشريعي . وفي مقام التعليق علي نص المشروع في المادة 59 منه ( المقابلة للمادة 48 من قانون العقوبات ) أوردت اللجنة أنها رأت بمناسبة وضع التشريع الجديد أن جريمة الاتفاق الجنائي علي الوضع المقرر في التشريع المصري الحالي في المادة 48 إنما هو نظام استثنائي اقتضت إنشاء ظروف استثنائية ويندر وجود نظير له في الشرائع الأخري الحديثة . . هذا فضلا عما أفضي إليه تطبيقه من الاضطراب والجدل في تفسير أحكامه ، ولذلك فضلن اللجنة العدول عنه في المشروع الجديد اكتفاء بجرائم الاتفاقات الخاصة التي نص عليها القانون في حالات معينة بارزة الخطورة يضاف إلي ذلك أن اللجنة رأت . .
اعتبار تعدد المجرمين . . ظرفا مشددا إذا وقعت الجريمة بناء علي اتفاقهم السابق ، فإذا بقي الاتفاق بغير نتيجة كان هناك محل لتوقيع التدابير الاحترازية التي يقررها القانون . . . بدلا من توقيع العقوبات العادية . .
وتحديدا لمعني الخطورة . . استرط النص أن يقع الاتفاق بين ثلاثة علي الأقل حتي يتحقق الظرف المشدد أو يتوافر شرط توقيع التدابير الاحترازية وليس المراد بالاتفاق في هذه الحالة مجرد التفاهم العرضي وإنما هو الاتفاق المصمم عليه الذي تدبر فيه الجريمة وكيفية ارتكابها ، وهذا النوع من الأتفاق هو الذي يبلغ درجة من الخطورة تقتضي معالجتها تشريعيا بتشديد العقاب إذا وقعت الجريمة المدبرة ، أو بتوقيع التدابير الاحترازية التي يقررها القانون . . . إذا لم تقع الجريمة ، والمفهوم من تعبير وقوع الجريمة نتيجة للأتفاق .

هو أن تقع الجريمة تامة أو مشروعا فيها شروعا معاقبا عليه .
وحيث أنه إذا كان الهدف من التجريم قديما هو مجرد مجازاة عن جريمة التي اقترفها فقد تطور هذا الهدف في التشريع الحديث ليصبح منع الجريمة سواء كان المنع ابتداء أو ردع الغير عن ارتكاب مثلها فالاتجاهات المعاصرة للسياسية الجنائية في مختلف الدول تتجه – كما تشير المؤتمرات المتعاقبة للأمم المتحدة بشأن منع الجريمة ومعاملة المجرمين إلي أهمية اتخاذ التدابير المانعة لوقوع الجريمة وسن النصوص التي تكفل وقاية المجتمع منها وتجريم الاشتراك في الجمعيات الإجرامية وتنمية التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة ؛ إلا أن شرعية النصوص التي تتخذ كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف مناطها توافقها وأحكام الدستور واتفاقها ومبادئه ومقتضاه ، ومن ثم يتعين علي المشرع – في هذا المقام – إجراء موازنه دقيقه بين مصلحة المجتمع والحرص علي أمنه واستقراره من جهة ، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخري .
وحيث أن الدستور ينص في المادة 41 علي أن ” الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس . . . كما ينص في المادة 66 علي أن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون ، ولا توقع العقوبة إلا بحكم قضائي ، ولا عقاب إلا علي الافعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون ، كما حرص في المادة 67 علي تقرير إفتراض البراءة فالمتهم برئ إلي أن تثبيت إدانته في محاكمة منصفه تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه . وحيث أن الدستور – بنص المادة 66 سالفة الذكر – قد دل علي أن لكل جريمة ركنا ماديا لاقوام لها بغيره يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي ، مفصحا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ علي ارتكابه إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا ، وذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه علي المخاطبين بأحكامه ، ومحورها الأفعال ذاتها ، في علاماتها الخارجية ، ومظاهرها الواقعية ، وخصائصها المادية ، إذ هي مناط التأثيم وعلته ، هي التي يتصور إثباتها ونفيها ، وهي التي يتم التمييز علي ضوئها بين الجرائم بعضها البعض وهي التي تديرها محكمة الموضوع علي حكم العقل لتقيمها وتقدير العقوبة المناسبة لها ، ولا يتصور بالتالي وفقا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل علي توافر السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحداثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه . ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإدارة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مؤاخذ عليه قانوناً فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها ، والتعبير عنها خارجيا في صورة مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة . وحيث أنه من القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجزئية ، أن تكون درجة اليقين التي تنتظم أحكامها في أعلي مستوياتها ، وأظهر في هذه القوانين منها في أية تشريعات أخري ، وذلك أن القوانين الجزائية تفرض علي الحرية الشخصية أخطر القيود وأبغلها أثرا ، ويتعين بالتالي – ضمانا لهذه الحرية – أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محدده بصورة قاطعه بما يحول دون التباسها بغيرها ، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنوهيها ، وذلك أن التجهيل بها أو انبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها علي بينه من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها . كذلك فإن غموض مضمون النص العقابي مؤاده أن يحال بين محكمة الموضوع وبين أعمال قواعد منضبطة تعين لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لاخفاء فيه وهي قواعد لا ترخص فيها وتمثل إطارا لعملها لا يجوز تجاوزه ، ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن توافر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة وحرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها ولازم ذلك أن تكون القيود علي الحرية التي تفرضها القوانين الجزائية ، محدده بصورة يقينية لأنها تدعو المخاطبين بها إلي الامتثال لها لكي يدفعوا عن حقهم في الحياة وكذلك عن حرياتهم تلك المخاطر التي تعكسها العقوبة بحيث لا يتم تجاوز الحدود التي اعتبرها الدستور مجالا حيويا لمباشرة الحقوق والحريات التي كفلها ، وهو ما يخل في النهاية بالضوابط الجوهرية التي يقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقا لنص المادة 67 من الدستور .

وحيث أن البين من استقراء نص الفقرة الأولي من المادة 48 المشار أنها عرفت الاتفاق الجنائي بأنه شخصين أو أكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها ، ولم يشترط النص عددا أكثر من اثنين لقيام الجريمة كما لم يتطلب أن يستمر الاتفاق لمدة معينة أو أن يكون علي قدر من التنظيم وقد يكون محل الاتفاق عدة جنايات ، أو مجموعة جرائم مختلطة من النوعين معا ، كما لا يرد الاتفاق الا على جناية أو جنحة واحدة ، ولم يستلزم النص ان تكون الجريمة أو الجرائم المتفق على ارتكابها على درجة من الجسامة ، بل قد يكون محل الاتفاق اقتراف أي جنحة مهما كانت قليلة الأهمية في دلالتها الإجرامية ، كما انه ليس بلازم ان تتعين الجناية أو الجنحة محل الاتفاق كما لو تم الاتفاق على استعمال العنف – بأي درجة – لتحقيق غاية الاتفاق ، سواء كانت هذه الغاية في في ذاته مشروعة أو غير مشروعه ، ومن ثم فان نطاق التجريم واسعا فضفاضا لا تقتضيه ضرورة اجتماعية مبرره .

وحيث أن قضاء هذه المحكمة علي أن شرعية الجزاء – جنائيا كان أم مدنيا أم تأديبيا – مناطها أن يكون متناسبا مع الأفعال التي أثمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها فالأصل في العقوبة هو معقوليتها فكلما كان الجزاء الجنائي بغيضا أو عاتيا أو كان متصلا بأفعال لا يسوغ تجريمها أو مجافيا بصورة ظاهرة للحدود التي يكون معها متناسبا مع خطورة الأفعال التي أثمها المشرع ، فأنه يفقد مبررات وجوده ويصبح تقييده للحرية الشخصية اعتسافا ؛ متي كان ذلك ، وكانت الفقرة الثانية من المادة 48 تقرر عقوبة السجن علي الاتفاق الجنائي علي ارتكاب جناية ، وكانت عقوبة السجن هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية وتشغيله داخل السجن أو خارجه في الأعمال التي تعينها الحكومة المدة المحكوم بها عليه ، ولا يجوز أن تنقص عن ثلاث سنوات ولا يزيد علي خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونا بينما هناك جنايات كثيرة حدد المشرع العقوبة فيها بالسجن مدة لا تقل عن خمس عشر سنة ؛ كما تنص ذات الفقرة علي أن عقوبة الاتفاق الجنائي علي ارتكاب الجنح هي الحبس أي وضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه وحدها الأدنى أربع عشرون ساعة ولا تزيد علي ثلاث سنوات إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونا ، بينما هناك جنح متعددة حدد المشرع العقوبة فيها بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وهو ما يكشف عن عدم تناسب العقوبات الواردة في الفقرة الثانية من النص المطعون فيه مع الفعل المؤثم . ولا وجه للمحاجة في هذا المقام بأن الفقرة الرابعة من المادة 48 المشار إليها تقضي بأنه إذا كان محل الاتفاق جناية أو جنحة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرة السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة ، ذلك أن محل الاتفاق – كما سبقت الإشارة – قد يكون ارتكاب جناية أو جنحة غير معينة بذاتها وعندئذ توقع العقوبات الواردة في الفقرة الثالثة من المادة وحدها وهي تصل إلي السجن خمس عشر سنة أو الحبس ثلاث سنوات – حسب الأحوال – ولا شك أنها عقوبات مفرطة في قسوتها تكتشف عن مبالغه المشرع في العقاب بما لا يتناسب والفعل المؤثم .

وحث أنه لما كان الهدف من العقوبة الجنائية هو الزجر الخاص للمجرم جزاء لما أقترف ، والردع العام للغير ليحمل ارتكابهم الجريمة على الإغراض عن إتيانها وكانت الفقرة الرابعة من المادة 48 تقرر توقيع العقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو الجنحة محل الاتفاق على مجرد الاتفاق على اقترافها حتى ولولم يتم ارتكابها فعلا ، فأنها بذلك لاتحقق ردعا عاما ولا خاصا ، بل إن ذلك قد يشجع المتفقين على ارتكاب الجريمة محل الاتفاق طالما أن مجرد الاتفاق على اقترافها سيؤدى إلى معاقبتهم بذات عقوبة ارتكابها 0
وحيث إن السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة ، فان قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها ، بحيث لاتكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينها ، تقديرا بأن الأصل فى النصوص التشريعية – فى الدولة القانونية – هو ارتباطها عقلا بأهدافها ، باعتبار أن أى تنظيم تشريعى ليس مقصودا لذاته، وانما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف ، ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص الطعين يلتزم إطارا منطقيا للدائرة التى يعمل فيها ، كافلا من خلالها تناغم الأغراض التى يستهدفها ، أم متهاد ما مع مقاصده أو مجاوزا لها ، ومناهضا – بالتالى – لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص علية فى المادة 65 من الدستور ، متى كان ذلك وكان المشرع الجنائى قد نظم أحكام الشروع فى الباب الخامس من قانون العقوبات ( المواد من 45 إلى 47 ) وهو الذى يسبق مباشرة الباب السادس الخاص بالاتفاق الجنائي ، وكان الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أثره لاسباب لا دخل لارادة الفاعل فيها ، وكان مجرد العزم على ارتكاب الجريمة أو الأعمال التحضيرية لذلك لا يعتبر شروعا ، بحيث يتعدي الشروع مرحلة مجرد الاتفاق علي ارتكاب الجريمة إلي البدء فعلا في تنفيذها وكان الشروع غير معاقب علية في الجنح إلا بنص خاص ، اما في الجنايات فإن عقوبة الشروع تقل درجة عن العقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو بما لا يزيد علي نصف الحد الأقصي للعقوبة المقررة للجريمة التامة ، فإذا أعقب المشرع تلك الأحكام بالنص في المادة 48 علي تجريم مجرد إرادة شخصين أو أكثر علي ارتكاب أي جناية أو جنحة أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها أو الجنحة محل الاتفاق ، فانه يكون منتهجا نهجا يتنافر مع سياسية العقاب علي الشروع ومناقضا – بالتالي – للأسس الدستورية للتجريم .

وحيث أن الفقرة الأخيرة من المادة 48 تقرر الإعفاء من العقوبات المقررة لمن يبادر من الجناة بٌإخبار الحكومة بوجود الاتفاق الجنائي والمشتركين فيه قبل وقوع الجناية أو الجنحة محل الاتفاق فإن حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يواصل إلي ضبط الجناة ، وذلك ابتغاء تشجيع المتفقين على الإبلاغ بإعفائهم من العقاب على النحو السالف البيان ، إلا أن مؤدى النص أنة إذا ما تم الاتفاق ثم عدل المتفقون جميعا من تلقاء أنفسهم عن المضى فى الاتفاق فان جريمة الاتفاق الجنائي تكون قد وقعت متكاملة الأركان ويحق العقاب على المتفقين ، فيغدو ارتكاب الجريمة محل الاتفاق – فى تقدير المتفقين _ ليس أسؤ من مجرد الاتفاق عليها ولا يكون لتجنب ارتكابها والعدول عن اقترافها فائدة ما ، وهو ما يعنى عدم تحقيق النص المطعون علية للمقاصد التى ابتغاها المشرع 0
وحيث إن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن دستورية النصوص العقابية ، تضبطها مقاييس صارمة ، ومعايير حادة تلتئم وطبيعة هذه النصوص فى اتصالها المباشر بالحرية الشخصية التى أعلى الدستور قدرها ، مما يفرض على المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء فى جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية ، وأن تكون العقوبة التى يفرضها فى شأن الجريمة تبور مفهوما للعدالة يتحدد على ضوء الأغراض الاجتماعية التى تستهدفها ، فلا يندرج تحتها مجرد رغبة الجماعة فى ارواء تعطشها للثأر والانتقام ، أوسعيها للبطش بالمتهم ، كما لا يسوغ للمشرع أ ن يجعل من نصوصه العقابية شباكا أو شراكا يلقيها ليتصيد باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها ، وكان الجزاء الجنائى لا يعد مبررا إلا إذا كان واجبا لمواجهة ضرورة اجتماعية لها وزنها ، ومتناسبا مع الفعل المؤثم فان جاوز ذلك كان مفرطا فى القسوة مجافيا للعدالة ، ومنفصلا عن أهدافه المشروعة ، متى كان ما تقدم جميعه فان المادة 48 المشار إليها تكون قد وقعت فى حمأة المخالفة الدستورية لخروجها على مقتضى المواد 41 و 65 و 66 و 67 من الدستور 0

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات ، والزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماة 0

أمين السر رئيس المحكمة ناصر أمام

2- حكم الحكمة الدستورية العليا في الدعوى
12/2/1977 أحكام النقض س 28ق ص 281 ، 25/4/1967 س 18 ق 115 ص 597.
11/12/1942 مجموعة القواعد القانونية ج 6 ق 421 ص 560 .
كتاب قانون العقوبات القسم العام للدكتور عوض محمد ص 51.
المرجع السابق ص 54 .
المرجع السابق ص 293 .
دستورية عليا في 2 يناير سنة 1993 القضية رقم 3 لسنة 10 قضائية دستورية مجموعة أحكام الدستورية العليا ج 5″ المجلد الثانى ” القاعدة رقم 10ص 102 .
الدستورية العليا في 2 ديسمبر سنة 1995 فى القضية رقم 28 لسنة 17 ق دستورية – الجريدة الرسمية العدد 51 فى 21 ديسمبر سنة 1995 .
– دستورية عليا في 12 فبراير 1994 في القضية رقم 105 سنة 12 فضائية دستورية الجريدة الرسمية في 3 مارس سنة 1994.
راجع النص فى الملحق رقم (1 )

الأهرام في 17/6/2001
– الاهرام فى 17/6/2001 .
يراجع كتاب الآثار القانونية لاحكام الدستورية العليا دكتور عبد العزيز محمد سلمان صـــ276 .
يراجع قضاء الدستورية القضاء الدستوري في مصر للدكتور عادل عمر الشريف صــ471 .
المستشار عوض المر من تقديم الجزء السابع من مجموعة أحكام المحكمة الدستورية .
يراجع قانون الإجراءات الجنائية معلقا عليه بالفقه وبحكم القضاء الدكتور مأمون سلامة ص 1248.
15 الثابت من ملف الدعوي الموضوعية أنه بجلسة تلك المحكمة في 9/3/1999 دفع الحاضر عن المتهم الثاني ( المدعي في الدعوى الماثلة ) بعدم دستورية النص الطعين ، وتمسك به بجلسة 10/6/1999 وفيها قررت تلك المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 1/8/1999 لرفع الدعوى بعدم دستورية نص المادة 48 من قانون العقوبات أمام المحكمة الدستورية العليا وتقديم ما يفيد ذلك علي وجه رسمي وكلفت الحاضر عن المتهم الثاني ( الذي اثار الدفع ) بذلك وبجلسة تلك المحكمة في 1/8/1999 قررت المحكمة وقف الدعوي لحين الفصل في الدعوى .

16 يراجع في هذا الشأن د . محمود محمود مصطفي – شرح قانون العقوبات القسم العام ص 392 وما بعدها .
يراجع تفصيل قرار قاضي الاحاله بمحكمة مصر الصادر في 22 مارس سنة 1910 في مجلة الحقوق س 25 ص 74و75
18 – وقد عارض مجلس شوري القوانين في مشروع الحكومة ورأي قصر التشريع علي عقاب الجمعيات السياسية وعصابات اللصوص وقطاع الطرق حرصا علي المبادئ العامة التي تقضي بعدم تجريم الأعمال التي تتقدم الشروع من غير ضرورة أو فائدة ولكن الحكومة لم تأخذ بإقتراح المجلس واستصدرت القانون بالمادة 47 مكررة كما قدمتها ( القانون رقم 38 لسنة 1910 ) .
– محمود محمود مصطفي – شرح قانون العقوبات القسم العام – ويضيف أنه بذلك تختلف عن التوافق أي توارد الخواطر علي الأجرام .
– يراجع عل سبيل المثال حكم محكمة القض في الطعن رقم 5522 لسنة 95 ق بجلسة 25/12/1998 بمجموعة السنة 40 ص 1313 وحكمها في الطعن رقم 29 لسنة 31 الصادر بجلسة 17/4/1964 المنشور بمجموعة السنة 12 ص 454 وحكمها في الطعن رقم 1988 لسنة 34 الصادر بجلسة 10/5/1965 والمنشور بمجموعة السنة 16 ص 441

– حكم محكمة النقض فى الطعن رقم 292لسنة 18ق فى الصادر بجلسة 28/4/1948 وكانت وقائع الدعوي الجنائية حسبما كشف عنها هذا الحكم تخلص فى ان زيدا اتصل بأحد الجنود البريطانيين وعرض عليه ان يبيعه هذا أسلحة من الجيش البريطاني فتظاهر هذا الجندي له بقبول العرض و اتصل بأحد رؤسائه وهو ضابط بريطاني وأفضي إلية بالامر فاتفقا فيما بينهما علي التظاهر هذا الجندي له بقبول العرض وساوما العرض علي ثمن الأسلحة ثم اتصل الضابط بالبوليس المصري وبلغه بما وقع ثم احضر الضابط والجندي البريطانيين بعض الأسلحة بدعوى سرقتهما إياها من مخازن البوليس ثم هما بتسليمها لزيد فداهمه البوليس المصري وخلص الحكم المشار إليه إلي أن هذه الواقعة لا تتحقق فيها جريمة الاتفاق الجنائي ولا عقاب عليها .
– د . محمود محمود مصطفي المرجع السابق ص 397 وما بعدها .
– يرجع حكم محكمة النقض الجنائي بجلسة 28/6/1943 مجموعة لسنة 6 ص 312 .
– يراجع حكم محكمة النقض الجنائي بجلسة 21/12/1912 .
– يراجع حكم محكمة النقض في 15/2/1913 المجموعة الرسمية السنة 14 ص 107 .
– يراجع د . محمود محمود مصطفي المرجع السابق ص 296 ويراجع أيضا مقال العرابي مجلة المحاماة السنة 4 ص 313 وما بعدها .
– يراجع أحكام محكمة النقض المشار إليها فيما سبق .
يراجع حكم محكمة النقض الجنائي في الطعن رقم 436 لسنة 14 ق بجلسة 8/5/1944 وقد جرت أسباب هذا الحكم علي أن هذا المعني يظهر بوضوح من المذكرة التفسيرية للمادة 47 المكررة من قانون العقوبات القديم التي حلت محلها المادة 48 من القانون الحالي إذا فيها ويعتبر الاتفاق جنائيا سواء أكانت الجناية أو الجنايات أو الجنحة أو الجنح المقصودة منه معينة أم لا .

– د . محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات القسم العام – النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبة والتدبير الاحترازي ص 491 .
– يراجع حكم محكمة النقض الجنائي في 105/1965 السنة 16 ص 441 .
– يراجع د . محمود محمود مصطفي المرجع السابق ص .40 .
– يراجع في تفصيل ذلك د . محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات – المرجع السابق ص 493 وما بعدها .
– يراجع د . محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم الرابع – المرجع السابق ص 489 .
– راجع د . محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم العام – المرجع السابق ص 489 وما بعدها كذا هامش رقم (1) ص 490 .
– يراجع د . محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم الرابع – المرجع السابق ص 488 وما بعدها .
– يراجع محكمة النقض الصادر بجلسة 14/4/1991 مجموعة السنة 5 ص 444 وحكمها في الطعن رقم 1522 لسنة 14 بجلسة 11/12/1944 .

– يراجع د . محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم الرابع – المرجع السابق ص 484 .
– راجع د . محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم الرابع – المرجع السابق ص وما بعدها .
كما يراجع د. محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات – المرجع السابق ص وما بعدها .
– ويؤدي ذلك إلي أن توقع عقوبة المتفق عليها : فان هذه العقوبة أشد من عقوبة الاتفاق الجنائي فهي الواجبة التطبيق عملا بالمادة 32/2 أما إذ كانت أقل من العقوبة الاتفاق تهبط إلي عقوبة الجريمة فتتحد العقوبتان تطبيقاً للفقرة الرابعة من المادة 48 ويعني ذلك تطبيق إحداهما علي السوء . وأنظر نقض 24 يناير سنة 1983 مجموعة أحكام محكمة النقض س 34 رقم ص 147 .
– يؤدي ذلك إلي تطبيق عقوبة الجريمة التامة باعتبارها عقوبة الاتفاق الجنائي وهي بطبيعة الحال أشد من عقوبة الشروع ويعني ذلك أن تطبق علي المتهم عقوبة الجريمة التامة علي الرغم من أن نشاطه اقتصر علي الشروع ، وليس هذا الحكم شذوذ إذ أن هذه العقوبة لن توقع من أجل الشروع ، وانما توقع من أجل الاتفاق الجنائي وهي جريمة تامة اقترفها المتهم فاستحق عقوبتها التي حددها الشارع بحيث تعادل عقوبة الجريمة المتفق عليها . د . محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات – القسم العام ص 496 وما بعدها .

– ذهبت محكمة النقض إلي القبول بوجود جريمتين ناشئتين عن الاتفاق الجنائي ذاته الأولي هي الاتفاق الجنائي والثانية هي الاشتراك بالاتفاق ، ورأت تبعا لذلك وجوب تطبيق المادة 32/1 الخاصة بالتعدد المعنوي . وهذا القول محل نظر كما ذهب الدكتور محمود نجيب حسني لن مسئوليه المتهم كشريك بالاتفاق لا تعني أن اتفاق في ذاته جريمة وانما تعني أنه وسيلة لتحديد المسئولية عن الجريمة المتفق عليها التي ارتكبت بناء علي الاتفاق فالاتفاق كوسيلة اشتراك لا تكمن فيه ذاته صفه إجرامية ومن ثم نكون بصدد تعدد مادي مع وحده الغرض والارتباط ، فلمتهم مسئول كفاعل عن الاتفاق الجنائي ومسئول كشريك عن جريمة ثانية هي الجريمة المتفق عليها .
– نقض 26 يناير 1954 مجموعة أحكام محكمة النقض س 5 رقم 91 ص 374 .
– فالاعتراف الذي يصدر بعد ضبط الجناة لا يعفى من العقاب : نقض 3 يناير سنة 1938 مجموعة القواعد القانونية جـ 4 رقم 124 ص 138 .
– ويعني ذلك أن البحث الذي تجرية سلطات الشرطة يحول دون هذا الإعفاء الدكتور السعيد مصطفي السعيد ، ص 262 الدكتور محمود محمود مصطفي ، رقم 380 ص 406 ، الدكتورة فوزية عبد الستار رقم 414 ص 464 .
– لدكتور السعيد مصطفي السعيد ، ص 362 .
– قض 26 يناير 1954 مجموعة أحكام النقض س 5 رقم 91 ص 274 وفية تقرر المحكمة أن الأقوال المعماة التي ليس من شأنها أن تكشف عمن اشتركوا في الاتفاق الجنائي لا تكفي لامتناع العقاب خاصة إذا أبديت بعد وقوع الجرائم المتفق عليها .

– أصيف لأول مرة هذه الحالة بالقانون رقم 48 لسنة 1933 .
– انظر في بيان هذه العلة : المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 28 لسنة 1910 ، انظر في نقد الإعفاء : الدكتور محمود محمود مصطفي المرجع السابق ص 405 رقم ( 1 ) .

– يراجع علي سبيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم 105 لسنة 12 بجلسة 12/2/1994
– يراجع علي سيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم 3 لسنة 10 ق بجلسة 3/1/1993 .
– و يراجع قريباَ من هذا النظر – د.شريف بسيوني –
SUSBTANTIVE CRIMINAL LAW
ص 161 و ما بعدها و قد جاء به عن العناصر المادية للجريمة أو “Actus Reus” أن :

The commands of the decalog are phrased in terms of “do” and “do not “.The commands of criminal law are similarly phrased in terms of prohibiting the commission of certain acts. Thus, all the mandates of the criminal law are based on the first and most essential element of –a-crime namely the material element.
The policy on which such an approach is based stems from the following considerations :
(1) The aim of the law is to regulate relations between people and not to punish thoughts. The law is, therefore, concerned with the prevention of external results which cause or may cause harm to others.
(2) The law is based on human experience and applies to that which it is capable of preventing . This , in turn is grounded in what can be demonstrated ( established and proven),externally manifested , and demonstrable .
(3) The Wishful desires of the mind are excluded from the purview of the criminal law because they cannot in and of themselves do harm.
(4) Even when considering the mental elements of a crime, the law turns of the material manifestations of criminal conduct as indispensable in determining the existence of the mental element, which is the second element of a crime.

– يراجع فى ذلك تقرير هيئة المفوضين فى القضية الدستورية رقم 3 لسنة 10 ق .
– يراجع د . محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات – القسم العام – المرجع السابق هامش رقم 1 ص 273 وما بعدها كما يراجع للمؤلف – علاقة السببية في قانون العقوبات – ص 31 وما بعدها .
– في الجرائم المشار اليه بالمتن تتكون كل جريمة من جريمتين ولكنهما تذوبان في وصف قانوني واحد هو الجريمة المركبة
– يراجع في ذلك – فكرة النتيجة في قانون العقوبات د . عمر السعيد رمضان بحث منشور بمجلة القانون والاقتصاد السنة 31 العدد الأول وقد ذهب فيه إلي أن النتيجة هي واقعية مادية متميزة عن نشاط الجاني وتترتب عليه ويعتد بها القانون ويخلص إلي توافر النتيجة وفقا لهذا التصوير في الجرائم الإيجابية ومن بينها الجرائم الشكلية ولا تتوافر في الجرائم السلبية البحتة

– راجع د . محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات – القسم العام – المرجع السابق ص 2293 وما بعدها – وللمؤلف – علاقة السببية في قانون العقوبات مرجع سابق
– يراجع د . محمود محمود مصطفي – شرح قانون العقوبات القسم العام ص 412 وما بعدها .
– يراجع علي سبيل المثال حكم محكمة النقض الصادر بجلسة 21/12/1912 .
– راجع د . محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات – القسم العام – المرجع السابق ص 608 وما بعدها
– يراجع في ماهية الفعل د . محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات – القسم العام – المرجع السابق هامش رقم 1 ص 273 كما يراجع للفقيه نفسه – علاقة السببية في قانون العقوبات ص 31 وما بعدها.
– يراجع د . محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات – القسم العام – المرجع السابق ص 274 وما بعدها
– يراجع في ذلك د . محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات – القسم العام – المرجع السابق ص 276
-يراجع علي سبيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم 25 لسنة 16 بجلسة 3/7/1995
– يراجع التقرير الماثل ص 10 وما بعدها .
– الباعث اصطلاحا وهو مسألة نفسية تتمثل الانعكاس النفسي المصور للحاجات التي يبتغي الجاني اشباعها (الغاية) فينعقد قصده لارتكابه الجريمة ( القصد الجنائي) ويراجع في تفاصيل ذلك د . محمود نجيب حسني – قانون العقوبات القسم العام – المرجع السابق ص 608 وما بعدها .

– الدكتور حلال ثروت المرجع السابق ص 319 والدكتور عوض محمد المرجع السابق ص 293 وما بعدها .
– الدكتور السعيد مصطفي السعيد المرجع السابق ص 229 وما بعدها .
– يراجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم 42 لسنة 16 ق بجلسة 20/5/1995 .
– يراجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم 6 لسنة 15 ق بجلسة 15/4/1995 .
69 – يراجع فيما يلي شرحا لأغراض التجريم وهو ما نتاولة لأحقا تحت عنوان ” خامسا ” مدي اتفاق العقوبة وفقا لعرض الطعين والدستور .
– راجع علي سبيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم 2 لسنة 20 ق بجلسة 5/8/2000 وهو ذات ما سبق أن قضت به القضية الدستورية رقم 24 لسنة 18 ق بجلسة 5/7/1997 .
– راجع علي سبيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم49 لسنة 17 ق بجلسة 15/6/1996
– راجع على سبيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية الدستورية رقم 37 لسنة 15 ق بجلسة 3/8/1996
(2) راجع علي سبيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم37 لسنة 15 ق بجلسة 3/8/1996
– راجع على سبيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية الدستورية رقم 37 لسنة 15 ق بجلسة 3/8/1996
– يراجع تقرير هيئة المفوضين التكميلي في القضية الدستورية رقم 37 لسنة 15 ويراجع د . محمود نجيب حسني – شرح تقرير قانون العقوبات القسم العام – مرجع سابق ص 74 وما بعدها وقد جاء فيه عن أهداف العقوبات ، انه من السائغ تأصيلها بردها إلي نوعين معنوي وهو تحقيق العدالة ونفعي وهو الردع بنوعية العام والخاص ”
ير اجع كذلك للمؤلف نفسه – عام العقاب ص 60 وما بعدها وفيه تناول أغراض العقوبة وفقا لأراء مختلف المدارس الفقهية ( المدرسة التقليدية الأولي – المدرسة الوضعية والمدارس الوسطية – وحركة الدفاع الاجتماعي ) وقد أشار سيادته إلي أن الجهود العلمية قد تعاقبت في مجال تحديد أغراض الجريمة فقيل بالردع العام ثم التحقيق العدالة ثم الردع الخاص .

– ويراجع د . محمود نجيب حسني – علم العقاب ص 92 وما بعدها
– ويراجع د . محمود نجيب حسني – علم العقاب ص 94 وما بعدها .
– يقو رجال الاتحاد الدولي لقانون العقوبات بأن سبل تحقيق الردع ثلاثة هي الاستبعاد ، و الإصلاح و الإنذار و جعلوا لكل سبيل منها مجاله بالنسبة لطائفه من المجرمين و لكن هذا التقييم محل نظر خاصة بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية فالاستبعاد يفترض اليأس من تـأهيل المجرم و مثل هذا اليأس يتعين ألا يكون له محل بعد تقدم أساليب المعاملة العقابية مستندة إلى قواعد علمية متطورة يستحل معها القول بمثل هذا اليأس الذي من مقترضاته جمود هذه الأساليب علي وضعها الراهن و فضلا عن هذه فأن سلب الحرية لا يكون استبعاد ألا إذا كان مؤبدا و هو الأمر الذي لم يعد له ثمة وجود الأمن الناحية النظرية سيما في ضوء تقبل التشريعات الحديثة نظم الأفراج الشرطي اما إنذار فيقوم إلى العقوبات سالبة الحرية ذات المدة القصيرة و هي مرفوضة في قواعد علم العقاب لغلبه مضارها و لا يتبقى من سبيل لتحقيق الردع الخاص غير الإصلاح و لي أساسه جري تحديد أغراض أربعة لأساليب المعاملة العقابية : أولها خلق الشعور بالمسئولية لدي المحكوم عليه قبل نفسه و المجتمع ، و ثانيها المحافظة علي إمكانيات المحكوم عليه البدنية و الذهنية و تنميتها او محاولة خلقها ان لم تكن موجودة و : : : ثالثها محاولة الإقلال من الآثار الضارة المرتبطة بسلب الحرية و رابعها تنظيم رعاية اجتماعية لاحقة علي تنفيذ العقوبة و تستمر لحين التيقن من تحقق التأهيل د . محمود حسني – علم العقاب – المرجع السابق ص 97
– و نشير إلى أن ترجح الردع الخاص قد غدا اتجاها عاما تقره التشريعات الحدثية و تحرص علي أن تستخلص منه نتائجه المنطقية فقد جري نص المادة 27 من الدستور الإيطالي الصادر سنة 1947 علي انه لا يجوز ان تكون العقوبة معاملة مناقضة للشعور الإنساني و يتعين أن تتجه إلى إعادة تهذيب المحكوم عليه ” و جري نص إعلان الحقوق المصاحب لمشروع الدستور الفرنسي الذي اعد 1956 علي ان العقوبات شخصية و تتناسب نع حسامه الجريمة و يتعين ان العقوبات السالبة و المقيدة للحرية إلى إعادة تهذيب المحكوم عليه .
و نشير كذلك إلى ان قواعد الحد الأدنى لمعاملة المسجونين التي اقرها المجلس الاقتصادي و الاجتماعي للأمم المتحدة في 31/7/57 قد تضمنت تحت رقم 58 ان غرض وعلة العقوبات و التدابير السالبة للحرية هو في النهاية حماية المجتمع ضد الجريمة و لاسبيل إلى بلوغ هذا الغرض إلا إذا استغلت – في أوسع نطاق ممكن – قدرة سلب الحرية لجعل المحكوم عليه عند الإفراج عنه راغبا و أهلا لان يعيش في المجتمع محترما للقانون و لان يحصل منه علي ما يشبع غاياته ……………
يراجع في ذلك د محمود نجيب حسني علم العقاب – المرجع السابق .. ص 98 و ما بعدها و قد أشير فيه إلى تشريعات كثير من الدول رجحت صراحة الردع الخاص هدفا للعقوبة – كما يراجع في مثل هذا النظر أيضا د . احمد فتحي سرور – قانون العقوبات المرجع السابق ص 596 و ما بعدها .
– يراجع فى ذلك تفصيلا ص 17 من هذا التقرير
– يراجع ص20 من التقرير الماثل وهامش (1) من تلك الصحيفة .
– ص قانون العقوبات في المادة (9)منه على ان الجرائم ثلاثة أنواع : الأول الجنايات : الثاني الجنح : الثالث المخالفات
كما ينص في المادة (10) – على ان : الجنايات في الجرائم المعاقب عليها بالعقوبات آلاتية : الإعدام ،الأشغال الشاقة المؤبدة، الأشغال الشاقة المؤقتة ، السجن ، وتنص المادة (11) المعدلة بالقانون رقم 169لسنة 1981على ان : الجنح هي الجرائم المعاقب عليها بالعقوبات آلاتية : الحبس . الغرامة آلتي يزيد أقصى مقدار لها على مائة جنية .
– ويزيد هذا النظر ان الغالبية العظمى من الدول تفرق في تشريعاتها في الحكم بين الشروع و الجريمة التامة على أساس ان الضرر الاجتماعي يختلف مداه في كل حالة وقد اخذ المشرع المصري بهذا الاتجاه الأخير فجعل عقوبة الردع بوجه عام اقل من عقوبة الجريمة التامة ونصت المادة 16 من قانون العقوبات على ان يعاقب على المشروع في الجناية بالعقوبات آلاتية إذا نص قانون على خلاف ذلك :-
بالإشعال الشاقة المؤبدة إذا كانت عقوبة الجناية الإعدام .
بالأشغال الشاقة المؤقتة إذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤبدة .
بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لاتزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانونا إن السجن ذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤقتة .
بالسجن مدة لاتزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانون أو الحبس ذا كانت عقوبة الجناية السجن ( وهذه الفقرة معدلة بالقانون رقم 29لسنة 1982 المنشور بالجريدة الرسمية في 22 أبريل سنة 1982- العدد 16 ).
كما تنص المادة (47) من قانون العقوبات على ان تعين قانونا الجنح التي يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع وأعمالا لهذا النص فان لاعقاب –أصلا –على الشروع في الجنح واستثناء إذا ما كان هناك نص خاص يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع في جنحة معينة فانه بتعين الرجوع الى ذلك النص لمعرفة عقوبة الشروع في تلك الجنحة ، ويذهب قانون العقوبات الى وضع عقوبة اقل للشروع في الجنح كما هو الشان في عقوبة الشروع في السرقة (م221ع)و النصب(م226ع) و النصب و التهديد (م 226ع) وتارة أخرى تكون العقوبة متساوية في الشروع و الجريمة التامة كما هو الشان في نقل المفرقعات أو المواد القابلة للالتهاب في القطارات و المركبات (م.17ع) وإدخال البضائع الممنوع دخولها في البلاد (م228ع).
وهذه التفرقة – التي اعتنقها المشرع المصري بين الشروع و الجريمة التامة في مجال تحديد العقوبة لا يبررها آلا ان الشروع في الجريمة اقل من حيث الضرر الاجتماعي الذي ينجم عنه
( يراجع د. عوض محمد عوض – شرح قانون العقوبة القسم العام ص 223 ) وإذا ف كان الاتفاق الجناية مرحلة سابقة على الشروع فانه –تطبيقا لذاد النهج – يجب ان تكون عقوبته ه أخف من الجريمة التامة و أخف من الشروع .