اضاءات حول دعوى فصل الشريك من الشركة في التشريع والقانون المصري

دعوى فصل شريك

تنص المادة الأولى من مواد إصدار قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 على أن: “تسري أحكام المُرافق على الشركات المُساهمة، وشركات التوصية بالأسهم، والشركات ذات المسئولية المحدودة. ويُلغى القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة، كما يُلغى القانونان رقم 244 لسنة 1960 بشأن الاندماج في شركات المساهمة ورقم 137 لسنة 1961 بتشكيل مجالس إدارة شركات المساهمة، وكذلك كل حكم يتعارض مع أحكام القانون المُرافق”.

ولم تتعرض هذه المادة للمواد الواردة في القانون التجاري (القديم)( 2 ) المُتعلقة بشركات الأموال (في المواد من 19 : 57 منه)، وهذه تظل سارية ما لم تتعارض أحكامها مع ما ورد في هذا القانون من أحكام مُخالفة، فالقانون الحالي (رقم 159 لسنة 1981) أصبح هو المرجع الأساسي لتنظيم شركات الأموال حتى وإن كانت مُنظمة بقوانين خاصة.
مع الأخذ في الاعتبار أن قواعد التقنين المدني المُتعلقة بعقد الشركة تسري على شركات الأموال بوصفها قواعد عامة لأحكام الشركات. (المرجع: “الشركات المُساهمة في التشريع المصري” – للأستاذ/ محمد علوان – طبعة 1994 القاهرة – صـ 109).
حيث أن القانون المدني هو الشريعة العامة لجميع أنواع الشركات طالما أن هذه الأحكام لا تتعارض مع أحكام قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981، ومن ثم يكون القانون المدني هو القانون الواجب التطبيق في حالة خلو قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 من نص خاص ينظم مسألة بعينها.

وإذ خلا قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 من نص خاص ينظم مسألة “فصل” شريك من الشركة، بينما نظم القانون المدني (وهو الشريعة العامة للعقد الشركة) تلك المسألة بنصه في الفقرة الأولى من المادة 531 منه على أنه: “يجوز لكل شريك أن يطلب من القضاء الحكم بفصل أي من الشركاء يكون وجوده في الشركة قد آثار اعتراضاً على مد أجلها أو تكون تصرفاته مما يمكن اعتباره سبباً مسوغاً لحل الشركة، على أن تظل الشركة قائمة فيما بين الباقين”.

وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد الفقرة الأولى من المادة 531 : “اقتبس المشرع هذا النص من المادة 561/1 من المشروع الفرنسي الإيطالي، وهو نص جديد لا نظير له في التقنين الحالي (السابق). وقد قصد المُشرع به أن يقضي على النزاع القائم في الفقه والقضاء فيما يتعلق بصحة اشتراط الحق للشركاء في استبعاد شريك بالإجماع أو بموافقة الأغلبية. وقد يكون في السماح للشركاء بفصل واحد منهم لسبب جدي (أنظر المادة 737 من التقنين الألماني والمادة 573 من التقنين البولوني) مدعاة لخلق جو من عدم الثقة والتشكيك فيما بينهم. مع أنه من ناحية أخرى لا يصح أن يقصر حق الشركاء في هذه الحالة على إمكان طلب الحل من القضاء إذ يترتب على ذلك تحمل الشركاء للنتائج المترتبة على تقصير واحد منهم خصوصاً إذا كانت الشركة ناجحة موفقة. لذلك رأينا من المناسب أن نقرر للشركاء الحق في طلب فصل الشريك إذا وجدت أسباب مُبررة لذلك. والقاضي هو الذي يقرر وجاهة تلك الأسباب”. (مجموعة الأعمال التحضيرية 4 صـ 388. المصدر: “الوسيط في شرح القانون المدني” – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الخامس – الطبعة الثانية 1987 القاهرة – بند 239 – صـ 478 و 479 بهامش 1 صـ 478).

فللشريك أن يطلب من القضاء حل الشركة إذا وجدت أسباب تبرر هذا الحل. وقد تكون هذه الأسباب آتية من جهة أحد (أو بعض) الشركاء، فيرى الشريك أنه يكفي فصل الشريك المُعترض عليه دون حل الشركة، إذ تكون الشركة ناجحة في أعمالها أو على وشك النجاح، وأن وجود هذا الشريك فيها هو وحده محل الاعتراض. فأجاز القانون لأي من الشركاء في هذه الحالة أن يطلب من القضاء، لا حل الشركة، بل فصل الشريك الذي تكون تصرفاته محل اعتراض، على أن تظل الشركة قائمة بين باقي الشركاء. والقاضي هو الذي يقدر ما إذا كان سبب الاعتراض على الشريك يبرر فصله. (وسيط السنهوري – المرجع السابق – نفس الموضع).

وإذا حكم القضاء بفصل الشريك المعترض عليه، بقيت الشركة قائمة بين باقي الشركاء واستمرت في أعمالها طبقاً لنظامها. أما الشريك المفصول فيُصفى نصيبه في الشركة، ويُقدر هذا النصيب بحسب قيمته يوم الفصل ويدفع له نقداً. ولا يكون له نصيب فيما يستجد بعد ذلك من حقوق، إلا بقدر ما تكون تلك الحقوق ناتجة من عمليات سابقة على الفصل. (وسيط السنهوري – المرجع السابق – نفس الموضع).

شركة الشخص الواحد، وتوفيق الأوضاع:

فإذا كانت الشركة من أربعة أشخاص (مثلاً) ثلاثة منهم طلبوا حلها، ورغب الرابع بمفرده في استمرارها، فيجوز له في هذه الحالة بدلاً من حل الشركة أن يطلب فصل الثلاثة المعترضين على استمرارها ودفع حصصهم لهم، ومن ثم يتعين على الشريك الرابع في هذه الحالة أن يضم شركاء آخرين جدد للشركة خلال ستة أشهر من تاريخ الحكم نهائياً بفصل الثلاثة شركاء المعترض عليها.
حيث أنه إذا كان من المسلم به بالرأي الغالب في الفقه في مصر الذي يشترط “تعدد الشركاء كركن خاص من أركان الشركة”، لأن الشركة لما تزل تُعرف تشريعياً بأنها “عقد” (المادة 505 مدني). والعقد بدوره يفترض وجود طرفين على الأقل للرابطة التعاقدية، فإن انقضاء الشركة بقوة القانون، وزوال شخصيتها المعنوية، بسبب اجتماع حصصها في يد شخص واحد، ليس محلاً لتسليم أو إجماع الفقه عليه، ما لم يوجد نص خاص يفرضه كنتيجة لهذا الحدث.
فعقد الشركة، فضلاً عن الالتزامات التي يفرضها على أطرافه، يهب الحياة لشخص معنوي جديد، له وجوده القانوني المستقل عن أشخاص المتعاقدين. ومتى ولد هذا الكائن القانوني حياً، مُستجمعاً لأركانه وشروطه فإنه يتمتع بحياة قانونية متميزة، ويخضع لتنظيم قانوني ذي طبيعة خاصة، لا يستطيع المتعاقدون أنفسهم الخروج على أحكامه( 3 ).

ومن ثم، إذا كان اختفاء تعدد الشركاء سبباً في انحلال الرابطة التعاقدية، فإن الذي يزول ليست الشركة كشخص قانوني، وإنما فقط التزامات الأطراف في عقد الشركة، ذلك بأن عقد الشركة متى استجمع أركانه العامة والخاصة، وتأسست الشركة تأسيساً قانونياً صحيحاً، فإن الشخص المعنوي الجديد، هو الذي يتملك الحصص التي قدمها الشركاء، ويتركب منها رأس مال الشركة. ويقتصر حق الشريك على الحصول على نسبة من الأرباح التي تحققها الشركة، ونصيب في فائض الأموال بعد تصفية الشركة، ويعد حق الشريك ديناً على الشركة. وعندئذ يكون العقد قد استنفذ أغراضه، إذ يخضع الشخص المعنوي الجديد لنظام قانوني كثيراً ما يكون مستقلاً عن إرادة الشركاء. (المرجع: “المشروع التجاري الفردي محدود المسئولية – دراسة مُقارنة” – للدكتور/ علي سيد قاسم – الطبعة الثالثة 2003 القاهرة – البندان رقما 182 و 183 – صـ 187 و 188).

وتلك النتيجة لا تتسم بالغرابة. فالرأي الغالب فقهاَ وقضاءاً في أسبانيا (قبل 23 مارس 1995) قد تبناها دون نص خاص، والمعروف أن القانون الأسباني آنئذ لم يذكر – كالقانون المصري – اجتماع حصص الشركة في يد شخص واحد من بين أسباب انقضاء الشركة. كما كان القانون الأسباني – كالقانون المصري – يُعرف الشركة بأنها “عقد”، مما يفترض وجود اثنين من الشركاء على الأقل. كما لم يحدد القانون الأسباني الجزاء الذي يتعين تطبيقه عند انخفاض عدد الشركاء عن النصاب القانوني لشركة المساهمة. ولقد استخلص الفقه مؤيداً بقضاء المحكمة العليا أن الشركة متى اكتسبت الشخصية المعنوية، فإن وجودها القانوني المُستقل لا يتأثر بسبب نقص عدد الشركاء عن النصاب القانوني الواجب، ولا باجتماع حصصها في يد شخص واحد. (المرجع: “المشروع التجاري الفردي” – المرجع السابق – البند رقم 184 – صـ 188 : 190 وهوامشها).
كما أن القانون السويسري، سمح للشركة بالاستمرار بالرغم من اجتماع حصصها في يد شخص واحد، طالما لم يطلب هذا الشريك الوحيد أو أحد دائني الشركة الحكم بانقضائها. وللقاضي في هذه الحالة أن يمنح الشركة مهلة من أجل تسوية هذا الوضع واستكمال النصاب القانوني من الشركاء. (المرجع: “المشروع التجاري الفردي” – المرجع السابق – البند رقم 92 – صـ 117).

لما كان ما تقدم، وكانت المادة الثامنة من قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 على أنه: “لا يجوز أن يقل عدد الشركاء المؤسسين في شركات المساهمة عن ثلاثة، كما لا يجوز أن يقل هذا العدد عن اثنين بالنسبة لباقي الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون. وإذا قل عدد الشركاء عن النصاب المذكور في الفقرة السابقة، اعتبرت الشركة مُنحلة بحكم القانون إن لم تبادر خلال ستة أشهر على الأكثر إلى استكمال هذا النصاب ويكون من يبقى من الشركاء مسئولاً في جميع أمواله عن التزامات الشركة خلال هذه المدة”.
وجاء هذا النص بحكم جديد، هو أنه إذا قل عدد الشركاء عن النصاب المذكور اعتبرت الشركة مُنحلة بحكم القانون إن لم تبادر خلال ستة أشهر على الأكثر باستكمال هذا النصاب، ويكون من يبقى من الشركاء مسئولاً في جميع أمواله عن التزامات الشركة خلال هذه المدة. ويترتب على هذا الحكم إنقاذ الشركة من الحل بقوة القانون عند عدم توافر النصاب المطلوب في الشركاء أثناء حياة الشركة وإعطاء مُهلة أقصاها ستة أشهر لاستكمال هذا النصاب. (المرجع: “الشركات التجارية” – للدكتورة/ سميحة القليوبي – الجزء الأول – الطبعة الثالثة 1992 القاهرة – بند 13 – صـ 30).
هذا، والله أعلى وأعلم،،،

( 2 ) حيث نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى من مواد إصدار قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 على أن: “يُلغى قانون التجارة الصادر بالأمر العالي في 13 من نوفمبر سنة 1883، عدا الفصل الأول من الباب الثاني منه والخاص بشركات الأشخاص، ويُستعاض عنه بالقانون المُرافق”.
( 3 ) فعلى سبيل المثال: يجب إفراغ عقد الشركة في النموذج الذي حدده القانون (المادة 9/1 من القانون رقم 159 لسنة 1981).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .