اضاءات حول الحيازة التي يحميها القانون واثبات عنصريها المادي والمعنوي

الحيازة القانونية التي يحميها القانون – وعنصري الحيازة المادي والمعنوي – وإثبات عنصري الحيازة

الحماية القانونية للحيازة:

من المقرر قانوناً أن المشرع يحمي الحيازة في ذاتها، ولو كان الحائز غير مالك. ويرجع ذلك إلى سببين:
1- السبب الأول: أن الحائز هو الذي يسيطر سيطرة فعلية على المال الذي يقع في حيازته، فيجب لاعتبارات تتعلق بالأمن العام أن تبقى له هذه السيطرة، فلا يتعدى أحد عليها ولو كان هو المالك للمال. وعلى المالك أن يلجأ إلى الطرق التي رسمها له القانون لاسترداد ماله من الحائز.
2- السبب الثاني: أن الحائز للمال، في الكثرة الغالبة من الأحوال، يكون هو المالك له. وأول مزايا الملك أن يحوز المالك المال الذي يملكه، وقل أن يوجد مالك لا يحوز بنفسه أو بوساطة غيره. لذا يفترض القانون مبدئياً أن الحائز هو المالك، فيحمي الملكية عن طريق حماية الحيازة.
(لطفاً، المرجع: “الوسيط في شرح القانون المدني” – للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري – الجزء التاسع – طبعة 2006 – بند 255 – صـ 794 وما بعدها).

والحيازة – كما تعلمنا من عدلكم – تتكون من عنصرين، أحدهما “مادي” (وهو الإحراز أو السيطرة المادية)، والثاني “معنوي” (وهو القصد). وكسب الحيازة يكون بالجمع ما بين هذين العنصرين.

العنصر المادي:

يتحقق العنصر المادي بالسيطرة المادية على الشيء، فالحائز يحرز الشيء في يده إحرازاً مادياً ويسيطر عليه بأن يباشر فيه من الأعمال ما يباشره المالك عادة في ملكه. فإذا كان الشيء “داراً” دخل فيها واستحوذ عليها وسكنها أو أسكن فيها غيره بالإيجار مثلاً، وإذا كان الشيء “أرضاً زراعية” احتلها وزرعها بنفسه أو بواسطة غيره من مزارع أو مستأجر، وإذا كان الشيء “منقولاً” كسيارة أو كتاب، أحرز المنقول وجعله في قبضته وباشر عليه من الأعمال المادية ما يباشره المالك عادة.

وقد تنتقل الحيازة المادية للحائز من شخص آخر كان هو الذي له السيطرة المادية على الشيء ثم نقلها إليه. مثال ذلك: أن يبيع شخص عقاراً أو منقولاً في حيازته لشخص آخر، ويسلم الشيء المبيع إلى المشتري. فتنتقل الحيازة من البائع إلى المشتري، وللمشتري باعتباره خلفاً للبائع أن يضم إلى حيازته إلى حيازة سلفه في كل ما يرتبه القانون من آثار.

وعلى هذا تنص الفقرة الثانية من المادة 955 من القانون المدني، والتي تقضي بأنه:
“يجوز للخلف الخاص أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه في كل ما يرتبه القانون على الحيازة من أثر”.

ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
“الأصل فى الحيازة أنها لصاحب اليد، يستقل بها ظاهراً فيها بصفته صاحب الحق، غير أنه عند قيام رابطة قانونية بين حيازة السلف وحيازة الخلف فإنه يجوز للخلف أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه فى كل ما يرتبه القانون على الحيازة من آثار ومنها التملك بالتقادم المكسب، وكان نص الفقرة الثانية من المادة 955 من القانون المدني على أن “ويجوز للخلف الخاص أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه فى كل ما يرتبه القانون على الحيازة من أثر” يدل على أن كل ما أشترطه المشرع لاكتساب الخلف الخاص الملكية بوضع اليد بضم مدة حيازة سلفه إلى حيازته هو ثبوت قيامها مستوفية لشرائطها القانونية بحيث لا يقل مجموع مدة الحيازتين عن خمس عشرة سنه بغير حاجة إلى النظر فيما إذا كان السلف مالكاً للشيء وقت تصرفه إلى خلفه أم غير مالك، متى كانت الحيازة قد انتقلت إلى الخلف على نحو يمكنه معه السيطرة الفعلية على الشيء ولو لم يتسلمه تسلماً مادياً”.
(نقض مدني في الطعن رقم 136 لسنة 57 قضائية – جلسة 2/1/1996 مجموعة المكتب الفني – السنة 43 – الجزء الثاني – صـ 1045 – الفقرة 1.
ونقض مدني في الطعن رقم 75 لسنة 37 قضائية – جلسة 23/12/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 22 – صـ 1107 – الفقرة 2).

ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
“من المقرر أن للمشتري، باعتباره خلفاً خاصاً للبائع، أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه فى كل ما يرتبه القانون على الحيازة من أثار ومنها التملك بالتقادم المكسب، وأنه ليس ما يمنع مدعي التملك بهذا السبب من أن يستدل بعقد شرائه غير المسجل على انتقال حيازة العين إليه وتكون حيازته فى هذه الحالة امتداد لحيازة سلفه البائع له”.
(نقض مدني في الطعن رقم 37 لسنة 39 قضائية – جلسة 30/6/1976 مجموعة المكتب الفني – السنة 27 – الجزء الأول – صـ 1462 – الفقرة 1.
ونقض مدني في الطعن رقم 278 لسنة 34 قضائية – جلسة 29/2/1968 مجموعة المكتب الفني – السنة 19 – الجزء الأول – صـ 454 – الفقرة 1).

استبقاء السيطرة المادية:

ومتى تحققت السيطرة المادية لشخص على شيء، عقاراً كان الشيء أو منقولاً، فإنها تبقى ما دامت لم تنقطع. فيستبقي الشخص السيطرة المادية على المنقول، ما دام في قبضه يده ولم يخرج من حوزته. ويستبقيها على العقار ما دام محتفظاً بالعنصر المعنوي أي بعنصر القصد، حتى ولو انقطع عن استعمال العقار فترات معينة، تطول أو تقصر، ويكفي استبقاء عنصر القصد لاستبقاء الحيازة، فما دام الشخص متمكناً من حيازة الشيء والسيطرة عليه سيطرة مادية، يستبقي العنصر المادي ما دام محتفظاً بالعنصر المعنوي أي بعنصر القصد. فإذا كان الشيء داراً وانقطع الحائز عن سكناها، أو أرضاً وانقطع عن زراعتها، فإنه يبقى مع ذلك محتفظاً بعنصر السيطرة المادية على الدار أو على الأرض، ما دام يبقى متمكناً من العودة إلى سكنى الدار أو إلى زراعة الأرض. ولا تزول السيطرة المادية إلا إذا أصبح الشخص غير متمكن من ذلك، كأن استولى شخص آخر على الدار أو الأرض ومضى على فقد الشخص الأول لحيازته أكثر من سنة، أو إلا إذا ترك الحائز الدار أو تخلى عن الأرض ففقد بذلك عنصر القصد.
(لطفاً، المرجع: “الوسيط في شرح القانون المدني” – للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري – الجزء التاسع – طبعة 2006 – بند 263 – صـ 809 وما بعدها).

العنصر المعنوي:

يتحقق العنصر المعنوي، وهو عنصر القصد – حسب النظرية التقليدية (وهي النظرية الشخصية، والتي أخذ بها المشرع المصري كأصل عام) – بأن يقوم الحائز بالأعمال المادية للحيازة بقصد استعمال الحق الذي يرد على حيازته، وأن يقصد استعمال هذا الحق لحساب نفسه. فإذا كان الحق هو حق الملكية وجب أن يتوافر عند الحائز قصد استعمال حق الملكية لحسابه، فيتصرف في الشيء تصرف الملاك، يستعمله ويستغله ويستهلكه كما يفعل المالك. وإذا كان الحق هو حق ارتفاق أو حق انتفاع، وجب أن يتصرف الحائز كما لو كان هو صاحب الحق وقد توافرت عنده نية استعماله لحساب نفسه. فالقصد إذن هو نية الحائز في أن يستعمل الحق لحساب نفسه.
(لطفاً، المرجع: “الوسيط في شرح القانون المدني” – للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري – الجزء التاسع – طبعة 2006 – بند 264 – صـ 810 وما بعدها).

ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
“الحيازة ـ وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض ـ في عنصرها المادي تقتضى السيطرة الفعلية على الشيء الذى يجوز التعامل فيه، وهى في عنصرها المعنوي تستلزم نية اكتساب حق على هذا الشيء، ولما كانت الأموال العامة لا يصح أن تكون محلاً لحق خاص ومن ثم لا تخضع للحيازة، ولا تقبل الدعوى باسترداد حيازتها لورودها على هذا المال”.
(نقض مدني في الطعن رقم 2773 لسنة 62 قضائية – جلسة 29/4/1993 مجموعة المكتب الفني – السنة 44 – صـ 313 – الفقرة 4).

ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
“الحيازة فى عنصرها المادي تقتضى السيطرة الفعلية على الشيء الذى يجوز التعامل فيه، وهي فى عنصرها المعنوي تستلزم نية اكتساب حق على هذا الشيء”.
(نقض مدني في الطعن رقم 266 لسنة 33 قضائية – جلسة 7/2/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – الجزء الأول – صـ 306 – الفقرة 1).

إثبات العنصر المعنوي:

نية اكتساب حق على الشيء، والتي يتحقق بها العنصر المعنوي، وتقوم بها الحيازة القانونية، ويميزها عن مجرد الحيازة المادية، يتم إثباتها (والنية عامل نفسي باطني) بمجرد توافر الحيازة المادية المستوفية لشرائطها. فالحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية، ولا يكلف الحائر بإثبات توافر نية اكتساب الحق لديه (فهذا مفترض قانوناً، طبقاً للوضع الظاهر)، وإنما على خصمه – الذي يدعي خلاف الظاهر – أن يثبت عكس ذلك.

حيث تنص المادة 964 من القانون المدني على أنه:
“من كان حائزاً للحق اعتبر صاحبه، حتى يقوم الدليل على العكس”.

ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
“من المقرر قانوناً أن الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية ما لم يثبت خصم الحائز عكس ذلك”.
(نقض مدني في الطعن رقم 489 لسنة 52 قضائية – جلسة 6/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – الجزء الأول – صـ 130 – الفقرة 4).

ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
“يدل نص المادة 951/2 و 964 من القانون المدني على أن الحيازة المادية إذا ما توافرت من هدوء واستمرار وظهور ووضوح كانت قرينة على الحيازة القانونية أي المقترنة بنية التملك، وعلى من ينازع الحائز أن يثبت هو أن هذه الحيازة عرضية غير مقترنة بتلك النية”.
(نقض مدني في الطعن رقم 2151 لسنة 56 قضائية – جلسة 25/5/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 40 – الجزء الثاني – صـ 393 – الفقرة 1).

قاعدة “على من يدعي خلاف الظاهر، عبء إثباته ادعائه”:

وذلك كله تطبيقاً لقاعدة أصولية تقضي بأنه على من يدعي خلاف الظاهر عبء إثبات ادعائه، وفي نطاق الحقوق العينية “الأصل هو الظاهر”. فالحائز للعين لا يطالب بإثبات ملكيته لها لأن الظاهر هو أن الحائز مالك (والمشرع يحمي الحيازة، كما سبق القول، بافتراض أن الحائز مالك). والخارج الذي يدعي ملكية العين هو الذي يدعي خلاف ذلك الظاهر، فعليه هو يقع عبء الإثبات. ومن ثم كان الحائز هو المدعى عليه دائماً في دعاوى الملكية.
وكذلك الظاهر أن حق الملكية خال من أن يثقل بحق عيني. فالمالك إذا تمسك بهذا الظاهر لا يطالب بإثباته. ومن يدعي خلاف الظاهر، بأن يدعي مثلاً أن له حق ارتفاق أو حق انتفاع أو حق رهن على العين، كان عليه أن يثبت هو قيام الحق الذي يدعيه، ولو كان مدعى عليه في الدعوى الأصلية (كدعوى نفي حق ارتفاق، أو دعوى سد مطل مثلاً)، لأنه يدعي خلاف الظاهر.

ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
“على من يدعى خلاف الظاهر عبء إثبات ادعائه. وإذن فمتى كان المدعى قد طلب الحكم بصحة ونفاذ عقده وتسليمه العين مشتراه، وكان دفاع المدعى عليه أن هذه العين قد اشتراها مورثه بعقد مسجل وأنه وضع يده عليها المدة الطويلة المكسبة للملكية، وكان الخبير المنتدب فى الدعوى قد انتهى فى تقريره إلى أن العين تدخل فى مستندات تمليك البائعين للمدعي ولا تدخل فى مستندات تمليك المدعى عليه، وكان الظاهر فى هذه الحالة مؤيداً دعوى المدعي ونافياً لدفاع المدعى عليه، فإن الحكم إذ كلف “المدعى عليه” بإثبات وضع يده على العين موضوع النزاع المدة الطويلة المكسبة للملكية لا يكون قد خالف القانون”.
(نقض مدني في الطعن رقم 57 لسنة 21 قضائية – جلسة 29/4/1954 مجموعة المكتب الفني – السنة 5 – صـ 819 – فقرة 1).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .