استمرار هيمنة السلطة التنفيذية على القوانين المؤقتة

هيمنة السلطة التنفيذية على القوانين المؤقتة ما تزال مستمرة, الدكتور ليث كمال نصراوين
ضمن سلسلة التعديلات الدستورية الأخيرة المتعلقة بصلاحيات السلطة التنفيذية, جاء تعديل أحكام المادة (94) من الدستور الأردني الخاصة بالقوانين المؤقتة بهدف التخفيف من تعسف السلطة التنفيذية في استعمال حقها الاستثنائي في التشريع على حساب مجلس الأمة صاحب الولاية العامة في إصدار القوانين. فكما كان متوقعا فقد طالت التعديلات الدستورية الأخيرة على المادة (94) إعادة تعريف حالة الضرورة والتي تعد شرطا أساسيا لإصدار القوانين المؤقتة, وتعديل شرط الزمن الموجب لإصدار القوانين المؤقتة, وتحديد فترة زمنية لمجلس الأمة لإقرار القوانين المؤقتة. إلا أن الميزة الأساسية رغم ذلك قد بقيت هيمنة السلطة التنفيذية على إصدار القوانين المؤقتة في النظام الدستوري الأردني.

ففيما يتعلق بحالة الضرورة, فقد أعاد المشرع الدستوري العمل بالنص الأصلي الذي تضمنه دستور 1952 عند إصداره والذي كان يحدد حالات الضرورة المبررة لإصدار القوانين المؤقتة على سبيل الحصر لتشمل الكوارث العامة, وحالة الحرب والطوارئ, والحاجة إلى نفقات مستعجلة لا تتحمل التأجيل. فقد تم إلغاء التعريف الواسع الفضفاض لحالة الضرورة في النص السابق قبل التعديل والذي كان يسمح للحكومة إصدار القوانين المؤقتة في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة التأجيل, وهو الأمر الذي من شأنه أن يلغي السلطة المطلقة لمجلس الوزراء في تقدير وجود حالة الضرورة من عدمها, والتي كان دائما ما يتم التوسع في تفسيرها لصالح السلطة التنفيذية بشكل أخل بعلاقتها مع السلطة التشريعية, فصلاحية إصدار القوانين المؤقتة من قبل السلطة التنفيذية هي صلاحية استثنائية يجب عدم القياس عليها أو التوسع في تفسيرها تطبيقا للقواعد العامة في التفسير.

إلا أنه وعلى الرغم من تحديد حالات الضرورة على سبيل الحصر, فإن عبارة “الحاجة إلى نفقات مستعجلة لا تحتمل التأجيل” لا تقل اتساعا ومرونة عن العبارة الأصلية قبل التعديل. فقد كان يجب على المشرع الدستوري أن يحدد أكثر ملامح تلك النفقات المستعجلة التي لا تحتمل التأجيل والتي تبرر للحكومة إصدار القوانين المؤقتة. وهو ما يعني بقاء مظهر من مظاهر هيمنة السلطة التنفيذية على القوانين المؤقتة وذلك من خلال سلطتها التقديرية في تقدير ما إذا كانت النفقات مستعجلة لا تحتمل التأجيل من عدمه. فقد تلجأ الحكومات الأردنية إلى إصدار ملاحق موازنات وإقرار اتفاقيات مالية مع الدول الأخرى بقوانين مؤقتة بحجة أنها تندرج تحت بند الحاجة لنفقات مستعجلة لا تحتمل التأجيل.

أما فيما يتعلق بشرط الزمن الواجب لإصدار القوانين المؤقتة, فقد تم تعديل أحكام المادة (94) من الدستور بحيث اقتصر حق مجلس الوزراء على إصدار القوانين المؤقتة عندما يكون مجلس الأمة منحلا فقط دون حالة أن يكون مجلس الأمة غير منعقدا, وذلك على خلاف النص الدستوري قبل التعديل والذي كان يعتبر إرجاء اجتماع مجلس الأمة أو تأجيل جلساته مبررا لمجلس الوزراء لإصدار قوانين مؤقتة.

إن هذا التعديل هو تعديل إيجابي, ذلك أن السماح لمجلس الوزراء بإصدار قوانين مؤقتة في فترتي الإرجاء أو التأجيل كان يؤدي إلى نتائج غير مقبولة دستوريا. فالسلطة التنفيذية كانت دائما ما تسعى إلى ممارسة حقها في إرجاء مجلس الأمة وتأجيل جلساته استنادا لأحكام المادتين (78) و(81) من الدستور وذلك لغايات إصدار قوانين مؤقتة قد لا يصدرها مجلس الأمة إذا كان في حال انعقاد. كما أن مجلس النواب أثناء فترتي الإرجاء أو التأجيل موجود وقائم ويمكن دعوته في أي وقت للإنعقاد لممارسة دوره التشريعي الأصيل دون الحاجة لإصدار قوانين مؤقتة. فكل من الإرجاء والتأجيل لجلسات مجلس الأمة من قبل الملك يعدان بمثابة حل مؤقت للبرلمان يستعمل عندما يقع خلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ويكون قابلا للحل خلال فترة وجيزة, ولا يرقيان إلى مستوى حل دائم لمجلس الأمة لتبرير إصدار قوانين مؤقتة. وهو على خلاف ما ذهبت إليه محكمة العدل العليا في قرارها رقم 31/1972 والتي اعتبرت فيه أن مجلس الأمة لا يكون منعقدا في فترة التأجيل المنصوص عليها في المادة (81) من الدستور, بالتالي فإن من حق مجلس الوزراء بموافقة جلالة الملك وضع قوانين مؤقتة خلال تلك الفترة.

إلا أنه ما يزيد من مخاوف التعديل السابق أن الدستور الأردني قد نص صراحة على أن مدة الدورة العادية لمجلس الأمة هي ستة أشهر فقط يمكن تمديدها من قبل الملك لثلاثة أشهر إضافية لإنجاز ما قد يتأخر من أعمال وذلك عملا بأحكام المادة (78) من الدستور. فإذا لم يمارس الملك حقه في التمديد, فإن مجلس الأمة يجتمع فقط لمدة ستة أشهر في السنة في دورة عادية, ويكون في حالة عدم انعقاد في الستة أشهر المتبقية, وهو الأمر الذي قد يثير مشاكل في الواقع العملي إذا ما طرأ هناك حاجة لإصدار تشريع معين خلال تلك الفترة خاصة في ظل حرمان مجلس الوزراء من إصدار قوانين مؤقتة في حال عدم انعقاد مجلس الأمة.

إن مثل هذا الأمر يمكن تجاوزه من خلال تمديد مدة الدورة العادية لمجلس الأمة أكثر من ستة أشهر, حيث لا يوجد هناك ما يمنع أن يكون مجلس الأمة في حالة انعقاد دائم على مدار العام, وأن تقتصر العطلة البرلمانية على أسبوعين أو أكثر.

ومن التعديلات الأخرى على المادة (94) من الدستور وضع قيد زمني على مجلس الأمة لإقرار القوانين المؤقتة التي يعرضها عليه مجلس الوزراء, وذلك خلال دورتين عاديتين متتاليتين لمجلس الأمة وذلك تحت طائلة إعلان بطلان تلك القوانين المؤقتة فورا من قبل مجلس الوزراء والملك. إن الهدف من تحديد فترة زمنية لمجلس الأمة لإقرار القوانين المؤقتة هو معالجة مشكلة بقاء القوانين المؤقتة لفترة زمنية طويلة في مجلس الأمة دون إقرارها. فهناك قوانين مؤقتة بقيت في أدراج مجلس الأمة سنوات عديدة لعدم وجود التزام دستوري على المجلس لإقرارها خلال فترة زمنية معينة, مثل القانون المدني الذي صدر كقانون مؤقت عام 1976 وبقي بصفة قانون المؤقت أكثر من عشرين عاما قبل أن يتم إقراره من مجلس الأمة عام .1996 كما أن هناك عددا من القوانين المؤقتة التي صدرت قبل أكثر من أربعين عاما وما يزال لها صفة القانون المؤقت مثل قانون تنظيم المدن والقرى الأرنية رقم (79) لسنة 1966 وتعديلاته, وقانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم 50/,1971 والذين ما زلنا ننتظر أن يتم إقرارهما من قبل مجلس الأمة.

إلا أن تحديد فترة زمنية لمجلس الأمة لإقرار القوانين المؤقتة بدورتين عاديتين متتاليتين يثير تساؤلا فيما إذا حل مجلس النواب بعد إنقضاء الدورة العادية الأولى وتشكل مجلس نواب جديد خلال أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ الحل, فهل يملك مجلس النواب الجديد دورتين عاديتين متتاليتين جديدتين لإقرار القوانين المؤقتة أم أن الدورة العادية التي انقضت على المجلس المنحل تحتسب ضمن فترة الدورتين العاديتين التي يملكها مجلس النواب الجديد لإقرار القوانين المؤقتة?

إن نص المادة (94) من الدستور قد جاء مطلقا بحيث يملك مجلس الأمة دورتين عاديتين متتاليتين لإقرار القوانين المؤقتة من تاريخ عرضها عليه بغض النظر عن المجلس الذي يقرها أو يعدلها, سواء كان هو المجلس نفسه الذي عرضت عليه تلك القوانين المؤقتة ابتداءً في أول اجتماع له, أو أي مجلس آخر تشكل على ضوء قرار الحل بعد انقضاء الدورة العادية الأولى, بحيث يتبقى للمجلس الجديد دورة عادية واحدة لإقرار القوانين المؤقتة التي عرضت على المجلس الذي سبقه.

ومن أهم مظاهر هيمنة السلطة التنفيذية على القوانين المؤقتة في المادة (94) المعدلة أن المشرع الدستوري قد أبقى مصير القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الأمة أو الذي لم يتم إقراره خلال الفترة الدستورية المحددة بيد مجلس الوزراء والملك. فقد أبقت المادة (94) بعد التعديل على حكم النص السابق الذي كان يشترط لإعلان بطلان القانون المؤقت الذي يرفضه مجلس الأمة أن يعلن مجلس الوزراء بطلان ذلك القانون المؤقت فورا, وأن يوافق الملك على ذلك البطلان.

إن الأصل أن يتقرر بطلان القانون المؤقت من تاريخ رفضه من مجلس الأمة أو عند عدم إقراره بعد مضي دورتين عاديتين متتاليتين وذلك دون الحاجة إلى تعليق البطلان على أي قرار من مجلس الوزراء أو موافقة من الملك, فقد تتعسف السلطة التنفيذية في ممارسة حقها في إعلان بطلان القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الأمة أو الذي انقضت الفترة الزمنية دون إقراره وذلك من خلال تعمدها عدم إعلان البطلان أو السكوت أو التأخر فيه تعنتا وتعسفا منها. وهو الأمر الذي حدث قبل أيام عندما رفض مجلس الأمة القانونين المؤقتين رقم (5) لسنة 2003 (قانون جوازات السفر) ورقم (42) لسنة 2003 (قانون معدل لقانون جوازات السفر) في شهر كانون الأول ,2011 حيث أعلنت الحكومة أنها ستؤخر إعلان بطلان هذين القانونين المؤقتين كونها بحاجة إلى 90 يوما على الأقل من أجل إعادة العمل بقانون جوازات السفر لعام .1969 إن مثل هذا الإجراء من الحكومة يشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (94) من الدستور والتي تشترط إعلان بطلان القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الأمة فورا دون تأخير.

كما للملك الحق الدستوري في أن يرفض الموافقة على إعلان مجلس الوزراء بطلان القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الأمة أو الذي انقضت المدة الدستورية دون إقراره. لذا, فمن الأفضل أن تسمو إرادة البرلمان في إقرار ورفض القوانين المؤقتة على إرادة السلطة التنفيذية والملك, وذلك على غرار القوانين العادية التي إذا ما رفضها الملك وأقرها مجلس الأمة بأكثرية ثلثي الأعضاء التي يتألف منهم كل مجلس فإنها تعتبر نافذة بحكم الدستور ووجب عندئذ إصدارها.

رغم التعديلات الإيجابية التي أدخلت على المادة (94) من الدستور, إلا أن السمة البارزة تبقى هيمنة السلطة التنفيذية على إصدار القوانين المؤقتة من حيث شرط الضرورة ومصير القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الأمة مما يستدعي إعادة النظر في أحكام المادة السابقة في أقرب تعديل على الدستور الأردني.