ازدواجية النظام القانوني الموظف الجماعي

يعتبر نظام الوظيفة الجماعية بمثابة مرسوم المؤرخ في 27 شنبر 1977 أول تشريع يهم التنظيم الجماعي في مغرب الاستقلال، و الذي عمل على سد ثغرات ظهير 24 يونيو 1960 (2) الذي لم يعط الموظف الجماعي إلا اهتماما قليلا. غير أن الفصل 48 من الميثاق الجماعي لسنة 1976 قد قام بوضع الأسس القانونية للوظيفة الجماعية ،هذه الأسس مركزة في فكرتين اثنتين أساسيتين و هما:

1. قيام وظيفة عمومية جماعية منفصلة عن الوظيفة العمومية للدولة ومندمجة فيها في الوقت نفسه، أي أصبحت لها هيئة خاصة من الموظفين تجري عليهم مقتضيات الظهير الشريف 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية، مع مراعاة بعض المقتضيات الخاصة.

2. الموظفين الجامعين هم مجردة الهيئة الخاصة لقانون الوظيفة العمومية إلا أن سلطة تدبير شؤونها تعود إلى الرئيس وحده بحكم القانون باعتباره رئيسها التسلسلي ويعود له أيضا حق التعيين طبقا لمقتضيات النظام الأساسي الخاص،ويعين أيضا الأعوان المؤقتين والمياومين والعرضيين ويدير شؤونهم، فالرئيس يتدخل في جميع مراحل الحياة الإدارية لهؤلاء الموظفين،وليس للمجلس الجماعي حق التدخل في شؤونهم. وبالتالي فإن سلطة الرئيس ليست مستمدة من الجماعة وإنما ممنوحة من لدن الدولة. هكذا فإن النظام الأساسي الخاص بالموظفين الجماعيين لم يجعل الوظيفة المحلية تتميز بخصوصية متفردة . بل على العكس من دلك أخضعها لنفس القواعد والمبادئ القانونية المنظمة للوظيفة العمومية، وهو ما يتبين من الفصل الرابع من النظام الأساسي الخاص بالوظيفة الجماعية، الذي يطبق على الموظف الجماعي النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بموظفي الدولة، ودلك ما نستشفه من الأحكام الواردة في ظهير 24 فبراير 1958 بشأن التوظيف،التمرين،الترسيم،الأجرة،التعويضات، نظام التأديب، نظام التقاعد،كما أنه تسري عليه نفس الحقوق والواجبات الخاصة بموظفي الدولة. و معنى دلك أن الوظيفة العمومية تعتبر بمثابة الشريعة العامة بالنسبة للموظف الجماعي من حيث حقوقه وواجباته الوظيفية، وتشكل الحيز الأكبر المطبق على الموظف الجماعي مند ولوجه قطاع الوظيفة الجماعية إلى حين مغادرته لها بالإعفاء أو التقاعد. و بذلك فالنظام الأساسي لموظفي الجماعات يعتمد في مقتضياته القانونية على النص القانوني المنظم للوظيفة العمومية.

فعلى الرغم مما قال به بعض فقهاء القانون الإداري، أن مساواة وضعية الموظفين الجماعيين مع باقي موظفي الدولة، خطوة تتسم بنوع من الحكمة والتبصر، بحيث تخول لهم نفس الحقوق و تقيهم من الانعكاسات السلبية التي تفرزها التقلبات السياسية للمجالس الجماعية .فقد أبانت تبعية الوظيفة المحلية لنفس القواعد المنظمة للوظيفة العمومية عن عدة سلبيات انعكست على مسار الحياة الوظيفية لكل الموظفين الجماعيين وذلك راجع بالأساس إلى اختلاف واقع كل من الوظيفتين الجماعية و الوطنية.

هذا و إذا أضفنا واقع الوظيفة الإقليمية( موظفو العمالات و الأقاليم) الذي هو أكثر تدنيا من واقع الوظيفة الجماعية، بحكم انه ليس لها نظام خاص، وبحكم إنها مسيرة مباشرة من طرف المصالح المركزية، أدركنا الانعكاسات السلبية الإدارية و النفسية- وخاصة القانونية- على وضعية جل الموظفين ( جماعيين وإقليميين)، مما يجعلهم يسائلون واقعهم ويعبرون أحيانا عن احباطاتهم وسعيهم في البحث عن بديل للوظيفة الجماعية . ولتجاوز هذه السلبيات يتعين إقرار وظيفة محلية مستقلة و تتوفر على امتيازات خاصة تتمثل في الرفع من مستوى الحياة الوظيفية الجماعية لضمان استقطاب الاطر العليا ، ذلك أن المشرع المغربي رغم أنه وسع مفهوم الموظف الجماعي وذلك بمقتضى المادة 54 من الميثاق الجماعي الجديد. بإضافة هده الفئة من الأطر العليا الإدارية والتقنية و المرتبة في سلا ليم الأجور من السلم رقم 10 إلى السلم 11، فإنه لم ينص على وضعيتها الإدارية و طبيعة علاقتها القانونية التي تربطها بالجماعات، رغم أنها تعمل بهده الجماعات وتتقاضى رواتبها وأجورها من ميزانيات هذه الجماعات بل تخضع للنصوص القانونية الجاري بها العمل، ولاسيما قانون الوظيفة العمومية، و القانون الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية الصادر سنة 1963.مما سيطرح الإشكال القانوني المتمثل في التباين و القصور في ضبط الوضعية القانونية لهؤلاء، بل إن الإشكال يظهر أكثر حدة، حينما نتحدث عن وجود هذه الفئة من الموظفين بالجماعات المحلية في مقابل ضعف و غياب أطر عليا محلية كفيلة بخدمة و تسيير الوظيفة الجماعية و اغنائها. وهدا ما سنقوم بالتطرق له في مطالب لاحقة.

وهكذا فلا يمكننا الحديث في الوقت الحالي عن نظام أساسي للوظيفة العمومية الجماعية بمعنى الكلمة ما دامت هذه الأخيرة تخضع في اغلب مقتضياتها لقانون الوظيفة العمومية. وبالتالي لا توجد نصوص قانونية تنظم خصوصيات الوظيفة الجماعية، إذ أننا لا نتوفر إلا على مرسوم يشمل بعض المقتضيات القانونية و الاستثنائية التي تطبق على العاملين بالجماعات . و التي في غالبيتها مشوبة بغموض و ضبابية تجعل منها نصوصا جامدة و قابلة للتجاوز.