بحث قانوني كبير عن احكام التوقيف في الفقه الاسلامي و المواثيق الدولية المرعية و القانون المقارن و القانون العراقي

الاهداء

الى معالي دولة

رئيس مجلس القضاء الاعلى

القاضي الاستاذ

مدحت المحمود المحترم

المقدمة

ان توقيف المتهم يعني تقييد حريته قبل صدور الحكم بادانته ومن يجوز لهم اصدار القرار بتوقيف المتهم هم حصراً قضاة التحقيق واستثناءاً المحققون في الاماكن النائية عن مركز دائرة قاضي التحقيق وفي الجنايات فقط على ان يتم عرض الاوراق على قاضي التحقيق باسرع وسيلة ممكنة وينفذ ما يقرره في ذلك (المادة 112 من قانون اصول المحاكمات الجزائية ) وان وجوب وجواز التوقيف تختلف طبقاً لاختلاف وصف الجريمة فقاضي التحقيق ملزم بتوقيف المتهم في الجرائم المعاقب عليها بالاعدام ولا يجوز اطلاق سراح المتهم بكفالة او بدونها في هذه الطائفة من الجرائم اما في الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات او بالسجن فللقاضي سلطة تقديرية في توقيف المتهم او اخلاء سبيله بكفالة او بدونها . بينما لا يجوز توقيف المتهم بجريمة عقوبتها الحبس مدة ثلاث سنوات او اقل او بالغرامة ما لم يكن اطلاق سراحه يؤثر على سير التحقيق في الدعوى . وكقاعدة عامة لا يجوز ان تمدد موقوفية المتهم في كل مرة اكثر من 15 يوماً ولا يجوز ان تزيد مدد التوقيف عن 6 اشهر واذا استلزم التحقيق الاستمرار بتوقيف المتهم مدة تزيد على ستة اشهر وجب على قاضي التحقيق عرض الامر على محكمة الجنايات للنظر باعطاء الاذن باستمرار توقيف المتهم لفترة تقررها محكمة الجنايات او تقرر اطلاق سراح المتهم على ان لا تزيد مدة التوقيف في كل الاحوال عن ربع الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة ولا تشذ عن قاعدة طلب الاذن كل ستة اشهر الا الجرائم المعاقب عليها بالاعدام حيث يجري تمديد الموقوفية كل مرة لفترة لا تزيد عن 15 يوماً لحين اكتمال التحقيق وصدور القرار الحاسم بالاوراق (المادة 109 الفقرة ج ) اصولية .

وقد ظهر في الاونة الاخيرة بعض الخروقات للمباديء القانونية الخاصة بتوقيف المتهمين تتمثل باعتقال المشتبه بهم وايداعهم مراكز الاحتجاز دون ان تصدر بحقهم قرارات قضائية بتوقيفهم وان كان من وصف قانوني يمكن ان توصف به هذه الخروقات فهو جريمة معاقب عليها بنص المادة 421 من قانون العقوبات توجب محاسبة من يرتكبها وفقاً للقانون وفي هذا المقام نرى ان وجوب القبض على الاشخاص الوارد في نص المادة 103 اصولية تضفي المشروعية على القبض على الاشخاص دون قرار قضائي اذا ما توافرت اسباب مقنعة لذلك القبض اما التوقيف او تقييد حرية الشخص فلا يجوز بأي حال من الاحوال ان تكون دون قرار قضائي حيث يلزم القانون عرض الاوراق على قاضي التحقيق واستجواب المتهم خلال فترة 24 ساعة من حضوره او احضاره اذن التوقيف لا يجوز مطلقاً الا بقرار من قاضي التحقيق او المحقق استثناءاً وحسبما اشرنا اليه اعلاه والحقيقة ان الاشكال القانوني يثور في هذ الجانب في احتساب الفترة المحصورة بين القبض على المتهم وعرض اوراقه على القاضي المختص للنظر بتوقيفه والتي للاسف قد تستمر اشهراً عدة ولنا رأي قانوني في هذا السياق نرى فيه بضرورة اعتبار هذه الفترة بصورة اعتقال غير قانوني يكون فيها المتهم مجنى عليه في جريمة معاقب عليها وفق احكام المادة 421 عقوبات ويحاسب فيها من القى القبض عليه محاسبة الجاني وبالتالي نضمن عدم ضياع حقوق من صودرت حريته وتعرض للاذى المادي والمعنوي طيلة فترة تقارب احياناً الاشهر العدة ان لم نقل السنوات العدة . ولكي يكون الموضوع ذا فائدة قانونية فقد اتجهت في بحثه الى تقسيمه الى ثلاثة مطالب المطلب الاول منه التوقيف في الاصطلاح اللغوي وموقف الشريعة الاسلامية منه وفي المطلب الثاني الى الشروط الواجب توفرها فيه وفق المعايير الدولية وفي المطلب الثالث الى موقف القانون العراقي من التوقيف اسأل الله ان يكون البحث ذا قيمة قانونية مفيدة للقاريء الكريم سائلين المولى عز وجل ان يوفقنا الى ما فيه خير العباد ومرضاة الله تعالى .

الباحث

القاضي رائد احمد حسن

المطلب الاول

التوقيف في الاصطلاح اللغوي وموقف الشريعة الاسلامية

التوقيف لغة : مصدر وقّف بالتشديد . والتوقيف :الاطلاع على الشيء , يقال : وقّفته على ذنبه اطلعته عليه . ووقف القاريء توقيفاً : اذا اعلمته مواضع الوقوف . وتوقيف الناس في الحج : وقوفهم بالمواقف . والتوقيف كالنص يقال اسماء الله توقيفية . ويستعمل التوقيف ايضاً بمعنى منع التصرف بالشيء . ولا يخرج معناه الاصطلاحي عما ورد في اللغة1 وورد ايضاً السِّجْنُ الحبس وقد سَجَنَهُ من باب نصر فقلت يقال ليس شيء احق بطول سجن من لسان نقله الفارابي وسِجّينٌ موضع فيه كتاب الفجّار وقال بن عباس رضي الله تعالى عنهما هو دواوينهم قال ابو عبيدة هو فعيل من السجن وهو في اللغة المنع وهو مصدر حبسه من باب ضرب ثم اطلق على الموضع وجمع على حبوس مثل فلس وفلوس كذا في المصباح2.

وقد اتفق الفقهاء المسلمون على مشروعية الحبس للنصوص والوقائع الواردة في ذلك , وان كان قد نقل عن بعضهم ان النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يسجن احداً . واستدل المثبتون بقوله تعالى 🙁 واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم فأن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلاً ) . وللعلماء أقوال في نسخ هذه الآية منها : أن الحبس نسخ في الزنى فقط بالجلد والرجم وبقى مشروعاً في غير ذلك . واستدلوا ايضاً بقوله تعالى : (او ينفوا من الارض) . وبقوله ايضاً : ( تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ) ففي هذه الآية ارشاد الى حبس من توجب عليه الحق حتى يؤديه . والآية غير منسوخة لعمل أبي موسى الاشعري بها في الكوفة زمن امارته وفي الحبس جاء قوله تعالى : (وخذوهم واحصروهم ) . والحصر هو الحبس. والآية ليست منسوخة وفي رأي آخر (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً ) ليس ذلك البيان (بنسخ) قال ابن مفلح : اختلف كلام اصحابنا وغيرهم : هل هو نسخ , ام لا ؟ والأظهر النفي انتهى وللقاضي القولان , فأنه قال : في موضع قوله تعالى (الزانية والزاني- الآية ) ان هذه الغاية مشروطة في حكم مطلق لأن غاية كل حكم الى موت المكلف , او الى النسخ , وكذلك ذكر في مسألة الأخف بالأثقل ان حد الزاني في اول الاسلام كان الحبس ثم نسخ , وجعل حد البكر الجلد والتغريب , والثيب الجلد والرجم , وقال في مسألة نسخ القرآن بالسنة : ان الحبس في الآية لم ينسخ لأن النسخ أن يرد لفظ عام يتوهم دوامه , ثم يرد ما يرفع بعضه , والاية لم ترد بالحبس على التأبيد , وانما وردت به الى غاية , هي أن يجعل الله لهن سبيلاً فأثبتت الغاية , فوجب الحد بعد الغاية بالخبر .انتهى.)3 والى مشروعية الاسر ذهب الفقهاء . بل ان الاسير يسمى مسجوناً . وفي أية اخرى : ( حتى اذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ) وهي محكمة غير منسوخة عند المحققين . وفيها الامر بتقييد الاسير , وهو في الحقيقة محبوس ومسجون ودليله الكتاب (:او ينفوا من الارض ) المائدة 33 والمراد منه الحبس والسنة حبس (ص) رجلاً بالتهمة4 . وقد أجاز الاسلام حبس المتهم , واعتبره من السياسة العادلة والتصرف الحكيم , وذلك اذا تأيدت التهمة بقرينة قوية او ظهرت علامات الشك والريبة على المتهم , او كانت له سوابق في الانحراف والجريمة .. (القاعدة في الاسلام هي براءة الذمة ومنها اخذ مبدأ المتهم بريء حتى تثبت ادانته , ومن هنا مالم تثبت ادانة الشخص , فهو معصوم كرامته مصانة , ولا يجوز بحال اهدار هذه الكرامة . والحبس الاحتياطي له اسباب ترجع للجريمة وللشخص فما يرجع للجريمة يتلخص في وجود شبهة قوية , يحد معها تعزيراً ان لم تثبت عليه الجريمة , ولا يكون الحبس الاحتياطي لمدى بعيد فقد حدده العلماء بشهر , ولا تمارس فيه اي وسائل ضغط . اما في الشبهة الضعيفة فلا يجوز الحبس الاحتياطي وما يرجع للشخص فيتلخص في حال الشخص نفسه , فأن كان ظاهر حاله الصلاح فلا يعزر بدون تهمة بل يعزر من اتهمه . وان كان مجهول الحال , فيجوز حبسه الى ان يتبين حاله . والمشهور بالفجور والفسق وارتكاب الجرائم يحبس ويعزر . انتهى5 ) حيث يخالف اصحاب هذا الرأي ما ذهب اليه اصحاب الرأي الاول في موقف السيرة النبوية من الحبس ويذهبون الى القول واختيار النبي صلى الله عليه وسلم له ولأهله الاحتباس في شعب بني هاشم بضع سنين , لا يبايعون ولا يُشارون , وصبيانهم يتضاغون من الجوع , قد هجرهم وقَلاهم قومَهم , وغير قومهم . هذا اكمل من حال يوسف عليه السلام .

فأن هؤلاء كانوا يدعون الرسول الى الشرك , وأن يقول على الله غير الحق . يقول: ما ارسلني ولا نهي عن الشرك , وقد قال تعالى 🙁 وإن كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري علينا غيره واذاً لاتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً اذاً لـأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً وان كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها واذاًَ لا يلبثون خلافك الا قليلاً سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلاً ) (الاسراء:73-77).

وكان كذب هؤلاء على النبي (صلى الله عليه وسلم ) اعظم من الكذب على يوسف , فأنهم قالوا : إنه ساحر .وإنه كاهن , وإنه مجنون , وإنه مُفْتَرٍ. وكل واحدة من هؤلاء اعظم من الزنا والقذف , لاسيما الزنا المستور الذي لا يدري به احد . فأن يوسف كُذب عليه في انه زني ,وأنه قذفها واشاع عنها الفاحشة , فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) اعظم من الكذب على يوسف .

وكذلك الكذب على أولي العزم , مثل نوح وموسى , حيث يقال عن الواحد منهم : إنه مجنون , وانه كذاب , يكذب على الله تعالى , وما لقي النبي (صلى الله عليه وسلم ) واصحابه من اذى المشركين اعظم من مجرد الحبس , فأن يوسف حُبسَ وسُكِت عنه , والنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه كانوا يؤذون بالاقوال والافعال مع منعهم من تصرفاتهم المعتادة .

وهذا معنى الحبس , فأنه ليس المقصود بالحبس سكناه في السجن , بل المراد منعه من التصرف المعتاد . والنبي (صلى الله عليه وسلم ) لم يكن له حبس , ولا لأبي بكر , بل اول من اتخذ السجن عمر , وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يُسَلِّم الغريم الى غريمه , ويقول : (ما فعل اسيرك؟) , فيجعله أسيراً معه , حتى يقضيه حقه , وهذا هو المطلوب من الحبس .

والصحابة – رضي الله عنهم – منعوهم من التصرف بمكة أذى لهم , حتى خرج كثير منهم الى ارض الحبشة , فأختاروا السكنى بين اولئك النصارى عند ملك عادل على السكنى بين قومهم , والباقون أخرجوا من ديارهم واموالهم – أيضاً- مع ما آذوهم به , حتى قتلوا بعضهم , وكانوا يضربون بعضهم ويمنعون بعضهم ما يحتاج اليه , ويضعون الصخرة على بطن احدهم في رَمْضَاء ( الرَمْضَاء :الحجارة الحامية من حر الشمس) مكة , الى غير ذلك من انواع الأذى .

وكذلك المؤمن من امة محمد صلى الله عليه وسلم يختار الأذى في طاعة الله على الأكرام مع معصيته , كأحمد بن حنبل اختار القيد والحبس والضرب على موافقة السلطان وجنده , على أن يقول على الله غير الحق في كلامه , وعلى أن يقول ما لا يعلم – أيضاً- فأنهم كانوا يأتون بكلام يعرف انه مخالف للكتاب والسنة , فهو باطل , وبكلام مجمل يحتاج الى تفسير , فيقول لهم الامام احمد : ما أدري ما هذا ؟ فلم يوافقهم على أن يقول على الله غير الحق , ولا على أن يقول على الله ما لا يعلم . أما حجة اصحاب الرأي الاول بأن الرسول عليه افضل الصلاة والسلام قد أمر بالحبس فأن حججهم تستند الى ما ورد من انه روى ابو داود والترمذي والنسائي بأسناد حسن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً في تهمة بدم – دعوى قتل- يوماً وليلة . وروي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حبس يهودياً اتهم في قتل فتاة , فلم يزل به حتى أقر أنه قتلها , فقتله6, المشروع من الحبس ثمانية اقسام الأول يحبس الجاني لغيبة المجنى عليه حفظاً لمحل القصاص7ولنا في سيرة الامام علي (ع) أسوة حسنة إذ روي عنه كان علي (ع) ملتزماً بجميع الضمانات الأنسانية للسجناء . فكان يخرج فئات من اهل السجن ليشهدوا الجمعة بشروط معينة ثم يعيدهم . المستدرك /431 . كما وانه قام بتقنين مادة في دستوره تنهى عن الأخذ بالاقوال التي تنتزع تحت التعذيب كان نصها (( من أقر عن تجريد او حبس او تخويف او تهديد فلا حد عليه )).8.

وينقل المستدرك عنه انه ما كان يبقي احداً في السجن دون حق فقد كان يعرض السجون كل يوم جمعة , فمن كان عليه حد أقامه عليه ومن لم يكن عليه حد خلي سلبيله )9 كما كان لا يسجن الا بعد معرفة الحق وانزال الحدود لان الحبس بعد ذلك ظلم10 . ونلحظ ذلك من قوله (ع) ( ان الحدود لا تستقيم الا على المحاجة والمقاضاة واحضار البينة )11 . ولذلك ما نلحظه في التشريع الاسلامي (امتناع القضاء على غائب) . الوسائل 18/17 . كما وان الامام سن قانوناً بأنه على الدولة ضمان اخطاء القضاة بحيث تدفع ما يستحق للمظلوم او لاوليائه في الدم والقطع12 . والاجماع عليه وكان في المسجد الى زمن علي (ع) فبنى سجناً وهو أول من بناه في الاسلام وسماه نافعاً ولم يكن حصيناً لكونه من قصب فأنفلت الناس منه فبنى أخر وسماه مخيساً وكان من مدر13.

كما ذكر ايضاً قال البرزلي في مسائل الحبس سئل القابسي عمن حبس كتباً وشرط في تحبيسه أنه لا يعطى الا كتاب بعد كتاب فأذا احتاج الطالب الى كتابين او تكون كتباً شتى فهل يعطي كتابين منها ام لا يأخذ منها الا كتاباً بعد كتاب ؟ فأجاب ان كان الطالب مأموناً واحتاج الى أكثر من كتاب أخذه لأن غرض المحبس أن لا يضيع فاذا كان الطالب مأموناً أمن هذا وان كان غير معروف فلا يدفع اليه الا كتاب واحد وان كان من انواع العلوم خشية الوقوع في ضياع أكثر من واحد (قلت) تقدم بعض احكام شروط الحبس من كلام أبي عمران وغيره وظاهره انه لا يتعدى ما شرطه14 وقال الامام الماوردي من فقهاء الشافعية في كتابه الاحكام السلطانية : للأمير أن يجعل حبس المتهم للكشف والاستبراء . وأختلف في مدة حبسه لذلك . فذكر عبد الله الزبيري من اصحاب الشافعي أن حبسه للاستبراء والكشف مقدر بشهر واحد لا يتجاوزه . وقال غيره : بل ليس بمقدر وهو موقوف على رأي الامام واجتهاده وهذا أشبه وليس للقضاة أن يحبسوا أحداً الا بحق وجب15.

ومن مجموع ما ورد في كتب (اللغة) و( كلمات الفقهاء) و(الروايات الاسلامية) في ابواب الفقه المختلفة . يمكن الاستنتاج بوضوح بان الحاكم الاسلامي غير مقيد بأنتخاب نوع معين من أنواع التعزير . والموارد أدناه كلها من جملة التعزيرات , بشرط رعاية حال المجرم والمحيط الاجتماعي وكمية وكيفية الذنب وسائر الجهات :

الضرب بأشكال مختلفة.

الحبس بكيفية وكمية متفاوتة .

الغرامة المالية , أي أخذ مقدار من المال , وتوقيف اموال المجرم لمدة معينة ( كحجز سيارات المتخلفين عن قوانين المرور ).

التوبيخ العلني والسري .

النفي الى منطقة اخرى لمدة طويلة او قصيرة , وترك المراودة , او ترك التعامل مع المجرمين .

المنع من السفر الى خارج البلدة , او الدولة , او حتى الاقامة الجبرية في المنزل .

المنع من التكسب والاشتغال لمدة معينة .

حرمانه من العمل ببعض المناصب , والحقوق الاجتماعية .

التشهير بالمجرم عن طريق وسائل الاعلام بشكل محدود او موسع

حرمانه من بعض الامتيازات , كمنعه من ارتداء زي الروحانيين بالنسبة الى الافراد الذين يرتدون ذلك الزي .

وامور اخرى يمكنها ان تردع المتخلفين والمجرمين . وتحد من تكرار تلك الذنوب من قبلهم ومن ارتكابها من قبل الاخرين .16لذا فأن النظام الاسلامي قد جاء بأحكام تفيد قرائتها بأن الشروط الواجب توافرها لتوقيف المشتبه به لحين الحكم بادانته او اطلاق سراحه مقيدة بظروف تتعلق بشخص المشتبه به نفسه والجريمة المسندة اليه .

المطلب الثاني

شروط التوقيف:

نصت المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص على (لكل فرد حق في الحرية وفي الامان على شخصه . ولا يجوز توقيف أحد أو أعتقاله تعسفاً . ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للاجراء المقرر فيه . يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعاً بأية تهمة توجه إليه . يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية , سريعاً , الى احد القضاة أو المخولين أو أحد الموظفين المخولين قانوناً مباشرة وظائف قضائية , ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه . ولا يجوز أن يكون احتجاز الاشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة , ولكن من الجائز الافراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الاجراءات القضائية , ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء . لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف او الاعتقال حق الرجوع الى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون ابطاء في قانونية اعتقاله , وتأمر بالافراج عنه اذا كان الاعتقال غير قانوني . لكل شخص كان ضحية توقيف او اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض .) وحقيقة الامر فأن ضوابط هذا النص تشير وبدلالة واضحة الى ما يستلزمه العهد الدولي الخاص بالحقوق والحريات من ثوابت ملزمة واجبة لا مناص عن الالتزام بها لضمان ملائمة القرارات الصادرة بتوقيف الاشخاص للمعايير الدولية وان يكفل القانون ضمان حقوق الانسان وفي الحقيقة ان مطابقة القوانين للمعايير الدولية تعكس صورة الدولة الحقيقية وموقفها من المدنية ودخولها الى المجتمعات الدولية وقبول المجتمع الدولي للدولة رهين ملائمة قوانينها للمواثيق الدولية وحجم الحقوق التي تتكفل الدولة بعنايتها وفي مقدمة هذه الحقوق حق الانسان في حريته وامنه . ومن ذلك ما ذهب اليه تقرير حول ضمانات حقوق الانسان في مصر بقولها ( وتأسف اللجنة لأنعدام الوضوح بشأن القانون والممارسة اللذين يحكمان الحبس الاحتياطي ومده هذا الحبس الاحتياطي , وامكانية الحصول على محامي اثناء هذا التوقيف . وفيما يتعلق بالاعتقال قبل الحكم , تشير اللجنة الى غياب المعلومات بشأن المدة الكلية له , وكذلك الجرائم المعنية . وهي تشعر بالقلق لانعدام الوضوح بشأن الضمانات المعترف بها في الفقرة 3 من المادة 9 من العهد . وتلاحظ اللجنة ايضاً استمرار حالات الاعتقال التعسفي .

والدولة الطرف مدعوة الى تقديم ايضاحات عن تطابق تشريعها وممارستها بالنسبة للتوقيف والاعتقال المؤقت مع المادة 9 من العهد .)17

وبقراءة دقيقة لأحكام التوقيف نجد أن مفهوم التوقيف هو اجراء وقائي احتياطي لا بد منه , منعاً لهرب المظنون فيه , وضياع الحقوق , وهو ايضاً تضييق لدائرة الجريمة , وإمساك بأسبابها , ومحاولة للتوصل الى الجاني الحقيقي حتى ينال جزاءه .

ويلزم أن يكون قرار التوقيف عليه نخرج بمجمل الشروط الاتية التي يكون غياب احدها مدعاة للطعن بقرار التوقيف وخروجه عن المشروعية وهي :

الجهة التي تقرر التوقيف .

يعهد بالتوقيف لجهات مختصة محددة بالقانون , لما لهذا الاجراء من خطورة على تقييد حرية الأفراد والمس بشرفهم ومصالحهم , وتتمثل في قاضي التحقيق : هو المخول اساساً سلطة التحقيق الابتدائي والقائم على جميع اجراءاته وان اختلفت تسمية هذه الجهة في القوانين الوضعية كالنيابة العامة او الضابط العام او الادعاء العام الا انها لا تخرج عن اختصاص السلطة القضائية في كل الاحوال . وان كان القانون يخول بعض الجهات الاخرى لاصدار القرار بالتوقيف كما جاء بنص المادة 112 من قانون اصول المحاكمات الجزائية بقولها (( على المحقق في الاماكن النائية عن مركز دائرة القاضي أن يوقف المتهم في الجنايات ” أما في الجنح فعليه أن يطلق سراح المتهم فيها بكفالة وعليه في جميع الاحوال ان يعرض الامر على القاضي بأسرع وسيلة ممكنة وينفذ ما يقرره في ذلك ” والملاحظ في هذ النص ان الاستثناء قد ورد بقيود محددة بمنح الاختصاص للمحقق بتوقيف المتهم في قضايا معينة ولكن هل يشمل هذا الاستثناء غير المحقق ومن ذلك من يملك الصلاحيات الادارية كمدير الناحية او مدير الدائرة او غيرهم من اعضاء الضبط القضائي ؟ أرى أن النص جاء بلفظ المحقق للتمييز عن غيره من الاشخاص الوارد ذكرهم في قانون اصول المحاكمات الجزائية ولو كان القانون يجيز لغير المحقق مثل هذه الصلاحية لجاء على ذكرهم ولم يقصر الامر على المحقق . وبنفس السياق اعلاه فقد جاء في قانون الاجراءات الجزائية المصري النافذ تنص المادة الثانية منه على ( لا يجوز القبض على اي انسان او تفتيشه او توقيفه او سجنه الا في الاحوال المنصوص عليها نظاماً ولا يكون التوقيف او السجن الا في الاماكن المخصصة لكل منهما وللمدة المحددة من السلطة المختصة ويحظر ايذاء المقبوض عليه جسدياً او معنوياً كما يحضر تعريضه للتعذيب او المعاملة المهينة للكرامة .) وكذلك ما ذهبت اليه نص المادة الاولى من القانون الكويتي (( تتولى النيابة العامة سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنايات او الجنح , ومع ذلك يجوز بتفويض النيابة العامة أن يتولى هذه السلطات في الجنح محققون يعينون لهذا الغرض من دائرة الشرطة والأمن العام )) أي ان القانون يحدد ابتداءاً السلطة التي يجوز لها اصدار القرار بالتوقيف حصراً ثم يمنح جهة اخرى استثناء هذه الصلاحيات على ان يبقى الامر ضمن دائرة الاستثناء وفي هذا المجال نورد ما ذهبت اليه قانون المسطرة الجنائية المغربي يعتبر نظام المراقبة القضائية وهو ما يمثل قرار التوقيف او الحبس الاحتياطي احد مستجدات قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد بحيث انه لم يكن معروفاً من قبل لا على مستوى النص التشريعي ولا على مستوى الممارسة القضائية.

وقد خصص له الباب الثامن من القسم الثالث من المادة 150 الى 165 وجعل المشرع المغربي من هذه المؤسسة تدبيراً استثنائياً لا يعمل به الا في الجنايات او الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية , وبمفهوم المخالفة فأن الجنح المعاقب عليها بالغرامة لا يتخذ بشأنها هذا التدبير , حيث ورد في المادة 137 منه : أن الأصل هو البراءة تطبيقاً للمادة الاولى من قانون المسطرة الجنائية المغربية التي جاء فيها ان كل متهم بارتكاب جريمة يعتبر بريئاً الى ان تثبت ادانته قانوناً بمقتضى محاكمة عادلة .

ان قرار الوضع رهن المراقبة القضائية يعتبر احد الاختصاصات الجديدة التي اعطاها القانون المغربي لقاضي التحقيق ورهنها بسلطته التقديرية لتحقيق ما يلي :

اولاً : الحد من حالات الاعتقال التي افرزتها التجربة السابقة وادت الى تكدس المعتقلين بالسجون وارهاق كاهل الدولة مادياً من خلال ما يتطلبه المعتقلون من ايواء وطعام وتمريض وتجنيد لأطر النيابة العامة وادارة السجون وضرورة التنسيق بينهم لنقل واحضار المتهمين كلما اقتضت ضرورة المحاكمة ذلك .

ثانياً : ضمان حضور المتهم ما لم تتطلب ضرورة التحقيق او الحفاظ على أمن الاشخاص أو على النظام العام اعتقاله احتياطياً .18

استجواب المتهم

توجيه التهمة واستجواب المتهم وبقد نصت على ذلك المادة 123 من قانون اصول المحاكمات الجزائية (( على قاضي التحقيق او المحقق ان يستجوب المتهم خلال اربع وعشرين ساعة من حضوره بعد التثبت من شخصيته واحاطته علماً بالجريمة المنسوبة اليه ويدون اقوالها بشأنها مع بيان ما لديه من ادلة لنفيها عنه وله ان يعيد استجواب المتهم فيما يراه لازماً لاستجلاء الحقيقة)) وان اشترط استجواب المتهم لاصدار القرار بتوقيفه من قبل السلطة المختصة قانوناً مصدره نص القانون واحدى ضمانات المتهم لضمان ان تتم اجراءات التحقيق في جو من الوضوح والشفافية وضمان الاجراءات القانونية بما يكفل عدم ضبابية الموقف القانوني للمتهم عند القبض عليه ومباشرة الاجراءات القانونية بحقه وفي هذا اشارة واضحة لا تقبل الشك لوجوب ان تسبق مرحلة جمع الادلة مرحلة التحقيق الابتدائي وتوقيف المتهم او مباشرة الاجراءات التحقيقية بحقه وفي ذلك اشارة الى ما ذهبت اليه نص المادة 10 من قانون اصول المحاكمات الجزائية بقولها (( ……… اثناء جمع الادلة او اثناء التحقيق الابتدائي او امام المحكمة …)) من ضرورة ان تسبق مرحلة التحقيق الابتدائي مرحلة جمع الادلة وبعبارة اخرى لا يجوز ان يجري توقيف المتهم قبل ان تتم مرحلة جمع الادلة ضده واستجوابه عن هذه الادلة قبل اصدار القرار بتوقيفه .

وفي هذا السياق يذكر المشرع الجزائري في قانون الاجراءات الجزائرية النافذ وقد نصت على ذلك المادة 100 من هذا القانون على انه (يتحقق قاضي التحقيق حين مثول المتهم لديه لاول مرة من هويته ويحيطه علماً صراحة بكل واقعة من الوقائع المنسوبة اليه وينبهه بأنه حر في عدم الإدلاء بأي إقرار وينوه على ذلك التنبيه في المحضر ) حيث تنص هذه المادة على استجواب المتهم عند الحضور الاول الذي يعد من طبيعة خاصة تميزه عن سائر اجراءات التحقيق فلا يعد فقط اجراء بحث عن ادلة الاتهام من المتهم نفسه من خلال ادلائه التلقائي بأقواله بل يعد قبل ذلك وسيلة دفاع له اذ انه بعد التأكد من هويته المتهم واحاطته علماً بالوقائع المنسوبة اليه وبكل ما يوجد ضده من دلائل وان يتلى عليه النصوص القانونية التي تعاقب عليها كل ذلك يتيح الفرصة امامه لكي يدلي بالايضاحات التي تساعد على الكشف عن الحقيقة وتمكنه من تحضير دفاعه الذي يضمنه القانون19 والحقيقة التي يجب الوقوف عندها ومراجعتها بشكل دقيق ان الاستجواب المقصود به كشرط لسلامة التوقيف هو ما يسند القيام به الى القاضي او المحقق ولا يملكه غيرهم فعضو الضبط القضائي لا يملك استجواب المتهم بل يقتصر دوره على سؤال المتهم على النحو الوارد في نص المادة 43 من قانون اصول المحاكمات النافذ بقولها ((… ويدون افادة المجني عليه ويسأل المتهم عن التهمة المسندة اليه شفوياً …)) عند تعرضها لشرح مهام عضو الضبط القضائي عند تلقيه الاخبار بوقوع جريمة وانتقاله الى مسرح الجريمة وسؤال المتهم عن ما اسند اليه من اتهام لا يمكن ان يمثل بأي حال من الاحوال استجواباً على النحو الوارد في نص المادة 123 من الاصول الجزائية ……………

ان تكون الجريمة المسندة للمتهم مما يجوز او يلزم التوقيف عنها تختلف الجرائم من حيث طبيعتها وجسامتها باختلاف النتائج الجرمية التي آلت اليها والخطورة الاجرامية التي ينطوي عليها النشاط الاجرامي المكون لعنصر من عناصر الركن المادي فيها وكذلك باختلاف العقوبة المقررة للجريمة في حالة ثبوت ارتكابها من قبل الجاني وقد تبنى المشرع العراقي معيار اختلاف العقوبة في جواز التوقيف ووجوبه كما سنبين ذلك لاحقاً وهذا المعيار حقيقة وان كان ينطوي على بعض السلبيات الا انه معيار واضح ودقيق ولا يدعو الى الارباك في التطبيق ومن السلبيات التي يمكن ان تأخذ على هذا المعيار انه لا ينظر الى شخص الجاني ولا الى ظروف ارتكاب الجريمة وملابساتها واذا كان القانون العراقي وفي فترة معينة قد اضاف معياراً اخر لوجوب التوقيف او جوازه وهو طبيعة الجريمة المرتكبة كجرائم الرشوة والاختلاس وان لم يكن معاقب عليها بعقوبة الاعدام فأن ذلك لا يعد تغييراً في الاتجاه التشريعي للقانون العراقي بقدر ما يمكن ان يعد استجابة لمتطلبات مرحلة تاريخية عنها وانعكاس للاوضاع التي كان يمر بها البلد وقد أخذت بعض التشريعات المقارنة بمعايير اخرى تكاد تكون غير دقيقة في تحديد الجرائم المشمولة بها ومنها القانون السوري الذي حدد شروطاً لاصدار قرار التوقيف (( ونظراًِ لما للتوقيف الاحتياطي من مساس بحرية المدعى عليه فأن القانون احاط اصدار مذكرة التوقيف ببعض الشروط : اصدارها جوازي وليس وجوبي – خص القانون قضاة التحقيق والاحالة والموضوع دون النيابة العامة او الضابطة بسلطة أصدارها – لاتصدر المذكرة الا في الجرائم الجسيمة – أخذ رأي النيابة العامة (بيد أن رأيها ليس ملزماً له) – مدة التوقيف : لم يحدد القانون السوري المدة)20 وأن أستعمال المشرع السوري لعبارة الجرائم الجسيمة هو معيار يلفه بعض الغموض وعدم الدقة حيث أن الجسامة مصطلح يمكن تفسيره من حيث ما آلت اليه الجريمة من نتائج وأن كانت الخطورة الأجرامية لدى الجاني قد لاتؤثر على مجريات التحقيق كما في النتائج المترتبة عن بعض الجرائم غير العمدية كضحايا حوادث الطرق ووسائط النقل فقد تصل أعداد الضحايا فيها الى درجة الجسامة دون أن تكون للجاني فيها خطورة أجرامية تلزم توقيفه فهل من المعقول أن نصف الجريمة أستناداً الى الأثر المترتب عن أقترافها أي عقوبتها؟ أليس منطقياً أكثر أن نصنف الجرائم أولاً بسبب طبيعتها أي جرائم شديدة الخطورة ومتوسطة الخطورة ومحدودة الخطورة ونقول بأن الشديدة هي جناية ونحدد لها العقوبة الأشد ومتوسطة الخطورة هي الجنحة ونحدد لها العقوبة الأقل شدة ومحدودة الخطورة هي المخالفة ونحدد لها العقوبة الأخف؟ فالجريمة حسب المنتقدين يجب أن تأخذ وصفها من نفسها لا من العقاب المحدد لها.

واذا كان المشرع العراقي أعطانا حصيلة جهده فبعد أن درس الجريمة وقدر درجة خطورتها ضبط لها العقاب الملائم ومانراه في نصوص القوانين ماهو الا حصيلة جهد المشرع وأحكام الفصل الثالث من قانون أصول المحاكمات يوحي بذلك صراحة اذ جاء فيه تقديم للعقاب على وصف الجريمة فمثلاً اذا كانت الجريمة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على الثلاث سنوات يكون التوقيف فيها جوازياً بمنح قاضي التحقيق سلطة تقديرية للتوقيف أو أطلاق السراح بكفالة ضامنة أو بدونها وهذا أمر منتقد من قبل البعض فقد وجه بعض الفقهاء أنتقاداً لأعتماد المشرع على معيار العقوبة بأعتبار أن المعيار الواجب أعتماده يجب أن يكون حسب جسامة كل جريمة ومدى خطورتها بدل الأعتماد على العقوبة كما أن هذا التصنيف لايقيم أي أعتبار لظروف المجرم أو الظروف التي أرتكبت فيها الجريمة وعدم تحقيق العدالة لأن تحقيق العدالة يستوجب التمييز بين الحالات ومراعاة الظروف الخاصة .. يرد على هذا القول بأن المشرع لم يصنف الجريمة ولم يحدد لها عقوبتها الا بعد أن قدر جسامتها ومدى خطورتها ونظر اليها من كافة جوانبها وعناصرها ثم قدم لنا معياراً سهل التطبيق وهو نوع أو مقدار العقوبة.

لذا ومن خلال ماتقدم وللأشارة فقط فأن الفقرة الثانية من المادة التاسعة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية توجب إخبار وإعلام كل مقبوض عليه بأسباب الأعتقال عند القيام به وعلى وجه السرعة بالتهم الموجهة اليه كما توجب المادة العاشرة من هذا العهد بأن يعامل كل شخص تعرض للحرمان من حريته مؤقتاً بمعاملة انسانية مقرونة بالاحترام اللازم لكرامة الانسان الاصلية , كما تنص المادة 13 منه بتمكين كل معتقل من الضمانات الدنيا لكرامته كحقه باعداد دفاعه وبمحاكمته محاكمة عادلة . ولا داعي للتذكير بأن المباديء العامة لدولة الحق والقانون هي مباديء ذات الطبيعة الآمرة تمتاز بدرجة من السمو يمنع المساس بها في اي ظرف من الظروف وذلك اعتباراً لاتصالها الوثيق بقيم حرية الانسان وكرامته .اذن . ومادام الامر كذلك فلا مجال للشك فيما يخص احقية المواطن المتضرر بالتعويض . وهي احقية تتأسس بالاسناد الى المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على ما يلي :” لكل انسان يتعرض للقبض او الاعتقال بصورة لا قانونية حق لازم بالتعويض “21

المطلب الثالث التوقيف في القانون العراقي

موضوع الموازنة بين ضرورات التحقيق وضمانات المتهم في دور التحقيق الابتدائي هو موضوع شائك ومعقد ويتطلب الخوض فيه الوقوف على مجمل النظام القانوني في البلد وبأعتبار ان الدستور هو القانون الاسمى والاعلى في البلد فسنتولى ابتداءاً شرح ما تضمنه الدستور الدائم حيث أشارت المادة (35) منه الفقرة (أ) أن حرية الأنسان وكرامته مصونة , فيما أكدت الفقرة (ب) أنه لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه الا بموجب أمر قضائي , بينما حرمت الفقرة (ج) جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الأنسانية , ولا عبرة بأي أعتراف أنتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب , وأنتهى الفصل الثاني بالتأكيد على إن أي تحييد أو تقييد يجب أن لايمس جوهر الحق والحرية . وألتزاماً لما جاء به العهد الدولي الخاص بالحقوق والحريات فقد تناول المشرع العراقي بالتجريم الأفعال المطلوب تجريمها عملاً بالمواثيق الدولية لحقوق الأنسان من أجل حمايتها , وكفالة أحترامها وضمانها وإقرارها , وفي مقدمتها الأعتداء على الحق في الحياة وسلامة الجسد والعرض والشرف , وحرمة الحياة الخاصة والأسرية , والحق في الأمن والسكينة والملكية , وتحريم وتجريم السخرة , والدعارة , والتفرقة العنصرية , والتعذيب , وعمالة الأطفال , والأعتداء على حرية العمل , وحرية الأنضمام الى الجمعيات , ويكفل الدستور العراقي في ذات الوقت التعويض للمجنى عليهم سواء كان الفعل أو الأنتهاك الذي يتعرضون له يشكل جريمة أو يرتب المسؤولية المدنية وفقاً للقواعد العامة وفقاً لما جاءت به حكم المادة 35 من الدستور بقولها (( وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً للقانون. ))

ولكن قد لايتضمن الدستور بعض أحكام الأتفاقية الدولية مما يستتبع عدم تضمن القانون الداخلي لأحكام هذه الأتفاقية لذا يجب أن نبين حكم الأتفاقية الدولية بالنسبة لحكم مايمكن أن يستجد من مسائل قد يبرزها التطبيق العملي وفي نقول … ينبغي أولاً معرفة القوة التي تتمتع بها القاعدة الأتفاقية الدولية في مواجهة القاعدة التشريعية العادية وهل تعتبر في نفس مرتبة التشريع بأعتبار أن كليهما صادر من نفس السلطة صاحبة السيادة في الدولة , أم أنه يجب أعتبار المعاهدة تحمل وزناً أكبر من التشريع الداخلي إذ أنها تتضمن في الوقت ذاته إلتزام الدولة قبل الدول الاخرى الاطراف في المعاهدة باتباع القاعدة في حين ان الدولة لا يقع عليها اي التزام دولي بالاخذ بالقاعدة التشريعية الا ان هذا الاعتبار لا يمكن الاستناد اليه في المجال الداخلي لتفضيل القاعدة التي تقضي بها المعاهدة على القاعدة التشريعية , فمسؤولية الدولة في المجال الدولي شيء , وقيام القضاء الداخلي بتطبيق المعاهدة شيء اخر فالقاضي الوطني لا يطبق المعاهدة تأسيساً على ان دولته قد التزمت دولياً بتطبيقها , بل يطبقها باعتبارها جزءاً من قوانين الدولة الداخلية اذا ما تم استيفاؤها للشروط اللازمة لنفاذها داخل الاقليم . وقد اكد الدستور العراقي هذا المعنى في الفقرة الاولى من المادة (73) بقولها (( يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية : – ثانياً المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية , بعد موافقة مجلس النواب , وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها )) ولمصادقة جمهورية العراق على العهد الدولي الخاص في 18/2/1969 ودخولها حيز التنفيذ في 3/1/1976 والواقع وفيما يتعلق بالنظام القانوني العراقي ومدى موائمته لتلك المعايير الدولية فقد وجد بأن هناك العديد من اوجع الانتقاء والاختلاف مع هذه المعايير … فعلى الرغم من اوجه الالتقاء العديدة بين المشرع الداخلي والمعايير الدولية لحقوق الانسان في مسألة النص على بعض المباديء الاساسية للقانون كمبدأ الشرعية ومبدأ شخصية العقوبة ونظام العقوبات الاجرائية والتدابير الاحترازية الا ان هذا لا يعد كافياً . اذ ان هناك العديد من العيوب والمثالب التي لا زالت تعترض بعض القوانين الامر الذي يتطلب اجراء تدخل تشريعي يضع النص القانون المطلوب او الغاء نص يتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الانسان . ان اجراء تعديل في النصوص المخالفة . ومن ذلك ما يتعلق بتعويض من المتضرر من الاجراءات القانونية المتخذة بحقه والذي يثبت برائته مما نسب اليه من اتهام ومحاسبة المقصر عن عدم موافقة الاجراءات المتخذة للنصوص الآمرة في هذا الصدد كطول فترة الاعتقال دون قرار قضائي ومن الضروري النص على بطلان الاجراءات اذا ما كانت مخالفة للاحكام الواردة في القوانين النافذة كاجراء التفتيش والقبض لضمان الزام الجهات ذات العلاقة بتطبيق نص المواد القانونية الآمرة في هذا الخصوص ومنها عدم جواز اخذ الاعتراف تحت الضغط والتعذيب الا ان المشرع لم يبين حكم الاقوال التي تم اخذها تحت الضغط وهذا امر يجب تداركه . والواقع ان اوجه التقاء المشرع العراقي مع المعايير الدولية فيما يخص هذا الحق او ذاك انما يعبر عن الادراك والاحساس بالاهمية والمسؤولية في ذات الوقت لاحترام هذا الحق او ذاك مما يتصل بالانسان بوصفه قيمة عليا يهدف القانون الدولي الى حمايتها وضمان احترامها وكلما التقى واتفق المشرع مع المعيار الدولي لحقوق الانسان كلما كان ذلك مهماً نحو ترسيخ قواعد قانونية تحدد حقوق او مصالح جديرة بالحماية الجنائية من الاعتناء عليها , في حين تعكس اوجه الاختلاف بين التشريع الجزائي والمعايير الدولية لحقوق الانسان (خروجاً غير مبرر ) ادّى ويؤدي الى اهدار حقوق ومصالح متعلقة بالانسان جديرة بالحماية الجنائية فهنا المشرع الجزائي يخرج من الدائرة التي يفترض ان يصدر تشريعاته على اساسها , واقصد بذلك (دائرة التنظيم ) اي تنظيم الحق او الحرية الى دائرة (التقيد غير المبرر ) وهو ما وجدناه في بعض النصوص التي تضمنها النظام القانوني العراقي . وبمقتضى الوضع القانوني للاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان في العراق كقوانين عراقية حسبما سلف بيانه فان مباديء حقوق الانسان وحرياته الاساسية الواردة في تلك الاتفاقيات والعهود الدولية المصادق عليها باعتبار ان كلاً منها يستند بوجه عام الى نصوص دستورية مقابلة لها وردت في الدستور كما ورد في المادة (35) السابقة الذكر فانها تتمتع في العراق بما يلي :

اولا ً: الحماية المقررة للنصوص الدستورية باعتبارها القانون الاعلى , اذ يترتب على ذلك ان توصم بعدم الدستورية كافة النصوص القانونية النافذة فعلاً والتي قد تكون متعارضة معها او مخالفة لها , او اية تشريعات اخرى قد تصدر مستقبلاً تتضمن مساساً بها او تعارضاً او مخالفةً لها , ويستطيع كل ذي مصلحة اللجوء بالاوضاع المقررة الى المحكمة الاتحادية العليا للقضاء بعدم دستورية تلك القوانين بحكم ملزم لكافة السلطات بالدولة .

ثانياً : ان احكام الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان وحرياته باعتبارها قانوناً من قوانين البلاد , حسبما تقرره المادة (73) من الدستور سالفة الذكر , تتمتع فور اتمام الاجراءات الدستورية بالتصديق عليها ونشرها بالتطبيق والنفاذ المباشر امام جميع السلطات بالدولة وتلتزم تلك السلطات بجميع احكامها الصالحة للتنفيذ الفوري والتي لا تحتاج لتدخل المشرع الوطني , ويوفر ذلك بشكل مباشر الحق لمن يتضرر من عدم تطبيقها او مخالفتها , سواء كان ذلك يرجع لفعل الاشخاص الطبيعيين او الهيئات والجهات الحكومية وغيرها , اللجوء الى القضاء وفقاً لطبيعة المخالفة بالاوضاع المقررة للحصول على الحقوق الناشئة عنها .

وقد ورد في قانون تشكيل وزارة حقوق الانسان في العراق ما يشير صراحة الى التزام جمهورية العراق بالمواثيق والعهود الدولية بنص المادة الثانية من هذا القانون بقولها (( تهدف الوزارة الى تنمية وتعزيز ثقافة حقوق الانسان والحريات العامة وحمايتها التي جاءت العهود والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من العراق ولضمان احترامها وعدم انتهاكها )) . ومفهوم دلالة هذا النص يشير الى ان العراق ملتزم ببنود المعاهدات الدولية المرعية والمنظمة لحقوق الانسان لذا فارى ان تفعيل بنود وفقرات العهد الدولي الخاص بالحقوق والحريات المدنية ملزم بموجب الدستور النافذ والتشريعات النافذة في هذا الخصوص وتأسيساً على ذلك فأن الاعتقال العشوائي واطالة امد الاعتقال دون قرار قضائي ولاكثر من 24 ساعة يشكل خرقاً للمواثيق الدولية المرعية وبنود الدستور ويستلزم محاسبة المخالف وضمان تعويض المتضرر من هذه الاجراءات .

والحقيقة فأنه من الواجب الاشارة في هذا المجال ان ما ورد في نص المادة (103) من قانون الاصول الجزائية بجواز القبض على الاشخاص للاشتباه بهم دون مذكرة قضائية لا يمكن بأي حال من الاحوال ان ينسحب على النصوص الامرة الواردة بنص المادة (123) فيما يتعلق بحكم التوقيف فجواز القبض على الاشخاص يستلزم ان تتم اجراءات التوقيف بالشروط الوارد ذكره في المطلب الثاني من هذا البحث ويستلزم عرض من تم القاء القبض عليهم على الجهة القضائية المختصة في فترة اقصاها 24 ساعة والا كان الاجراء القانوني غير اصولي يرتب ما مخالفة صريحة يجب ان ترتب القوانين العقابية جزءاً بحقها دون الاخلال بحق المتضرر منها بطلب التعويض .

الخاتمة

بعد الموجز الذي قدمناه عن فكرة التوقيف في الشريعة الاسلامية وفي القانون المقارن , والقانون العراقي بعرض ما موجود من احكام وما يجب ان تكون عليه نصل الى ما تم استنتاجه من خلال ما اطلعنا عليه من مصادر وما عرفناه من معلومات وباختصار نقول ان ما استنتجناه :-

1- ان الشريعة الاسلامية قد عرفت فكرة التوقيف بما يجب ان تكون عليه هذه الفكرة من اسس تضمن من جانب الحفاظ على كرامة الانسان وضمان عدم الاساءة الى شخصه واعتباره ومن جانب اخر تضمن كفالة اتمام التحقق من صحة التهمة المسندة اليه وان ما نسب الى الامام علي (ع) من مراجعة الموقف كل يوم جمعة ان دل على ان يكون التوقيف استثناءاً من القواعد العامة والاستثناء يقدر بقدره ولا يجوز ان تستمر اجراءات التوقيف الى ما يصل حد الاساءة . وبضوابط حددها الفقهاء منها ان تكون الشبهة قوية , والمتهم غير مشهور بالصلاح , فأن كان مشهوراً بالصلاح فلا يحبس ولا يعزر بل يعزر من اتهمه , ولا يستمر الحبس اكثر من شهر . وكما اسلفنا سابقاً .

2- لدى مراجعة المواثيق والعهود الدولية الراعية لحقوق الانسان نجد جملة من الضمانات التي قيدت بها هذه المواثيق والعهود الدولية الدول المصادقة عليها بالزامها بتضمين قوانينها الداخلية لهذه المباديء والتي يمكن تسميتها شروطاً تضمن صحة قرار التوقيف وحقيقة الامر ان هذه الشروط تمثل ضمانات تكفل ان يكون قرار التوقيف مقدراً بقدر معين من الضرورات التي تستلزمها العملية التحقيقية والوصول الى الحقيقة مع ضمان عدم هرب المشتبه به وان الخروج عن هذه الالتزامات يرتب المسؤولية على الدولة .

3- رغم سعي المشرع العراقي لضمان احترام مباديء ومواثيق حقوق الانسان بتضمين الدستور الدائم لجمهورية العراق بما يكفل الحريات والحقوق الا ان ما يحتاجه التشريع العراقي ليطابق هذه النصوص لا زال طويلاً .

التوصيات

ضرورة اعتبار المواثيق الدولية المرعية في مسألة ضمانات حقوق الانسان والعهود الدولية جزءاً من القانون الداخلي وعدم جواز تشريع ما يعارض هذه المباديء تحت أي ظرف وجواز التمسك بها وتطبيقها فعلاً .

تضمين القوانين الجزائية العراقية ما يرتب بطلان الاجراءات المتخذة خلافاً للنصوص الواردة فيما يتعلق بصحة الاجراءات المتخذة في اعتقال المشتبه بهم وتوقيفهم ومحاسبة المخالفين وفق القانون .

اقامة الدورات التدريبية للجهات التحقيقية التي تتولى القبض على الاشخاص وتوقيفهم بما يكفل نشر الوعي القانوني في مجال حقوق الانسان والموقوفين .

وفقنا الله لخدمة عراقنا العزيز وجعل ما نكتبه لبنة صغيرة في بناء صرح دولة القانون .

الهوامش

مختار الصحاح

مختار الصحاح

الشبكة الاسلامية – باب النسخ-

الحماية الجنائية للدائنين ضد غش المدين بتعمد الاعسار للاضرار بدائنيه دراسة مقارنة في الفقه الاسلامي والقانون الوضعي دكتور ابو الوفا محمد ابو الوفا ابراهيم

الدكتور انور دبور استاذ الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة :مقال منشور على شبكة الانترنت.

مقال منشور في جريدة الوعي الاسلامي تصدر عن وزارة الاوقاف الاسلامية في الكويت العدد 516 في 11/9/2008 .

انوار البروق في انواع الفروق الفرق بين قاعدة ما يشرع من الحبس وقاعدة ما لا يشرع.

الوسائل ج 16 ص 111.

المستدرك ج 88 ص 36 .

المستدرك 17/403 .

الدينوري , الاخبار اطوال ص 130 .

الوسائل 18/165 .

الشيخ الاكبر محيي الدين ابن العربي . المكتبة الالكترونية .

مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل .

النظر في التقارير المقدمة من الدول الاطراف بموجب المادة 40 من العهد الملاحظات الختامية للجنة المعنية بحقوق الانسان – مصر .

وزارة العدل المغربية قسم التدريسات.

الحبس المؤقت في ظل التعديل الاخير لقانون الاجراءات الجزائية الجزائري الاستاذ : طيهار احمد بحث منشور على موقع الحكومة الجزائرية .

جوريسيبيديا موسوعة القانون المشارك موسوعة القوانين السورية .

ادريس ولد القابلة الاجهزة الامنية فوق ام تحت القانون ام على هامشه كلي بحث منشور طي