إهانة الأم جريمة مخلة بالشرف

جرائم التعبير من السلوكيات التي تتنافي مع القيم الأخلاقية والآداب العامة ، فماذا عندما توجه الإهانة إلى الأم التي أوصي بها صلوات الله وسلامه عليه ؟ ولا نريد الخوض في أهمية الدور الذي تقوم به باعتبارها من بين أهم الأشخاص المسئولين عن صناعة الأجيال فهي المربية الفاضلة والراعية لبيتها وشئون عائلتها الساهرة على أطفالها في مختلف أطوارهم العمرية التي تكابد وتكافح لأجلهم وتعاني معهم في صمت لما قد يمرون به من صعوبات ومحن . هي الصابرة لأجل أبنائها رغم قسوة الأب وعنته وجبروته عندما ترتبط بزوج جاحد ناكر لدورها ، إلا أن ما تقاسيه بسبب قسوة أبنائها الذين كافحت وقدمت التضحيات معهم ولهم ، أشد وطأة على نفسها مما قد تتعرض له من عنف من أخ أو زوج أو رب عمل ؛ لأن فلذة كبدها ينكر عليها جهدها ويحتقرها وينتقص من قيمتها ولا يتواني عن أهانتها على مرأى ومسمع من الآخرين أو في خلوة ،

لذلك لابد من تحية شكر وتقدير لأعضاء المحكمة العليا الذين أكدوا قيمة الأم وأهمية دورها بإرساء مبدأ قانوني بمناسبة واقعة قام فيها عامل بتهديد والدته وخدش شرفها في حضورها بتوجيه عبارات غير لائقة بها فأصدر المجلس التأديبي قرارا بفصله بعد أن تمت إدانته جنائياً بمسألته عن جريمة سب وفقا لأحكام المادة 438 عقوبات التي قررت الحبس مدة لاتجاوز ستة أشهر أو غرامة لا تجاوز خمسة وعشرين دينارا لمن يخدش شرف شخص أو اعتباره في حضوره ، وتوقع العقوبة ذاتها إذا ارتكب السلوك المجرم باستخدام الهاتف أو المحررات أو بالرق أو بالرسم على أن يوجه للمعتدى عليه ، وتشدد العقوبة إذا وقع الاعتداء بإسناد واقعة معينة للضحية .

إلا أن قضاة محكمتنا العليا لم يكتفوا بالحكم الجنائي الذي قضت به محكمة الموضوع على الابن ، فقرروا اعتبار هذه الواقعة من قبيل الجرائم المخلة بالشرف والآداب العامة التي ينظر المجتمع إلى مرتكبها بعين الازدراء والاحتقار، ويعتبر مرتكبها ضعيف الخلق منحرف الطبع سيء النفس بدون مروءة … بناء عليه منحوا صاحب العمل حق فصل العامل دون إنذار أ ومكافأة أو تعويض ، وهذا القضاء يعزز من دور المرأة الأم في المجتمع وقيمتها [طعن مدني رقم (87 – 47 ق)، جلسة 31 /5 / 1372 و.ر/ 2004، غير منشور. مع مراعاة أن وصف الجرائم المخلة بالشرف والأمانة أو الآداب العامة هو وصف مهني ورد في قوانين العمل والشركات والخدمة المدنية حيث يفقد العامل أو الموظف صفة أساسية وشرط لتوليه العمل أو الوظيفة المنوطه به ألا وهي الأخلاق والنزاهة لذلك يعد من قبيل الجرائم المخلة بالشرف تلك الماسة بالعرض كالزنا أو المواقعة أو الماسة بالذمة المالية مثل الاختلاس أو السرقة . وهو ما أكدته إدارة القانون في فتواها رقم 8/3/473 بتاريخ 5 يونيه 1974م بقولها :” أن الجريمة المخلة بالشرف هي تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع وخضوع للشهوات مما يزرى بالشخص ويوجب احتقاره وتجريده من كل معني كريم فلا يكون جديرا بالثقة والأمانة والشرف والنزاهة …”.

وبموجب هذا القضاء فان الابن أو الابنة يسألان عن جريمة تعبير سواء تكاملت في صورة جريمة السب سالفة الذكر ؛ والتي تتحقق بإلصاق صفة أو عيب أو لفظ جارح أو مشين إلى شخص معين وبحضوره ، أو جريمة التشهير التي جرمها المشرع وفقا لأحكام المادة 439 عقوبات وأضفي عليها وصف الجنحة في حال تلفظ المتهم بعبارات ماسة بسمعة الضحية في غيبته وأمام أكثر من شخص ، [ طعن جنائي رقم 147/ 17 ق جلسة 27 ابريل 1971مجلة المحكمة العليا – العدد 4 السنة 7 ص 187 ] .وتلك الجرائم التي تشترك جمعيها في مساسها بكرامة الضحية أو تشويه سمعته يتكامل ركنها المادي بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الرسم ، ذلك أن حرية الإنسان في التعبير ليست حقا مطلقا بل هو حق مقيد بعدم المساس بشرف الغير أو خدش حيائهم واعتبارهم ، أفرادا وجماعات وللحديث بقية .