مدير منتهي الصلاحية
طلال الجديبي

هل يمكن أن تنتهي صلاحية المدير؟ الجواب نعم، هناك حالتان تنتهي فيهما صلاحية أي مدير: الأولى بخطاب رسمي مباشر يفيد بذلك، إثر تقاعده أو استقالته أو ربما تحجيمه لسبب ما، والحالة الأخرى بسبب اختياراته الشخصية في أسلوب التعلم والتحسن. أي، بسبب عدم تحديثه لمعلوماته ومهاراته بالمعارف المطلوبة لعمله، خصوصا ما يمكن أن يتم اعتباره “أساسيا” في مجال عمله، ويتوقعه الآخرون منه، وتتطلب الظروف أن يتقنه حتى يحقق الحد الأدنى من النتائج المقبولة.

هناك مدير لا يعرف، وهو يعرف أنه لا يعرف وهذا أمره هين، لأنه على الأقل وضع يده على موطن الخطر ولديه درجة من الاقتناع بوجود خلل، وربما يعي بعض تفاصيل هذا الخلل وملامحه، وعلى الأرجح لن يعترض محاولات التحسين بشكل مباشر. وهناك مدير لا يعرف أنه لا يعرف، وهذا وجوده مصيبة كبيرة في أي مكان تمارس فيه الأعمال. مثل هذا يعتقد أن معرفته كافية أو ملائمة، وهي ليست كذلك، وهو هنا يخدع نفسه، ويؤثر في غيره. هذا هو الجهل المركب، وهو خطير جدا لأن المدير حينما يكون جاهلا جهلا مركبا ليس مثل أي فرد آخر، فهو يسحب جهله المركب على فريق عمله ومنظومته ومنظمته، وربما يؤثر سلبا في مصير المشروع الذي يعمل فيه، ومنافع الأفراد وحقوقهم، واستثمارات وثروات المجتمع. لذا تتجلى أهمية توضيح هذه الحالات والتحذير منها، لأن الواقع يقول: كل فرد منا معرض للوقوع فيها أو حولها.

عندما نتحدث عن المديرين المتأخرين في أساليب الأداء وتوجيهه، فنحن نتحدث عن عزلة بين هذا الشخص وبين ما يحدث فعليا على أرض الواقع، عن تباعد المسافة بين دائرته الضيقة وبين الدوائر المشابهة. هذا المدير قد يعمل في مكان منعزل نوعا ما، يحظى نموذج عمله بنجاح هامشي مستمر يجعل القائمين عليه يشعرون بالاطمئنان. غياب التهديد والخوف من المستقبل ينمي مظاهر الجهل عند المسؤولين، بينما العمل تحت الضغط والتحديات المستمرة يصنع طريق التعلم الأقوى والأكثر تأثيرا. هناك من يعمل في مؤسسة صغيرة ويقوم بالعمل نفسه من 20 أو 30 سنة، ويعتقد أنه يجيد فعلا القيام بهذا الأمر. هو يجيد القيام بما اعتاد القيام به، لكنه لا يقدم أفضل قيمة في مجال عمله.

تتطور طرق أداء الأعمال في أي منظومة بشكل سريع جدا، وتتأثر هذه الطرق وممارسات الأعمال بأكثر من محور، مثل: الأسلوب والمعايير الفنية الخاصة بمجال العمل، والتواصل مع الآخرين ومهارات إدارة الأفراد والمنظمات، والترتيبات التنظيمية داخل إطار العمل، والأدوات التقنية المؤثرة في مجال العمل، والظروف الخارجية المؤثرة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو مجتمعية. تجتمع هذه المحاور لتصنع القيمة التي تخرج من أداء العمل، ويمكن مشاهدتها كمنتج أو ملاحظة أثرها لاحقا. المدير الجيد، يبحث عن المعرفة اللازمة لأداء عمله في جميع هذه المحاور. المدير الذي يعرف متطلبات عمله فنيا ولا يعرف كيف يدير الأفراد أو يستفيد من التقنية المتاحة هو مدير يعمل بصلاحية ضعيفة وقد تكون منتهية. بكل بساطة، أدنى الواجب أن يقدم عمله بشكل مرض أخلاقيا وفنيا، جهله بتقنية سهلة ومتاحة تحسن من جودة منتجه أو بأسلوب عصري محفز لإدارة المواهب لا يعفيه من المسؤولية، بل يضعه تحت المجهر مقصرا ومفرطا.

لكي يصلح أداء المدير ويوافق عمله التوقعات، ويكون في موضع عادل عند تعامله مع الموارد بأنواعها مادية وبشرية وتقنية، عليه أن يحسن اختيار أسلوب التعلم الذي يقوم به. وهذا يعني أن يدرس بعناية ماذا يتعلم وكيف يتعلم. معالجة المحاور التي تشكل بيئة الأعمال الخاصة به سواء كانت فنية أو غير ذلك تحصل بالتخطيط الجيد. تقييم الرابط بين ما يمكن تعلمه وما يجب تعلمه مهارة مستقلة عن التعلم بشكله التقليدي. وبعد ذلك، حين يحدد هذه العلاقات ويربطها بشكل جيد مع احتياجاته، عليه أن يسعى بالطرق التقليدية والمبتكرة للقيام بعملية التعلم، سواء كانت بالملاحظة أثناء الحصول على الخبرة أو بالقراءة أو التعلم التقليدي أو التفاعلي أو غير ذلك.

ولكن هل تفادي انتهاء الصلاحية، أو محاولات البعد عن الجهل بنوعيه البسيط والمركب، يعني هذا أن يعمل المدير كمركز توزيع للمعلومات والتحديث المستمر سواء كانت مرتبطة أو غير مرتبطة بمجال وتحديات عمله، لا هذا ليس ضروريا ولا تقاس به جودة عمل هذا المدير. المهم هو الوصول إلى المعلومة الملائمة، والممارسات الجيدة، وتجنب التأخر الشديد عن المنافسين والمتقدمين من أصحاب الهمم والجودة والإنجازات بما يخدم مصلحة العمل وفريقه.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت