إشكاليات قانون العلمانية في فرنسا

ظهرت العديد من الانتقادات لقانون العلمانية ولتطبيقه. ونحاول هنا أن نذكر بعضها وفقا للمراجع الفرنسية. الانتقاد الأول كان التساؤل عن الفصل الذي يقوم به بين الكنائس والدولة، ثم تقييم نتائجه بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، و أخيرا اختبار الصعوبات التي عانى منها أثناء وضعه في التنفيذ.
يرى بعض المثقفين الفرنسيين أن الفصل الذي أقامه القانون يظهر أنه في نفس الوقت وحيد الجانب و غير مكتمل.فالدولة هي التي تقرر عدم الاعتراف برواتب ومساعدات للأديان،إذن هي تعارض قوانين ماضية وتبتعد عن واجباتها المالية .للدولة الحق في هذا الموقف باسم سيادتها،بمعنى أنه من الطبيعي أن تفصل بينها وبين الدين بشكل كلي.ولكن قراراتها لم تتخذ بالتنسيق أو التشاور مع الكنائس و الأديان ذات العلاقة. بالإضافة لذلك، اتخذ قرار من جانب واحد بوضعها أو إلغائها الميثاق و المواد التنظيمية التي تحدثنا عنها من قبل.

أيضا،لم يكلف الدولة الفرنسية مشقة كبيرة في أن ترفض “الميثاق” في علاقتها من ” Saint-Siège”،حيث قطعت معها العلاقة الدبلوماسية منذ 1904.ورغم الاعتدال الذي ظهر فيه العديد من قادة العلمانية ، إلا أن الفصل تم تنفيذه،وفق بعض الكتّاب الفرنسيين،في ظروف سيئة وفي مناخ من الصراع.حصل قانون العلمانية على أغلبية كبيرة أثناء التصويت عليه في البرلمان،ولكنه واجه معارضة هامة، حيث وافق عليه 341 نائبا مقابل 233 أعلنوا رفضهم له،وفي مجلس الشيوخ وافق عليه 181 وعارضه 102.

إذن القانون ليس عبارة عن مفاوضات أجريت بين طرفين وبحرية كاملة،ولكن عن طريق الإجبار الذي فرضته الدولة على الكنائس. بمعنى أن العلمانية في هذه الحالة تعرَّف كفصل وليس كعقد،أي علمانية وحيدة الجانب أو فصل عنيف . في جميع الأحوال ،لم توجد أية مفاوضات مع الكنائس هدفت للوصول إلى اتفاقية يقبلها الجانبان.فالفصل قررته الدولة لوحدها ومن ثم فرضته على الكنائس.وقد رأت فيه الكنيسة الكاثوليكية عقوبة وتصرف فيه عدوانية.

بالإضافة لما سبق، يرى الكثير من المثقفين الفرنسيين أن هذا الفصل بين الكنائس و الدولة غير مكتمل، لأنه يلغي الاعتراف والتمويل للأديان و العقائد من قبل الدولة.فمن وجهة نظرهم أنه من الطبيعي احتفاظ الدولة بالعديد من اختصاصاتها فيما يتعلق بالشؤون الدينية، لأنه من واجبها ضمان حرية ممارسة العقائد ورعاية أمنها و منعها أيضا من التأثير على الاستقرار العام للدولة.لكنّ قانون عام 1905 يعطي سلطة للكنائس أبعد من حقوقها الشرعية. كذلك، الأحكام المتعلقة بالجمعيات الثقافية اعتبرها هؤلاء بأنها مسرفة ولا يمكن تبنيها، لهذا السبب اعتبر الفصل غير كامل أو ناجز.

أيضا، قانون 1905 يختص فقط بالعقائد وممارستها،وكأن،وكما يرى بعض الفرنسيين،الدين يُختَصر إلى هذه العقائد.فالقانون لم يغير أوضاع الجمعيات الرهبانية التي مازال خاضعة للنظام القديم،أي لقانون عام 1901 ولاسيما المادة 38 منه.بمعنى آخر،أن الدولة مازالت تسيطر عليها بقوة بشكل يتطابق مع التقاليد الغاليغانية ويمكنها بهذه الحالة حتى أن تلغيها.وفي النظر لهذا الوضع يمكن القول أن الدولة تفتقد للعلمانية ولفصلها عن الدين بالشكل الكامل.

وبما أن القانون غير مكتمل، فإن الفصل أحدث نتائج كبيرة بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية . حيث فقدت هذه الكنيسة معظم امتيازاتها المادية،كملكية الأبنية التابعة لها و رواتب رجال الدين. وبذلك رفضت علاقاتها الغير دينية أو “الدنيوية” مع الدولة التي تم التأسيس لها منذ وضع “الميثاق، الذي تحدثنا عنه سابقا.من هذا المنطلق انتقد البابا Pie العاشر وبشكل قوي مبدأ الفصل منذ عام 1906. وقد رأى في عام 1906 أن “أطروحة الفصل هي نقاش واضح لنظام ما فوق الطبيعي وهذا موضوع مرفوض بالنسبة له. كما يؤكد أن الفصل من جهة واحدة :”يشكل اغتصابا لحقوق الناس”. إنه يعتبر أن قانون 1905 يجعل الكنيسة :”تحت هيمنة السلطة المدنية”.ويضيف “أن القانون ليس للفصل بل للاضطهاد”.وهنا يرى مؤرخو العلمانية أن هذا النقد الأخير يعتبر مبالغا فيه ولكنه ليس زائفا بشكل كلي،لأنه يقيد من حرية الكنيسة ويسرف في سلطات الدولة بعلاقتها معها.في عام 1925،أدان مجلس المطارنة في فرنسا وبشكل كلي:” قوانين العلمانية”،وقيموها “بالظلم” لأنها تعارض “قوانين الله” و تتعارض مع “المصالح الزمنية و الروحية للكنيسة”.

* بقلم د : رباح حسن الزيدان *